قاموس القديسين و الشخصيات حرف أ

هذا الفصل هو جزء من كتاب: قاموس القديسين و الشخصيات التاريخية.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

بستان القديسين حرف أ


أ

ابا أبان

يروي لنا القديس إيرونيموس: رأينا إنسانًا طوباويًا آخر، فضائله فاقت الكل، يدعى أبان Abban أو بينوس Benus. يروي عنه الاخوة الذين معه أنه لم يقسم قط، ولا نطق بكذب، ولا غضب على إنسان، ولا انتهر أحدًا بكلمة قضى كل حياته في تأمل صامت وأتضاع، وكانت حياته كأحد الملائكة، ألتحف باتضاع عميق. إذ توسلنا إليه أن يقول لنا كلمة منفعة، بصعوبة شديدة ارتضى أن ينطق كلمات قليلة. في إحدى المناسبات إذ سأله العاملون في الحقول التي بجوار النهر أن يطرد عنهم "بهيموت" Hippopotamus كان يؤذيهم بعنفه، بصوت رقيق أمر الحيوان: "أناشدك باسم يسوع المسيح أن ترحل"، وإذ بالحيوان ينسحب كما بواسطة ملاك، ولم يعد يظهر بعد في هذه المنطقة. ST. Jerome The histories of the Monks who lived in the Desert of Egypt

ابا أبيللين

نسكه يحدثنا القديس جيروم عن راهب التقى به يدعى أبيللين Abba Apellen عُرف بنسكه الشديد، وأيضًا وُهب عمل المعجزات بطريقة خارقة من أجل بساطة قلبه. قال عنه أنه في مرات كثيرة إذ كان يتحدث مع الإخوة في بساطة عن صنع المعجزات بكونها أمرًا سهلاً بالنسبة لهم، كثيرًا ما كان يضع النار في حضنه ولا يحترق. وكان يقول لهم: "إن كنتم بالحق خدام الله اظهروا ذلك بالمعجزات العجيبة".

عُرف بنسكه الشديد منذ صباه، أحيانًا متى كان في البرية وحده، تثور فيه شهوة أكل العسل فيجد عسل النحل على صخرة، لكنه كان يمتنع، قائلاً في نفسه: "ابتعدي عني أيتها الشهوة الشريرة، فقد كُتب: اسلكوا في الروح ولا تكملوا شهوة الجسد (غلا 5: 16)"، ويترك عسل النحل على الصخرة ويرحل. حدث مرة أن صام ثلاثة أسابيع في البرية، فوجد الفاكهة تحته، عندئذ قال: "لن أذقها ولا ألمسها لئلا أسيء إلى أخي أي إلى نفسي (أي يعثر جسده)، إذ هو مكتوب:" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان "(مت 4: 4)، وصام أسبوعًا آخر، ونام قليلاً ليرى في حلم ملاكًا يقول له:" قم وكلّ ما استطعت ". عندئذ قام فوجد ينبوع ماء وخضراوات حوله أكثر مما كان يطلب، عندئذ شرب ماء وأكل أعشابًا خضر، وهو يقول:" لا أجد ما هو أحلى وأبهج من ذلك في أي مكان! ". عندئذ وجد في ذلك الموضع كهفًا صغيرًا سكن فيه أيامًا قليلة بلا طعام، وإذ بدأ يشعر بالجوع ركع وصلى فوجد طعامه بجانبه: خبزًا ساخنًا وزيتونًا وفاكهة متنوعة. استخدامه لتيس قال أيضًا القديس جيروم أنه كان يفتقد الإخوة الذين كانوا يعيشون بالقرب منه في البرية من حين إلى آخر. في إحدى المرات كان مشتاقًا أن ينطلق إلى بريته، وأن يحمل بعض البركات الضرورية التي قدمها له الإخوة، وإذ كان سائرًا في الطريق وجد بعض التيوس تأكل فقال لهم:" باسم يسوع المسيح ليأتِ أحدكم ويحمل هذا الحمل "، وللحال جاءه تيس منهم، فوضع يديه على ظهره وجلس عليه، وسار به إلى مغارته في يوم واحد. في دفعة أخرى نشر الطوباوي خبزه في الشمس، وإذ جاءت الحيوانات المفترسة كالعادة تشرب من ينبوع الماء، فإن كل حيوان اقترب من الخبز مات. عبوره النيل على ظهر تمساح في مناسبة أخرى ذهب إلى جماعة رهبان في أول الأسبوع فوجدهم لا يتممون الأسرار المقدسة، فانتهرهم قائلاً:" لماذا لا تتممون الخدمة؟ "أجابوا:" لأنه لم يأت إلينا كاهن من عبر النهر "، عندئذ قال لهم:" إني أذهب واستدعيه "أجابوه:" يستحيل أن يعبر شخص النهر من أجل عمقه ومن أجل التماسيح التي تقتل البشر ". أما هو فذهب قليلاً إلى حيث المكان الذي منه يتم العبور عادة، وقد جلس على ظهر تمساح وعبر. وإذ وجد الكاهن أن أبيللين يرتدي ثيابًا قديمة ومهلهلة تعجب لاتضاعه وفقر مظهره، ثم تبعه. جاء إلى النهر ولم يجد الكاهن قاربًا يعبر به، وإذ بأبيللين ينادي التمساح بصوته فأطاع وجاء إليه، وكان مستعدًا ليحمل على ظهره الرجل القديس. توسل الطوباوي لدى الكاهن أن يأتي ويجلس معه على ظهر التمساح لكنه خاف وتراجع. أما الإخوة الساكنون في الجانب الآخر فإنهم إذ رأوا الطوباوي يجلس على ظهر التمساح في الماء، وقد عبر به إلى البر وخرج خافوا. قال الطوباوي للتمساح:" إنك قتلت كثيرين لذلك فالموت هو أفضل شيء لك "، وللحال مات الحيوان (دون أن يمسه أحد). معرفته الأسرار الداخلية يذكر القديس جيروم أن هذا الأب جلس مع الإخوة ثلاثة أيام، وكان يحدثهم عن الوصايا، وقد كشف لكل إنسان خطيته الداخلية في صراحة مملوءة محبة، فدهش الكل من أجل صدق معرفته لأسرارهم الداخلية. كما روى لنا بعض قصص لنبوات نطق بها تحققت. ثقته العجيبة في أبوة الله في قامته الروحية العالية عاش بلا همّ، يثق في أبوة الله ورعايته له. ففي إحدى المناسبات إذ كان الإخوة في المغارة لم يكن يوجد طعام، وإذ بملاك الرب يظهر في شكل أخ يحضر طعامًا في الحال... وقد تكرر ذلك بصورة مختلفة.

Budge: The Paradise of the Fathers, 1972, v1, p 353. – 6

اباخوم الشهيد

تحتفل الكنيسة الغربية بعيد استشهاد أباخوم Abachum وبقية أفراد عائلته في 19 من شهر يناير.

ابادير الشهيد

إذ يتغنى المؤمنون بالتسبحة للرب يسألون الشهيدين أبادير وأخته إيرائي أن يطلبا من الرب من أجل غفران خطاياهم، وتحتفل الكنيسة بعيد استشهادهما في 28 توت.

نشأتهما

هما ابنا أخت باسيليوس الوزير الأنطاكي؛ تعين أبادير إسفهلارًا "قائدًا عظيمًا" في جيش دقلديانوس. ظهر له السيد المسيح في رؤيا بالليل، وطلب منه أن يذهب مع أخته إيرائي إلى مصر لينالا إكليل الاستشهاد، وقد تمتعت أخته بذات الرؤيا، فعرفا أنها من الله وانطلقا بفرح ليتمتعا بما وهُب لهما. هنا يليق بنا أن نتساءل: لماذا سمح الله لهما بل أمرهما أن ينطلقا للاستشهاد، مع أنه يقول: "ومتى طَردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى" (مت 10: 23)، وقد حذرنا كثير من القديسين مثل البابا كيرلس الكبير والبابا بطرس خاتم الشهداء والقديس باخوميوس من الاندفاع نحو الاستشهاد بأنفسنا أو إثارة الولاة لاضطهادنا؟ المسيحي في غيرته المقدسة يقدم حياته كل يوم ذبيحة حب لله (رو12: 1)، لكن بروح الإتضاع لا يسعى لاحتمال الاضطهاد بنفسه، إنما إن جاء يقبله بفرح كما فعل البابا بطرس خاتم الشهداء نفسه. وقد سمح الله بدعوته لجماعة معينة للذهاب إلى الاستشهاد بأنفسهم لرسالة معينة، فإرسالية أبادير الاسفهسلار وأخته إيرائي إنما بقصد إلهي، فقد تعرض مئات الألوف من الأقباط للاستشهاد، بل وتقدمت مدن بأكملها كمدينتي أسنا وإخميم للاستشهاد بفرح على يدي أريانا والي أنصنا (بجوار ملوي).... حضور أمثال أبادير يعطي تشجيعًا للبسطاء، بأن الأمراء يسعون لهذا الشرف، وحضور إيرائي يعطي سندًا للفتيات أن فتاة شريفة تأتي من القصر لتقبل الآلام بفرح.... هكذا كان للمدعوين للذهاب للاستشهاد بأنفسهم رسالة خاصة وسط الضيق الشديد! استشهادهما أدركت والدتهما بما في قلبيهما فشقت ثيابها هي وجّواريها، وصارت تتوسل إليهما ألا يسلما نفسيهما لدقلديانوس للاستشهاد، فوعدها ابنها أبادير ألا يتحدثا مع دقلديانوس في ذلك، ولم تدرك إنهما قد قررا الذهاب إلى مصر للاستشهاد هناك. كان أبادير يستبدل ثيابه ويقوم بخدمة الذين في السجون موصيًا حارسه ألا يخبر أحدًا بذلك.... إذ توانى أبادير وأخته قليلاً تكررت الرؤيا، فانطلقا إلى الإسكندرية، ومنها إلى مصر حيث التقيا بالقديس أباكراجون الذي عرفهما وباركهما، ومن هناك دخلا إلى الكنيسة التي في طمويه ثم ذهبا إلى الأشمونين ليلتقيا بشماس يدعي صموئيل رافقهما إلى أنصنا حيث التقيا - أبادير وأخته بأريانا والي أنصنا (بجوار ملوي بصعيد مصر)، فعذبهما عذابًا شديدًا للغاية، وكان السيد المسيح يسندهما. وسط الآلام الشديدة أخذ الرب نفسيهما إلى لحظات ليشاهدا الفردوس فيمتلئا قوة وغيرة للاحتمال بفرح....

كتب الوالي قضيتهما وحكم عليهما بقطع رأسيهما.... وإذ استحلف الوالي أريانا أبادير أن يخبره عن شخصه طلب منه أن يتعهد بالا يتراجع عن حكمه، ولما تعهد أخبره أنه أبادير الإسفهسلار، فتأسف جدا لما حدث منه، لكن أبادير ذكّره بتعهده، قائلا له بأنه هو نفسه سينعم أيضا بعطية إكليل الاستشهاد. إذ استشهد القديسان قام بعض المؤمنين بتكفين الجسدين، اللذين حملهما الشماس صموئيل إلى منزله حتى انقضاء عهد الاضطهاد، حيث بنيت باسمهما كنيسة عظيمة. توجد الآن في أسيوط كنيسة باسم الشهيدين، وأخرى في دشلوط بإيبارشية أسيوط.... بركة صلواتهما تكون معنا آمين.

كتب الوالي قضيتهما وحكم عليهما بقطع رأسيهما.... وإذ استحلف الوالي أريانا أبادير أن يخبره عن شخصه طلب منه أن يتعهد بالا يتراجع عن حكمه، ولما تعهد أخبره أنه أبادير الإسفهسلار، فتأسف جدا لما حدث منه، لكن أبادير ذكّره بتعهده، قائلا له بأنه هو نفسه سينعم أيضا بعطية إكليل الاستشهاد.

إذ استشهد القديسان قام بعض المؤمنين بتكفين الجسدين، اللذين حملهما الشماس صموئيل إلى منزله حتى انقضاء عهد الاضطهاد، حيث بنيت باسمهما كنيسة عظيمة.

توجد الآن في أسيوط كنيسة باسم الشهيدين، وأخرى في دشلوط بإيبارشية أسيوط.... بركة صلواتهما تكون معنا آمين.

القمص بفنوتيوس السرياني: روحانية التسبحة، جـ 3، 4 طبعة 1975، ص 106.

اباديون الأسقف الشهيد

صورة مشرقة لنفسية الشهيد المتهللة وسط الآلام، التي تتمتع بتعزيات نابعة من السماء عينها تسندها حتى تتم جهادها.

سامه القديس البابا بطرس خاتم الشهداء أسقفًا على أنصنا بصعيد مصر (بجوار ملوي). في أيام دقلديانوس إذ اشتد الاضطهاد وكان أريانا واليا على أنصنا عنيفًا في مقاومته للمسيحيين ألقى القبض على الأسقف أباديون، لم يرد أن يقتله في الحال، مدركًا انه لو حطم نفسيته وأثناه عن إيمانه يحطم الكثيرين من ورائه، لهذا قيده وأخذه معه أسيوط ثم أخميم ليشاهد عذابات المؤمنين بنفسه، ويرى الأعداد الغفيرة تُقتل فيخضع له. وإذ حان عيد الميلاد المجيد تركه في أخميم حرًا إلى حين ليختبر حلاوة الحرية فإذا به يجتمع مع شعب أخميم في الكنيسة. سمع الوالي فجاء بجنده ليقتل في الدفعة الأولى حوالي 7200 نسمة من الكنيسة ومن جاء من الكنائس التي حولها، حتى سال الدم في الشوارع في صباح العيد وكأنهم ينضمون إلى موكب أطفال بيت لحم!

أمر بتقييد الأسقف وأخذه إلى أنصنا مرة أخرى حيث قام بتعذيبه ثم إلقائه في خزانة مظلمة ليجده بعد خمسة أيام فرحًا متهللاً كمن كان في وليمة متشبهًا بالرسل، إذ قيل: "وأما هم فذهبوا من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41).

أمر الوالي بصلبه فظهرت حمامتان وقفتا على الصليب، بل وأظهر السيد المسيح نفسه وانحلت المسامير لينزل الأسقف بلا آلام..... هكذا تتجلى قوة ربنا وسط الضعف! أخيرًا قُطعت رأسه ونال إكليل الاستشهاد في أول أمشير، بركة صلواته تكون معنا آمين.

اباكير الشهيد ورفقاؤه الشهداء

وُلد القديس "أباكير" في دمنهور، وكانت تابعة لكرسي أبي صير (بالقرب من أبي قير) غربي النيل، وقد اتفق مع أخيه فيلبس وكاهنين يدعيان يوحنا وابطليماوس على نيل إكليل الشهادة.

ذهب الكل إلى قرطسا واعترفوا أمام الوالي بالسيد المسيح، فُحكم عليهم أن يضربوا بالرماح فلم تصيبهم، كما القوهم في أتون نار فجاء ملاك الرب وخلصهم. رُبطوا في أقدام الخيل وسحبوهم من قرطسا إلى دمنهور والرب كان حافظًا لهم.

أمر الوالي بقطع رؤوسهم فنالوا إكليل الاستشهاد. تحتفل الكنيسة القبطية بعيد استشهادهم في 14 بؤونه.

اباكير ويوحنا الشهيدان

شخصيتان مسيحيتان، الأولى تمثل الإنسان الناجح في حياته، فقد عاش طبيبًا ناجحًا في مهنته، محبوبًا في معاملاته، تقيًا في حياته الداخلية كما في سلوكه الظاهر.... متممًا الوصية الرسولية: "أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحًا وصحيحًا كما أن نفسك ناجحة" (3يو2). أما الثاني فيمثل الإنسان الحيّ الذي يحيا قويا في داخله، يبحث عن صداقة تسنده وتلهبه روحيًا.... بمعنى آخر يمثل الإنسان الجاد في حياته، يطلب حتى في صداقته ما هو لبنيان نفسه.

نشأة أباكير

ولد أباكير بالإسكندرية من أبوين، تقيين، اهتما بحياته الروحية وثقافته العلمية والفلسفية فصار طبيبًا ماهرًا في شبابه المبكر. كان محبوبًا ومشهورًا من أجل أمانته مع تقواه وفضيلته. شعر الوالي سيريانوس بخطورته كمسيحي يحمل شهادة حق لإيمانه، فطلب أن يقتله متهمًا إياه بالسحر والشعوذة وفعل الشر، وإذ سمع أباكير بذلك هرب من الإسكندرية كوصية سيده: "ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى" (مت 10: 23).

نسكه

انطلق متجهًا نحو الجبال العربية ليعيش بين النساك متأملاً في محبة الله، دون أن يتجاهل مهنته السابقة كطبيب.... وهناك ذاع صيته فبلغ فلسطين وسوريا وما بين النهرين.

القديس يوحنا

كان يوحنا ضابطًا في الجيش بمنطقة الرها (أديسا)، وكان مشتاقًا إلى حياة الوحدة والتفرغ للعبادة، سمع عن القديس أباكير فاستقال من عمله وانطلق إلى أورشليم يزور الأماكن المقدسة ومن هناك انطلق إلى الصحراء ليلتقي بالقديس الناسك أباكير، حيث توثقت عري الصداقة بينهما على صعيد الروح، كل منهما يسند الآخر ويشجعه.

احتمالهما الآلام

إذ اشتعل الاضطهاد بعنف في كل مصر في عهد دقلديانوس، سمع القديس أباكير عن القديسة أثناسيا وبناتها الثلاث العذارى ثيؤدورا وتاؤبستى وتاؤذكسيا أنهن قد حُملن مقيدات إلى كانوب (بالقرب من أبي قير الحالية بجوار الإسكندرية)، فخشى لئلا تغلبهن العذابات فيبخرن للأوثان، لهذا رأى أن يذهب بنفسه مع صديقه المحبوب يوحنا لينال الاثنان إكليل الشهادة مشجعين هؤلاء العذارى وأمهن.

تعرف أهل الإسكندرية على المتوحد الطبيب فأكرموه جدًا، أما هو فاهتم مع صديقه يوحنا بخدمة المسجونين.... قبض عليهما الوالي وحاول ملاطفتهما أولاً ثم صار يعذبهما مع العذارى وأمهن.

ابالي الشهيد

من نسل ملوكي اشتهى إكليل الاستشهاد أكثر من إكليل المُلك الزمني، فتقدم مع والديه للاستشهاد بفرح، غالبًا بناء على دعوة إلهية. اشتياقه للاستشهاد

هو ابن يسطس ابن الملك نوماريوس. تغيب أبالي في الحرب، وإذ عاد وجد دقلديانوس قد تزوج عمته (أخت يسطس) وصار ملكًا، وإنه أنكر الإيمان. ومع أن أبالي كان في قدرته أن يأخذ الملك من دقلديانوس لكنه اشتهى إكليل الاستشهاد فانطلق مع والديه يسطس وثاوكليا إلى دقلديانوس، غالبًا بناء على دعوة إلهية، ليعترفوا بالسيد المسيح.

التقى بهم دقلديانوس وحاول ملاطفتهم وتكريمهم، وإذ وجدهم مصّرين على الإيمان بالسيد المسيح خشي من مركزهم الاجتماعي لئلا بسببهم تحدث ثورة ضده، لهذا أرسلهم إلى رومانيوس والي الإسكندرية، بعيدًا عنه.

في مصر

التقى أبالي ووالده برومانيوس الذي لاطفهم كثيرًا، وإذ لم يفلح أرسل مع كل منهم غلامًا يخدمه، أرسل يسطس إلى أريانا والي أنصنا، وثاوكليا إلى "صا الحجر" بمركز كفر الزيات بالوجه البحري، وأبالي إلى بسطه قرب مدينة الزقازيق بالشرقية. استخدم والي بسطه كل وسيلة للملاطفة لكن أبالي كان متمسكًا بإيمانه محتملاً الجلد والحرق وتقطيع الأعضاء بشجاعة وفرح حتى آمن كثير من الوثنيين المشاهدين لعذاباته بالسيد المسيح.... وأخيرًا أمر بقطع رأسه.

تعيد الكنيسة في أول مسرى بعيد استشهاده، وفي 10 أمشير بعيد استشهاد والده، 11 بشنس عيد استشهاد والدته.

جاء عن ثاؤكليا أن والي مدينة صا الحجر دهش لما رآها من نسل ملوكي، وكان يمكنها أن تكون ملكة، تأتي بكمال حريتها لتحتمل العذابات، فصار يلاطفها، أما هي ففي شجاعة قالت له: "ماذا يمكنك أن تعطيني، وأنا قد تركت المملكة، ورضيت بمفارقة زوجي وابني من أجل السيد المسيح؟!" تحول لطف الوالي إلى عنف وأمر بتقطيع جسدها، وقد أرسل ملاكًا يشفيها ويقويها، وبسببها آمن كثير من المشاهدين الوثنيين الذين جاءوا يرون الملكة التي تتألم!.

استخدمها الله رسالة لإنجيله حتى قُطعت رأسها ونالت الإكليل.

ابامون الترنوطي الشهيد

تحتفل الكنيسة القبطية بعيد شهيد آخر يحمل ذات الاسم، من ترنوط، ذهب إلى الصعيد واعترف بالسيد المسيح أمام أريانا الوالي الذي عذبه بالضرب وتمشيط لحمه وتسمير جسده بمسامير طويلة، وكان السيد المسيح يقويه ويشفيه. أرسله إلى أرمانيوس والي الإسكندرية حيث أرسل الرب ملاكه وعزاه، ولما تعرض لعذابات جديدة استشهد بسببه كثيرون، منهم العذراء ثاوفيلا التي وبخت الوالي على عبادته للأوثان، فأمر بحرقها بالنار. خلصها الرب من النار فأمر الوالي بقطع رأسها مع الشهيد بلامون.

السنكسار القبطي: 27 أبيب..

ابامون الشهيد

شاب يدعى أبامون أو بامون، من أهل بسطة في تخوم الأشمونيين اشتهى أن يقدم حياته ذبيحة حب لله، كان يبحث عن أريانا الوالي ليشهد للسيد المسيح أمامه، وقد سمع أنه ينتقل في بلاد قسقام والأشمونيين وأسيوط، فصار يسأل عنه وفي الطريق التقى بشاب يُدعى "سرنا" يحمل ذات الهدف، وصارا يتحدثان معًا بعظائم الله وهما سائرين حتى بلغا قرية ميسارة، فوجدا القديس الأمير أقلاديوس ومعه ستة جنود، فظناه الوالي ولما سألا عنه عرفا أنه قادم من أنطاكيا ليستشهد ففرحا جدًا به، وانضما إليه، وكان الكل يسبح الله، منطلقين إلى أسيوط حيث يوجد أريانا.

أمام أريانا

في أسيوط رأى الشابان الوالي يقف ليقبّل يدّي أقلاديوس الأمير، لكن الأخير لا يعبأ بذلك وإنما كان يشهد لمسيحه.

ألُقيّ الشابان في السجن، ثم أنضم إليهما أقلاديوس الأمير، وفي الصباح استدعى الكل ووقف الوالي يحاور الشاب أبامون ليخضعه لعبادة الأوثان، وإذ رفض أمر بتعذيبه بالهنبازين وطرحه على سرير حديدي وإيقاد نار تحته.... وكان الرب يسنده.

هذا وقد استخدم الله هذه العذابات فرصة لاستشهاد 142 فتى و28 سيدة والقديسة تكلا كما سنرى في سيرة الشهيد أقلاديوس. فاضطر الوالي أن يترك أسيوط ويحمل المعترفين معه.

أخيرًا استشهد القديسان أبامون وسرنا في 9 بؤونه.

نبيل سليم: الشهيدان مار أقلاديوس وأبا بقطر شو، مايو 1967.

ابامون الطوخي الشهيد

من مدينة طوخ التابعة لبنها، عاش في حياة تقوية، فأرسل الله له رئيس الملائكة ميخائيل الذي دعاه إلى نوال إكليل الاستشهاد بصعيد مصر، فسافر إلى أنصنا ليلتقي بالوالي فرحًا متهللاً.... وقد اعترف بالسيد المسيح محتملاً التعذيب بالهنبازين والحديد المحمي بالنار والضرب بالسياط وبإلقائه في مستوقد نار.... وكان السيد المسيح يتمجد فيه ويسنده. وأخيرًا قطعت رأسه في 13 من شهر أبيب.

ابانوب المعترف القديس

كان هذا القديس راهبًا فاضلاً بأحد أديرة الصعيد في زمان دقدليانوس، الذي عذب الشهداء كثيرًا وسفك دماءهم حتى أنه سفك دماء ثمانين شهيدًا في يوم واحد.

وحدث في أحد الأيام أن ذكر أحدهم اسم القديس أبانوب، فاستحضره أريانا والي أنصنا وعرض عليه السجود للأوثان، فأجابه القديس قائلا: "كيف أترك سيدي يسوع المسيح وأعبد الأوثان المصنوعة من الحجارة؟" فعذبه كثيرًا ثم نفاه إلى الخمس مدن الغربية، فأقام هناك محبوسًا سبع سنين حتى أهلك الرب دقلديانوس، ومَلَك قسطنطين البار وصدر أمره بإطلاق جميع من في السجون وإحضارهم إليه ليتبارك منهم، وإن لم يمكن إحضارهم كلفهم فليحضروا الفضلاء منهم لاسيما زخارياس الأهناسي ومكسيميانوس الفيومي وأغابي الذي من دهنى وأبانوب الذي من بالاؤس. فانطلق رسول الملك يُخرِج القديسين من السجون، فكانوا يخرجون وهم يرتلون ويسبحون الله، وكان القديس أبانوب قد عاد من الخمس مدن وأقام بجبل بشلا بجوار بلده، والتقى به رسول الملك فأخذه معه في مركب إلى أنصنا فالتقوا بالمسيحيين وبالأساقفة ورسموا القديس أبانوب قسًا.

وحدث أنه بينما كان يقدس وعند قوله: "هذا قدس القديسين، فمن كان طاهرًا فليتقدم" أن رأى السيد المسيح يتجلى في الهيكل بمجده الأسنى. وسافر الرسول إلى الملك ومعه القديسون وكان عددهم إثنين وسبعين، وركب كل إثنين منهم عربة. ولما مرّوا على إحدى البلاد وكان بها ديارات للعذارى، فخرج للقائهم سبعمائة عذراء وهن ينشدن ويرتلن أمامهم حتى غابوا عن الأعين.

ولما وصلوا ودخلوا عند الملك طلب إليهم أن يخلعوا ثيابهم ليُلبِسهم ثيابًا جديدة ثمينة فلم يقبلوا. فتبارك منهم وقبَّل جراحاتهم وأكرمهم، وقدم لهم أموالاً كثيرة فلم يرضوا إلا بأخذ ستور وأوانٍ للكنائس. ثم ودعهم الملك وعادوا إلى بلادهم، وعاد القديس أبانوب إلى ديره.

ولما أكمل سعيه تنيح بسلام.

السنكسار، 23 بؤونة.

ابانوب النهيسي الشهيد

كلمة "أبانوب" مشتقة من "بي نوب" التي تعني "الذهب".

ولد بقرية نهيسة (مركز طلخا) في القرن الرابع، من أبوين تقيين محبين لله، هما مقارة ومريم، فقدهما وهو في الثانية عشرة من عمره، فصار حزينًا لأيام كثيرة.

دخل الصبي الكنيسة في أحد الأعياد ليجد الكاهن يحث الشعب على احتمال الضيق والاضطهاد بفرح، إذ كان دقلديانوس قد أثار الاضطهاد على المسيحيين. بعد التناول عاد الصبي الصغير إلى بيته وكلمات الأب الكاهن تدوي في أذنيه.... عندئذ ركع الصبي أمام الله يطلب عونه، ثم قام ليسير إلى سمنود وهو متهلل بالروح ينتظر الإكليل السماوي.

في سمنود

أخذ الصبي الصغير يطوف المدينة التي وجد فيها الكنائس مهدمة والناس يشتمون في المسيحية.... فكان يطلب من الله مساندته له، عندئذ أرسل له رئيس الملائكة ميخائيل الذي عزاه وأرشده أن ينطلق في الصباح إلى الوالي ليشهد لمسيحه، مؤكدًا له أنه سيقويه ويشفيه وسط العذابات التي يحتملها.

أمام الوالي

بكَّر جداً أبانوب الصبي، وانطلق إلى الوالي وصار يكلمه بجرأة وشجاعة، الذي دهش لتصرفات هذا الصبي الصغير، فصار يلاطفه بوعود كثيرة، أما الصبي فكان يشهد للإيمان الحق. أغتاظ الوالي وأمر بضربه على بطنه حتى ظهرت أحشاؤه.... وجاء رئيس الملائكة يشفيه.

أُلقى الصبي في السجن ففرح به المسيحيون المسجونون، وتعرفوا عليه، وتعزوا بسببه.

في اليوم التالي قتل الوالي من المسجونين حوالي ألفًا، ونالوا إكليل الشهادة في التاسع من برمهات.

استدعى الوالي الصبي أبانوب وأمر بربطه من قدميه على صاري المراكب التي أستقلها الوالي متجها إلى أتريب، وفي تهكم قال: "لينظر هل يأتي يسوع ليخلصه؟!". أقلعوا بالمركب مبحرين حتى المساء، ثم أرخوا القلع ليجلس الوالي ويأكل ويشرب، وإذ بالكأس تتحجر في يده ويصاب الوالي بنوع من الفالج، وأصبح الجند أشبه بعميان…. فنظر الوالي إلى الطفل المعلق ليجد رئيس الملائكة يقترب منه ليمسح الدم النازل من أنفه وفمه، ثم ينزله ويتركه في مقدمة المركب ويختفي.

طلب الوالي من الصبي أن يصلي لإلهه ليشفيه فيؤمن هو وجنده.... لكن أبانوب أجابه أن الله سيشفيه في أتريب.... وبالفعل صلى عنه وشفاه باسم الرب أمام والي أتريب، وقد آمن عدد كبير من الوثنيين بأتريب واستشهد بعضهم.

في أتريب (بنها)

قام والي أتريب بتعذيب الصبي بالجلد وبإلقائه في زيت مغلي وحرقه بنار وكبريت.... فظهر له السيد المسيح ومعه رئيسا الملائكة ميخائيل وجبرائيل.... وشفُى. عاد فوضع سيخين محميين بالنار في عينيه والرب شفاه.... فأمر ببتر يديه ورجليه، لكن الرب لم يتركه.

كان أبانوب في كل عذاباته سّر بركة لنفوس كثيرة قبلت الإيمان بالسيد المسيح، وتقدم كثيرون للاستشهاد بفرح.... وكان الرب يرسل ملائكته لتعزية الصبي!

إلى الإسكندرية

إذ رأى الوالي الجموع التي تقبل الإيمان بسبب الصبي، أوفده إلى الإسكندرية مقيدًا بالسلاسل. التقى بامرأة بها روح نجس أخرجه منها وهو مقيد اليدين، فآمنت بالسيد المسيح، فاغتاظ أحد الجنود وقتلها.

أمام أرمانيوس والي الإسكندرية اعترف الصبي بالسيد المسيح محتملاً عذابات أخرى، منها إلقاؤه في جب به ثعابين وحيّات جائعة، والرب حفظه بملاكه ميخائيل.

خرج الصبي من الجب وقد تبعته بعض الثعابين.... فالتف أحدهما حول رقبة أرمانيوس والصبي أنقذه، الأمر الذي أدهش الكثيرين فقبلوا الإيمان واستشهدوا.

تعرض لعذابات أخرى، وأخيرًا قُطعت رأسه خارج المدينة على صخرة عالية بعد أن وقف بفرح يصلي طالبًا أن يغفر الله له خطاياه، ويتقبل روحه.

تقدم القديس يوليوس الأقفهصي وحمل جسده وكفنه وأرسله إلى نهيسة موطن ميلاده حيث دفن هناك.... وقد كتب سيرته.

نقل جسده

نقل جسده من نهيسة إلى سمنود.... ويحتفل بعيد استشهاده في 24 من شهر أبيب.

القديس أبانوب صاحب المروحة الذهبية) تذكاره في 5 أمشير).

القديس أبانوب المعترف.

القديس أباهور..... راجع سير قديسين باسم "أباهور" تحت "هور.

اباهور الراهب القديس

كان هذا الأب من أبرهت من أعمال الأشمونين، وكان راهبًا مختارًا فاق كثيرين من القديسين في عبادته، أحب العزلة وانفرد في البرية فحسده الشيطان وظهر له قائلاً: "في البرية تستطيع أن تغلبني لأنك ستكون هناك وحيدًا، ولكن إن كنت شجاعًا فاذهب إلى الإسكندرية". فقام لوقته وأتى غليها وبقى زمانًا يسقي الماء للمسجونين والمنقطعين.

وحدث أن خيولاً كانت تركض وسط المدينة، فصدم أحدها طفلاً ومات لوقته. وكان القديس أباهور واقفًا في المكان الذي مات في الطفل، فدخل الشيطان في أناس كانوا حاضرين وجعلهم يصرخون قائلين إن القاتل لهذا الطفل هو الشيخ الراهب. فتجمهر عليه عدد كبير من المارة ومَن سمع بهذا الخبر وكانوا يهزئون به، ولكن القديس أباهور لم يضطرب بل تقدم وأخذ الطفل واحتضنه وهو يصلي إلى السيد المسيح في قلبه، ثم رسم عليه علامة الصليب فرجعت إليه الحياة وأعطاه لأبويه. فتعجب الحاضرون ومجدوا الله ومالت قلوبهم وعقولهم إلى القديس أباهور، فخاف من المجد الباطل وهرب إلى البرية وأقام في أحد الأديرة أيامًا.

ولما قرب وقت انتقاله من هذا العالم رأى جماعة من القديسين يدعونه إليهم، ففرح جدًا وابتهجت نفسه وأرسل إلى أولاده وأوصاهم وأعلمهم بقرب انتقاله إلى السيد المسيح، فحزنوا على مفارقته إياهم وعلى أنهم سيصبحون بعده يتامى. ثم مرض قليلا وأسلم نفسه بيد الرب.

السنكسار، 2 كيهك.

اباهور الشهيد

ولد بسرياقوس من أب كان يشتغل حدادًا، وقد فكر أن يصير شهيدًا فمضى إلى الفرما واعترف أمام الوالي بالسيد المسيح، فعذبه كثيرًا ولكن الرب كان يعزيه ويشفيه من جراحاته حتى اندهش الوالي من ذلك، فآمن هو وأسرته وبنوه بالسيد المسيح.

ولما عُيِّن والي آخر مكانه استشهدوا على يديه، وهذا أخذ في تعذيب القديس أباهور. ولما تعب من ذلك أرسله إلى أنصنا حيث عذبوه هناك بالهنبازين والصلب منكسًا والحرق بالنار وغير ذلك. وأخيرًا قطعوا رأسه فنال إكليل الشهادة.

السنكسار، 13 أبيب..

اباهور وأبا بيشاي وديودوره أمهما الشهداء

كان أباهور من جند إنطاكية فأتى إلى الإسكندرية واعترف أمام واليها بالسيد المسيح فأمر بقطع يديه وأن يربط في مؤخرة ثور ويجره في المدينة، ثم ألقاه في حفرة ملآى بالأفاعي فلم تؤذه، وكان في كل ذلك يستغيث بالسيد المسيح وهو يشفيه ويقويه.

وفيما هو على هذه الحال أتت أمه ورأته ففرحت بجهاده وأعلموا الوالي بها فاستحضرها وهددها فلم تَخَف، فأمر أن يضعوا خطاطيف من الحديد محمية في جنبيها، وكانت في أثناء ذلك ترتل للرب وتقدسه لأنها استحقت أن تتألم من أجل اسمه إلى إلى أن أسلمت روحها ونالت إكليل الشهادة.

ثم وضعوا القديس في قزان زيت وقطران يغلي، فكان يسبح الله حتى أسلم الروح ونال إكليل الشهادة. أما أخوه فقد استشهد في اليوم الأول من نسيء.

السنكسار، 29 بؤونة.

ابجر الخامس الملك

احتلت قصة الرسائل المتبادلة بين السيد المسيح والملك أبجر الخامس الأسود (يخوما) Abgar ملك أديسا أو الرها (4 ق. م ـ 50 م)، مكانًا هامًا في تقليد الكنيسة السريانية. فقد قيل عنه أنه بعث بسفارة إلى سابينوس الحاكم الروماني لايليوثربوليس بفلسطين، وإذ علم الرسل أثناء عبورهم على أورشليم أن نبيًا جديدًا يشفي المرضى فكروا حالاً في ملكهم المصاب بالبرص، ونقلوا إليه هذه الأخبار السارة. وإذ لم يستطع الملك الذهاب إلى أورشليم بعث برسله إلى السيد المسيح يحملون رسالة يعلن فيها إيمانه به، طالبًا أن يقبل الدعوة لزيارة بلدته الصغيرة اللطيفة ويشفيه إن أراد.

كان أحد المبعوثين يسمى حنانيا رسامًا أراد أن يصور السيد المسيح فلم يستطع بسبب مهابة محياة، لكن الرب غسل وجهه وبطريقة معجزية طبع ملامحه على منشفة من الكتان مسح بها وجهه، وقدمها له.

ويروي أفجاريوس أن هذه الصورة المعجزية أنقذت أديسا عندما حاصرها خسروا عام 540 م.

وقيل أن العرب استولوا عليها عند فتح أديسا، وطلبوا فيها ثمنًا ضخمًا من الإمبراطور الروماني. روى كاتب مسيحي عربي يسمى أبو نصر يحي أنه رآها بعينه في كنيسة سانت صوفيا عام 1058 م.

وقيل أن السيد المسيح بعث برسالة إلى الملك يؤكد له أنه سيرسل أحد رسله بعد صعوده للكرازة وليشفيه.... وقد تحقق ذلك بذهاب آداي أحد السبعين رسولاً حسب التقليد السرياني إلى الرها ليشفي الملك ويكرز بالسيد المسيح.

جاء في مذكرات الراهبة أثيريا الأسبانية التي زارت مصر والأرض المقدسة والرها وآسيا الصغرى والقسطنطينية في نهاية القرن الرابع أن الخطاب الذي بعثه السيد المسيح مكتوب بالسريانية على رق، محفوظ في الرها، وقد عُملت منه عدة نسخ حملت قوة لشفاء المرضى.

القمص تادرس يعقوب ملطي: الكنيسة بيت الله، 1979، ص212، 213.

نص الرسالتين المتبادلتين بين السيد المسيح والملك أبجر

يذكر المؤرخ يوسابيوس أسقف قيصرية، من رجال القرن الرابع، في كتابه: "التاريخ الكنسي" أنه قد وجد الرسالتين محفوظتين في السجلات العامة الرسمية، وأنه قام بترجمتهما عن اللغة السريانية من الأصل ذاته:

أولاً: نص الرسالة التي بعثها الملك أبجر إلى السيد المسيح في أورشليم على يدي حنانيا:

[السلام من أبجر حاكم أديسا إلى يسوع المخلص السامي، الذي ظهر في مملكة أورشليم.

لقد سمعت أنباءك وأنباء آيات الشفاء التي صنعتها بدون أدوية أو عقاقير، لأنه يُقال أنك تجعل العمي يبصرون، والعرج يمشون، وأنك تطهر البرص وتخرج الأرواح النجسة والشياطين، وتشفي المصابين بأمراض مستعصية وتقيم الموتى.

وإذ سمعت كل هذه الأمور عنك استنتجت أنه لابد أن يكون أحد الأمرين صحيحًا: إما أن تكون أنت هو الله، وإذ نزلت من السماء فأنك تصنع هذه الأمور، أو تكون أنت ابن الله إذ تصنع هذه الأمور.

لذلك كتبت إليك لأطلب أن تكلف نفسك مؤونة التعب، لتأتي إليّ، وتشفيني من المرض الذي أعانيه. لأنني سمعت أن اليهود يتذمرون عليك، ويتآمرون لإيذائك، ولكنني لديّ مدينة جميلة جدًا مع صغرها، وهي تتسع لكلينا.]

ثانيًا: صورة لإجابة السيد المسيح على أبجر الملك:

[طوباك يا من آمنت بي دون أن تراني (يو 20: 29)، لأنه مكتوب عني أن الذين رأوني لا يؤمنون بي، أما الذين لم يرونني فيؤمنون ويخلصون (إش 6: 9، إر 5: 21، خر 12: 2، رو 11: 7). أما بخصوص ما كتبت إليّ عنه لكي آتي إليك فيلزمني أن أتمم هنا كل الأشياء التي من أجلها أُرسلت، وبعد إتمامها أصعد ثانية إلى من أرسلني ولكنني بعد صعودي أرسل إليك أحد تلاميذي ليشفيك من مرضك، ويعطي حياة لك ولمن لك.]

عن كتاب يوسابيوس القيصري الذي قام بترجمته: القس مرقس داود، 1960.

ملاحظة:

قصة الملك أبجز وعلاقته بالسيد المسيح والرسائل المتبادلة بينهما تحتاج إلى تحقيق تاريخي علمي.

ابرا البتول

✥ كانت أبرا Abra الابنة الوحيدة لأبيها القديس إيلاري أسقف بواتييه، التي ولدت قبل سيامته أسقفًا، وقد عاشت بعد ذلك مع والدتها التي وافقت على سيامة رجلها أسقفًا ويعيش كل منهما في مسكن خاص.

إذ نفي القديس إيلاري، وكانت ابنته صبية صغيرة السن تقدم لها ابن والي المدينة ليتزوجها فكتب لوالدها في منفاه. أرسل إليها الوالد يكشف لها عن سمو الحياة البتولية وغنى مكافأتها....

إذ قرأت أبرا رسالة والدها تأثرت جدًا، إذ كانت تحبه، وتشعر أن ما ينطق به هو من الله، وبفرح رفضت الزواج.

أرسل لها أيضًا مع الرسالة تسبحتين من وضعه وهو في المنفى، لكي تسبح بإحداها صباحًا والأخرى مساءً.... وقد حُفظت الأولى تسبح بها الكنيسة التي في بواتييه في عيد القديس إيلاري، أما الثانية فمفقودة.

إذ عاد من المنفى وجد ابنته التهبت بالأكثر حبًا للحياة البتولية، متهللة بقرار والدها الحكيم ففرح لنموها الروحي. ولم يمض كثيرًا حتى أصيبت على ما يظن بسكتة قلبية تنيحت على أثرها في الحال دون الشعور بألم أو تعب.

وبعد قليل أيضًا تنيحت والدتها، وكان ذلك حوالي عام 400 م.

Rev. Baring – Gould, The Lives of the Saints, 1877, Dec. 13

ابراكسية القديسة

نشأتها

وحيدة أبوين محبين للعبادة والرحمة، وكان والدها أندئكيانوس أميرًا يمت بصلة قرابة للملك هونريوس (395 ـ 423 م) إمبراطور الغرب. وإذ تنيح الأب وهو يوصي ابنته التي رباها على حفظ الوصية الإنجيلية سألها أن تهتم بخلاص نفسها وألا تحيد عن طريق الرب، بكاه الكل من أجل تقواه ومحبته. وإذ كان الإمبراطور يحب هذه الأسرة طلب من الأم والابنة أن يعيشا معه في القصر، وكانت الإمبراطورة تحبهما جدًا، معتنية بابراكسيا التي وهبها الله مع جمالها الفائق روح الوداعة والتعبد.

في مصر

سألت الأم ابنتها ابراكسية التي كانت في سن التاسعة، أن تسافر معها إلى مصر لتتصرف في بعض ممتلكات أندئكيانوس التي هناك، فانطلقت الابنة وهي متألمة لمفارقة الإمبراطور وزوجته إذ كانت قد تعلقت بهما جدًا، ترد لهما حبهما بالحب.

في مصر بدأت الأم ومعها ابنتها تزوران بعض الأماكن المقدسة خاصة أديرة الراهبات لتنال بركة، فشاع خبرهما.

دخلت ابراكسية من دير إلى دير، وكانت تشعر كمن يهيم في السماء أو ينتقل بين جوانب الفردوس. فالتهب في داخلها الاشتياق للحياة النسكية، تكرس حياتها لعريسها السماوي الذي قدم دمه مهرًا لها.... خلال هذه الأحاسيس المتزايدة دخلت أحد الأديرة وقررت عدم الخروج منه.

مع الأخت يوليطة

تعرفت على إحدى الراهبات تسمى يوليطة، فنشأت بينهما صداقة قوية على صعيد الروح، تسندان إحداهما الأخرى في الجهاد الروحي.

شعر الملك هونريوس وزوجته بالقلق تجاه ابراكسية ووالدتها إذ غابتا جدًا في مصر، فبعث رسلاً يبحثون عنهما، وبعد جهد شاق عرفوا مكانهما. عندئذ سألت الأم ابنتها أن تعود معها إلى الإمبراطور وزوجته، أما هي فأصرت ألاّ تخرج من باب الدير، ولا تتراجع عما عزمت عليه.... وإذ أدركت الأم صدق نية ابنتها أبلغت الرسل أنهما سيقضيان حياتهما معًا في الدير، ثم قامت بتوزيع كل ممتلكاتهما على المساكين.

عاشت الأم سنوات قليلة ثم انتقلت بسلام إلى الفردوس، وبقيت ابنتها تمارس الحياة النسكية بحب شديد وغيرة متقدة في الرب.

عطايا الله لها

أظهرت ابراكسية غيرة صادقة في عبادتها ونسكها ومعاملاتها، فصارت تكرس وقتها للصلاة ودراسة الكتاب مع التسبيح المستمر، تصوم أيامًا بأكملها انقطاعيًا، تلبس المسوح عوض ثيابها الفاخرة وتفترش الأرض.... وكانت منفتحة القلب مع صديقتها يوليطة، تشتركان معًا في كل شيء.

دخلت في آلام جسدية، ومع هذا لم تتراخ في جهادها.... فتحنن الرب عليها وشفاها. وإذ رأى الله اتساع قلبها بالحب لله وهبها عطية الشفاء وإخراج الشياطين، فذاع صيتها وتحول الدير إلى مركز روحي حيّ يجد الكثيرون فيه راحتهم الروحية والنفسية والجسدية.

بقيت سنوات طويلة في الدير، يلجأ إليها المتألمون والمرضى بكل نوع يطلبون صلواتها.

نياحتها

رأت رئيسة الدير في أحد الليالي كأن رجلين بهيين يلبسان ثيابًا بيضاء موشاة بالذهب عليها الصليب كبير يضيء كالنور، يطلبان منها ابراكسية، قائلين بأن الملك يود منها أن تأتي إليه، ثم أخذاها إلى موضع مجيد للغاية.

استيقظت الأم لتروي ما رأت لبعض الراهبات، فحزن الكل جدًا على فراقها، وقد طلبت الأم منهن ألا يخبرن إياها بشيء بل يصلين من أجلها.

سمعت يوليطة فكانت تبكي بدموع لا تتوقف.... وكانت تصلي إلى الرب إلا يطيل غربتها على الأرض حتى تلحق بصديقتها.

مرضت ابراكسية بحمى شديدة، وإذ أدركت أن ساعتها قد اقتربت تهللت بالروح وكانت تسبح الله وتشجع الراهبات اللواتي جلسن بجوارها يبكين. أما يوليطة فكانت تجلس عند قدميها تقرأ لها الكتاب المقدس.... وإذ أدركت أن الوقت قد حان، بدموع قالت يوليطة: "أسألك أيتها الأخت المباركة ابراكسية من أجل المحبة التي جمعت بيننا والصداقة التي تأصلت فينا، إن كنت قد وجدت نعمة أن تطلبي منه لأجلي وأنتِ أمام عرشه لكي ينعم عليّ بالانتقال من هذا العالم".

تحولت الدموع إلى تسابيح الرجاء.... وإذ بها تنظر إليهن تشكرهن على محبتهن لها وتعبهن من أجلها.... وفي نظرة مملوءة حبًا تطلعت إلى رئيسة الدير والأخت الراهبة يوليطة، وما عجز لسانها عن الحديث به عبرت به بنظرتها الوداعية، ثم رفعت عينيها نحو السماء ورشمت نفسها بعلامة الصليب لتسلم روحها في يدي الرب في 26 برمهات.

ابراكسيوس الأب

جاء في كتاب القديس بالاديوس "أقوال الآباء"، مقتطفات عن أب يدعى أبراكسيوس Eupraxis:

اعتاد الأب ابراكسيوس أن يقول: "شجرة الحياة المغروسة في الأعالي هي الإتضاع".

وأيضا قال: "كن كالعشار، ولا تخطئ كالفريسي، أختر أتضاع موسى فيتحول قلبك القاسي كالصلب إلى ينبوع ماء".

ST. Palladius; Saying if the Fathers, 513.

ابراكيوس القديس

تقدم لنا سيرته صورة حية للحياة في المسيح يسوع ربنا التي لا تعرف الشيخوخة ولا العجز أو الملل، كقول المرتل: "يتجدد مثل النسر شبابك" (مز 103: 5 (، والرسول بولس: "لبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو 3: 10).

عاش بصعيد مصر، في أحد الأديرة، يمارس الحياة النسكية الحازمة قرابة عام، يجاهد بلا ملل في نسكه وتقشفه، متمتعًا بحياة الشركة في المسيح واهبة القوة.

أراد عدو الخير أن يستغل شيخوخة جسده، إذ كان قد بلغ حوالي التسعين من عمره، فجاء متخفيًا يقول له بأنه لا يزال يبقى له خمسون عامًا أخرى في العالم، قاصدًا بهذا أن يضربه بروح الملل والضجر فيتراجع عن جهاده. أما هو فبحكمة قال: "لقد أحزنتني بهذا، لقد كنت أظن أنني سأعيش مائة عامٍ أخرى لهذا قد توانيت. فإن كان الأمر هكذا يجب عليّ أن أجاهد أكثر قبل أن أموت". بهذا صار يضاعف جهاده أكثر فأكثر، وقد انتقل في ذات العام في الثالث عشر من شهر كيهك.

ابرآم الأسقف القديس

سمع الكاتب الإنجليزي ليدر وهو في فرنسا عن أسقف مصري قديس، فأسرع بالسفر إلى مصر مع زوجته ليلتقيا به، وقد سجل لنا فصلاً كاملاً عن حياته، جاء فيه: "هذا القديس الشيخ عرفه العالم الشرقي كله، وأدرك أنه الخليفة المباشر لسلسلة المسيحيين الأولين غير المنقطعة". وعبرت زوجته عن هذا اللقاء بقولها: "كنا في حضرة المسيح وامتلأنا بروح الله".

نشأته

وُلد هذا القديس في دلجا التابعة لإيبارشية ديروط عام 1829 م من أبوين تقيين، وكان اسمه بولس غبريال، وقد حفظ المزامير ودرس الكتاب المقدس منذ طفولته، وإذ التهب قلبه بحب الله دخل دير السيدة العذراء مريم "المحرق" حيث رُسم راهبًا باسم بولس ألمحرقي عام 1848م. ولما دعاه الأنبا ياكوبوس أسقف المنيا للخدمة حوّل المطرانية إلى مأوى للفقراء، وبقى أربعة أعوام رُسم فيها قسًا عام1863. ولحبه في الرهبنة عاد إلى ديره حيث اختير رئيسًا للدير، فجاءه شبان كثيرون للتلمذة على يديه بلغ عددهم أربعون راهبًا. لكنه إذ فتح باب الدير على مصراعيه للفقراء وسكب كل إمكانيات الدير لحساب أخوة المسيح ثار البعض عليه وعزلوه عن الرئاسة وطلبوا منه ترك الدير. طُرد أبونا بولس وتلاميذه بسبب حبهم للفقراء فالتجئوا إلى دير السيدة العذراء "البراموس" بوادي النطرون، وهناك تفرغ للعبادة ودراسة الكتاب المقدس. وفي عام 1881 رُسم أسقفا على الفيوم وبني سويف والجيزة باسم الأنبا أبرام، فحوّل الأسقفية إلى دار للفقراء.

صديق للفقراء

خصص الأسقف الدور الأول من داره للفقراء والعميان والمرضى وكان يرافقهم أثناء طعامهم اليومي ليطمئن عليهم بنفسه. وكان إذ دخل عليه فقير مدّ يده تحت الوسادة ليعطيه كل ما يملك وأن لم يجد يعطه "شاله" أو "فروجيته".... وله في ذلك قصص مذهلة.

مطرانية في السماء

جاء عنه أن أعيان الايبارشية رأوا المطرانية غير لائقة فاتفقوا معه على تجديدها وتوسيعها. وكانوا كلما جمعوا مبلغًا من المال يسلمونه له. أخيرًا جاءوا إليه يطلبون إليه موعدًا للاتفاق مع المقاول على شروط البناء، فتطلع إليهم قائلا: "لقد بنيت يا أولادي!!... لقد بنيت لكم مسكنًا في المظال الأبدية". استغلال عطفه من الروايات المتداولة بين معاصريه أن ثلاثة شبان أرادوا استغلال حبه للفقراء فدخل اثنان منه يدّعيان أن ثالثهم قد مات وليس لهم ما يُكفنانه به، فلما سألهم الأب الأسقف: "هو مات؟!"، فأجابوا: "نعم مات". ثم هزّ الأسقف رأسه ومدّ يده بالعطية قائلا: "خذوا كفّنوه به". وخرج الاثنان يضحكان: لكن سرعان ما تحول ضحكاهما إلى بكاء عندما نظرا ثالثهم قد مات فعلاً.

رجل الصلاة

ذكر كثيرون ممن باتوا في الحجرة المجاورة لحجرته أنه كان يقوم في منتصف الليل يصلي حتى الفجر بالمزامير، وكان يقف عند القول: "قلبًا نقيًا أخلق فيّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي"، مرددًا إياها مرارًا بابتهالات حارة. وقد شهد الجميع أن صلاته كانت بروح وعزيمة قوية حتى في شيخوخته. قال مستر ليدر: "لم أسمع قط في حياتي صلاة كهذه، إذ أحسست بالصلة التي له بعرش النعمة التي تملأ الإنسان استقرارًا دائمًا. لقد بدا لي أن الأرض تلاشت تماما لكي تترك هذا الرجل في حضرة الله نفسه يتحدث معه بجلاء". إننا لا نبالغ إن قلنا أن مئات بل آلاف المعجزات تمت على يدي هذا الرجل وبصلواته.

نسكه

كان بسيطًا في ملبسه وفي مأكله، يعيش بالكفاف، ضابطًا نفسه من كل شهوة وفي أحد الأيام اشتاق أن يأكل "فراخًا" فطلب من تلميذه أن يطبخ له ذلك. فلما أعد له الطعام قدمه، فصلى الأب وطلب منه أن يحضره له في اليوم التالي. وتكرر الأمر في اليوم الثاني والثالث والرابع دون أن يأكل منه شيئا حتى فسد الطعام. حينئذ قال لنفسه: "كلي يا نفسي مما اشتهيت".

اتضاعه

يقول مستر ليدر: "تضايق عندما ألزمته بركوعي قدامه". من عادته الجميلة أنه ما كان يسمح لأحد من الشمامسة أن يتلو عبارات التبجيل الخاصة بالأسقف عند قراءة الإنجيل، ولا كان يميز نفسه عن شعبه بل يجلس على كرسي عادي كسائر أولاده. وكان يسر بدعوة أولاده له: "أبينا الأسقف"، ولا يسمح لأحد أن يدعوه: "سيدنا". وعندما زار البرنس سرجيوس "عم نقولا قيصر روسيا" وزوجته مصر عام 1868 وسمعا عن القديس توجها لزيارته، اهتمت الدولة واستقبلته استقبالاً رسميًا، وحاول أعيان الأقباط أن يشتروا أثاثا جديدًا للمطرانية لكنه رفض نهائيًا. ولما جاء الزائران وركعا على الأرض والأب جالس يصلي لهما بحرارة قدما له كيسًا به كمية من الجنيهات الذهبية، أما هو فاعتذر. وأخيرًا أخذ جنيهًا واحدًا وأعطاه لتلميذه رزق. وقد خرج الأمير من حضرته يقول أنه لم يشعر برهبة في حياته مثلما شعر بها عندما وقف أمام القديس العظيم الأنبا أبرام.

أسقفاً إنجيلياً

يقول عنه الأنبا ايسوذورس أنه كان عالمًا في مواضيع الكتاب المقدس إلى درجة حفظه نصوصها عن ظهر قلب، وقيل عنه أنه كان يطالع الكتاب المقدس كل أربعين يومًا مرة. وكان يجمع شعبه كل يوم للصلاة مساءً مع دراسة الكتاب المقدس.

إخراج الشياطين

قال الكاتب الإنجليزي ليدر: "سلطان الأسقف في إخراج الأرواح النجسة جذب إليه كثيرون من أماكن بعيدة أكثر مما فعلته المواهب الأخرى التي أشتهر بها".

نياحته

قبيل نياحته استدعى القمص عبد السيد وبعض الشمامسة وطلب منهم أن يصلوا المزامير خارج باب غرفته وألاّ يفتحوا الباب قبل نصف ساعة.... ولما فتحوا الباب وجدوا الأب قد تنيح في الرب. ومن المعروف أن الأستاذ سليم صائب حكمدار الفيوم قد نادى زوجته يوم 3 بؤونه (1914م) قائلا: "آه! يظهر أن أسقف النصارى قد مات... انظري الخيول وركابها المحيطين به، وهم يصرخون" إكئواب، إكئواب "، ثم قام لوقته وقابل أحد المسيحيين وسأله عن معنى كلمة" إكئواب "، فأوضح له أنها تعني بالقبطية" قدوس "وهي تسبحة السمائيين. إنه لا يزال ديره بالفيوم إلى يومنا هذا، الذي به رفاته، سرّ بركة لكثيرين. T. Y. Malaty: Anba Abraam, the Friend of the poor, Alexandria, 1974.

ابرآم بن زرعة

البابا الثاني والستون

سيامته بطريركيا

كان ابرآم بن زرعة السرياني الجنس تاجرًا ذا أموال كثيرة، يتردد على مصر مرارًا، وأخيرًا استقر فيها.

عرف هذا الرجل بتقواه وصلاحه خاصة محبته للفقراء مع علمه، لهذا عندما خلا الكرسي البطريركي. إذ كان الآباء الأساقفة مجتمعين في كنيسة أبي سرجة للتشاور في أمر سيامة البابا، ودخل عليهم هذا الأب، اعجبوا به واجمعوا على اختياره. سارعوا به إلى الإسكندرية حيث تمت سيامته في كنيسة القديس مارمرقس بكونه البابا 62. قام بتوزيع نصف ممتلكاته على الفقراء، وقدم النصف الآخر لعمارة الكنائس.

محبته للفقراء

عرف هذا البابا بحبه للفقراء واهتمامه بهم، لهذا في أيامه إذ تعين قزمان الوزير القبطي أبو اليمن واليًا على فلسطين، أودع عند البابا مائة ألف دينار إلى أن يعود، وأوصاه بتوزيعها على الفقراء والمساكين والكنائس والأديرة إن مات هناك. فلما بلغ البطريرك خبر ثورة القرمطيين على بلاد الشام وفلسطين ظن أن قزمان قد مات، فوزع ذلك المال حسب الوصية. ولكن قزمان كان قد نجا من الموت وعاد إلى مصر، فأخبره الأب بما فعله بوديعته، فسّر بذلك وفرح فرحًا عظيمًا.

أعماله الرعوية

من مآثره أنه أبطل العادات الرديئة ومنع كل من يأخذ رشوة من أحد لتقدمته بالكنيسة.

حرم أيضًا اتخاذ السراري، وشدد في ذلك كثيرًا وقد خاف الكثيرون الله وحرروا سراريهم، وجاءوا يقدمون التوبة على يديه. غير أن أحد الوجهاء لم يبال بحرمان البابا للأمر، وكان البابا ينصحه كثيرًا ويطيل أناته عليه، وأخيرًا إذ رأى أن هذا الرجل قد صار مثلاً شريرًا أمام الشعب قرر أن يذهب بنفسه إلى داره ويحدثه في الأمر. وإذ سمع الرجل بذلك أغلق باب داره ولم يفتح له، فبقى البابا ساعتين على الباب يقرع، وإذ رأى إصرار الغني على عدم فتح الباب والسلوك في حياة فاسدة، قال: "إن دمه على رأسه"، ثم نفض غبار نعله على عتبة الباب. وفي الحال انشقت عتبة الباب أمام الحاضرين وكانت من حجر الصوان.... ولم يمض وقت طويل حتى طرد الرجل من عمله وفقد كل ماله وأصيب بأمراض مستعصية، وصار مثلاً وعبرة للخطاة.

في مجلس المعز

عرف المعز لدين الله الفاطمي بعدله وسماحته وولعه بالعلوم الدينية، فكان يدعو رجال الدين للمناقشة أمامه.

كان لديه وزير يهودي يُدعي ابن كِلّس، طلب منه أن يسمح لرجل من بني جنسه يُدعى موسى أن يناقش البابا في حضرته فرحب المعز بذلك، وعرضها على البابا بطريقة مهذبة، فذهب إليه البابا ومعه الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين. أذن البابا للأسقف أن يتكلم، فقال:

"ليس من اللائق أن أتحدث مع يهودي في حضرة الخليفة". احتد موسى جدًا وحسبها إهانة واتهامًا له بالجهل. وفي هدوء أجابه الأسقف: "يقول اشعياء النبي عنكم" أن الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف "(إش 1: 2).

أُعجب الخليفة بهذه الدُعابة ورأى الاكتفاء بذلك، لكن الوزير اليهودي حسبها إهانة شديدة، فبدأ مع صديقه موسى يبحثا في العهد الجديد حتى وجدا العبارة: "من كان له إيمان مثل حبة خردل يقول لهذا الجبل انتقل فيكون" (مر 11: 23، مت 21: 21) فأطلعا الخليفة عليها، وسألاه أن يطالب بابا الأقباط بنقل الجبل المقطم إن كان له إيمان ولو كحبة خردل.

استدعى الخليفة البابا وسأله عن العبارة فقال إنها صحيحة، عندئذ سأله أن يتمم ما جاء بها وإلا تعرض الأقباط جميعا لحد السيف. طلب البابا منه مهلة ثلاثة أيام، وخرج على الفور متجها إلى كنيسة العذراء (المعلقة) وطلب بعض الآباء الأساقفة والرهبان والكهنة والأراخنة وأوصاهم بالصوم والصلاة طيلة هذه الأيام الثلاثة. وكان الكل مع البابا يصلي بنفس واحدة في مرارة قلب، وفي فجر اليوم الثالث غفا البابا آبرام من شدة الحزن مع السهر، وإذ به يرى القديسة العذراء مريم تسأله: ماذا بك؟ أجابها: أنت تعلمين يا سيدة السمائيين بما يحدث، فطمأنته، وطلبت منه أن يخرج من الباب الحديدي المؤدي إلى السوق فيجد رجلاً بعين واحدة حاملاً جرة ماء، فإنه هو الذي ينقل الجبل.

قام البابا في الحال ورأى الرجل الذي أشارت إليه القديسة مريم وقد حاول أن يستعفي لكنه إذ عرف ما رآه البابا وضع نفسه في خدمته متوسلاً إليه ألا يخبر أحدًا بأمره حتى يتحقق الأمر. عرف البابا أن هذا الرجل يسمى "سمعان" يعمل كخراز، جاءته امرأة ليصلح لها حذاءها وإذ كشفت عن رجلها لإثارته ضرب بالمخراز في عينه فقلعها، فصرخت المرأة وهربت. وإنه يقوم كل يوم في الصباح الباكر يملأ بجرته ماءً للكهول والشيوخ ثم يذهب إلى عمله ليبقى صائمًا حتى الغروب.

ذهب البابا والأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة مع كثير من الشعب إلى ناحية جبل المقطم وكان الخليفة بجوار البابا، وكان الوزير اليهودي قد آثار الكثيرين ضد الأقباط.... وإذ اختفى سمعان وراء البابا.... صلى الجميع ولما صرخوا "كيرياليسون"، وسجدوا، ارتفع الجبل فصرخ الخليفة طالبًا الآمان.... وتكرر الأمر ثلاث مرات، فاحتضنه البابا.... وصارا صديقين حميمين.

طلب منه المعز أن يسأله في أي أمر، وكان يلحّ عليه فلم يشأ أن يطلب وأخيرًا سأله عمارة الكنائس خاصة كنيسة القديس مرقوريوس بمصر، فكتب له منشورًا بعمارة الكنائس وقدم له من بيت المال مبلغًا كبيرًا، فشكره وامتنع عن قبول المال فازداد كرامة في عيني المعز من أجل تقواه وزهده.

ذهب المعز بنفسه في وضع أساسات الكنيسة ليمنع المعارضين.

نياحته

جلس على الكرسي ثلاث سنين وستة أيام ثم تنيح في السادس من شهر كيهك.

السنكسار: كيهك 6.

ابرام تلميذ شيشوى

إبرام أو إبراهيم تلميذ شيشوى Sisoes التبايسي يمثل الراهب الذي يحيا في حياة الرهبنة بروح التلمذة والطاعة مع النمو الدائم في المعرفة. له أكثر من حوار ورد في بستان الرهبان نذكر بعضًا منه في سيرة القديس شيشوى إن شاء الرب.

جاء في بستان الرهبان:

ذهب أبا إبراهيم (غالبًا تلميذ شيشوى) إلى أبا أريوس (غير أريوس الهرطوقي)، وإذ كانا جالسين جاء أخ آخر إلى الأبا يسأله، قائلا: "خبرني ماذا أفعل لأحيا؟". قال له: "امض واقض الأسبوع كله تجدل سعف النخيل وتصنع حبالاً، وتأكل خبزًا وملحًا مرة واحدة في الغروب، ثم تعال إلىّ فأخبرك ما تفعله". مضى الأخ وفعل كما أخبره، وإذ سمع الأبا إبراهيم بذلك تعجب.

انتهى الأسبوع وجاء الأخ ثانية إلى الشيخ أريوس، وحدث إن كان أبا إبراهيم حاضرًا. قال الشيخ للأخ: "اذهب وامض الأسبوع كله صائمًا، تأكل مرة واحدة كل يومين". (جاء في بعض النسخ سنة وليست أسبوعًا).

إذ مضى الأخ قال أبا إبراهيم لأبا أريوس: "لماذا تقدم وصايا سهلة لكل الأخوة الآخرين، أما هذا الأخ فتقدم له حملاً ثقيلاً؟ ”

عندئذ قال له الشيخ: "يأتي الأخوة الآخرون ويسألون وحسب سؤالهم يأخذون ويرحلون، أما هذا الأخ فيأتي من أجل الله ليسمع كلمة منفعة، وهو إنسان عمّال، وما أقوله له يتممه بحرص واجتهاد".

[هكذا اتسم الآباء بالحكمة والتمييز فيقدمون لكل إنسان قدر قامته، كما اتسم الرهبان في تلمذتهم للآباء الشيوخ على السؤال لنوال خبرة التمييز والحكمة فالطاعة لا تعني مجرد تنفيذ الأوامر بلا فهم أو إدراك].

حدث دفعة أن إبراهيم تلميذ أبا شيشوى جربه الشيطان، وإذ رآه الشيخ ساقطًا للحال بسط يديه نحو السماء، وقال لله: "ربي لن أتركك تذهب حتى تشفيه"، وللحال شفى إبراهيم.

[صورة رائعة للأبوة الحانية، فعوض توبيخ تلميذه على ضعفه، بإيمان بسط يديه يصارع مع ربه ولا يتركه حتى يشفي له تلميذه ويقيمه من التجربة].

Budge: The Paradise of the Fathers, 1972, v 2, P 21, 95.

ابرآم وجاورجي القديسان

كتب لنا القديس أنبا زخارياس أسقف كرسي صا (صا الحجر بكفر الزيات)، في القرن السابع، سيرة هذين القديسين، وكانا معاصرين له.

نشأة أبرآم

وُلد القديس أبرآم سنة 608 م، ونشأ في أسرة تقية محبة لله، كان والده محبًا للفقراء حتى إنه إذ حدث جوع بمصر قبل دخول الفرس عام 616 وزع كل أمواله ومحاصيله على الفقراء والمساكين، وباع منزله الكبير وسكن في منزل آخر صغير ليتصدق على المحتاجين. وإذ كان الغلاء شديدًا اضطر إلى توزيع ما لديه من أموال ومحاصيل زراعية مودعة لديه كأمانة واثقًا أن أصحابها ينتظرون عليه من أجل ما وصل إليه اخوتهم الفقراء، وأن الله لابد أن يتدخل. لكن أصحاب الودائع أرادوا استغلال المجاعة يطلبون ودائعهم، فقام وصلى للسيد المسيح الذي أرسل إليه قومًا آخرين قدموا له الكثير كأمانة لديه على أن يتصرف فيها إن لم يرجعوا خلال ثلاثة أيام.... فأعطى الأولين مالهم وبقى لديه فائض وزعه أيضًا، وكان يشكر الله ويسبحه من أجل رعايته لهؤلاء المساكين، حتى انتقل إلى السماء.

إذ نزح الملك الفارسي خسرو الثاني إلى مصر عام 616 وبلغ الإسكندرية سبا الكثيرين، من بينهم والدة أبرام التي ظلت في سبي فارس حتى تمكن الملك هرقل عام 627 من هزيمة الفرس في موقعة وستكرد الإيراينة.... وفي عام 629 انسحب الفرس من مصر وعادت الأم القديسة إلى ابنها أبرآم، ويقال إنها رأت نجاتها في رؤيا قبل إعادة المسبيين.

شيهيت

التقت الأم بابنها التي حرمت منه قرابة 13 سنة ولم يكن لديها غيره.... وفرح الاثنان معًا، وكانا يشجعان بعضهما البعض في الحياة التعبدية التقوية.... وإذ بلغ الخامسة والثلاثين من عمره فاتح الابن أمه أنه مشتاق للحياة الرهبانية ليتدرب على يدّي آباء شيهيت، وكان يظن أن في هذا صدمة على أمه الأرملة.... لكنه فوجئ أن تكشف له إنها وإن كانت فكرت في تزويجه بفتاة تقية ليعيشوا معًا، خاصة بعد هذا الفراق الطويل الذي احتملته لكن أبديته أهم وأفضل.... وأخذت تشجعه ألا يتراخى في الطريق، وأنها تسنده بالصلاة ليتمم جهاده.

لم يصدق أبرآم نفسه، لكن الأم أكدت له أن ما تفعله إنما هو من واقع الأمومة والمحبة لسعادة ابنها وبنيانه الروحي.... وإنها تقدمه قربان حب لله.

انطلق القديس أبرآم إلى الأنبا يوأنس قمص شيهيت يطلب قبوله تلميذًا له، فأعطاه "قلاية" وكان يدربه على حياة الطاعة والنسك الإنجيلي مع دراسة الكتاب المقدس وحفظ المزامير.

عكف أبرام على العبادة في قلايته وانسحب قلبه بالحب لله والتأمل، حتى كان يقضي أحيانا الأسبوع كله لا يرى أحدًا إلا في القداس الإلهي.

امتاز أبرآم بقلب نقي وحياة بسيطة فتمتع برؤية السيد المسيح نفسه، وكان كثيرًا ما يرى ملاكًا حارسًا يحرسه ويعزيه وأحيانًا يوبخه على فكر خاطئ يبثه عدو الخير فيه، كما نال موهبة إخراج الشياطين.

لقاؤه مع القديس جاورجي

كان جاورجي راعيًا للغنم مع أبيه أحب حياة التأمل، لذا ترك والديه التقيين وهو في الرابعة عشرة من عمره ليذهب إلى البرية.... في الطريق رأى الشاب الصغير عمود نور يرشده ففرح وتعزى. لكنه فجأة اختفى العمود ليظهر له إنسان عجوز يقول له: "لقد عبرت إحدى المدن فوجدت رجلاً مشقوق الثياب ينوح ويبكي بشدة، ويصرخ بصوت عظيم قائلا: أن الأسد قد افترس ابني وهو يرعى الغنم في الحقل، وأغلب الظن يا ولدي أنه أبوك. فعليك أن ترجع إليه وتطيّب قلبه، لأنه مكتوب:" أكرم أباك وأمك (خر 20: 12)، ثم تعود إلى البرية ". فأجابه الشاب بحزم أنه مكتوب" من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني "(مت 10: 37). للحال صار الشيخ دخانًا واختفى، فعرف جاورجي أنها خدعة شيطانية، أنقذه الرب منها، فقدم الشكر لله. عندئذ ظهر له الملاك غبريال على شكل صبي صغير حسن الصورة وبهي الملبس رافقه في الطريق حتى بلغ به إلى جبل أوريون بقرب شيهيت.

عاش جاورجي يتدرب على يدي راهب قديس على حياة الصلاة وحفظ الكتاب المقدس مع النسك، وكان يود التوحد في البرية الداخلية لكن الله لم يسمح له.

بتدبير إلهي إذ كان القديس أبرام يتجول في الجبل التقى بالقديس جاورجي في جبل القديس أوريون، فتحدثا معًا بعجائب الله، وشعرا باتفاق روحي في حياتهما واشتياقهما، فرأيا أن يعيشا معًا يسند أحدهما الآخر.... ذهبا إلى الكنيسة للصلاة وبقيا طوال الليل يطلبان مشورة الله من جهة قرارهما، وقد قيل أن القديس يوحنا المعمدان ظهر لهما وطلبا منهما أن يعيشا معا في إسقيط القديس مقاريوس.

ترك الأنبا جاورجي جبل أوريون بعد نواله بركة الآباء وانطلق إلى الإسقيط وكان قد سبقه الأنبا أبرام ليعد له مكانًا.... وهناك عرفه الأنبا أبرام بمعلمه القديس الأنبا يؤانس.... وسكنا معًا في قلاية تسمى بيجيج بجوار قلاية الأنبا يؤانس، وقد ظلت هذه القلاية من معالم الدير حتى القرن الرابع عشر حيث زارها بنيامين الثاني (1327 – 1339 م).

نياحته

عاشا معا بروح الصداقة القائمة على الحب الروحي يشجعان بعضهما البعض، حتى مرض الأنبا أبرآم وبقى مدة 18 سنة يعاني من قسوة الألم، وكان أخوة القديس جاورجي يخدمه ويصلي من أجله ويقرأ له في الكتب المقدسة.

إذ دنت الساعة بعد تناوله جاءه بعض الآباء الراقدين منهم القديس مقاريوس والأنبا يؤانس وجماعة من الملائكة يستقبلون نفسه الطاهرة، وقد بلغ من العمر 85 عامًا، وكان ذلك في عام 693 م.

لم يمض سوى حوالي خمسة أشهر حتى رقد أخوه القديس جاورجي بعد أن بلغ 72 عامًا ليدفن مع صديقه الحميم.

تعيد الكنيسة القبطية بتذكار نياحة الأنبا أبرآم في التاسع من طوبة، والأنبا جاورجي في الثامن عشر من بشنس.

ابراميوس

قدم لنا القديس بالاديوس أمثلة رائعة لقديسين عظماء خاصة من مصر، لكنه أيضًا قدم لنا سيرة أبراميوس أو إبراهيم Abramius حتى ندرك حرب الشياطين المستمرة حتى ضد الرهبان والنساك مهما بلغوا من حياة نسكية.

عاش ابراميوس في البرية في حياة نسكية شديدة، وكان قاسيًا جدًا على نفسه، لكن عدو الخير ضربه بالكبرياء والغرور.... فجاء يومًا إلى الكنيسة وأراد أن يمارس العمل الكهنوتي، فتعجب الحاضرون لأنه ليس بكاهن. أما هو فقال لهم: "لقد سامني المسيح بيده كاهنًا الليلة الماضية". عندئذ أدركوا سقوطه، فألزموه بترك البرية وصاروا يرعونه طالبين منه الاعتدال في الحياة النسكية حتى شفي مكن كبريائه وتشامخه، وبهذا أنقذوه من سخريات الشيطان بإدراكه لضعفه.

هنا نود تأكيد اهتمام الآباء النساك بالحياة الداخلية التقوية، خاصة الاتضاع.... لأن ممارسة النسكيات بلا تقوى تُفقد الإنسان حياته بالكبرياء والتشامخ.

Palladius: The Lausiac History, ch 53.

ابراهيم الأسقف

يدعى الأسقف إبراهيم أو ابراميوس Abraames, bishop of Carrhae.

تحتفل الكنيسة الغربية بعيده في 14 من شهر فبراير؛ حياته تعلن وحدة الحياة المسيحية دون ثنائية، فقلبه النقي يميل إلى العبادة بلا حدود، يحب الوحدة ليلتقي بعريسه السماوي، دون انغلاق نحو النفوس مقدمًا حياته مبذولة من أجل الكرازة بالحق.

ولد ببلدة Cyrrlus بسوريا، تاق لحياة التكريس للعبادة فعاش كمتوحد، وكان قلبه يزداد غيرة على خلاص كل نفس، لهذا التزم بالحب أن ينزل إلى قرية بجبل لبنان كل سكانها وثنيون. وفي اتضاع عمل كبائع فاكهة حتى يقدم حبًا لكل من يلتقي به، وإذ اكتشفوا أنه مسيحي أساءوا معاملته جدًا وصاروا يقاومونه.... لكنه احتملهم بصبره ووداعته.

بالكاد خلص من موت كانوا يعدونه له، وفي محبته لهم كان يقترض مالاً ليدفعه لجابي الجزية ليفتدي الفلاحين الذين يتعرضون للسجن بسبب عجزهم عن الإيفاء بالجزية، فربح القرية كلها، وأقام معهم ثلاث سنوات يعلمهم ويتلمذهم فأحبوه جدًا وتعلقوا به، ولكنه في حبه للوحدة دبّر لهم سيامة كاهن وانطلق إلى البرية.

سيامته أسقفًا

لم يكن ممكنًا أن يبقى كثيرًا في البرية فقد توافد الكثيرون إليه يطلبون إرشاده، وأخيرًا سيم أسقفًا على Carrhae بالمصيصة "ما بين النهرين"، فكان الأب الروحي الأمين في التزاماته الأسقفية مع سلوكه بحياة رهبانية زاهدة حتى تنيح عام 422 م في القسطنطينية، إذ قيل أن الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير كان يحبه جدًا ويكرمه فاستدعاه إلى العاصمة وأكرمه، وقد احتفظ بثوب له من المسوح كان يرتديه الإمبراطور في أيام معينة تكريمًا لهذا الأب.

Butler’s Lives of Saint, Febr. 14.

ابراهيم الجوهري المعلم

نشأته

رجل عصامي نشأ في القرن الثامن عشر من أبوين متواضعين فقيرين تقيين، والده يسمى يوسف الجوهري كان يعمل في الحياكة بقليوب. تعلم في كتّاب بلده الكتابة والحساب وأتقنهما منذ حداثته، فكان يقوم بنسخ بعض الكتب الدينية ويقدمها للبابا يؤانس الثامن عشر (البابا 107). سرّ البابا من غيرته وتقواه وقربه إليه، وكان يقول له: "ليرفع الرب اسمك، ويبارك عملك، وليقم ذكراك إلى الأبد".

بدأ عمله ككاتب لدى أحد أمراء المماليك، توسط له البابا لدى المعلم رزق رئيس كتّاب علي بك الكبير، فأتخذه كاتبًا خاصًا له، واستمر في هذه الوظيفة إلى آخر أيام علي بك الكبير الذي ألحقه بخدمته، ولما تولى محمد بك أبو الذهب مشيخة البلد اعتزل المعلم رزق من رئاسة الديوان وحلّ المعلم إبراهيم محله، فبدأ نجمه يتألق في مصر، حتى صار رئيس كتاب القطر المصري في عهد إبراهيم بك، وهي تعادل رتبة رئاسة الوزارة حاليًا.... هذا المركز زاده وداعة واتضاعًا وسخاءً فاجتذب القلوب إليه.

تجاربه

كان له ابن يدعى يوسف وابنة تسمى دميانة، مات الأول بعد ما أعد له منزلاً بكل إمكانياته ليزوجه.... فكانت نفس الوالدين مرة للغاية حتى سمّر الرجل الباب بمسامير وكسر السلم كي لا يدخل أحد البيت لكن، تحولت المرارة إلى حب شديد لمساعدة الأرامل والأيتام وتعزية كل حزين أو منكوب. وقد ظهر القديس أنبا أنطونيوس لزوجته كما له في نفس الليلة وعزاهما.

حدث انقلاب في هيئة الحكام، وحضر إلى مصر حسن باشا قبطان من قبل الباب العالي فقاتل إبراهيم بك شيخ البلد ومراد بك واضطرا إلى الهروب إلى أعالي الصعيد ومعهما إبراهيم الجوهري وبعض الأمراء وكتّابهم.... فنهب قبطان باشا قصور البكوات والأمراء والمشايخ واضطهد المسيحيين، وقام بسلب ممتلكات المعلم إبراهيم وعائلته وكل ما قد أوقفه على الكنائس والأديرة.

اضطرت زوجته إلى الاختفاء في بيت حسن أغا كتخدا علي بك، لكن البعض دلّ الباشا عليها، فاستحضرها وأقرت بكل ممتلكاتهما، كما استحضر أيضا ابنتها دميانة التي طلبت من الباشا مهلة، فيها جمعت بعض الفقراء لتقول له: "أن أموال أبي في بطون هؤلاء وعلى أجسامهم".... ويبدو أن الباشا تأثر لذلك إلى حد ما فلم يبطش بها.

عاد إبراهيم بك ومراد بك ومعهما المعلم إبراهيم إلى القاهرة في 7 أغسطس 1791، وكان المعلم إبراهيم محبوبًا من السلطات جدًا ومن الشعب حتى دُعي "سلطان القبط" كما جاء في نقش قديم على حامل الأيقونات لأحد هياكل كنائس دير الأنبا بولا بالجبل الشرقي، وأيضًا في كتابه بقطمارس محفوظ بنفس الدير.

قال عنه الجبرتي المؤرخ الشهير: "إنه أدرك بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظيم الصيت والشهرة، مع طول المدة بمصر ما لم يسبق من أبناء جنسه، وكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات، وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يغرب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور، ويداري كل إنسان بما يليق به من المداراة، ويفعل بما يوجب من انجذاب القلوب والمحبة إليه، وعند دخول شهر رمضان كان يرسل إلى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا، وعمرت في أيامه الكنائس والأديرة، وأوقف عليها الأوقاف الجليلة، والأطيان، ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدائرة والغلال".

قال عنه الأنبا يوساب الشهير بابن الأبح أسقف جرجا وأخميم إنه كان محبًا لكل الطوائف، يسالم الكل، ويحب الجميع، ويقضي حاجات الكافة ولا يميز أحدًا عن الآخر في قضاء الحق.

خلال علاقاته الطيبة مع السلاطين في مصر والأستانة كان يستصدر فرمانات خاصة ببناء الكنائس وإصلاحها. كما قدم الكثير من أمواله أوقافًا للكنائس والأديرة، واهتم بنسخ الكثير من الكتب الدينية على حسابه لتقديمها للكنائس.

وداعته

قيل أن أخاه جرجس جاءه يوما يشتكي له من بعض الشبان إنهم أهانوه في الطريق، سائلاً إياه أن يتصرف خلال سلطانه، فقال له أنه سيقطع ألسنتهم.... وفي اليوم التالي إذ كان أخوه يسير في نفس الطريق وجد الشبان يحبونه ويكرمونه جدًا. فلما سأل أخاه عما فعله معهم، أجاب أنه أرسل لهم عطايا وخيرات قطعت ألسنتهم عن الشر.

قيل عنه أيضًا إنه إذ كان يصلي في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة، وكان متعجلاً أرسل إلى القمص إبراهيم عصفوري – من علماء عصره – يقول له: "المعلم يقول لك أن تسرع قليلاً وتبكر في الصلاة ليتمكن من اللحاق بالديوان". أجابه الكاهن: "المعلم في السماء واحد، والكنيسة لله لا لأحد. فإن لم يعجبه فليبن كنيسة أخرى". إذ سمع المعلم إبراهيم تقبل الإجابة بصدر رحب دون غضب أو ثورة، ولكنه حسب ذلك صوتًا من الله إذ بنى كنيسة باسم الشهيد أبي سيفين بالجهة البحرية لكنيسة السيدة العذراء.... أما الكاهن فجاء يهنئه على بنائها، قائلاً: "حمدًا لله الذي جعل استياءك سببًا في بناء كنيسة أخرى فزادت ميراثك وحسناتك".

حبه لخدمة الآخرين

عاد المعلم إبراهيم بعد قداس عيد القيامة المجيد ليجد أنوار بيته مطفأة كلها، وإذ سأل زوجته عن السبب أجابته: "كيف نستطيع أن نبتهج بالنور، ونعّيد عيد النور المنبثق من القبر الفارغ وقد حضرت عندي في المساء زوجة قبطي سجين هي وأولادها في حاجة إلى الكسوة والطعام؟! وقد ساعدني الله، فذهبت إلى زوجة المعلم فانوس الذي نجح في استصدار الأمر بإطلاق سراحه". فذهب المعلم إبراهيم وأحضر الرجل وزوجته وأولاده إلى بيته لكي يضيء الأنوار ويبتهج الكل بالعيد أما ما هو أعجب فإن هذا السجين الذي أكرمه المعلم في بيته إذ قدم له عملاً، قال للمعلم بأن هناك صديق له هو أولى منه بهذه الوظيفة وأكثر منه احتياجًا، ففرح المعلم إبراهيم باتساع قلب هذا الرجل ومحبته، وقدم عملاً لصديقه.

محبة غالبة للموت

انتقل المعلم إبراهيم في 25 بشنس سنة 1511 الموافق 31 مايو 1795، فحزن عليه أمير البلاد إبراهيم بك الذي كان يعزه جدًا، وقد سار في جنازته، ورثاه البابا يؤانس.

لم تنته حياته بموته فقد قيل أن رجلاً فقيرًا اعتاد أن يأتيه (ربما من بلد أخرى) بطريقة دورية يطلب معونة، وإذ جاء كعادته وبلغ داره عرف إنه تنيح فحزن جدًا. سأل عن مقبرته، وانطلق إليها يبكي ذاك السخي بمرارة، حتى نام من شدة الحزن، وظهر له المعلم إبراهيم يقول له: "لا تبكِ، أنا لي في ذمة (فلان الزيات ببولاق) عشر بنادقة، فسلّم عليه مني وأطلبها منه فيعطيها لك". إذ استيقظ الرجل خجل أن يذهب إلى المدين. بالليل ظهر له المعلم مرة أخرى في حلم وسأله أن ينفذ ذات الأمر.... لكنه أيضا تردد في الأمر. وفي المرة الثالثة قال له: "لا تقلق، اذهب كما قلت لك، وسأخبره بأمرك". فقام الفقير وذهب إلى الرجل دون أن ينطق بكلمة. تفرس فيه الرجل وطلب منه أن يروي له ما حدث معه. وإذ روى له ذلك، قال: "بالحق نطقت، لأن المعلم إبراهيم تراءى لي أنا أيضا، وأبلغني بالرسالة التي أمرك بها. فإليك ما في ذمتي، وهوذا مثلها أيضا مني".

محبة بلا تعصب

يروي لنا توفيق إسكارس في كتابه: "نوابغ الأقباط ومشاهيرهم في القرن التاسع عشر" أن أسرة سريانية أرثوذكسية من حلب لا تزال تقيم قداسات إلهية باسم هذا الراحل، ذلك أن عائلهم وجد ضيقًا شديدًا ونُهبت أمواله في حلب فجاء إلى مصر واهتم به المعلم إبراهيم وسنده في عمل التجارة فانجح الرب طريقه واقتنى ثروة ضخمة ورجع إلى عائلته يروي لهم ما فعله هذا القبطي به، فرأوا أن يقيموا قداسات باسمه اعترافًا بفضله.

ابراهيم القيدوني

روى لنا القديس أفرام السرياني قصة ناسك يدعى إبراهيم أو أبرام أو إبراميوس القيدوني Abraham of Kidunaia، وكان معاصرًا له من وطنه، أحبه جدًا لنسكه مع اتساع قلبه بالحب وشوقه لخلاص كل نفس، كثيرًا ما كان يزوره ويتحدث معه. وقد جاءت القصة مشابهة لقصة تاييس لأناتول فرانس التي كتبها بعد أحداث هذه القصة بقرون طويلة.

تحتفل الكنيسة الغربية بعيده في 16 مارس.

حداثته

ولد إبراهيم في مدينة الرها أو أحد ضواحيها، وقد دعي "القيدوني" نسبة إلى قرية قيدون بجوار الرها، من بيت كريم كثير الغنى، هذبه والداه بالثقافة والفلسفة مع التقوى والورع.

عافت نفس الفتى كل غنى هذا العالم ومباهجه، وإذ أدرك والداه تقشفه الزائد وميله للعزلة إذ كان يقضي أوقاته في العبادة مع الدراسة والتأمل خشي أن يتركهما ابنهما المحبوب لديهما إلى الحياة النسكية فألزماه بالزواج. ومن أجل حيائه وتقواه لم يستطع مقاومة والديه، فوجد نفسه قد ارتبط بعروس في الكنيسة.

بقى الوالدان يقيمان الحفلات لمدة أسبوع كأهل زمانهم من أجل زواج ابنهما.... وقبل أن يتعرف الشاب على عروسه تسلل ليلاً واختفى. صار الكل يبحث عنه حتى وجدوه بعد 17 يومًا مختفيًا في مغارة خارج المدينة.

حياته النسكية

عبثًا حاول السعاة أن يردوه إلى البيت إذ وضع في قلبه أن يعيش بتولاً، يمارس الحياة النسكية والتعبدية..... (لا نعرف ما موقف عروسه إذ لا يليق به أن يتركها دون موافقتها).

قيل أنه بنى المغارة بالطوب ولم يترك إلا طاقة صغيرة يتناول منها طعامه، وعاش في المغارة يمارس العبادة الملائكية مع جهاد ضد قوات الظلمة.

إن كان إبراهيم قد هرب من العالم وملذاته واهتماماته لكنه بقلب متسع بالحب لله والناس، لهذا تحولت مغارته إلى سّر بركة لكثيرين، فصارت ملجأ لكل حزين ومتألم ومريض، يجد الكل فيه قلبًا محبًا ونفسًا ملتهبة بالروح، يسند كل القادمين إليه.

أفرام الكاهن

فرح أسقف الرها بهذا الناسك الذي صار بركة للمدينة وتعزية للكثيرين، وسّر بناء روحي لنفوس كثيرة.... وإذ كان الأسقف متألمًا بسبب أهل "بيت قيدون Beth - Keduna" في ضواحي الرها، إذ كانوا وثنيين قساة القلب لا يستجيبون لأي عمل كرازي، ألّح على إبراهيم أن يقبل السيامة كاهنًا ليخدم بين هذه النفوس.

أمام محبته لخلاص كل نفس قَبِل السيامة وانطلق إلى المدينة وسط الوثنيين الذين عاملوه بقسوة، حتى ضرب أكثر من مرة وألُقى بين القاذورات حاسبين أنه مات.... وكان إذ يسترد أنفاسه يعود إليهم ثانية ويتحدث معهم عن إنجيل المسيح.... وبعد ثلاثة أعوام إذ رأوا صبره ووداعته وقداسة سلوكه آمنوا بالسيد المسيح واعتمدوا.

التف الكل حوله وتحولت المدينة إلى مقدس للرب.... وفرح الأسقف جدًا، لكن فجأة إذ اطمأن الكاهن عليهم اختفى راجعًا إلى مسكنه، فبكاه الكل.... وسام لهم الأسقف كاهنًا يرعاهم.

مع مريم ابنة أخيه

قيل أنه بعد عودته إلى مغارته مات أخوه وترك ابنة يتيمة الأب والأم تدعى مريم، كانت في السابعة من عمرها.... فاستأجر لها موضعًا بجواره وكان يهتم برعايتها ويدربها على تلاوة المزامير والحياة المقدسة في الرب، فتقدمت في الفضيلة وأحبت الحياة النسكية ممتثلة بعمها الأب أفرام.

استطاع أحد الشبان أن يخدعها حتى سقطت معه في الخطية، وإذ خشيت الالتقاء مع عمها هربت بعيدًا وتحولت إلى حياة الدنس والنجاسة بعنف.

بكاها القديس إبراهيم كثيرا، وكرّس صلوات ومطانيات وأصوام من أجل خلاصها.... وأخيرًا إذ عرف مكانها تخَفى في زي آخر والتقى بها حتى لا تهرب منه.... وبروح الوداعة مع دموع غزيرة ردها إلى التوبة، فرجعت معه مملوءة رجاءً مع انسحاق قلب، وقضت بقية حياتها تمارس التوبة مع نسك شديد. أما هو فإذ ردّ ابنة أخيه لم يبق كثيرًا بل أسلم روحه الطاهرة في يدي الرب.

قال عنه كاتب سيرته:

"لم يُر قط ضاحكًا، بل كان يتطلع إلى كل يوم أنه يومه الأخير.

مع هذا فكان محياة نشيطًا، كامل الصحة وقوي البنية كما لو كان لا يمارس حياة التوبة ".

حياته صورة حيّة لتكامل الفكر النسكي مع التهاب القلب بالحب الإنجيلي، والتحام الحياة التأملية بالكرازة، واهتمام النفس بخلاصها خلال حبها لخلاص الكل.

كتب مار إبراهيم صلوات وأدعية ضُم بعضها إلى كتاب "الأجبية" السرياني، أي صلوات الرهبان السبع. وقد نظُمت أناشيد سريانية كثيرة مستوحاة من توبة ابنة أخي مار إبراهيم، منها مرقاة أو سيبلتو (منظومة سريانية ملحّنة) لمار أفرام السرياني، قام بترجمتها إلى العربية غبطة البطريرك مار اغناطيوس زكا الأول عواص، جاء فيها:

"مبارك هو المسيح الذي يفتح باب رحمته للخطاة التائبين، ألا فلأتنهد باكية على حياتي!

الويل لي، ماذا أصابني؟ وكيف سقطت؟ يارب ارحمني....

لقد اختارني ابن الملك (السماوي) ودعاني لأفرح بوليمته، إلا أنني فضّلت فرح البشر. فيارب ارحمني.

ويلاه! فإن الدير الذي اتشحت فيه بالاسكيم الرهباني يندبني الآن،

وإن الشيخ الذي ألبسني الاسكيم ينتحب عليّ بحزن عميق،

آه منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟!

لقد نزعت عني الاسكيم المقدس، وارتديت حلة زانية....

الويل لي.... يارب ارحمني....

لقد نسيت مطالعة الكتب المقدسة، فالويل لي.

وأبدلتها بصوت مزمار منكر. فيارب ارحمني.

ويلاه! فقد كنت حمامة طاهرة ووديعة،

وسقطت بين شدقي إبليس، وصرت له لقمة سائغة،

آه منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟....!

أيها العليّ الذي طأطأ سماء مجده ونزل إلى الأرض لينقذ الغرقى أمثالي،

انتشلني من هوة الظلام التي سقطت فيها،

آه ارحمني يارب.

السماء والأرض ترجوانك من أجلي يارب "....

مار أغناطيوس زكا الأول: رائحة المسيح الذكية، 1984، ص 61 - 73.

ابراهيم المتوحد القديس

أحد الرهبان الباخوميين، تحتفل الكنيسة بعيد نياحته في 30 بابه.

ولد بمنوف من أسرة متدينة تقية وغنية، فنشأ زاهدًا في كل شيء.... وإذ كبر انطلق إلى اخميم بصعيد مصر ومنها إلى حيث القديس باخوميوس الذي كاشفه باشتياقات قلبه، فاختبره وألبسه زي الرهبنة.

عاش هذا القديس 23 سنة في الدير يمارس حياة الشركة بتقوى ومحبة شديدة لاخوته الرهبان، وإذ كان يتوق لحياة الوحدة سمح له القديس باخوميوس أن ينفرد في مغارة خارج الدير.

عاش زاهدًا للغاية، يعمل بيديه شباكًا لصيد الأسماك يبيعها أحد المؤمنين ليشتري له فولاً، ويتصدق بالباقي، فكان طعامه اليومي قليلا من الفول المبلول كل مساء، أما ثوبه فتهرأ ولم يقتن آخر بل كان يلبس قطعة من الخيش إذ لم يكن يلتقي بأحد، ولا يخرج من قلايته إلا للتناول مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات.

إذ شعر أن أيامه قد أوشكت على النهاية أرسل للقديس تادرس تلميذ القديس باخوميوس الذي كان يحبه جدًا، وصليا معًا ليرشم نفسه بعلامة الصليب وتنطلق نفسه.!

السنكسار: 30 بابه

ابراهيم روفائيل الطوخي بك

لاهوتي شهير ولد ببلدة طوخ الناصرى من أعمال المنوفية عام 1836، تنقل في دوائر الحكومة ووظائفها الحكومة حتى عُيّن مستشارًا في محكمة الاستئناف الأهلية، وتوفى بالقدس في خميس العهد 29 برمهات 1620 ش الموافق 7 أبريل 1904 م.

كان عضوا في المجلس الملي الأول عام 1873م.

وضع ستة مؤلفات دينية في مواضيع مختلفة....

ابراهيم بك نخلة

يعتبر إبراهيم بك نخلة وأخوه صالح نخلة من أبناء الكنيسة المشهود لهم في القرن التاسع عشر لما قدماه من خدمات جليلة في الإسكندرية.

نشأته

والدهما المعلم نخلة إبراهيم كاتم أسرار السيد شريف باشا الكبير والمشرف على أعماله، اهتم بتربية أولاده وتعليمهم. التحق ابنه إبراهيم بإدارة شئون الرجل الثري الشهير الكونت زغيب الكبير بالإسكندرية، والتحق أخوه صالح بخدمة القطاوية بالإسكندرية حيث شغل وظيفة باشكاتب البنك القطاوي، تركها ليلتحق بدائرة الأمير فاضل باشا كرئيس للحسابات، بعدها التحق كرئيس لحسابات الدائرة البلدية، ثم انتقل بعد ذلك رئيسًا لحسابات الدائرة البلدية.

اهتماماته الكنسية

اهتم الأخان بتشييد كاتدرائية كبرى على مقبرة القديس مارمرقس مع بعض أراخنة الإسكندرية، كما قاما ببناء مدرسة كانت الأولى من نوعها، احتلت المكانة الأولى بين مدارس الإسكندرية، إذ لم يكن بالمدينة مدرسة مصرية أخرى سوى مدرسة رأس التين الأميرية.... وكان وزير المعارف يحضر احتفالها السنوي.

قام الأخان بتعديل مبنى دار البطريركية.

كان البابا ديمتريوس الثاني والبابا كيرلس الخامس يشملان الأخين بعطفهما وبركتهما، ويشجعانهما على الخدمة، وقد عين البابا كيرلس الخامس إبراهيم ناظرًا على الأوقاف المرقسية ومدرستها وأخاه صالح نخلة ناظرًا على الكنيسة المرقسية. وإذ مات الأخير عام 1887 م اسند البابا كيرلس عمله لأخيه.

كان لإبراهيم الدالة لدى البابا والمجلس الملي، لهذا عندما حدثت أزمة بينهما قام بمصالحتهما.

مات يوم 14 إبريل 1906 م في فجر سبت النور، وكان قد أعد مواد البناء لإقامة معهد علمي بأرض المرقسية.

ابركيوس الأب

عاش في فيريجيا سالوتريس Phrygia Salutris، في القرن الثاني، أسقفًا على هيروبوليس (غير هيرابوليس) يسمى أبركيوس Abercius..

قام برحلة إلى روما وكان قد بلغ الثانية والسبعين؛ في رحلته عبر على سوريا وما بين النهرين وافتقد نصيبين، وقد أعطاه الله نعمة في أعين الكل أينما ذهب فكان يعمّد الكثيرين ويمارس سّر الافخارستيا. وعند عودته إلى بلده أعد قبرًا لنفسه نحت عليه رموزًا كما سجل رحلته إلى روما باختصار.

ابرونيانوس

Apronianus

كان وثنيًا، ذا رتبة عظيمة بروما، تحول هو وزوجته أفيتا Avita إلى الإيمان بالسيد المسيح على يدي القديسة ميلانيا الكبرى، وصارا يمارسان الحياة النسكية وإنكار الذات.

Budge: The Paradise. V I, P 158.

ابريموس البابا الخامس

راجع بريموس.

ابسخيرون القليني الشهيد

نشأته

كلمة "أباسخيرون" أو "أبسخيرون" مشتقة من كلمتين: "أباّ" معناها "أب"، و "سخيرون" "أسشيروس" أو "إسكاروس"، معناها "القوي".

وُلد بقلين من محافظة كفر الشيخ، وكان جنديًا شجاعًا محبوبًا، له شهرة واسعة ومكانة بين رفقائه ورؤسائه، من جنود الفرقة التي كانت بأتريب (بنها).

موقفه من منشور دقلديانوس

إذ أصدر دقلديانوس منشورًا بالذبح للأوثان في كل إنحاء الإمبراطورية، وإذ أعُلن المنشور بين الجند رفض أبسخيرون التعبد للأوثان، فقام الوالي ولطمه وصار يوبخه، أما هو فألقى بمنطقة الجندية أمامه، للحال أمر الوالي بسجنه.

كان للقديس أبسخيرون أخان جاءا إليه يبكيان ويستعطفانه ليبخر للأوثان، وإذ لم يستجب لدموعهما صار يتبرأن منه، أما هو فكان يحدثهما عن الإيمان بالسيد المسيح.... ثم صار يصلي فظهر له ملاك يسنده ويشجعه.

قدم في صباح اليوم التالي للمحاكمة، وصار الوالي تارة يهدده وأخرى يلاطف، وإذ وجده ثابتًا على إيمانه قرر ترحيله إلى أريانا والي أنصنا (قرية الشيخ عبادة تجاه ملوي شرق النيل). قيد أبسخيرون ورحل مع أربعة من الجنود على مركب متجهًا نحو الصعيد. فظهر له السيد المسيح وهو في السفينة وحلّ قيوده، وإذ توسل إليه الجنود سمح لهم أن يقيدوه حتى لا يتعرضوا للموت.

في أسيوط

لم يجدوا الوالي في أنصنا إذ عرفوا أنه قد ذهب إلى أسيوط، فانطلقوا إليه وهناك تعرف أبسخيرون على جماعة المؤمنين من أسوان وإسنا كانوا قد حُملوا إلى أريانا ليعذبهم، فتعزى الكل معًا.

أخرج القديس روحًا شريرًا كان يعذب مشير الوالي مكسيماس (غالبًا والي أسيوط الذي كان برفقة أريانا والي أنصنا)، فاغتاظ الوالي وأمر بربط القديس في خيل والطواف به في شوارع المدينة، ويصيح البعض أمامه، قائلين: "هذا جزاء من لا يخضع لأوامر الملوك ويقدم البخور للآلهة".

قُدّم لعذابات كثيرة وكان الرب يسنده ويقويه. اتهمه أريانوس بالسحر، فاستدعى ساحرًا يدعى الكسندروس قدم له كأسًا به سم، رشم عليه القديس علامة الصليب فلم يصبه أذى، فآمن الساحر بالسيد المسيح وقطع أريانا رأسه.

تشدد أريانا في تعذيبه للقديس وأخيرًا قطع رأسه في 7 بؤونه مع خمسة من الجنود هم ألفيوس وأرمانيوس وأركياس وبطرس وقيرايون.

كنيسة القديس أبسخيرون بالبيهو

هي كنيسة القديس أبسخيرون التي كانت بقلين (بمحافظة كفر الشيخ)، نقلها القديس إلى البيهو بمحافظة المنيا بالصعيد، ولا زالت قائمة إلى اليوم.

قيل أن أهل قلين اعتادوا أن يعينوا ليلة محددة لإقامة عددًا من الزيجات معًا، ربما بسبب صعوبة المواصلات في ذلك الوقت، ولتوافقها بوقت جمع المحاصيل. وفي أحد هذه الاحتفالات إذ كان حوالي مائة شخص مجتمعين في الكنيسة، كان عدو الخير قد أثار المضطهدين عليهم، وكان المؤمنون في هذه المدينة يتشفعون دائما بالقديس أبسخيرون الذي من بلدتهم. وفي أثناء الليل قبل أن ينفذ المضطهدون ما في نيتهم نقلت الكنيسة بمن هم فيها إلى البيهو بصعيد مصر. وفي الصباح خرج الناس من الكنيسة ليجدوا أنفسهم في بلد غير بلدهم.

ظهر لهم القديس دون أن يعرفوه، وسار معهم حتى شاطئ النيل، وإذ ركبوا سفينة وصلوا إلى قلين في يوم واحد عوض ثلاثة أيام، فتعجب صاحب السفينة وآمن بالمسيحية، وفي قلين لم يجدوا الكنيسة، لا يزال مكانها بركة ماء تسمى بحيرة القليني.

كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك: أبا سخيرون الجندي، 1977.

ابصادى أسقف أبصاي

كلمة (إبصادي) أو (بسادة) تعني (الذليل).

كان القديس بسادة أسقفًا على أبصاي أي المنشاة شرق بجوار أخميم.

في عهد دقلديانوس أرسل إليه إريانا والي أنصنا يستدعيه لما عرفه عنه من يقظته في رعايته لشعبه وتثبيتهم على الإيمان المسيحي.

دعى الأب الأسقف شعبه وحثهم على الجهاد، وأقام لهم قداسًا إلهيًا اشترك فيه الكل وتناولوا الأسرار الإلهية، ثم ودعهم مسلّمًا نفسه بين يدي رسل إريانا. وإذ التقى بالوالي رقّ له، لما للأسقف من هيبة ووقار وسأله في احتشام أن يسمع لأمر الإمبراطور ويخلص نفسه من المتاعب، لكن الأب الأسقف رفض بشجاعة أن يبخر للأوثان.

احتمل عذابات كثيرة بالهنبازين وبإلقائه في مستوقد حمام، وكان الرب يحفظه. وأخيرًا نال إكليل الاستشهاد في 27 من شهر كيهك.

ما زال يوجد ديره باسم القديس الشهيد بسادة بشرق المنشاة بركة صلواته تكون معنا آمين.

ابطلماوس الشهيد

أبطلماوس هذا غير أبطلماوس القس الذي استشهد مع القديسين (أباكير ويوحنا وفيلبس) بجوار دمنهور في 15 من شهر بؤونة.

لقاؤه مع ببنودة السائح

أبطلماوس بن نسطوريوس من مدينة دندرة، على الشاطئ الغربي من النيل مقابل مدينة قنا بالصعيد الأقصى.

كان أبطلماوس قد أخذ بعض الجند وانطلق إلى الجبل في رحلة صيد، فالتقى هناك بالقديس ببنودة الراهب السائح (بفنوتيوس). اقترب الراهب منه بناء على صوت سمعه من السماء، لكن الجند استخفوا به من أجل رداءة ثيابه وحاولوا طرده، أما أبطلماوس فنزل عن حصانه وضرب للأب مطانية أمام الجند وطلب منه أن يرافقه... ثم أخذه إلى بستان له مملوء بالأشجار المثمرة.

رأى القديس ببنودة هذا المجد الذي يعيش فيه الشاب أبطلماوس فصار يبكي.

- أعلمني ما الذي يبكيك يا أبي؟

- يا ولدي ليس بكائي من أجل هذا المجد ولا تلك الكرامة التي أشاهدها، وإنما تذكرت الأمجاد التي أُعدت لنا في ملكوت السموات إن حفظنا وصايا الرب.

- يا أبي لن أتركك، وكل ما تشير به عليّ أفعله. إنما أريد منك ألا تفارقني بل تمكث معي في هذا الموضع.

- لا يمكنني أن امكث عندك.

- إذن خذني معك إلى البرية.

- إني أخاف سطوة أبيك، لكن إن كنت تريد الوصول إلى ملكوت السموات بطريق مختصر فها أنا أرسلك إلى مدينة أنصنا، عند رجل تقي عابد الله اسمه دوروثيؤس، يدعى (اللآبس النور) من أجل حسن عبادته.

عندئذ كتب القديس ببنودة رسالة للقديس دورثيؤس يوصيه فيها بأبطلماوس. ثم نصح أبطلماوس قائلاً له أن يحذر لنفسه من عدو الخير الذي يثير عليه تجارب كثيرة من جهة امرأة شريرة تلتقي به في الطريق، طالبًا منه ألا يكف عن ذكر اسم المسيح لكي يخلصه من التجارب والبلايا. كما أنبأه بأنه إذ يمضي إلى مدينة أنصنا يثير عدو الخير عليه رياحًا شديدة لتحطم السفينة، وطلب منه أن يسأل الرب الخلاص فينال عونًا سريعًا.

مع الأب دوروثيؤس

أطاع أبطلماوس وصية الأب ببنودة، وفي الحال تخفى وانطلق في الطريق ليجد ما قد أعلنه له الأب ببنودة يتحقق حرفياً، وإذ التقى الأب دورثيؤس (ضورتاوس) أعطاه الرسالة، فجلس معه الأب وأرشده أن يذهب إلى إريانا والي أنصنا ويعترف بالسيد المسيح، فينال الإكليل سريعًا عوض الطريق الطويل خلال الحياة الرهبانية.

استشهاده

انطلق إلى إريانا حيث اعترف بالسيد المسيح فأذاقه عذابات كثيرة، وأخيرًا أمر الوالي أن يعبروا به النيل إلى الغرب إلى قرية طوخ الخيل، حاليًا منطقة خربة شمال غرب طحا، وهناك عُلق على صارية عالية وبقي هكذا تسعة أيام حتى طعنه أحد الجنود في رقبته فأكمل شهادته في 11 من شهر كيهك.

قيل أن عسل نحل كان يسيل من الصارية كل من أكل منه وهو مريض يشفى.

دُفن جسده وأقيمت عليه كنيسة بعد انقضاء فترة الاضطهاد.

القمص بفنوتيوس السرياني: روحانية التسبحة، جـ4، 1975، ص 128 - 130.

سنكسار رينيه باسيه: يوم 11 كيهك.

ابفيّة الشهيدة

قبلت الإيمان على يدّي الرسول بولس، وقد تركنا الحديث عن شخصيات الكتاب المقدس لقاموس مستقل إن أذن الرب.

ابن الأبح

القديس يوحنا بن الأبح

القديس يوحنا الأبح كان وزيرا للمستنصر بالله الفاطمي. وكان عزيزا ومكرما عنده جدا نظرا لأمانته وعلمه وجعله على جميع كوره مصر. وكان هذا الوزير متواضعا رحيما على كل الناس وحدث أن وقع في ضيقة عظيمة بسبب مكيدة أحد الأشرار حتى أراد الخليفة أن يقطع رأسه وكان يتشفع هو وزوجته الفاضلة بالقديسة بر بارة فأظهر الله الحقيقة للخليفة فعاقب صاحب المكيدة أشر عقاب وأفرج عن وزيره الأمين وزادت محبته له. ثم قال له اطلب مني أي طلب فأقضيه لك فقال هل شهوتي أن أبني كنيسة بالقرب من بيتي اصلي فيها أنا وعائلتي وجيراني فصرح له ببناء كنيسة فأحضر كل ما يلزم للبناء وبكميات كبيرة بدلا من أن يبني كنيسة واحدة بني كنيستين كانتا مهدمتين وهما كنيسة القديس أبى سرجه وكنيسة القديسة بربارة بمصر القديمة وهما متجاورتان فأكمل البناء بهدوء وجاء الأب البطريرك فكرساهما وكان فرح عظيم بين الأقباط، سمع الخليفة أن الوزير يوحنا بن الأبح بني كنيستين وليس واحدة كما صرح له فأستحضره وأمره أن يهدم واحدة منهما وأرسل معه الجنود والعمال بالمعاول لهدم إحدى الكنيستين فخرج الوزير حزينا مغموما جدا وظل يتنقل بين الكنيستين يصلي في قلبه وهو في حيرة شديدة من هذا الأمر وكلما يذهب إلى واحدة يجدها أجمل من الأخرى فلا يهون عليه هدمها. وظل الوزير القديس يتنقل بين الكنيستين وخلفه الجنود والعمال بمعاولهم ومن كثرة التعب وضيق الجوع والعطش بسبب الصوم خارت قواه وأستند على حائط بين الكنيستين وأشار إلى من حوله أن يسقيه قليلا من الماء ولما أحضروا له الماء وجدوه قد تنيح، فلما سمع الخليفة عز عليه هذا الأمر وحزن وبكى عليه كثيرا قائلا كان نعم الوزير ونعم المشير وأمر بترك الكنيستين دون هدم، الأولي من أجل التصريح والثانية من أجل موته. وبعد أن كفنوه وصلوا عليه كما يليق دفنوه في كنيسة القديسة بربارة وبعد الدفن نزل من السماء نور ساطع ظل على قبره مدة حتى ظنه الناظرون أنه صار نار بسبب كثرة توهجه ولا يزال قبره موجودا حتى اليوم ويلقب يوحنا بن الأبح بلقب شهيد الكنيستين، تنيح في 27 بؤونة من سنة 761 للشهداء (1045 م)

ابن الأسقف

الشيخ أبو الفضل، كاتب سرّ الفضل، وزير الخليفة الآمر في القرن الحادي عشر.

ابن الدهيري

هو خريسطوذولوس الملقب بابن الدهيري، كان مطرانًا في أيام البابا كيرلس بن لقلق (75)، في القرن الثالث عشر، على دمياط.

كان ثقة في اللغة القبطية، وضع مقدمة لقواعدها النحوية معروفة باسمه.

كامل صالح نخلة: سلسلة من تاريخ البابوات، حلقة 1، طبعة 1951 م، ص 123.

ابن الراهب

راجع أبو الكرم.

ابن الصاعد

كاتب الرواتب في خلافة الحافظ في القرن الحادي عشر، ترقى إلى رياسة المجلس.

لما توفي تعين مكانه في الوظيفة الأولى ابنه سديد الملك، أما ابنه الثاني أبو البركات فانشغل في خدمة الكنيسة.

اهتم الوالد وابناه بخدمة الكنيسة وتعمير الأديرة.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، 1971 م، ص143.

ابن المكين

من أراخنة الفكر في القرن الثالث عشر (توفي بدمشق سنة 1273 م).

هو جرجس بن العميد، أخوه الأسعد إبراهيم كاتب الجيوش في عهد الملك العادل.

لا نعرف عن سيرته الكثير، إنما نعرف أنه في محبته لله قد ترك مجد العالم وغناه وكرس حياته للعبادة والنسك مع البحث والدراسة في دير الأنبا يؤانس القصير بطرة، جنوبي القاهرة، فتضلع في القبطية والعربية واليونانية والمنطق والفلك والتاريخ.

أما مؤلفاته فهي:

1. تاريخ مدني عنوانه (المجموع المبارك) يقع في جزئين، ترجم إلى عدة لغات منذ القرن السابع عشر.

2. كتاب الحاوي، كتاب عقيدي يحوي تفسير بعض الآيات الصعبة.

3. المستفاد من بديهة الاجتهاد، امتدح فيه المجدين والكادحين.

4. قام بتكملة تاريخ الطبري.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، ك3، طبعة 1971 م، ص 251، 252.

ابن الميقاط

من رجال القرن الحادي عشر.

هو الأسعد أبو الخير جرجة بن دهب، من أراخنة الأقباط في عهد الخليفة العاضد. جدد بناء كنيسة القديس يوحنا المعمدان التي دفن فيها بعد استشهاده.

عائلته مشهورة تسمى (النشو)، منها أبو الفتوح بن الميقاط الذي تقلد رئاسة ديوان الجيش في أيام الملك العادل.

ابن بقر

من رجال القرن الحادي عشر، يسمى بقيرة الرشيدي وشهرته (ابن بقر).

كان من العاملين في الأمة، في أيامه حدث غلاء شديد فكان يطوف أحياء الفقراء يفتقد أحوالهم ويحسن إليهم، وكان يقضي لياليه في افتقاد المرضى ومواساة المحبوسين.

كان مقربًا لدى الخليفة الظاهر، ومحبوبًا لديه جدًا، استطاع أن يستصدر منه أمرًا برفع الجزية التي كانت على بابا الإسكندرية أن يدفعها عقب سيامته مباشرة.

القس منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، 1983 م، ص 399.

ابن سباع

من رجال القرن الحادي عشر، هو يوحنا بن زكريا.

كان لاهوتيًا ضليعًا، وضع كتاب: "الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة"، طبع بمصر عام 1902 م.

يتضمن التعاليم عن التثليث والتوحيد، والخلقة، كما قدم شرحا دقيقًا لطقوس الكنيسة ومعانيها الروحية.

ابن كاتب قيصر

من رجال القرن الثالث عشر.

هو الرئيس الأوحد علم الرئاسة أبو اسحق إبراهيم ابن الشيخ الرئيس أبي الثناء ابن الشيخ صفي الدولة كاتب الأمير علم الدين قيصر.

وضع مقدمة في قواعد اللغة القبطية معروفة بكتاب "التبصرة في أصول اللغة القبطية"، توجد نسخة منه في مكتبة باريس الأهلية.

وضع أيضًا تفاسير في إنجيل متى، وأعمال الرسل، ورسائل بولس، والكاثوليكون، وسفر الرؤيا.

ابن كبر

من رجال القرن الثالث عشر.

هو الشيخ المؤتمن شمس الرئاسة أبو البركات بن كبر. كان كاتبًا للسلطان بيبرس الدويدار، أخلص له وعاونه في تأليف كتاب نفيس لا يزال مخطوطا مع أنه معروف في أوربا، هو "زبدة الفكر في تاريخ الهجرة".

ترك خدمة السلطان وسيم كاهنًا لكنيسة العذراء الشهيرة بالمعلقة، فاهتم بالرعاية الروحية للشعب، كما وضع مجموعة من المؤلفات تكشف عن شخصه كعالم فاضل ولاهوتي ضليع ومؤرخ كنسي، وقد تنيح في 15 بشنس 1040 ش (1323م).

من مؤلفاته

1. كتاب عن الميرون، وصف فيه المواد التي يتألف منها وكيفية طبخه.

2. جلاء العقول في علم الأصول، الملقب بكشف الأسرار الخفية في أسباب المسيحية، يتضمن 18 فصلاً في وحدانية الله وتثليث أقانيمه والتجسد الإلهي (توجد نسخة بمكتبة الفاتيكان وأخرى بدمشق).

3. مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة، يمثل موسوعة لاهوتية كنسية. توجد نسخة منه في كل من مكتبة الفاتيكان ومكتبة برلين والمكتبة الأهلية بباريس.

4. البيان الأظهر في الرد على من يقول بالقضاء والقدر.

5. الخطب، خاصة بالأعياد والمواسم.

6. السلم الكبير: قاموس للغة القبطية، طبع في روما عام 1643 م، ونشر بالقبطية واللاتينية والعربية، ويعتبر من أنفس الكتب في القبطية.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، جـ3 طبعة 1971 م، ص 298 – 301.

ابن كتامة

هو الشيخ المكين بن البركات، من رجال القرن الحادي عشر.

كان كاتب الدولة في خلافة الفائز، محبًا للكنيسة.

بنى كنيسة باسم الشهيد مارجرجس بأعلى كنيسة مار بقطر، كما جدد كنيسة الشهيد مارمينا التي تقع على مقربة منها، وأيضًا كنيسة الأربعة مخلوقات الحية غير المتجسدين ودير نهيا بالجيزة.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، جـ3، 1981 م، ص 144.

ابن كليل

هو المكين سمعان بن كليل بن مقارة، من أقرباء ابن العميد.

ترهب ببرية الإسقيط بعد أن خدم في ديوان الجيش في أيام الناصر صلاح الدين يوسف.

له كتاب: "روضة الفريد وسلوة الوحيد".

توفي في أوائل القرن الثالث عشر.

كامل صالح نخلة: سلسلة تاريخ الباباوات، حلقة 1، طبعة 1951 م، ص 123، 124

ابو البركات

من رجال القرن الثاني عشر.

هو ابن أبي الليث، كان رئيس ديوان المجلس، وشى به أحد الحاسدين إلى الخليفة بأنه يعطي مرتبات باهظة وأنه يختلس أموال الدولة، وأنه يحابي أقاربه، فلم يسمع الخليفة للوشاية، غير أنه قتل.

القس منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، 1983 م، ص 412.

ابو الحسن الأمح

من رجال القرن الحادي عشر، كان كاتب سرّ الخليفة الحافظ، اتسم بالتقوى واهتم بتعمير الكنائس.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، 1981 م، ص 144 جـ 3.

ابو السعيد الكاتب

كان رئيس ديوان المكاتبات في العصر الفاطمي (القرن الحادي عشر)، جدد كنيسة الخمسة وأمهم بمنيل شيحة الجيزة.

ابو الطيب

من رجال القرن الحادي عشر، كان كاتب سرّ ناصر الدولة زعيم الجنود الترك في أيام الخليفة المستنصر.

إذ تمرد الترك على الخليفة وعاثوا فسادًا، نهبوا الأديرة وقبضوا على الأنبا خرستوذلس كرهينة مطالبين بفدية، فأسرع أبو الطيب وخلصه من أيديهم.

الشهيد أبو العلا فهد بن إبراهيم: راجع فهد (السنكسار 19 برمودة).

ابو الكرم

من رجال القرن الثالث عشر.

هو بطرس أبو شاكر بن الراهب، كان شماسًا لكنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة، عام 1260 م. وعندما تنيح الباب يؤانس السادس (76) خاض في المعركة الانتخابية مرشحًا للأسف نفسه، وتاركًا لأعوانه استخدام وسائل غير شرعية كدفع مبلغ من المال لبيت لمال... لكنه فشل.

وجه اهتماماته بعد ذلك إلى الكتابة فوضع الآتي:

1. الشفا في كشف ما استتر من لاهوت المسيح وما اختفى.

2. مقدمة في التثليث والتوحيد.

3. في حساب الأبقطي مع مقدمة إضافية بالقبطية والعربية.

4. كتب في التاريخ: التواريخ، تاريخ ابن الراهب، المجامع السبعة المكانية.

كامل صالح نخلة: سلسلة تاريخ البطاركة، الحلقة الأولى، 1951 م، ص 122.

ابو المكارم

هو سعد الله بن جرجس بن مسعود، من رجال القرن العاشر، يعتبر من أفاضل القبط ومؤرخيهم، وضع كتابًا في تاريخ الأديرة والكنائس القبطية عام 925ش. اشترى جزءًا منه راهب كاثوليكي في القرن 17 يدعى فانسليب، آل بعد موته إلى مكتبة باريس الأهلية. وفي سنة 1893 م إذ وضع أميلينو كتابه "جغرافية مصر في عهد القبط المسيحيين" أشار إليه، وقام بتلر وافيتس بطبعه ناسبين إياه إلى أبي صالح الأرمني لوجود اسمه عليه، وهو في الغالب مقتنيه أو ناسخه، وقد وجد المتنيح القمص فيلوثاوس إبراهيم نسخة منه.

ابو المليح

ابو المليح الشهير بمماتي، من رجال القرن الحادي عشر.

كان في خلافة المستنصر ووزارة بدر الجمالي أمير الجيوش. اشتهر بالغنى وسعة الحال وصنعه للخير، ينطبق عليه قول المرتل "بدّد وأعطى المساكين" (مز 112: 9).

أما سبب تسميته (مماتي)، فهي أنه لما اشتد الغلاء بمصر كان يجود بما عنده للمحتاجين، وكان بعض الأولاد الصغار لعلمهم بمحبته للكل يستعطفونه قائلين: (مماتي)، فكان يشفق عليهم ويهبهم غلالاً لدفع الجوع.

القس منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، 1983 م، ص 399.

الشهيد أبو نجاح الكبير: راجع يوحنا أبو نجاح (السنكسار 19 برمودة).

ابو اليسرى

صانع أيقونات في القرن الحادي عشر.

له أيقونة عن عماد السيد وميلاده بأعلى حجاب هيكل كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم.

ابو اليمن يوسف

من رجال القرن الحادي عشر، هو أبو اليمن يوسف بن مكرواه بن زنبور، الشهير بأمين الأمناء. فقد عمل كأمين على خزائن الخليفة، ونظرًا لأمانته العجيبة سلمه مسئولية جميع خراج الوجه البحري.

عبّر عن شكره لله ومحبته لاخوته ببناء دير عظيم بطموه ببر الجيزة، باسم دير الشهيد أبي سيفين (مرقوريوس). وقد غرس حوله بساتين، حتى كان الوزير بدر الجمالي يقضي أغلب أوقاته متنزهًا فيها.

القس منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، 1983 م، ص 398.

ابو ذقن

يوسف أبو ذقن المنوفي، من كبار أراخنة الأقباط في القرن السابع عشر.

وضع كتابًا بالعربية عن "التاريخ الحقيقي لأقباط مصر وليبيا والنوبة والحبشة"، موجود بجامعة أكسفورد، ترجم إلى اللاتينية عام 1675 م، والإنجليزية 1693 م، وطبع في هولندا عام 1740 م مع تعليقات للمستشرق جان نيكول... وللأسف لم ينشر بعد بلغته الأصلية (العربية) بين الأقباط حتى اليوم.

في هذا الكتاب أوضح الآتي:

شرح فيه حال الأقباط الروحية والاجتماعية وعاداتهم وطقوسهم الدينية في ذلك العصر.

أفرد فصلاً خاصًا بالدفاع عن عقيدة الأقباط الأرثوذكسية، وقابل بين حالهم وحال اخوتنا الكاثوليك بأدب ولياقة بلا تجريح.

كسب الأقباط ثقة المسلمين والحكام خلال أمانتهم ومحبتهم وخدماتهم، فشعروا بالأمان على أنفسهم وأولادهم وأموالهم، ارتبطوا بصداقة مع الحكام.

قارن بين رهبان مصر في تقشفهم ودقة تدابيرهم الروحية بالنسبة للرهبان الأوربيين.

أوضح أن شباب الأقباط وإن كانوا أقل علمًا من شباب الإفرنج لكنهم أكثر زهدًا، كما تمتعوا بمهارة في صياغة المجوهرات والصناعات والحرف المتعددة، والهندسة المعمارية والفلك والحساب.

اهتمام الأقباط بتعليم أولادهم في المدارس الخاصة الملحقة بالكنائس، كما اهتموا بزيارة الأراضي المقدسة محتملين متاعب السفر ودفع ضريبتين، واحدة عند السفر والأخرى عند دخول المدينة المقدسة.

القس منسي يوحنا، ص 472، إيريس حبيب المصري جـ 4، ص 55 - 57.

ابو ذكري

في القرن الحادي عشر عُرفت أكثر من شخصية تحمل ذات اللقب:

1. الشيخ الرئيس صنيعة الخلافة أبو ذكري: تولى ديوان التحقيق، ثم ديوان النظر أي ديوان المراجعة على جميع الدواوين والأموال، في خلافة الحافظ... وقد بلغ درجة سامية.

2. الشيخ أبو ذكري بن أبي نصر: تولى خراج الأشمونين في خلافة الحافظ. وقد قام بتجديد دير المحرّق. ولما نقل إلى الفيوم جدد هناك كنيسة الشهيد أبي سيفين.

3. الرشيد أبو ذكري: كان كاهنًا على كنيستي السيدة العذراء والشهيد مارجرجس بحارة الروم.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، جـ 3، 1981 م، ص 145.

ابو زكريا يحيى بن مقاره

من رجال القرن الحادي عشر.

كان إنسانًا حكيمًا، له وقاره وكلمته في ديوان الخليفة أيام بدر الجمالي.

بحكمة عالج الخلاف الذي دبّ بين الأنبا خريستوذولس واسقف سخا.

ابو سالم الملطي

من رجال القرن الثامن عشر.

طبيب قبطي يدعى أبو سالم النصراني اليعقوبي الملطي، قيل عنه أنه كان قليل العلم بالطب لكنه كان أهلاً لمجالسة السلطان لفصاحته في اللسان الرومي، ومعرفته بسير الناس وسير السلاطين.

الدكتور أحمد عيسى بك: معجم الأطباء، ص 91.

ابو سعد منصور

من رجال القرن الحادي عشر.

هو ابن أبي اليمن، وكان كاتبًا بليغًا وبطلاً شجاعًا، تولى الوزارة في أيام المستنصر، لكنه اضطر لتركها حينما طالب الجند الأتراك بمرتباتهم ولم يكن في الخزينة ما يسد مطالبهم. ولما تمرد كبيرهم ناصر الدولة على الخليفة قام أبو السعد بردعه على رأس الجند الموالين للخليفة، فقاتله وهزمه، وكان لجرأته وولائه أبعد الأثر في نفس الخليفة المستنصر الذي كان يحبه جدًا.

القس منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، 1983 م، ص 398.

ابوليدس بابا رومية: راجع هيبوليدس.

ابو فانا القديس

عاش القديس أبو فانا أو أبيفانيوس في أيام الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير، حيث مارس حياة الوحدة في الصحراء الغربية غرب قرية (أبو صيرة) في مقاطعة الأشمونين، وسكن في كهف، وأغلق على نفسه يختلي... ومع تداريبه النسكية العنيفة لم يكن يكف عن ممارسته العمل اليدوي ليعطي الفقراء، كما اهتم بتعليم الإخوة، وقد وهبه الله عطية عمل المعجزات... بمعنى آخر امتزجت وحدته باتساع قلبه بالحب لله والناس. سجل لنا تلميذه أفرام عرضًا مختصرًا لحياته.

حياته الرهبانية

وُلد هذا القديس من أبوين مسيحيين، ربياه بمخافة الله... فنشأ محبًا لحياة الخلوة والتأمل مع حنان ومحبة للمحتاجين.

أقام وهو شاب بين الرهبان، وتدرب على الحياة النسكية مع العمل اليدوي لتقديم صدقة للمحتاجين... وإذ كان حبه للوحدة يتزايد انفرد في مغارة مظلمة، فوهبه الله، ينبوع ماء ليشرب منه... كان يتدرب على الصوم ليأكل مرة واحدة في كل يوم صيفًا، ومرة كل يومين شتاءً، مع اهتمام بحياة الصلاة الدائمة، وضرب 300 مطانية في النهار ومثلها بالليل... حتى لصق جلده بعظمه، وصار كخشبة محروقة...

مركز روحي

مع محبته الشديدة للعزلة من أجل الصلاة لم يغلق قلبه ولا مغارته عن اخوته، فتحول مسكنه إلى مركز إشعاع روحي. كان الشيوخ المقيمون في الجبل يأتون إليه، يسترشدون به، فيلهب قلوبهم بالشوق نحو الكمال المسيحي في الرب.

نبوته بوفاة الملك

رآه تلميذه أفرام حزينًا، وإذ سأله عن سبب حزنه أجابه بأنه اليوم طُلبت نفس الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير، وبهذا قد انحل رباط نظام الدولة... فسجل التلميذ التاريخ، وبعد زمن قصير نزل إلى العالم فعرف أنه ذات اليوم الذي توفي فيه الإمبراطور.

أمثلة من معجزاته

1. أتى إليه كاهن قد أُصيب بمرض في رأسه، خلاله تقرحت هامته وظهر عظم رأسه، وإذ كان التلميذ أفرام يلح عليه ليخرج له ويصلي من أجله لم يلتفت إليه. وأخيرًا إذ صار التلميذ يلح أكثر أفهمه أنه قد دنس بيت الله بالزنا وأخذ النذور وأنفقها على شهواته، فليس له دالة أن يطلب له الشفاء من الله. وأخيرًا تحنن عليه، فأمر تلميذه أن يخرج إليه ويخبره بأنه إن أراد أن يبرأ من مرضه يعاهد الله ألا يعود إلى خدمة الكهنوت كل بقية أيام حياته، ويرجع عن سلوكه فيبرأ... وإذ تعهد الكاهن بذلك التقى به القديس وصار يصلي إليه فتماثل للشفاء حتى عاد سليمًا وبتوبة صادقة.

2. جاء رجل ومعه ابنه لينالا بركته، فسقط الابن من الجبل ومات، حمله الأب إلى مغارة القديس، ووضعه أمامه دون أن يخبره، وسأله أن يباركه، فرشم عليه علامة الصليب وقال له: "قم وامضِ إلى أبيك وامسك بيده"، فقام الولد حيًا وفرح والده وانطرح أمام القديس يشكره ممجدًا الله صانع العجائب بقديسيه.

3. علم القديس بيوم نياحته، فطلب من الكاهن الذي اعتاد أن يحضر ليقيم الأسرار المقدسة ليتناول أن يقيم القداس الإلهي... ثم تناول وهو واقف على قدميه اللتين تورمتا من كثرة الوقوف... وودع الإخوة وباركهم طالبًا بركتهم له، ثم رفع صلاة لله وأسلم الروح في يدي الرب في 25 من شهر أمشير.

ديره بدلجا

بُنيّ له دير على اسمه بجوار بني خالد من كفور دلجا في إقليم الأشمونين. تقع قرية بني خالد على بعد عشرين كيلومترًا جنوب قصر هور، أما دلجا قرية كبيرة على بعد عشرين كيلو متر جنوبًا...

نبيل سليم: من ديارات الآباء (9)، القديس أبيفانيوس (أبو فانا) بجبل دلجا (ملحق بكتابه: من ديارات الآباء (8) القديسان أنبا بيشاي وأنبا بسنتاؤس بالطود.

ابو ياسر بن القسطال

راهب عالم فاضل بدير في نواحي طرة، في القرن العاشر.

كان مهتمًا بدراسة الكتاب المقدس والإصلاح الروحي للأقباط، فقد كتب كتابًا عالج فيه بعض الأخطاء الروحية والاجتماعية التي كانت سائدة في عصره، منها:

1. نادى بضرورة تعرف الخطيبين على بعضهما قبل الزواج حتى يقبل الواحد الآخر عن رضى ومحبة، وليس خلال الإلزام العائلي... فإن هذا يخفف الكثير من المشاكل العائلية.

2. أوضح أن الختان ليس فرضًا روحيًا، إنما هي عادة اجتماعية، ويمكن للمسيحي أن ينال المعمودية دون أن يختتن... وأن المعمودية هي الباب الوحيد الملزم لكل مؤمن.

بسبب هذا الكتاب ثار الإكليروس والشعب عليه، وطرد من الدير إلى بستان بجوار الدير، قام بزراعته والاهتمام به. ولكن في أوائل العصر الأيوبي إذ صدر أمر بالاستيلاء على أوقاف الأديرة والكنائس اُستولى على هذا البستان.

كان لأبي ياسر صديق يهودي مولع بالبحث الديني، فكانا يتناقشان معًا، وقد نجح أبي ياسر في كسب هذا اليهودي الذي نال المعمودية، وتعلم القبطية، وسيم شماسًا على كنيسة العذراء بحارة زويلة، حيث قضى بقية حياته باذلاً كل الجهد في خدمة الكنيسة.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، طبعة 1971 م، ص 63.

ابوللو وأبيب القديسان

✥ حياتهما تمثل قصة الصداقة الروحية الحقة، حيثُ يلتقي الاثنان معًا في حبهما للرب، وميلهما للتأمل، وعشقهما للملكوت. يمارسان الصداقة في أعمق صورها لبنيان النفس.

✥ نشأة أبوللو:

عاش والدا أبوللو إمان وزوجته إيتي في مدينة بانوبوليس الكبرى (حاليًا أخمين)، وكانا يسيران بخوف الله محبين لزيارة الأديرة، ولم يكن لهما ابن.

رأت إيتي كما في حلم إنسانًا بهيًا يحمل نبتًا صغيرًا في يده غرسه في منزلها، أزهر ثم قدم فاكهة. قطفت إيتي من الثمر وأكلت فوجدته حلوًا للغاية، عندئذ قالت في الحلم: "ربما أُرزق بطفل تكون له لذة مشابهة لمذاق هذه الفاكهة".

روت إيتي الرؤيا لرجلها ومّجد الاثنان الله. وازداد في تقواهما ومحبتهما لله، خاصة الصلاة، فكثيرًا ما كانت تقوم إيتي في منتصف الليل تسبح الله، كما تقضي أوقاتًا طويلة في النهار تصلي.

وأخيرًا وهبها الله الطفل (أبوللون)، الذي تربى بفكر إنجيلي في حياة تقوية، وقد نشأ محبًا لحياة البتولية مشتاقًا للرهبنة... وكان له صديق حميم يدعى أبيب، ارتبطا معًا في الفكر، وتلاقت اشتياقاتهما الرهبانية معًا.

✥ نشأة أبيب:

كان مثل أبوللون تقيًا من حداثته، يمارس الحياة النسكية، محبًا لافتراش الأرض، ميّالاً لحياة الوحدة يقضي وقته في دراسة الكتاب المقدس والتأمل مع الصلاة.

كان والده يوبخه، سائلاً إياه إلا يكرس كل وقته للعبادة حتى يقدر أن ينال مركزًا مرموقًا في المجتمع كإخوته، فكان يتقبل التوبيخ في هدوء داخلي وصمت. كان والده وإخوته يتعجبون فيما بينهم على رقة أحاسيسه وهدوئه العجيب بالرغم من تظاهرهم بتوبيخه.

اشتد المرض جدًا بالوالد وكان قد غضب من ابنه بسبب ميله للوحدة والعبادة، فأصر الأبناء أن يلتقي الوالد بأخيهم، وإن كانوا قد خشوا من ثورة أبيهم على أبيب وسط مرضه الشديد. بالفعل جاء أبيب وكله حياء وهدوء، وإذ ناداه والده، قال للابن: "صلِ يا بني إلى الرب لكي لا يحاسبني على ما سببته لك من أحزان وضيقات، لقد كنت أنت تطلب الله وحده، أما أنا فكنت أسلك بأحاسيس بشرية"، وكان الأب ممسكًا بيدي ابنه مجهشًا بالبكاء.

جمع الأب أولاده ليشير إلى أخيهم أبيب، وهو يقول: "من الآن هذا هو أبوكم ومعلمكم، اسلكوا بضمير حيّ حسبما يقول لكم، وها أنتم ترثون أملاكي كما أوصيت لكل واحد منكم".

تأثر الأبناء جدًا وتجلت الأبدية أمام أعينهم بينما كان والدهم يسلم الروح، عندئذ استلم أبيب الميراث ووزعه عليهم أما نصيبه فقدمه للفقراء.

إذ صار أبيب حرًا انطلق مع صديقه أبوللون إلى أحد الأديرة، حيث سكن كل منهما في قلاية منفردة يمارسان حياة الاتحاد مع الله (الوحدة) والنسك بفكر روحي إنجيلي.

✥ حياتهما الديرية:

عاش كل منهما في قلاية، يلتقيان من وقت إلى آخر ليسندا بعضهما بعضًا في الرب، وإذ مرض أبيب واشتد به المرض، أسرع إليه أبوللون ليساعده في مرضه، في بشاشة وسط الآلام القاسية اعتذر أبيب لأبوللون قائلاً له: "اتركني يا أخي بمفردي مع الرب، وعندما تحين ساعتي أناديك".

امتلأت عينا أبوللون بالدموع وهو ينسحب من قلاية أخيه مدركًا أنه يفقد سندًا له في جهاده وأخًا معزيًا له، لكن إدراكه للملكوت وثقته في صلوات أخيه عنه في الفردوس ملأته تعزية.

أرسل إليه أبيب يستدعيه، وإذ دخل قلايته سمعه يقول بصوت خافت: "آه، أسرع، تعال سريعًا، إلى اللقاء في الفردوس!" ولم يجد أبوللون فرصة إلا ليقبله فيجد نفس أخيه منطلقة، وكان ذلك في 25 أبيب.

هنا يليق بنا أن نقف قليلاً أمام هذا الحدث الأخير، فكلنا يدرك مدى حاجة الإنسان إلى محبيه في وقت المرض، خاصة إذا اشتد وشعر أنه مرض الموت... لكن القديس أبيب وقد أُمتصت كل مشاعره في الرب، وارتفع قلبه الملتهب حبًا نحو عريسه السماوي لم يعد يشعر بحاجة إلى شيء وسط المرض الشديد. لقد أحب أخاه أبوللون جدًا، واشتاق أن يراه قبل أن يعبر هذه الحياة، لكنه لا يريد أن يشغل أخاه في لحظاته الأخيرة عن تأملاته في الرب وسط مرضه.

✥ في تل الشمس المشرقة:

صار أبوللون وحيدًأ، فترك قلايته وانطلق إلى تل أبلوتزا Eblutz (الشمس المشرقة)، حيث اشتم الناس رائحة المسيح الذكية فيه، فكانوا يقبلون إليه يطلبون بركته وإرشاده. وكان كثيرًا ما يحدثهم عن أخيه المحبوب أبيب.

✞ قيل أنه في ذكرى نياحة القديس أبيب، قال أخوه أبوللون: "إن من يصلي للسيد المسيح اليوم طالبًا صلوات القديس أبيب يُستجاب له"، فتشكك البعض بسبب كثرة حديثه عنه... ولكن إذ رقد أحد الرهبان في ذات اليوم ذهب الكل إلى جثمانه لينالوا بركته، فجأة قام الراهب ووبخ المتشككين في كلمات القديس أبوللون بلطف ثم عاد فرقد، فامتلأ الكل من مخافة الله.

✞ عاش القديس أبوللون في عصر القديس مقاريوس المصري الذي كان يشعر دائمًا برغبة في الاستماع إليه... وقد كتب القديس مقاريوس رسالة له وللرهبان، فعلم أبوللون بالروح وأخبرهم بذلك، وبالفعل وصلت رسالته بعد ذلك.

✞ تنيح القديس أبوللون في شيخوخة صالحة، بركة صلواته تكون معنا آمين.

Jean Moschus: Pré Spirituel، Vie des Pére, liv X, ch 202.

ابوللو وآمون القديسان

يروي لنا القديس جيروم لقاءه مع القديس أبوللو، قائلاً:

[رأينا أيضًا كاهنًا آخر يدعى أبوللو، عاش في طيبة على حدود هرموبوليس (الأشمونين)، الموضع الذي جاء إليه مخلصنا مع مريم ويوسف حيث تحققت كلمة إشعياء القائل: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه وتسقط من أرضا" (إش 19: 1). وقد رأينا بيت الأوثان الذي فيه انكفأت الأوثان على وجوهها على الأرض عندما جاء مخلصنا إلى المدينة. علاوة على ذلك رأينا ذلك الرجل الذي سكن البرية كأب لخمسمائة راهب يعيشون في الأديرة القائمة عند سفح الجبل، وكان معروفًا جدًا في كل منطقة طيبة، يمتاز بفضائل الحياة النسكية السامية، وقد وهبه الله صنع آيات وعجائب عظيمة].

حياته الديرية

كان أبوللو في شبابه المبكر يزور الرهبان المقيمين عند طرق الصحراء المجاورة، فالتهب قلبه بالحنين نحو هذه الحياة الملائكية على مستوى سماوي، فهجر العالم ورحل إلى الدير ليقضي أربعين عامًا يمارس حياة ديرية هادئة.

يروي لنا القديس جيروم كيف سمع أبوللو صوتًا سماويًا يدعوه لتأسيس دير، قائلاً له: "أبوللو، إني سأبيد حكمة حكماء مصر بيديك، وأنزع الفهم الذي هو ليس فهمًا عن أغبياء الأمم، فإنك لحسابي تقدم حكماء بابل وتنزع خدمة الشياطين. اخرج سريعًا إلى البرية، في المنطقة القريبة من سكنى البشر، فستلد لي شعبًا مقدسًا يتمجد بالأعمال الصالحة". وإذ خشى أبوللو من الكبرياء أجاب الصوت في صراحة: "أنزع عني يا سيدي الكبرياء، لئلا أتشامخ على الإخوة، وأفقد كل بركة". فتحدث معه الصوت ثانيةً، طالبًا منه أن يضع يده على عنقه ليمسك بشيء قبيح ويدفنه في الرمل، وإذ فعل ذلك سمع صوتًا يخرج من هذا الكائن المدفون، يقول "أنا هو روح الكبرياء"... وللمرة الثالثة سمع الصوت السماوي يقول: "اذهب وما تسأله من إلهك يُعطى لك".

هذه الرؤيا أو هذا الحدث إنما يكشف عن اهتمام آبائنا بخلاص نفوسهم، فيخشون السقوط في الكبرياء إن تسلموا عملاً قياديًا حتى وإن كان بدعوة سماوية... لكن هذا الخوف لا يقف عقبة عن العمل، ولا يقلل من غيرتهم في الخدمة وجهادهم الرعوي.

إذ سمع الطوباوي ذلك للحال ذهب إلىShaina حيث أقام في مغارة، وكان يقضي يومه في الصلاة، قل كان يصلي مائة مرة في اليوم مع مطانيات كثيرة كما قال القديس جيروم.

من جهة الطعام فلم يكن يهتم بذلك، إذ كان الله يرسله له بواسطة ملاك في البرية. وكان يغطي جسده بثوب قصير الأكمام ورأسه بمنديل صغير لم يغيرهما ولا بليا قط.

وهبه الله عمل عجائب وأشفية يصعب الحديث عنها، سمع عنها القديس جيروم من الشيوخ الساكنين معه والكاملين ومن الرؤساء ومدبري الإخوة. كان كنبي جديد أو رسول في جيله. وإذ ذاع صيته في كل موضع جاء إليه الرهبان كما إلى أب حقيقي وقدموا أنفسهم له، فكان يحثهم على الحياة النسكية السامية، حتى صار بعضهم يتمتع برؤى إلهية وآخرون بأعمال روحية مجيدة.

أكل معهم في الآحاد، لكنه لم يأكل قط خبزًا ولا قطاني ولا فاكهة أو شيئًا معدًا على النار إنما أكل أعشابًا من الأرض.

في سجن بابليون بمصر القديمة

بدعوة إلهية انطلق أبوللو من الصعيد إلى بابل ليقف مع بعض الإخوة عند راهب سجين أُلقي القبض عليه - في عهد يوليان الجاحد – ليُضم للخدمة العسكرية، وكان القديس يعزيه على احتمال التجارب وألا يفقد سلامه أو رجاءه... وإذ سمع السجان ذلك انطلق إلى رئيس السجن ليقول له بأن الزائرين يريدون إخراج الراهب السجين، فثار رئيس السجن جدًا، وأمر بغلق الأبواب وختمها وتشديد الحراسة، قائلاً: "هؤلاء أيضًا يصلحون في الخدمة العسكرية"، وانطلق إلى بيته لينام غير مبال بتوسلات الإخوة له، وفي منتصف الليل ظهر ملاك الرب حاملاً سراجًا مضيئًا أضاء السجن كله بلمعان شديد أدهش الحراس، فتوسلوا إليهم أن يخرجوا من السجن سريعًا، وانفتحت الأبواب أمامهم، قائلين في أنفسهم: "خير لنا أن نموت نحن عنهم عن أن نتجاهل الحرية التي وهبها الله لأناس سجنوا هكذا ظلمًا". ولما جاء رئيس السجن والأشراف الذين معه في الصباح إلى السجن ألّح على الإخوة أن يرحلوا عن المدينة لأن زلزالاً حدث حطم بيته ودفن أسرته، وإذ سمع الإخوة ذلك مجدوا الله بصوت عال، وعادوا إلى البرية متهللين.

اهتمامه بخلاص الإخوة

يصف القديس جيروم حياة الإخوة الذين تحت رعاية هذا الأب كما شاهدها: [عاش هؤلاء الإخوة معًا على مثال الرسل، بفكر واحد ونفس واحدة، وكان الطوباوي ينصحهم يوميًا أن ينموا في الأعمال المجيدة، وأن يطردوا بسرعة وفي الحال دون انتظار حيل المفتري التي يثيرها في الأفكار، إذ يقول: "إذ يُسحق الشيطان رأس الحية يموت كل جسمها، لذا ينصحنا ربنا أن نحذر رأس الحية. التي هي هذه:" إننا ليس فقط نحذر الأفكار الدنسة الفاسدة ألا تتسلل إلى أفكارنا، وإنما نحذر أيضًا التخيلات البغيضة التي يبعثها في آذهاننا (أي نحذر الأفكار الخارجية التي تتسلل إلينا والأفكار النابعة من داخلنا). جاهدوا بغيرة وحماس فيمتثل كل واحد منكم بغيرة في ممارسة الأعمال النسكية، ولا يكون بينكم من هو أقل من أخيه في السمو (إذ يكون الكل دائم النمو). هذه هي العلامة أنكم تبلغون مجد الأتعاب النسكية إن كنتم تحفظون أجسادكم من أهواء الشهوات. بداية عطية الله هي أن يطلب الإنسان من الله أن يعلن سماته فيه، فلا يفتخر أو تتعال أفكاره كأنما هو أسمى من غيره، لئلا يصير أشبه بمن يحسب نفسه أهلاً لهذه النعمة من عندياته فيفقد النعمة الإلهية... "

لدى هذا الرجل كنز ثمين للتعاليم العظيمة في عقله، سمعناها منه في مناسبة أخرى، ولكن أعماله أسمى من تعليمه.

كل ما يسأله من الله يُوهب له، وقد تمتع برؤى...

رأى في حلم أنه قد صار متشبهًا بالرسل، وقد منحه الله ميراث المجد، فصار يسأل الله أن يهبه الرحيل من العالم سريعًا ليسترح معه في السماء، فقال له مخلصنا: "يلزم لأبوللو أن يعيش على الأرض مدة أطول قليلاً، حتى يصير كثيرون كاملين خلال غيرتهم من أعماله، فقد أُعد ليدير أمة عظيمة من الرهبان والسالكين بالبر، فينال مجدًا يليق بتعبه..."

خلال تعليمه الغزير وممارساته النسكية العديدة صار غريبًا عن العالم، وقد نمى رهبان الدير الذي في الجبل وبلغوا خمسمائة شخصًا جاءوا يعيشون معًا، في حياة الشركة، يأكلون على مائدة واحدة، وبالحق كانوا يظهرون كملائكة، وكانوا أشبه بعمال مزينين بحليّ ملوكي يرتدون زيًا أبيض. بهذا تحققت كلمات الكتاب المقدس "تفرح البرية والأرض اليابسة ويبتهج القفر" (إش 35: 1)، وأيضًا "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، لأن بني المستوحشة أكثر من بني البعل" (إش 54: 1). وتحققت كلمة النبي عن كنيسة الأمم. وكملت خلال برية مصر، لأن أبناء الله صاروا أكثر عددًا من الذين يستقرون في الأرض وينشغلون بالناس. فإنه في كثير من مدن مصر كانت مجامع الرهبان تزداد أكثر حتى من الذين اقتربوا إلى الله في الصحراء].

غيرته على خلاص الكل

يروي لنا القديس جيروم عن هذا القديس أنه إذ كان سائرًا مع بعض الإخوة في إحدى القرى المصرية شاهد من بعيد جموع الوثنيين قد اجتمعت حول معبد وثن وكانوا يرقصون على ضفة النيل ويمارسون الألعاب الشيطانية... للحال ركع على الأرض وصلى لمخلص الكل، وإذ بالجماهير قد توقفت كما لو رُبطت بحبال، وصاروا هكذا بلا حراك تحت حرارة الشمس الحارقة... وإذ تساءلوا عن سبب ما حلّ بهم عرفوا أن ذلك بفعل صلاة القديس. سألوه أن يصلي لأجلهم، فانحلت رباطاتهم وتركوا العبادة الوثنية، وآمنوا بالمخلص رب الكل صانع العجائب، وانضموا إلى الكنيسة، بل وترهب عدد كبير منهم في ديره، خلال ابتسامته الجذابة ونعمة الله الحالّه عليه وعمل كلمات النعمة الخارجة من فيه.

انتشر هذا الخبر خارج القرية، وجاء كثير من الوثنيين من قرى أخرى يطلبون اللقاء معه، فكان يحدثهم عن محبة الله الفائقة والتجسد الإلهي، مجتذبًا كثيرين منهم للإيمان.

بشاشته

قيل عنه أن وجهه كان دائم البشاشة، مجتذبًا بذلك كثيرين إلى الحياة النسكية كحياة مفرحة في الداخل، ومشبعة للقلب بالرب نفسه. كثيرًا ما كان يردد القول: "لماذا نجاهد ووجوهنا عابسة؟! ألسنا ورثة الحياة الأبدية؟ اتركوا العبوس والوجوم للوثنيين والعويل للخطاة، أما الأبرار والقديسون فبالأحرى أن يمرحوا ويبتسموا لأنهم يستمتعون بالروحيًات".

ربحه نفس رئيس عصابة

إذ تشاجرت قريتان معًا حول بعض الحقول أسرع الطوباوي ليلقي بذار السلام بينهما، وكان رجال أحد القريتين لا يريدون الإنصات لكلماته، إذ كانوا يحتمون في رئيس عصابة لصوص. التقى بهذا الرجل الذي جاء إليه محتدًا، أما القديس فلاقاه بجرأة مع بشاشة عذبة وحلاوة حديث، قائلاً له: "إن قبلت كلماتي يا حبيبي أطلب عنك من ربنا ليغفر لك خطاياك". وإذ سمع الرجل ذلك ألقى سلاحه بغير تردد، وركع أمام القديس، وسأل تابعيه أن يرجعوا إلى منازلهم.

وإذ حلّ السلام بين القريتين ورجع كل إنسان إلى موقعه، صار هذا الرجل ملاصقًا له يتوسل إليه أن يحقق ما وعد به، فأخذه معه في البرية وكان يصلي لأجله ويطلب منه الصبر، قائلاً له: "الله قادر أن يهبك هذا الأمر". بالليل رأى القديس وقاطع الطريق حلمًا واحدًا، إنهما واقفان أمام عرش الله في السماء، والملائكة والأبرار يعبدون الله، وإذ سجدا أمام السيد المسيح سمعا صوتًا يقول: "أية شركة للنور والظلمة؟، وأي اتفاق للمؤمن مع غير المؤمن؟" (2كو 6: 14 - 15). فلماذا إذن يقف هذا القاتل مع البار، إذ هو غير مؤهل لهذه الرؤيا؟ ولكن اذهب يا إنسان (أبوللو)، فإن هذا الصغير بين أبنائك إذ التجأ إليك يخلص أيضًا بسببك "، وقد رأيا وسمعا أمورًا لا ينطق بها. إذ استيقظا قص الأثنان حلمهما لمن حولهما، والذين سمعوا دهشوا كيف يروي اثنان حلمًا واحدًا بعينه... وقد بقى رئيس العصابة في الدير يمارس الحياة النسكية السامية حتى لحظات رحيله من العالم...

يعلق القديس جيروم على هذه القصة المعاصرة له، قائلاً: [تحول الذئب إلى حمل بسيط، فيه تحققت النبوة "يسكن الذئب مع الخروف... والبقرة والدبة ترعيان" (إش 11: 6 - 7].

انضمام أثيوبيين إلى ديره

يقول القديس جيروم: [رأينا أيضًا أثيوبيين كانوا يعيشون مع الرهبان، وقد سمت حياتهم النسكية وتحقق فيها ما جاء في الكتاب: "كوش (أثيوبيا والنوبة) تسرع بيديها إلى الله" (مز 68: 31)].

بعض عجائبه

روى لنا القديس جيروم أيضًا عنه القصص التالية:

1. حدث نزاع بين جماعة من الوثنيين والمسيحيين على حدود أراضِ زراعية، فجاء الطوباوي أبوللو يصنع سلامًا، لكن رئيس الوثنيين كان متعجرفًا وعنيدًا، إذ قال: "لن يكون هناك سلام بيننا حتى الموت". قال له الطوباوي: "ليكن الأمر ككلمتك، فإنه لن يموت أحد من الفريقين غيرك، ولا تكون الأرض قبرًا لك، بل بطون الوحوش المفترسة". وبالفعل وُجد الرجل في الصباح ميتًا وقد مزقت الضباع والنسور جثته، وإذ عرف الوثنيون ذلك شكروا الله وآمنوا بالسيد المسيح، قائلين عن الطوباوي: "إنه بالحقيقة لنبي"!.

2. إذ اعتاد كثير من الرهبان أن ينطلقوا إلى البرية الداخلية ليمارسوا حياة الخلوة والتأمل بعيدًا عن الحياة الديرية، كل يقضي وقته في العبادة مع النسك الشديد ودراسة الكتاب المقدس والتأمل فيه، ويعود البعض إلى الدير ليحتفلوا بالبصخة المقدسة والآخر يبقى حتى عيد العنصرة. ففي إحدى المرات إذ عاد القديس إلى مغارته ومعه مجموعة من الرهبان وأقاموا القداس الإلهي، حان وقت الإفطار، فقال لهم: "يا أولادي إن كنا مؤمنين وخدامًا حقيقيين للمسيح يطلب كل منا من الله فيعطينا ما نأكله". ثم انحنى على ركبته وأخذ يصلي بإيمان، وإذ كان الوقت لا يزال ليلاً رأوا رجالاً غرباء لا يعرفهم أحد واقفين بباب المغارة، أحضروا عنبًا وتينًا وكمثرى وجوزًا ولوزًا وعسل نحل بأقراصه وصندوق لبن (زبدة)، وبلحًا كثيرًا مع خبز كان لا يزال ساخنًا؟؟؟. وقالوا بأن غنيًا بعثهم بهذه الأمور، ثم تركوهم ليرجعوا سريعًا. وقد بقي هذا الطعام يأكلون منه حتى عيد العنصرة، وهم متعجبين، قائلين: "حقًا هؤلاء قد أرسلهم الله إلينا".

3. بعد فترة قصيرة من المعجزة السابقة حدثت مجاعة في منطقة طيبة، فذهب عدد من المسيحيين بنسائهم وأطفالهم إلى الدير، وكان الطوباوي أبوللو يقدم الطعام بسخاء حتى لم يبق سوى ثلاث سلال تكفي يومًا واحدًا، والمجاعة لا تزال على أشدها. أخذ الطوباوي الخبز المتبقي ووضعه في وسط الإخوة والجماهير، وقال بصوت عالٍ: "أليست يد الله قادرة أن تزيد؟ لأنه هكذا قال الروح القدس:" لن ينفذ الخبز من هذه السلال حتى نأكل خبزًا جديدًا "، وبالفعل بقي الكل يأكل منه أربعة شهور تكرر الأمر بالنسبة للزيت والقمح وغيرهما، حتى ضجر منه الشيطان، فظهر له وقال:" أتظن أنك إيليا أم واحد من الأنبياء أو الرسل حتى تتجاسر وتفعل ذلك؟ "أجاب الطوباوي:" لماذا لا أفعل هذا؟! ألم يكن الأنبياء القديسون والرسل الطوباويون بشرًا؟ ألم يسلم لنا الآباء هذا التقليد لعمل ذلك؟ أو لعل ربنا يكون قريبًا في وقت وبعيدًا في وقت آخر؟! الله قادر في كل الأزمنة أن يصنع مثل هذه الأمور، وليس شيء غير مستطاع لديه. إن كان الله صالحًا فلماذا أيها الفاسد أنت شرير؟ ".

4. "الآن أما أروي ما رأته أعيننا" يقول القديس جيروم، "فإن الخمسمائة أخ كانوا يأكلون من السلال، وبعدما يشبعون يجدونها ببركة الطوباوي لا تزال مملوءة.

5. أيضًا يروي القديس جيروم أنه إذ حضر ومعه إثنان من الإخوة، جاء إليهم الرهبان وقد عرفوهم من بعيد حسب الأوصاف التي سبق فأعلنها الطوباوي أبوللو لهم عن رحلة هؤلاء الرجال الثلاثة، وقد استقبلوهم بالفرح وتسابيح الحمد كعادة كل الإخوة. وإذ انحنوا بوجوههم حتى الأرض قاموا وأعطوا تحية السلام، وقال بعضهم لبعض: "انظروا فقد جاء الإخوة الذين كلمنا أبّا عنهم منذ ثلاثة أيام أنهم قادمون".

أما الأب أبوللو فقد انحنى للضيوف حتى الأرض، وقام يقبّلهم وهو يصلي، وغسل أقدامهم بيديه وألزمهم أن يتناولوا طعامًا، فقد كانت هذه هي عادته مع كل من يزوره.

أورد جيروم حديثه معه عن حياة الفرح الروحي، وضرورة صوم يومي الأربعاء والجمعة، وارتداء ملابس بسيطة غير معثرة...

أخيرًا إذ انصرف القديس جيروم روى له أحد المودعين في الطريق عن قديس يدعى آمون كان ساكنًا في الدير، نترك الحديث عنه بمفرده.

نياحته

قام بزيارته القديس بترونيوس أسقف بولونيا Bologne عام 393 م قبل نياحته، إذ رقد في الرب حوالي عام 395 م، وكان قد تعدى التسعين من عمره.

كتب القديس جيروم سيرته العطرة، وأيضًا كتبها البابا الإسكندري تيموثاوس (22). تعيد له الكنيسة الغربية في 25 من يناير.

Budge: The Paradise, v1, p. 340 - 351

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، ك 1، طبعة 1969 م، ص 336 – 340

ابوللو ويوحنا القديسان

يروي لنا القديس جيروم أنه التقى بقديس يدعى أبوللو الذي من أور (Or, Akur or Acre). قال عنه أنه كان في الأصل يعمل كحداد، وإذ تحول إلى طريق الرهبنة بقى يستخدم ذات المهنة لخدمة الإخوة الرهبان.

ظهر له الشيطان وهو يمارس عمله في شكل امرأة تطلب أن تخدم الإخوة، فألقاها بقطعة حديد محماة بالنار، وللحال أحدث الشيطان صرخة عالية سمعها الإخوة ثم تلاشى. ويقول القديس جيروم أنه منذ هذه اللحظة صار يمسك الحديد المحمى بالنار ولا تحترق يداه.

هذا الراهب استقبل القديس جيروم استضافه، وقد روى له بعض سير لأناس عاشوا معه في ذات المنطقة، من بينهم راهب عجيب يدعى يوحنا.

يوحنا هذا عاش في نفس البرية، وكان شيخًا متقدمًا في الأيام جدًا، وقد فاقت أعماله النسكية كل بقية أعمال الرهبان. لا يمكن لأحد أن يجده بسهولة، إذ كان يتجول كثيرًا من منطقة إلى أخرى في البرية. في بداية حياته وقف يصلي ثلاثة أعوام يختطف بعض النوم وهو واقف، لا يأكل شيئًا سوى التمتع بالتناول من الأسرار المقدسة من الأحد إلى الأحد.

دفعة ظهر له الشيطان في شكل كاهن يدفع إليه امرأة (ربما ليصلي لها)، فعرفه، وقال له: "ابتعد أيها المملوءة من كل غش، أب كل البهتان، وعدو كل بر! أما تكف عن العمل لخداع نفوس المسيحيين؟ كيف تتجاسر وتطأ الأسرار المقدسة؟" عندئذ قال له الشيطان: "بقى القليل جدًا وأَسود عليك في سقوطك، فإنني كثيرًا ما أغويت إنسانًا حتى أخرجته من عقله فصار مجنونًا، ولكن إذ طلب عنه قديسون من الله في صلواتهم عاد إلى عقله"، وإذا قال الشيطان هذا رحل.

أصيبت قدمي الطوباوي بسبب كثرة وقوفه..... فاقترب منه ملاك، وقال له: "سيكون الرب هو طعامك، والروح القدس شرابك، يكفيك هذا الغذاء الروحي". وإذ شفى جراحاته أمره أن يرحل من هذا الموضع إلى البرية يقتات على الأعشاب، ويأتي كل يوم أحد ليشترك في القداسات.

أراد إنسان مصاب بالفالج أن يذهب إليه ليشفيه، وإذ لمست قدماه ظهر الحمار قبل أن يغادر المكان ولا حتى يصلي له الطوباوي يوحنا شُفي بالإيمان.

روى لنا أيضًا، أن الطوباوي يوحنا أرسل بركة (طعامًا) للمرضى، وإذا أكلوا الطعام للحال شفوا من أمراضهم.

مرة أخرى إذ أُعلن له عن بعض الإخوة الذين من ديره أنهم غير مستقيمين في حياتهم وأعمالهم كتب رسالة للجميع، فشكا فيها الشيوخ لإهمالهم والإخوة لتملقهم، وقد كان ذلك حقًا. كتب للآباء المهملين الذين استخفوا بخلاص الإخوة الذين معهم، وأيضًا للأخوة كي يصلحوا حياتهم وأن تكون أعمالهم فاضلة. لقد أعلم لهم أيضًا كيف تكون المكافأة أو الجزاء للفريقين...

يقول القديس جيروم أن القديس أبوللو روى له ذلك عن هذا الطوباوي يوحنا وأيضًا، روى له أمورًا أخرى لم يسجلها، ليست لأنها غير حقيقية، وإنما لأن الكثيرين ينقصهم الإيمان لقبولها.

St. Jerome: Ashe'tihon, or Hist. of the Monks Of Tabenna, the Histories of the Solitaries Desert of Egypt, Ch 110.

ابوللونيا الشهيدة

✥ روى لنا القديس ديونسيوس الإسكندري فى رسالة وجهها إلى فابيوس أسقف أنطاكية الآلام التي تكبدها الشهداء في الإسكندرية في عهد داكيوس (ديسوس)، جاء فيها: "لم يبدأ اضطهادنا بصدور الأمر الملكي (سنة 250 م)، بل سبقه بسنة كاملة. إن مخترع الشرور ومصدرها في هذه المدينة، أيا كان شخصه، سبق فحرّض جماعات الأمميين وهيجها ضدنا، ونفث فيهم من جديد سموم خرافات بلادهم، وإذ هيجهم بهذه الكيفية، ووجدوا الفرصة كاملة لارتكاب أي نوع من الشر، اعتبروا أن أقدس خدمة يقدمونها لشياطينهم هي أن يقتلونا" (يوسابيوس 6: 41).

✞ عرض القديس ديوناسيوس أمثلة لبكور هذا الاضطهاد الذي تحقق عام 249، فتحدث عن استشهاد متراس Metras أو متريوس Metrius، وكوينتا Quinta المؤمنة وسرابيون وأيضًا العذراء المسنة أبوللوينا Apollonia...

✥ حياتها التقوية:

عند مدخل باب الإسكندرية عاشت عذراء تقية متقدمة في السن من عائلة شريفة غنية، في محبتها لله عاشت منذ صبوتها في حياة تقوية محبة للعبادة والنسك والعطاء.

إذ رقد والداها نذرت حياتها للبتولية، لتقضي كل أوقاتها للعبادة مع العطاء بسخاء للفقراء، وقد فضلت أن تقطن بمنزل بسيط خارج أسوار المدينة.... ففاحت رائحة المسيح الذكية في حياتها.

✞ وقوفها أمام الوالي:

إذ بدأ الضيق يحل بالمؤمنين في الإسكندرية، صار الوثنيون يقتحمون بيوتهم ويسحبونهم منها دون مراعاة للسن أو الجنس أو المركز، رأت أن تلتقي مع الوالي في فجر أحد الأيام تتحدث معه في صراحة عن هذه الجرائم البشعة!

قضت ليلتها تصلي، وفي الفجر انطلقت إليه لا لإثارته ضدها، وإنما لترده عن شره ويراجع نفسه فيما يفعل. وإذ التقت بشجاعة قالت له بحزم وصراحة وأدب: "يا سيدي، كيف عملت هذه المظالم، وأتيت بهذا الدمار على من أنت مؤتمن عليهم لرعايتهم، دون أن تخاف إله الآلهة وملك الملوك، مشجعًا هذه الجرائم بغير فهم، قاتلاً عبيد الله؟!"

عاتبها الوالي كيف تتحدث معه هكذا بهذه الجسارة محاولاً أن يهدئ من ثورتها، وإذ لم يستطع هددها بالموت إن لم تبخر للأوثان... فلم تبال بتهديداته.

حملها الوالي إلى معبد وثن وسألها أن تسجد، فشعرت بقوة روحية تملأها، ثم رشمت علامة الصليب لتسقط الأصنام وتتحطم... صارت في هدوء عجيب تحدث جماهير المشاهدين عن السيد المسيح وعمله ألخلاصي، فانجذب الكثيرون إلى حديثها الهادئ بينما قام البعض بضربها وإهانتها.

✞ استشهادها:

بدأ الوالي يعذب هذه العذراء التقية وهو يعيرها، قائلاً: "أين هو إلهك الذي يقدر أن يعينك؟" محاولاً معها أن تتراجع عن رأيها وتخضع له.

كان الوالي يمارس كل عنف، تارة يأمر ببتر بعض أعضائها، وأخرى بتكسير أسنانها وضربها بعنف على فمها حتى يسيل الدم.

في وسط آلامها نسيت كل ما هو حولها لتركع تطلب عون عريسها السماوي، وقد سمع الحاضرون صوتًا سماويًا يقول: "لقد قبلت صلاتك يا عروس المسيح".

✞ أعدوا لها نارًا متقدة ثم أمروها بالعبادة للأوثان وإلا ألقوها في الأتون... أما هي فوقفت قليلاً حتى حسب الحاضرون أنها بدأت تتراجع وتعيد التفكير. لم يمض وقت طويل وكل الأنظار مسلطة عليها ماذا تفعل أمام النار، وإذا بها في هدوء وشجاعة تسير بنفسها نحو النار بأيد مبسوطة للصلاة، وتدخل وسط النار بإرادتها لتسلم روحها في يدّ مخلصها.

يقول القديس أغسطينوس أنه لا يليق بأحد أن يسرع بنفسه إلى الموت لكن ما فعلته هذه القديسة كان بدعوة الروح القدس لها.

✞ أُقيمت كنائس ومذابح كثيرة باسم هذه القديسة التي استشهدت بالإسكندرية، ويحتفل الغرب بعيدها فى التاسع من فبراير.

D. P. D' Orle'ans: Les Saints D'Egypte, tl, p. 290.

ابوللونيوس الراهب

يروي لنا الراهب القديس بالاديوس عن راهب كان يعمل كرجل أعمال، غالبًا كصيدلي أو كطبيب، في سن متقدم، فكان يحب ممارسة موهبته بافتقاده الرهبان متنقلاً من قلاية إلى أخرى، بالرغم من بعد المسافات، يدخل كل قلاية ما استطاع ليطمئن على صحة الرهبان, مقدمًا لهم الدواء اللازم مع بعض الأغذية اللازمة للمرضى، التي يشتريها على نفقته الخاصة.

ومع وجود أكثر من راهب يحمل ذات الاسم "أبوللونيوسApollonius" لكن يبدو أن ما جاء عن هذا الراهب هو ما أورده بالاديوس وحده، الذي قال: [كان هناك رجل أعمال اسمه أبوللونيوس هجر العالم وذهب ليعيش في جبل نتريا. ولما كان متقدمًا في السن لم يقدر أن يتعلم مهنة أو يمارس الكتابة (النساخة)، عاش على الجبل عشرين عامًا يعمل هكذا: يشتري بنفسه ومن ماله الخاص كل أنواع الأدوية والعقاقير من الإسكندرية ويقدمها لجميع المرضى من الإخوة.

كثيرًا ما كانوا ينظرونه يتجول حول الأديرة من الصباح المبكر حتى التاسعة (3 بعد الظهر)، متنقلاً من باب إلى باب، يسأل إن كان هناك أخ مريض. وكان يحمل معه البيض والعنب والرمان والكعك التي تناسب المرضى، بهذا كان يعيش في شيخوخته.

مات بعد أن ترك منقولاته لشخص آخر مثله، وقد شجعته على الاستمرار في هذا الخدمة، إذ كان بالجبل خمسة آلاف راهب يحتاجون لمثل هذه الزيارات والمكان قفر].

Palladius: The Lausaic History, ch 13.

ابوللونيوس المدافع

عرف التاريخ عددًا كبيرًا من المدافعين Apologists في القرن الثاني الميلادي، الذين وقفوا في حزم وشجاعة مع أدب ولطف يدافعون عن الإيمان المسيحي والمسيحيين أمام الأباطرة أو القضاة أو أصحاب الفكر للرد على افتراءات الوثنيين أو اليهود، من بين هؤلاء ابوللونيوس Apollonius الذي استشهد حوالي عام 185 م.

نشأته

في عام 180 م إذ مات الإمبراطور مرقص أوريليوس الذي كان يضطهد المسيحيين تسلم الملك ابنه وشريكه كومودس الذي كان أكثر لطفًا وترفقًا، فانتشرت المسيحية وزاد عدد المؤمنين، وكان من بين هؤلاء المتنصرين في روما رجل شريف وقاض درس الفلسفة وأحب المعرفة، يدعى أبوللونيوس. أحب هذا الرجل الإيمان المسيحي وعشق الكتاب المقدس، فكان يزداد في المعرفة، بل واستطاع أن يربح الكثيرين للرب.

وسط سلام الكنيسة وهدوئها تقدم أحد عبيد أبوللونيوس يدعى ساويرس بشكوى ضد سيده أمام قاضي مدينة روما برينيس Perennis يتهم فيها سيده أنه مسيحي، وكانت الأوامر الخاصة بقتل المسيحيين لم تُرفع بعد بالرغم من الهدوء الذي ساد البلاد، إذ لم يكن يوجد اضطهاد أو معاملة سيئة لمسيحي إلا إذا أشتكى عليه أحد.

كان هذا العبد شريرًا للغاية، وقد أدت تصرفاته في النهاية إلى إعدامه، لكنه في شره أسرع بالإبلاغ عن سيده الذي وقف أمام القاضي يشهد لمسيحه، رافضًا ترك إيمانه وقبول إيمان الأباطرة والتبخير للأوثان.

وجد أبوللونيوس الفرصة مناسبة للتحدّث مع القضاة والأشراف عن سمو الإيمان المسيحي، فعوض الدفاع عن نفسه صار يحثهم على قبول الإيمان في دفاع منطقي روحي، مجتذبًا إياهم بحديثه المقنع ووداعته، حتى بهر الكل به.

اشتاق القاضي نفسه أن يتنصر، لكنه قال لابوللونيوس متأسفًا إن الأوامر الإمبراطورية تحتم بقتلك. وإذ خشي القاضي من ثورة الجماهير بسبب حبهم للرجل أمر بسرعة بقتله بالسيف، وكان ذلك في 18من شهر أبريل.

جاء في حديثه مع القاضي بيرينيس العبارات التالية:

الموت محتم على الجميع، أما المسيحيون فيمارسونه كل يوم.

الموت من أجل الله الحقيقي ليس أشر من الموت بسبب حمى أو أي مرض أو كارثة ما.

سأله القاضي: أتنحني للموت؟

أجاب: لا بل أتمتع بالحياة.

حب الحياة يجعلني لا أرهب الموت.

ليس شىء أفضل من الحياة، الحياة الأبدية التي تهب للنفس خلودًا لتعيش هناك حسنًا!

تعيد له الكنيسة اليونانية فى17 أبريل واللاتينية في 18 أبريل.

Butler's Lives of Saints, April 18.

ابولليناريا القديسة

كانت أبو لليناريا هي الابنة الكبرى لأنثيموس الوصي على إمبراطورية الشرق أيام ثيؤدوسيوس وجدّ الإمبراطور أنثيميوس Anthemius (467 - 472 م) وكانت محبّة لله، تتعلم الألحان الكنسية ودراسة الكتاب بشوق شديد، وتضم حولها في القصر جماعة من العذارى القديسات. إذ حان سن الزواج أصرت أن تعيش متبتلة، تكرس كل وقتها للرب، مما أحزن قلب والديها.

اشتاقت أن تتمتع ببركة الأماكن المقدسة بأورشليم فاستأذنت والديها اللذين أرسلا معها حرسًا إمبراطوريا وحاشية من السيدات الفاضلات وخدام القصر... وبالفعل انطلقت إلى أورشليم وصارت تتبارك من المواضع المقدسة وهي تمارس حياة التوبة بنسك شديد، رافضة كل الدعوات التي وجهتها لها السلطات الرسمية والأساقفة، فقد أصرت أن تسلك في هذه الأراضي بما يليق بحاملي الصليب.

انطلقت الفتاه متجهة إلى الإسكندرية فوصلت إلى ميناء لما Lemma بالقرب من أبى صير على بعد حوالي 30 كيلو من الإسكندرية، ومن هناك قامت بزيارة دير مارمينا بمريوط، وقفت في خشوع أمام رفاته تطلب صلواته.

طلبت الذهاب إلى الإسقيط لزيارة الآباء المتوحدين، وقد انطلقت بالعربة ليلاً ودارت حول بحيرة مريوط وتوغلت في الصحراء، وبقيت تصلي ساعات طويلة أثناء الرحلة، وعند منتصف الليل وصلت المركبة إلى شاطىء مستنقع بالقرب من عين ماء عذب عُرف حتى القرن الحادي عشر باسم القديسة أبوليناريا. وإذ استراح الكل في تلك المحطة اطمأنت الأميرة أن الكل نائم فسحبت ستائر المركب ونزلت بحرص بعد أن خلعت ملابسها ارتدت ملابس راهب كانت قد أحضرتها معها، ورفعت عينيها نحو السماء تطلب العون الإلهي، ثم رشمت نفسها بعلامة الصليب واختفت وسط قصب المستنقع.

وفي الصباح انتظر الكل أن تستيقظ الأميرة وتسألهم أن يسيروا... لكن إذ اشتدت حرارة الشمس فتحوا الستائر ليجدوا الملابس وحدها، وأدركوا أنها قد هربت.... ارتبك الكل، واضطر الوالي أن يكتب لأبيها كل ما حدث بالتفصيل، فأخذ أبوها ثيابها وصار يذرف الدموع الغزيرة كما فعل يعقوب عندما تسلم قميص يوسف ابنه... وساد القصر علامات الحزن والكآبة.

اختفت ملامحها تمامًا بسبب نسكها الشديد وتعرضها للدغات البعوض... وعند خروجها من هذه الوحدة سمعت صوتًا يقول لها: "إذا سُئلتِ عن اسمك فأجيبي بثبات دورثيؤس".

أرشد روح الرب القديس مقاريوس إلى طريقها وأخفي عنه حقيقتها فظنها شابًا يطلب الرهبنة، فوهبها مغارة مهجورة، تقضي فيها سنوات مختلية مع الله تمارس عبادتها بقلب ملتهب.

بعد سنوات إذ تعرضت أخت أبوليناريا الصغرى لآلام شديدة حار فيها الأطباء، اضطر إنثيموس أن يرسلها مع حرس كبير وسيدات إلى الإسقيط يطلب من الآباء الصلاة من أجلها... فأرسلها القديس مقاريوس إلى الراهب دورثيئوس دون أن يعلم أنها أختها.

عرفت أبوليناريا أختها البائسة فلم تستطع أن تضبط تأثرها، فكانت تزرف الدموع الغزيرة..... ثم أدخلتها قلايتها وارتمت على عنقها وقبلتها بحرارة وعرّفتها بنفسها وسألتها ألا تكشف أمرها، ولكن الصغرى كانت في غير وعيها. وإذ صلت أبوليناريا خلصها الرب من الروح النجس.

قاد الأب دورثيؤس الأميرة إلى الكنيسة، ففرح الكل بها، وانطلق الموكب إلى القسطنطينية حيث كانت كل المدينة في انتظارها.

ألح والدها طالبًا الراهب دورثيؤس أن يأتي إلى القصر ليباركه، فاضطر الراهب إلى قبول الدعوة بعد إلحاح الكل عليه، وهناك التقى بوالديه ولم يعرفاه.

سقطت أبولليناريا على الأرض وقبّلت والديها واستحلفتهما أن يتركاها تعود إلى وحدتها، وبالكاد حبس الأب والأم صراخهما، وأخذها الأب بين ذراعيه وضمها إلى قلبه وقبّل وجهها المبارك وبلله بالدموع....

بعد إلحاح أصرت أبولليناريا أن تعود رافضة كل عطايا أرضية من والديها، وانطلقت إلى الإسقيط... وهناك بعد فترة استدعت القديس مقاريوس وأعلمته بقرب رحيلها، وسألته ألا يكشف أحد عن جسدها بل يدفنوها كما هي....

وأسلمت روحها في يدي الله فودعها الآباء المتوحدون بالترانيم والتسابيح.... ودفنوها في مغارتها شرقي الكنيسة، وكانت يد الله تتمجد عند قبرها، وقد أُقيمت كنيسة باسمها فوق مغارتها دعيت "كنيسة أبولليناريوس" بقيت حتى القرن الثامن عشر. تعيد لها الكنيسة الغربية في 5 يناير.

R. P. Cheneau: Les Saints d'Egypte, t. 1, p 34 - 48.

ابولليناريوس أسقف هيرابوليس

كلوديوس أبولليناريوس Claudius Apollinaris، كان أسقفًا على هيرابوليس بفريجية، مدينة بابياس، في عهد مرقس أوريليوس (161 – 180 م)، قدم لنا المؤرخ يوسابيوس القيصري فصلاً عن كتاباته، قال فيه:

"لقد احتفظ الكثيرون بعدد وفير من كتب أبوليناريوس، وهاك ما وصل إلينا منها:

الحديث الموجه إلى الإمبراطور السالف الذكر،

خمسة كتب ضد اليونانيين،

كتاب أول وكتاب ثانٍ عن الحق،

وكتابان ضد اليهود،

وتلك الكتب التي كتبها فيما بعد ضد هرطقة أهل فريجية التي ظهرت حالاً فيما بعد بما يتبعها من بدع، ولكنها كانت وقتئذ لا تزال في بدايتها لأن مونتانوس مع نبياته الكاذبات، كان وقتئذ يضع أساس هرطقته (تاريخ الكنيسة 4: 27).

للأسف كل هذه الأعمال لا تزال مفقودة لا نعرف عنها شيئًا، كما توجد له أعمال أخرى لم يذكرها يوسابيوس.

مقاومته لمونتانيوس Montanus

قاوم مونتانيوس المبتدع الذي ظهر فى منطقته بفريجيا في القرن الثاني مدعيًا النبوة، والتف حوله بعض الخواص دعاهم أنبياء ونبيات، خاصة بريسكلا وماكسملا إذ كانتا ملاصقتين له. وكان أتباعه يحسبون أنفسهم روحيين (مملوءين بالروح) بينما ينعتون المؤمنين بالجسدانيين.

بدأ مونتانيوس نبوته المزعومة عام 172 وتطورت بعد ذلك. كان ينادي بأن أورشليم السماوية ستنزل حالاً بالقرب من ببيوزا Pepuza بفريجية، ثم أخذت البدعة تحمل إتجاهات نسكية منحرفة....

فيلق الرعد

قيل أن القيصر مرقس أوريليوس، أخ أنطونيوس، كان على وشك الاشتباك في حرب مع الألمان عام 174، وقد تعرضت الفرقة الثانية عشر من الجيش لمأزق شديد إذ حّل بهم العطش مع الإنهاك الشديد وصاروا يتقهقرون أمام العدو، وإذ كان كثيرون منهم مسيحيين جثوا على الأرض، وكما يقول يوسابيوس، كما هي عادتنا في الصلاة، وقضوا وقتًا في التضرع إلى الله، وذلك بدافع إيمانهم الذي أعطاهم قوة... فجأة حدثت بروق شديدة أربكت العدو بسبب الظلام مع بريق البروق وشدة العواصف فتراجعوا وهربوا بينما أمسك الجنود المسيحيون خوذاتهم لتمتلئ بمياه المطر ويشربوا، وهكذا تحولت الهزيمة إلى نصرة لحسابهم.

يقول يوسابيوس (تاريخ الكنيسة 5: 5) أن هذا الحدث رواه مؤرخون غير مسيحيين ونسبوا ذلك إلى فاعلية السحر، كما رواه مؤرخون مسيحيون، وصفوا ما حدث ببساطة وصدق بلا مبالغة، يكشفون عن قوة الصلاة وفاعليتها.

أشار أبولليناريوس لهذا الحدث في دفاعه الذي وجهة للإمبراطور مرقس أوريليوس حوالي عام 175 م وقد دعى الإمبراطور هذه الفرقة الثانية عشرة "فيلق الرعد" أو "فرقة الرعد"، لأن بصلواتها تمت المعجزة. هذا وقد أصدر الإمبراطور منشورًا جاء فيه أن جيشه كان على وشك الهلاك عطشًا في ألمانيا وقد أُنقذ بصلوات المسيحيين، مهددًا بالموت كل من يقدم اتهامًا ضدهم.

تنيح هذا القديس غالبًا عام 179 م. وتعيد له الكنيسة الغربية في 8 من شهر يناير.

Eusebius: Hist. Ecci 4: 27: 5: 5.

ابولليناريوس الأسقف

تروي الكنيسة الكاثوليكية أنه أول أسقف على مدينة رافينا Ravenna بإيطاليا، وأن القديس بطرس هو الذي أرسله إلى هناك.

وُلد في إنطاكية ثم ذهب إلى رافينا، وعند دخوله في المدينة سأله غلام أعمى صدقة. فصلى علية وباسم يسوع المسيح شفاه، عندئذ اجتمع حوله كثيرون فكان يحدثهم عن المخلص، وآمن الغلام وأبوه إيريناؤس وكل أهل بيته.

انتشر هذا الخبر، فالتجأ إليه أحد قادة الجيش الذي طلب منه أن يشفي امرأته التي كانت على شارفة الموت، فصلى من أجلها ورسمها بعلامة الصليب فبرأت في الحال. وتحول بيت القائد إلى كنيسة يجتمع فيها المؤمنون.

ثورة الوثنيين عليه

شعر الكهنة الأوثان أن مركزهم قد تزعزع بتحول شعبهم إلى الإيمان بالسيد المسيح، فاشتكوا لدي الحاكم الذي استدعى القديس وسأله: لماذا تقاوم الإله جوبتر؟ أجابه بأنه لا يعرف هذا الإله... فأخذه إلى الهيكل وأراه عظمة ما به، فبكى، قائلاً: "أهكذا تسجدون لعمل أيديكم وتقدمون للذهب والفضة العبادة اللائقة بالله وحده خالق السماء والأرض؟". وإذ سمع الوثنيون ذلك ثاروا عليه، وضربوه بالعصي، وألقوه بالحجارة حتى حسبوه مات، فسحبوه خارج المدينة وتركوه. جاء إليه المؤمنون ووجدوه حيًا، فحملوه إلى بيت في المدينة حتى شُفي وقام يكرز كعادته.

في بيت بونيفاسيوس الشريف

سمع شريف بالمدينة يدعى بونيفاسيوس Boniface فأرسل إليه زوجته تطلب منه أن يأتي ليشفي رجلها الأخرس الذي عجز الأطباء فيه، فذهب معها. هناك وجد جارية بها روح شرير أخرجه باسم يسوع الناصري، حينئذ خرّ أمامه بونيفاسيوس وأنفكَّ لسانه وتكلم، وبسببه آمن قرابة خمسمائة نسمة.

قبض عليه الوثنيون وضربوه وأخرجوه خارج المدينة، فسكن في مغارة هناك، وكان المؤمنون يأتون إليه، بل وعمّد كثيرين أيضًا.

انطلاقه إلى مدن أخرى

إذ رأى أن الكنيسة في رافينا تأسست انطلق إلى مناطق أخرى كثيرة مثل اميليا وBologna.

إذ كان شعب رافينا قد تعلق جدًا براعيه أرسلوا يطلبون زيارته، فجاء وكان بالمدينة قاضٍ يدعى روفينيوس من روما، وطلب منه أن يشفي ابنته التي كانت في خطر، وإذ ذهب إليه ماتت ابنته وهو على الباب فحسب القاضي أن الآلهة الوثنية غضبت عليه، فأخذ يشتم الأسقف ويهينه. لكن أبولليناريوس قابل هذا بوداعة وصبر، بل وصلى على الفتاة فأقامها الله، وآمن كثيرون بالسيد المسيح، وصارت البنت بتولاً.

نفيه

سمع الإمبراطور فاسبسيان Vespasian بما حدث فأرسل إلى حاكم المدينة يأمره باضطهاد الأسقف، وبالفعل مارس الحاكم كل أنواع العذابات، وأخيرًا نفاه إلى الشرق، وكان معه ثلاثة من الكهنة.

ذهب إلى ميسيا وتراسيا حيث كرز بالسيد المسيح.

عاد مرة أخرى إلى مدينة رافينا بعد ثلاثة سنوات حيث أستقبله الشعب بفرح عظيم. وتعرض أيضًا لمتاعب كثيرة من الوثنيين، وحملوه إلى الوالي توروس الذي كان يشتاق إلى رؤيته.

باسم السيد المسيح فتح عيني الوالي فأحبه جدًا وأسكنه في بيت بجواره، وصار يمارس عمله الكرازي أربع سنوات، بعدها أرسل الإمبراطور إلى الوالي يطلب نفيه. فقام الوثنيون بضربه بشدة، وأُلقي خارج المدينة... وقد تنيح كشهيد على أثر الآلام بعد سبعة أيام، وكان ذلك نحو سنة 74 أو 75 م.

تعيد له الكنيسة اللاتينية نحو 23 من شهر يوليو.

ابوليدس البطريرك الشهيد

كان هذا القديس رجلاً فاضلاً وكاملاً في جيله فاختاروه لكرسي رومية بعد الأب أوجيوس، وكان هذا في أول سنة من جلوس القديس الأنبا كلاديانوس البابا التاسع على كرسي الإسكندرية.

كان مداومًا على تعليم شعبه وحراسته من الآراء الوثنية مثبتًا إياهم على الإيمان بالسيد المسيح، فبلغ خبره مسامع الملك الكافر قلوديوس قيصر فقبض عليه وضربه ضربًا مؤلمًا، وأخيرًا ربط في رجله حجرًا ثقيلاً وطرحه في البحر في اليوم الخامس من أمشير. ولما كان الغد أي السادس من أمشير وجد أحد المؤمنين جسد هذا القديس عائمًا على وجه الماء والحجر مربوطًا في رجله، فأخذه إلى منزله وكفنه بأكفان غالية وشاع هذا الخبر في مدينة رومية وسائر البلاد التابعة لها حتى وصل إلى القيصر، فطلب الجسد ولكن الرجل أخفاه ولم يظهره.

ولهذا الأب تعاليم كثيرة، بعضها عن الاعتقاد وعن التجسد وبعضها عظات لتقويم السيرة، ووضع مع ذلك ثمانية وثلاثين قانونًا.

السنكسار، 6 أمشير.

أبونديوس الشهيد

إنها قصة شهيد روماني يشهد لمسيحه واهب القيامة وهو في طريقه للموت!

يوجد في متحف اللاتيران جزء من قبرية (كتاب على قبر) وجدت في Rignano التي تبعد 26 ميلاً من روما، ويُعتقد أنها خاصة بالشهيد أبونديوس Abundius الذي يحتفل الغرب بعيده مع رفقائه في 16 سبتمبر.

جاء في هذه القبرية: "في روما، في طريق الفلامينيان Flaminian، أمر الإمبراطور دقلديانوس بقتل الشهدين القديسين أبونديوس الكاهن وأبونداتيوس الشماس مع الرجل الشهيد مارقيان وابنه يوحنا الذي أقامه أبونديوس من الموت، قتلوا بالسيف على بعد عشرة أميال من المدينة".

قيل أنه قد طلب من الكاهن وشماسه أن يبخروا لهيراقليس فرفضا، لذا أُلقيا في سجن Mamertine لمدة شهر، ثم اُستدعيا ليعذبا ويُدانا. وفي طريقهما للاستشهاد التقيا بالسيناتور مارقيان الذي كان يبكي ابنه الميت يوحنا. طلب القديس أبونديوس أن يُقدم له الجثمان، وإذ صلى إلى الله وهو مقيد قام الميت باسم يسوع المسيح واهب الحياة.

آمن مرقيان وابنه بالسيد المسيح ورافقا القديسين الكاهن وشماسه ليستشهد الكل في نفس اليوم معًا، وقد دفنوا في مقابر الأم ثيؤدورا بالقرب من Rignano في طريق فلامينيان.

Butler's Lives Saints, Sept. 16

ابو نفر السائح القديس

في دير الأشمونين

التهب قلب الشاب أبو نفر بمحبة الله واشتاق للحياة التعبدية الهادئة فالتحق بدير بهرموبوليس (الأشمونين التابعة لمحافظة المنيا)، حيث كان بالدير حوالي مائة راهب يمارسون حياة الشركة، يتعبدون في صمت مع اهتمام بممارسة العمل اليدوي كجزء لا يتجزأ من العبادة.

أحب أبو نفر الآباء الرهبان، وسلك معهم بروح التقوى والطاعة، لكن نفسه كانت تتوق إلى حياة الوحدة في البرية ممتثلاً بالقديسين يوحنا المعمدان وإيليا النبي.

انطلاقه في البرية

لم تمضِ إلا سنوات قليلة حتى شعر بالتهاب قلبه نحو حياة الوحدة، وفي إحدى الليالي تسلل في سكون دون أن يشعر به أحد، إذ عرف مدى حب الرهبان له ورغبتهم في ألا يفارقهم. حمل رغيف خبز واحد وقليلاً من الخضروات تكفيه لمدة أربعة أيام، وانطلق نحو الجنوب وسط الجبال التي تفصل بين الصعيد الأسفل والواحات... وكان يصلي في الطريق طالبًا مشورة الله.

إذ توغل في الصحراء رأى فجأة نورًا ساطعًا، لكنه رأى ملاكًا يقول له: "أنا ملاكك الحارس، لم أتركك منذ كنت في المهد، فلا تقلق بل تقدم إلى الأمام دائمًا فستبلغ الموضع الذي أعده الله لك".

رافقه الملاك حتى بلغا مغارة واختفى، فقرع أبو نفر الباب قائلاً: "باركني؟؟" فظهر له رجل طويل القامة مهوب، فركع أمامه الشاب أبو نفر وقبّل قدميه، لكن الشيخ المتوحد أقامه من يده وقال: "يا أبا نوفر، أنت أخي في الرب. ادخل استرح بضعة أيام، ثم تتبع المسيرة التي أوحى لك بها الله".

بعد أيام قليلة سار الشيخ معه لمدة أربعة أيام حتى بلغا مغارة بجانبها نخلة، وسكن الشيخ معه فيها لمدة شهر يدربه على حياة الوحدة ليتركه ويعود إليه مرة كل عام، حتى تنيح الشيخ في إحدى زياراته له.

مع القديس بفنوتي

قيل أن المتوحد بفنوتي اشتاق أن يدخل أعماق الصحراء، لعله يلتقي بأحد المتوحدين أو السواح، فأخذ قليلاً من المؤونة وانطلق في الصحراء لمدة سبعة عشر يومًا، وفجأة رأى القديس أبا نوفر السائح الذي كان له في البرية ما بين ستين وسبعين عامًا، كان شعره طويلاً غير مرتب ولحيته طويلة جدًا تتدلى على جسده، يتمنطق بحزام من الأوراق العريضة. رآه القديس بفنوتيوس فارتعب جدًا، وتسلق قمة تل قريب، وكانت عيناه شاخصتين نحو هذا الغريب، لكن الشيخ وكان منهك القوى صرخ، قائلاً: "انزل أيها الراهب القديس، إني أسكن هذا القفر من أجل محبة الله"... فالتقى الاثنان وقبّلا بعضهما قبلة السلام.

جاء حديثهما معًا روحيًا وشيقًا، فيه أوضح أبونفر أنه أقام في الصحراء ستين عامًا يتجول في القفر ويتغذى على حشائش البرية وبلح النخلة دون أن يرى إنسانًا، وأنه قد احتمل في البداية الكثير من جوع وعطش وحر وبرد لكن الله نظر إلى ضعفه وسنده، كما أخبره أن كثيرين ممن يسكنون القفار يتمتعون بعطايا جليلة، حتى أن منهم من يُحملون إلى السماء لينظروا القديسين في مجدهم ويتهللون بفرح لا تعرفه الأرض...

نسي القديس بفنوتي كل تعب خلال استماعه لحديث القديس السائح، وسار الاثنان إلى المغارة حيث بلغاها عند الغروب فوجدا على الصخر رغيف خبز وقليلاً من الماء..

نياحته

يبدو أن القديس بفنوتي المتوحد لم يبق كثيرًا مع القديس السائح، إذ مرض أبو نفر فارتبك بفنوتي لكن القديس صار يطمئنه، موصيًا إياه أن يعود إلى مصر بعد تكفينه... وبالفعل أسلم قديسنا روحه الطاهرة. وقد شهد القديس بفنوتي أنه رأى ملائكة وسمع تسابيحهم عند رقاده. وقد قام بتكفينه، مشتهيًا أن يكمل بقية أيام غربته في المغارة، لكنه رأى النخلة قد يبست والينبوع قد جف، فبكى بمرارة وعاد ليمارس حياة الوحدة في ديره.

مليكة حبيب يوسف، يوسف حبيب: القديس أبو نفر السائح، إسكندرية 1970 م.

القديس أبيب: راجع أبوللون وأبيب.

ابيبوديوس وإسكندر الشهيدان

أثناء حكم الإمبراطور مرقس أورليوس تعرضت ليون بفرنسا (بلاد الغال) لموجة شديدة من الاضطهاد، وكان من بين شهدائها القديسان أبيبوديوس Epipodius وإسكندر اللذان نشأ منذ صباهما كصديقين حميمين يسندان بعضهما البعض في الحياة التقوية. يُقال أن الأول من ليون نفسها والثاني من بلاد الشرق، وكانا من عائلتين شريفتين.

سكنا معًا في بيت واحد خارج مدينة ليون، وقد اشتكاهما أحد العبيد لدى والي المدينة فاستدعاهما، وإذ اعترفا أمامه بأنهما مسيحيان ثارت الجموع الوثنية لقتلهما، لكن الوالي طلب التريث.

جاء الوالي بابيوديوس بكونه الأصغر لعله يقدر أن يستميله إلى العبادة الوثنية، فصار يسأله عن السبب لماذا يقبل الإيمان بديانة يعتنقها أحقر الناس وهو شاب حديث السن من أصل شريف، خاصة وأن المصلوب لا يعد بشيء من خيرات الدنيا، بل يحث على الفقر واحتمال الإهانة والعفة، فيُحرَم الإنسان من كل متعة زمنية، ويرفض الديانة التي للأباطرة والعظماء والفلاسفة، هذه التي تتيح له التمتع بكل شهوة ولذة. عندئذ بدأ أبيبوديوس يحدث الوالي بشجاعة عن الحياة الأبدية وضبط الجسد، كي لا يعيش الإنسان حياة شهوانية حيوانية، بل حياة روحية سامية.

اغتاظ الوالي وأمر بضربه على فمه، فكان يعترف باسم السيد المسيح والدم يتصبب من فمه، معلنًا تمسكه بالصليب وعمل الله الخلاصي... عندئذ أمر الوالي بضرب رأسه بالسيف وكان ذلك حوالي عام 178 م.

ولما اُحضر إسكندر وعرف بما حدث لصديقه كان مشتاقًا أن يلحق به.

قال له الوالي أنه لم يعد في ليون كلها مسيحي غيره، سائلاً إياه أن يترك مسيحيته، أما هو فأجاب "لا تظن أنك تستأصل ديانتنا التي لن تقوى عليها أبواب الجحيم"، ثم أعلن عن شهوته نحو الاستشهاد، فصاروا يضربونه بوحشية، وأعدوا له صليبًا وعندما علقوه عليه كان قد استشهد.

تعيد لهما الكنيستان اليونانية واللاتينية في 22 من إبريل.

ابيبوس الشهيد1

رجل تقي هرب من الضيق لكن بقلب متسع ومحب، وحين واجه الاستشهاد كان باشًا متهللاً! كان أبيبوس (حبيب) Abibus أو سابين Sabin يقطن في مدينة هرموبوليس (الأشمونين). عاش هذا المؤمن بحياة تقوية متعبدا لله، وإذ حلّ الاضطهاد على المسيحيين في عهد دقلديانوس، انطلق من المدينة سرًا إلى كوخ بسيط يسكنه بعض المسيحيين على حدود الصحراء، هاربًا من وجه إريانا والي أنصنا.

إذ كان هذا التقي معروفًا في المدينة صار بعض الوثنين في شرهم لا يشعرون بطعم الراحة لهروبه، فكانوا باجتهاد يبحثون عنه. أما هو ففي مسكنه الجديد كان قلبه مملوء سلامًا ومحبة، يمارس أعمال الرحمة للجميع بغير انقطاع.

تعرف عليه أحد الشحاذين، فكان يأتيه كل يوم يطلب منه صدقة، وكان أبيبوس يعطيه بمحبة وفرح... ولم يمض وقت طويل حتى بدأت محبة المال تشغل فكر هذا الشحاذ، فانطلق خفية إلى بعض رجال إريانا والي أنصنا وسألهم ماذا يعطونه إن أخبرهم عن مسكن أبيبوس الجديد، وإذ اتفق معهم انطلق بهم يهوذا الجديد إلى حيث يسكن هذا التقي ليمسكوا به.

هجم رجال إريانا على الرجل، أما هو فبقلب هادئ ووجه باش سلّم نفسه لهم... وكانوا يسبّونه ويضربونه بالعصي حاسبين في ذلك أنهم يدافعون عن آلهتهم التي يحتقرها هذا الشقي...

احتمل أبيبوس عذابات كثيرة بصبر، إذ كان ربنا يسوع يعزيه ويسنده. أخيرًا مزقوا أعضاء جسمه حتى سالت الدماء في كل موضع، وألقوه في نار، وجعلوا من النيل مقبرة له، وكان ذلك في سنة 305 م.

R. P. Paul Cheneau, D. Orléans: Les Saints D’ Egypt, Mars 13.

ابيبوس الشهيد2

أحد الأماكن المقدسة الرئيسية بالرها في سوريا هو ذاك المقدس الذي يضم رفات الشهداء غورياس Gurias وشمعون أو صاموناس Samonas وأبيبوس أو حبيب Abibus، تحتفل لتذكارهم الكنيسة اللاتينية واليونانية 15 من شهر نوفمبر.

جاءت قصة استشهادهم تروي أن الشهيدين الأولين قد فازا بإكليل الاستشهاد في عهد دقلديانوس في أواخر القرن الثالث أو أول الرابع، أما الشهيد الثالث فنال إكليل الاستشهاد بعدهما بحوالي 20 عامًا أثناء اضطهاد الملك ليكنيوس Lucinius عدو قسطنطين الكبير وصهره من أخته قسطنسيا.

كان الشهيدان الأولان غيورين على نشر الإيمان المسيحي بين الوثنيين بالرها، فقُبض عليهما وسُجنا، وإذ رفضا التبخير للأوثان تعرضا لعذابات شديدة، منها أن عُلق كل منهما من يد واحدة، ووضعت أثقال في أقدامهما، كما أُلقيا في جب كريه مظلم بلا طعام ثلاثة أيام. بقيا الشهيدان أربعة أشهر يحتملان العذابات وكان الجلادون لا يكفون عن استخدام كل وسيلة لتعذيبهما واثقين أنه بانحراف هذان البرجان الشامخان عن الإيمان ينهار الشعب كله وراءهما، لكن إذ رأى الجلادون أن احتمالهما للآلام يسبب تعزية كثيرة للمؤمنين أمروا بضرب عنقيهما.

أما الشهيد حبيب أو أبيبوس فكان شماسًا بالرها يسكن مع والدته التقية، اشتاق أن يتمتع بإكليل الشهادة بعد أن اختفى عن المضطهدين فترة قصيرة، ولعله ذهب إليهم من تلقاء نفسه بناء على دعوة إلهية، وقد اعترف بالإيمان بغير تردد. اتسم بفرحه وبهجته طوال فترة الآلام، حتى حسب الوالي ذلك حماقة أن يجد لذة بالحياة الأبدية وسط الألم، فأمر بحرقه بالنار.

إذ سيق لحرقه قبّل والدته وأقاربه قبلة السلام، وكان يعزيهم ويشجعهم ثم ألقى بنفسه في النار وسط الجنود، وحُمل جسده إلى حيث دُفن الشهيدان السابقان دون أن تصيبه النار.

بركة صلواتهم تكون معنا آمين.

Butler’s Lives of the Saints, Nov. 15

ابيرؤوه وأثوم الشهيدان

نشأتهما

وُلد الأخان أبيرؤوه وأثوم من أب تقي كاهن يُدعى يوحنا وأم تقية تدعى مريم، في قرية تاسمبوتي Tasempoti، حاليًا سنباط، بإقليم أبو صير (مركز زفتى). كانت هذه العائلة غنية، وقد مارس الشابان أعمال التجارة فكانا ناجحين.

بعد نياحة والديهما سافرا إلى الفرما شمال شرقي القطر المصري، لأعمال تجارية. كان الأول قد بلغ الثلاثين من عمره وأخوه الثامنة والعشرين.

وجد الشابان جنود بومبيوس والي الفرما يحملون جسد الشهيد أُنوا Onoua كاهن كيوس kois ليلقوه في البحر، فتقدما إليهم يسألونهم إن كانوا يعطونهم الجسد مقابل قطعتين من الذهب، فوافقوا بعد تردد إذ خشوا أن يسمع الوالي فيقتلهم.

كفن القديسان جسد الشهيد وحملاه سرًا إلى قريتهما سنباط حيث دفناه في بيتهما، وكان الله يتمجد في جسد هذا الشهيد بالآيات والعجائب.

تحول بيتهم إلى مركز روحي حيّ، يأتي الشعب ليتبارك برفات الشهيد ليجدوا أيضًا في الشابين صورة حية للسيد المسيح، إذ كانا تقيين محبين للعطاء والبذل بلا حدود.

اتفاقهما للشهادة

بعد ثمانية أشهر اتفق الأخان أن يوزعا كل مالهما ويذهبا إلى الإسكندرية ليعترفا جهرًا بمسيحيتهما... وإذ التقيا بالوالي في وقت متأخر أمر بسجنهما حتى الصباح ليُقدما للمحاكمة.

في السجن صارا يصليان مع اخوتهما المسجونين من أجل الإيمان، وقد أرسل الله لهما صوتًا سماويًا يعلن لهما معيته لهما ومساندته إياهما. وفي الصباح استدعاهما الوالي وصار يلاطفهما واعدًا إياهما بالعمل في البلاط الملكي، وإذ لم يستجيبا لوعوده أمر بجلدهما، وكان الرب معهما. صدر الأمر بتعذيبهما بالدولاب الحديدي الذي كان يمزق جسديهما...

صرخ أثوم طالبًا من السيد المسيح أن يرسل ملاكه ليخلصهما، فنزل رئيس الملائكة غبريال وأنقذهما وشفاهما من جراحاتهما. لكن الوالي وقد اغتاظ أمر بإلقائهما على سرير حديدي وإشعال النار تحتهما، فأرسل الله مطرًا وخلصهما، حتى آمن كثير من الوثنيين الذين جاءوا يشاهدون العذابات.

أُلقي الشهيدان في السجن فظهر لهما السيد المسيح نفسه وشجعهما.

إخراجهما روحًا نجسًا

إذ كانا منطلقين من السجن مقيدين، شاهدا شابًا به روح نجس، ففي محبة صليا لأجله فخرج الروح النجس ودهشت الجموع السائرة في الطريق، وإذ سمع الوالي أرمانيوس بذلك اتهمهما بالسحر... وأمر بتعليقهما على شجرة مرتفعة من أقدامهما ليبقيا هكذا يومين ينزفان دمًا من فميهما وأنفيهما... وجاء الوالي ومعه أعوانه ليسخر بهما، قائلاً: "يا أبيرؤوه، يا أثوم، هل أنتما عائشان أم مائتان؟" ولم ينته من عبارته حتى أرسل الله ملاكه ميخائيل وخلصهما، فهاج الشعب كله، وخاف الوالي من الثورة، فأمر بسجنهما.

ذهابهما إلى الفرما

إذ زار بومبيوس والي الفرما الإسكندرية تحدث والي الإسكندرية معه عن هذين الساحرين العجيبين، فطلب بومبيوس ترحيلهما إلى الفرما وسجنهما حتى يصل هو إليها.

في سجن الفرما

التقى رجل تقي يدعى أتروبيوس Eutropuis بحراس السجن ودفع لهم مالاً ليسمحوا للشابين بزيارة بيته... وبالفعل أخذهما إلى حين، وهناك صليا لابنته العمياء فشُفيت، واجتمع كثير من المرضى فشُفوا باسم السيد المسيح.

ظهر لهما رئيس الملائكة جبرائيل وعزاهما وشجعهما على متابعة جهادهما من أجل الرب، وإذ حضر الوالي بومبيوس من الإسكندرية استدعاهما وصار يعذبهما، وكان الرب يشفيهما. رأى ذلك ثلاثة ضباط يدعون بانيجير وكرماني والحبشي ومعهم أربعون جنديًا، فأعلن الكل إيمانهم بالسيد المسيح وسلموا أنفسهم للاستشهاد... فاغتاظ الوالي وازداد عنفًا وقسوة طالبًا تخليع أظافرهم وضرب فميهما بكتل حديدية لتكسير أسنانهما. وبقدر ما كان الوالي يزداد عنفًا كان الله يتمجد فيهما مرسلاً ملاكه ميخائيل يبسط جناحيه علانية ويشفيهما...

وأحس الوالي بالهزيمة أمام الجماهير فطلب إلقاءهما في السجن.

إقامة مورفياني

كانت مورفياني زوجة الوالي في حالة وضع متعسرة انتهت بموتها، وإذ بلغ الوالي الخبر صار في مرارة واجتمعت المدينة تعزيه فيها... لكن البعض همس في أذنيه أن يستدعي الشابين المسيحيين يصليان من أجلها. أما هو فقال "لو أني أرسلت استدعيهما فلن يطيعاني، فإنهما لابد غاضبان عليّ بسبب العذابات الكثيرة التي لقياها"... لكن بعض العظماء ذهبوا إلى السجن ليجدوهما يصليان وهما في بهاء عجيب، وإذ سألوهما الأمر جاءا معهم، وانطلق الكل إلى بيت الوالي حيث صليا للسيد المسيح واهب الحياة، فأقامها السيد المسيح. عندئذ وهبهما الوالي الحرية، وعادا إلى قريتهما "سنباط".

في سنباط

اجتمع أهل سنباط يطلبون صلوات هذين القديسين عنهم، وكان الرب يتمجد فيهما... وأخيرًا سلما ما تبقى من ممتلكاتهما لرجل تقي يدعى صربامون ليوزعها على المحتاجين، ويهتم ببيتهما الذي وُضع فيه جسد الشهيد (أبا أنوا). ثم خرج الاثنان بقوة إلى بساريوم بجوار الفرما حيث التقيا بالحاكم بوبليان، اللذين وجداه يحاكم أحد الشهداء يُدعى (أبا هيسي)... وإذ اعترفا بالسيد المسيح أمامه أصدر أمره بقطع رأسيهما.

أُقتيد الشهيدان إلى شرقي المدينة، وفي موضع الاستشهاد سُمح لهما أن يصليا، فظهر لهما السيد المسيح جالسًا على مركبة نورانية ورئيس الملائكة ميخائيل عن يمينه ورئيس الملائكة جبرائيل على يساره وألوف من الملائكة حوله تسبحه وتمجده... فتهللت نفسيهما... ثم نظرا إلى الجند، قائلين "كملوا ما أُمرتم به، فاستل أحد الجنود سيفه وقطع رأسيهما، وكان ذلك في الثامن من شهر أبيب.

بركة صلواتهما تكون معنا آمين.

R. P. Paul Hyvernat: Les Actes des martyrs de L'Egypt.

ابيستيمي وغلاكتيون الشهيدان

لا نعرف عن هذين الشهيدين غلاكتيون Galation وزوجته أبيستيمي Epestem إلا أنهما كانا تقيين محبين الله. كانا زوجين مثاليين في حياتهما القائمة على الحب المتبادل في الرب والحياة التقوية والوفاء الزوجي، بكونهما واحدًا في المسيح، كاتحاد الرب بكنيسته (أف 5).

استشهدا في أيام داكيوس (ديسيوس) حوالي عام 253 م، إذ قبض عليهما والي حمص، وحاول أن يخضعهما لأساليب القمع الوحشي المعهودة إن لم يسجدا للأوثان ويجحدا ربهما. صار يجلدهما، ثم قطع لسانيهما وبتر أرجلهما، فصار الدم ينزف منهما... ثم قطع عنقيهما لينطلقا إلى الخدر السماوي.

تعيد لهما الكنيسة اليونانية واللاتينية في الخامس من تشرين الثاني.

أسبيرو جبور: قديسون من حمص، المنشورات الأرثوذكسية 1981 م، ص 10 - 11.

ابيفان الشهيد

يروي لنا المؤرخ يوسابيوس قصة استشهاد القديس أبيفان أو أبيبان أو أبفانيوس، كتبها وهو متأثر جدًا، ربما بسبب صغر سنه أو لأنه قد تعرف عليه شخصيًا، إذ يبدأ حديثه هكذا: "أي كلمات تكفي لوصف المحبة الإلهية والجرأة اللتين أظهرهما – في الاعتراف بالله – الحمل الوديع الهادىء، أعني الشهيد أبيفان، الذي أظهر أمام أعين الجميع في أبواب قيصرية مثالاً عجيبًا لتقوى الله".

نشأته

نشأ في باجي، وكما يقول يوسابيوس القيصري أنها مدينة هامة في ليسيا Lycia، وسط عائلة شريفة وغنية جدًا، أرسلته إلى بريتوس Berytius (بيروت) للتزود من العلوم اليونانية العالمية. هناك قبل الإيمان المسيحي، وعاش بروح التقوى يمارس حياة العفة والفضيلة مقتديا بمعلمين ورعين.

عاد أبيفان إلى بلده، وبالرغم مما كان لأبيه من مركز اجتماعي هام لم يستطع هذا الشاب أن يعيش مع عائلته وسط لهو هذا العالم وفساده... لهذا سرعان ما ترك المدينة وانطلق سرًا إلى قيصرية حيث كان الله قد أعدّ له إكليل الشهادة من أجل تقواه.

استشهاده

يقول يوسابيوس أسقف قيصرية، الذي تعرف عليه ودخل معه في صداقة إلى حين حول الإنجيل: "وإذ لبث معنا هناك، متناقشًا معنا في الأسفار الإلهية بكل اجتهاد فترة قصيرة، ومدربًا نفسه بكل غيرة، ختم حياته خاتمة تدهش كل من يراها لو أنها رؤيت مرة أخرى. ومن ذا الذي إذ سمع عنها لا يعجب بحق شجاعته، وجرأته، وثباته، بل بالعمل الجريء نفسه الذي برهن على غيرة متأججة نحو المسيحية وروح تفوق الطبيعة البشرية. لأنه في الهجوم الثاني ضدنا في عهد مكسيمانوس، في السنة الثالثة من الاضطهاد صدرت أوامر الطاغية للمرة الأولى، تأمر حكام المدن ببذل كل مجهود بأسرع ما يمكن ليدفعوا جميع الشعب على الذبح للأوثان. وفي كل أرجاء مدينة قيصرية كان السعاة يستدعون الرجال والنساء والأطفال، بأمر الوالي إلى هياكل الأوثان. وعلاوة على هذا فقد كان رؤساء الألوف ينادون كل واحد باسمه من قوائم بأيديهم، كان عدد وافر جدًا من الأشرار يندفعون معًا من كل الأحياء. عندئذ تقدم هذا الشاب بلا خوف، ودون أن يعلم أحد بنواياه، وغافلنا نحن الذين نعيش معه في البيت، كما غافل كل جماعة الجنود الذين كانوا يحيطون بالوالي، واندفع إلى أوربانيوس وهو يقدم السكائب، وأمسكه بيمينه دون أقل خوف، ومنعه في الحال من تقديم ذبيحته، وبمهارة وقوة إقناع وإرشاد إلهي قدم إليه النصح للعدول عن ضلالته، لأنه ليس من اللائق أن يُهجر الإله الوحيد ويُذبح للأوثان وللشياطين. والمرجح أن الشاب فعل هذا بقوة إلهية دفعته إلى الأمام، وجعلت الجميع يصيحون عقب عمله، بأن المسيحيين الذين كهذا الشاب لن يتركوا عبادة إله الكون التي سبق أن اختاروها لأنفسهم، وأنهم ليسوا أرفع من التهديدات وما يتبعها من أهوال فحسب، بل هم فوق ذلك في غاية الجرأة يتكلمون بلسان لا يتلعثم، بل إن أمكن ليدعوا حتى مضطهديهم ليتحولوا عن جهالتهم ويعترفوا بالإله الواحد الحقيقي" (شهداء فلسطين، ف 4).

هكذا يرى يوسابيوس أن ما فعله هذا الشاب، لم يكن انفعالاً عاطفيًا ولا جرأة بشرية، لكن قوة إلهية دعته أن ينطلق إلى الوالي بقوة ليمسكه بيمينه ويسأله ألا يقدم بيده ذبائح شيطانية... وقد كان لذلك فعله الكرازي في قلوب ناظريه... إنه عمل إلهي فائق!

إذ رأى الوالي أثر هذا الشاب الذي كان قد بلغ حوالي العشرين من عمره على الجماهير، اغتاظ وصار كوحش، أمر بتمزيق جسده، حتى ظهرت عظامه... وكان القديس يتقبل الآلام بصبر وفرح، فألقاه الوالي في السجن حيث قُيدت قدماه هناك واحتمل آلامًا كثيرة. أُستدعى مرة أخرى لتمزيق جسده... وكان المعذبون يضربونه على وجهه حتى انتفخ جدًا وتغيرت ملامحه.

غطى المعذِبون قدميه بأقمشة كتانية مبللة بالزيت، وأوقدوا فيها نارًا أحرقتهما حتى ظهرت عظامه... وفي هذا كله كان مملوءًا قوة.

طُرح في السجن ثم اُستدعى للمرة الثالثة، وإذ لوحظ أنه على وشك الانتقال ألقوه في البحر بعد أن ربطوا قدميه بحجارة ثقيلة.

يروي يوسابيوس أسقف المدينة المعاصرة أن البحر لم يستطع أن يحتمل ذلك فثار وهاج، وأُلقي بالجسد أمام أحد أبواب المدينة، كما حدث زلزال شعر به كل من في المدينة، وكان حوالي 306 م.

يوسابيوس القيصري: تاريخ الكنيسة، ترجمة القس داود، 1960 م، 394 - 397.

ابيفانيوس أسقف سلاميس القديس

نشأته

ولد حوالي عام 315 م بقرية Besanduk بجوار مدينة اليوتروبوليس Eleutheropolis بفلسطين من والدين يهوديين.

توفي والده وترك معه أخت فقامت بتربيته في حياة تقوية.

حدث وهو سائر في الطريق أنه أبصر فقيرًا يطلب صدقة من أحد الرهبان، وإذ لم يكن مع هذا الراهب مالاً خلع ثوبه وقدمه للفقير. رأى أبيفانيوس كأن حلة بيضاء نزلت من السماء على ذلك الراهب عوض الثوب، فتعجب من ذلك، وانطلق إلى الراهب يسأله عن إيمانه وحياته. التقى به أكثر من مرة وقبل الإيمان المسيحي واعتمد، كما اشتاق إلى الحياة الرهبانية.

أرسله الأسقف إلى دير القديس لوقيانوس وتتلمذ على يدي القديس إيلاريون (هيلاريون)، وقد تنبأ عنه معلمه أنه سيكون أسقفًا.

حياته الديرية في مصر

لكي يتهيأ لدراسة الكتاب المقدس تعلم العبرية والقبطية والسريانية واليونانية واللاتينية، لذا دعاه القديس جيروم: "صاحب الخمسة ألسنة". وإذ كان محبًا لحياة النسك والتأمل ترك فلسطين إلى مصر حوالي عام 335 م، ليلتقي بمجموعة من النُساك والرهبان قبل اعتزاله في دير بالإسكندرية.

إذ شعر بعض الغنوسيين بقدراته ومواهبه واشتياقاته أرادوا كسبه فأرسلوا إليه بعض النساء الزانيات ينصبن له فخاخًا، لكنه بنعمة الله لم يسقط فيها، من هنا ندرك السبب الذي لأجله كرّس طاقاته للرد على الهراطقة، أيا كانوا ومقاومتهم أينما وجدوا.

سيامته كاهنًا

التقى بالقديس أنبا أنطونيوس وتتلمذ على يديه فترة من الوقت، ليعود من مصر إلى فلسطين وينشئ ديرًا في اليوتروبوليس تحت إرشاده لمدة حوالي 30 عامًا، وكان حازمًا جدًا مع نفسه، حتى إذ سأله أحد تلاميذه كيف يحتمل هذا النسك الذي يفوق قوته، أجابه: "الله لا يهب ملكوت السموات ما لم نجاهد، وكل ما نحتمله لا يتناسب مع الإكليل الذي نجاهد من أجله".

بجانب نسكياته الشديدة القاسية وعبادته التي لا تنقطع كرس وقتًا لدراسة كتب العلامة أوريجينوس، وإذ لاحظ أخطاءه انقلب ضده بعنف شديد حتى حسبه رأس كل بدعة في الكنيسة، وصار له دوره الفعّال في إثارة الكثيرين ضد أوريجينوس، بل استطاع فيما بعد أن يغير اتجاه القديس جيروم من عاشق لأوريجينوس بكونه عطية الله للكنيسة إلى مقاوم عنيف له بكونه شيطانًا ضد الحق.

إذ شعر أسقف المدينة بدور القديس أبيفانيوس لا بين الرهبان فحسب وإنما وسط الشعب الذي التفّ حوله يطلب إرشاداته وبركته، سامه كاهنًا لكي تزداد المنفعة به على مستوى كل الكنيسة في المدينة.

التقى أيضًا بالقديس إيلاريون (هيلاريون) الذي تنسك في مايوما بفلسطين، وتكونت صداقة عظيمة حتى ترك إيلاريون المنطقة بسبب تجمهر الناس حوله.

سيامته أسقفًا

يبدو أن القديس هيلاريون الناسك عندما هرب إلى قبرص من جمهرة الناس حوله، جاء إليه الأساقفة والكهنة مع الشعب بقبرص يطلبون بركته فتحدث معهم عن القديس أبيفانيوس وحياته النسكية وفضائله مع عمله وغيرته على الإيمان المستقيم. وإذ تنيح أسقف سلاميس بجزيرة قبرص، أكبر كرسي في الجزيرة في ذلك الحين، اُنتخب أبيفانيوس أسقفًا وسيم بغير إرادته عام 367 م، وقد بقى أمينًا في خدمته لمدينته الأولى يفتقدها من وقت إلى آخر.

حبه الشديد للفقراء

اتسم القديس أبيفانيوس بغيرته الشديدة وحزمه بخصوص الإيمان المستقيم مع حب شديد فائق للفقراء، حتى لم يكن يترك في الأسقفية أحيانًا شيئا قط... ومع ذلك فقد كان الله يرسل له الكثير جدًا ليوزعه. منحته الأرملة القديسة أولمبياس أراضٍ ومالاً لهذا الغرض... ولعل محبته للفقراء قد نبعت عن أنها هي علة قبوله الإيمان المسيحي كما رأينا.

قيل أن تلميذه طلب منه مرة أن يضع حدًا لهذا العطاء، إذ لم يعد معهما شيء، وإذ انتهى التلميذ من حديثه تقدم إنسان غريب وقدم كيسًا به ذهب سلمه للأسقف واختفى في الحال.

جاء في سيرته أن أحد المخادعين جاء يسأله صدقة لتكفين صديقه الذي مات، فأعطاه المال، وهو يقول له: "اعتن به يا ابني بدفن هذا المسكين ولا تضيع الوقت في البكاء عليه، فإن رفيقك لا يقيمه بكاؤك، وليس له دواء إلا الصبر. أخذ الطمّاع المال وذهب لصديقه ليقيمه فوجده قد مات حقا!!

تحركاته الكثيرة

كان كثير الحركة، يحمل روح التقوى والنسك والغيرة على الإيمان أينما وُجد.

قام برحله عام 376 م إلى إنطاكية ليسعى لتوبة الأسقف فيتاليس الذي تبع أبوليناريوس، وبعد 6 أعوام اصطحب القديس بولينوس أسقف إنطاكية إلى روما ليحضرا مجمعًا عقده الأسقف داماسيوس. لقد أقاما في بيت الأرملة باولا صديقة القديس جيروم والتى استضافها القديس أبيفانيوس بعد ثلاثة أعوام وهي في الطريق إلى فلسطين لتلحق بأبيها الروحي القديس جيروم.

في عام 392 م نزل أيضًا ضيفًا على القديس يوحنا أسقف أورشليم، وفيما هو في استضافته إذ وقف يتكلم في الكنيسة التي للقبر المقدس، هاجم مستضيفه لأنه متعاطف مع أتباع أوريجينوس. انضم إليه جيروم في بيت لحم الذي رده عن حبه لأوريجينوس إلى مضاداته، وصارا يهاجمان الأسقف يوحنا بعنف... غير أنه يبدو أنه قد تصالح أخيرًا مع القديس يوحنا.

دخل أيضًا في صراع شديد مع القديس يوحنا الذهبي الفم بالقسطنطينية لأنه قبل الإخوة الطوال الذين جاءوا من مصر وهم أتباع أوريجينوس، الهاربين من اضطهاد البابا ثاوفيلس الإسكندري بسبب تعلقهم بأوريجينوس.

تنيح القديس أبيفانيوس في طريق عودته من القسطنطينية إلى قبرص حوالي عام 403 م. صارت له شهرته بسبب كتاباته.

تذكره الكنيسة في يوم نياحته 17 بشنس، وفي نقل جسده 28 بشنس.

كتاباته وأفكاره

كان القديس أبيفانيوس مقاومًا للتفسير الرمزي للكتاب المقدس، حاسبًا أن المبالغة في الرمزية هي أساس كل هرطقة، وقد قاوم الرمزية بكل طاقاته في شخص العلامة أوريجينوس، (سنتحدث عن الرمزية بمشيئة الله أثناء عرضنا لسيرة العلامة أوريجينوس).

كان أيضًا من مقاومي الأيقونات، وقد كتب ثلاثة مقالات ضد الأيقونات.

أما أهم كتاباته فهي:

1. Ancoratus (الإنسان ذو المرساة الثابتة) يحوي تعليم الكنيسة عن الثالوث القدوس مقاومًا الأريوسيين، وعن حقيقة التجسد مقاومًا أبوليناريوس الذي أنكر وجود نفس بشرية للسيد المسيح، وعن قيامة الجسد، وعن إله العهد القديم مقاومًا أتباع ماني ومرقيون رافضي العهد القديم، كما حث على بذل كل الطاقة ليقبل الوثنيون الإيمان خلال عمل الله معهم.

2. أهم كتاب له هو "ضد الهرطقات Panarion (Adv. Hear.)" فإذ قرأ الأرشمندريتان أكاكيوس وبولس كتابه الأول طلبا منه تحليلاً مفصلاً عن الهرطقات الثمانين والرد عليها. ضم بين الهرطقات 20 هرطقة قبل المسيحية مثل المدارس الفلسفية الهيلينية.

3. كتب "الأوزان والمقاييس" لكاهن فارسي، هو أشبه بقاموس بدائي للكتاب المقدس، فيه يعالج قانون العهد القديم وترجماته، وأوزان الكتاب ومكاييله، وجغرافية فلسطين.

4. "الاثنا عشر حجرًا كريمًا" التي على صدرية رئيس الكهنة في العهد القديم. كتبه عام 394 م كطلب ديؤور الطرسوسي. يقدم فيه تفسيرًا رمزيًا للحجارة الكريمة، ويصف عملها الطبي. ويعنى بها الاثنى عشر سبطًا لإسرائيل.

5. رسائله، من بينهما رسالة للقديس يوحنا أسقف أورشليم، وأخرى للقديس جيروم، كلاهما ضد الأوريجانية.

من كلماته:

روى لنا الأسقف القديس أبيفانيوس أن بعض الغربان كانت تطير حول معبد سيرابيس في حضرة الطوباوي أثناسيوس، وكانت تنعق بلا انقطاع (كراك، كراك Cow). وإذ كان بعض الوثنيين واقفين أمام الطوباوي أثناسيوس، قالوا له: "أيها الشيخ الشرير أخبرنا بماذا تنعق هذه الغربان؟". أجابهم "إنها تقول كراك Cow التي تعني باللاتينية غدًا" ثم أضاف: "غدًا ترون مجد الله" وفي اليوم التالي وصل نبأ موت الإمبراطور يوليان...

الكنعانية تصرخ فيُسمع لها (مت 15)، ونازفة الدم تصمت فتُطوب (لو 8)، بينما الفريسي يتكلم فيُدان (مت 9)، والعشار لا يفتح فاه فيُسمع له (لو 18).

قراءة الكتاب المقدس أمان عظيم ضد الخطية.

الجهل بالكتب المقدسة هاوية عميقة وهوة عظيمة.

الله يبيع البر بثمن بخس للغاية للذين يريدون أن يشتروه: بقطعة خبز صغيرة، بثوب وضيع، بكأس ماء بارد، بفلس واحد!

ابيما الشهيد

نشأته

ربما كلمة (أبيما) جاءت عن اليونانية (أبيماخوس) وتعني (الغالب).

كان أبيما فلاحًا من أهل بنكلاوس التابعة للبهنسا بصعيد مصر الأوسط، تبعد 125 ميلاً جنوب مصر، وكانت البهنسا تعرف في العصر الروماني باسم Oxyrhynchus وصفها القديس جيروم بأنها كانت تضم حوالي 10 آلاف راهبًا داخلها وحولها، وأن أصوات التسبيح كانت لا تنقطع منها.

تربى أبيما في جو روحي تقوي، تشرب من والديه إيليا وصوفيا الحياة الورعة، فنشأ محبًا لحفظ الكتاب المقدس وممارسة العبادة الدائمة والعطاء، حتى إذ رأى أهل عشيرته تقواه حسبوه أبًا لهم أو رئيسًا يلجأون إليه يطلبون مشورته.

شوقه للاستشهاد

اذ كان دقلديانوس قد أصدر أمره بتعذيب المسيحيين وقتلهم إن لم يبخروا للأوثان، تحولت البلاد إلى محاكم علنية تمارس كل الضغوط على المؤمنين... وكان الله يعلن لبعض أحباءه المختارين أن ينطلقوا بأنفسهم للاستشهاد ليكونوا سبب تعزية للآخرين. من بين هؤلاء المختارين هذا التقي أبيما الذي رأى في الليل كأن شخصًا نورانيًا يبادله نظرات المحبة، ليقول له: "أتحبني؟ … فلماذا أنت نائم والجهاد قائم والأكاليل معدة؟" وإذ عرف أنه السيد المسيح قام في الصباح المبكر جدًا يحمل قوة روحية فائقة ليودع رجاله بعد صلاة طويلة وعميقة رفعها لله، متظاهرًا أنه يخرج لقضاء مصلحة ما، أما زوجته فقد سبق فاتفق معها أن يعيشا بتوليين حوالي سبع سنوات.

أمام لوكيوس والي البهنسا

انطلق إلى الوالي حيث وجد بعض المسيحيين يحاكمون منهم أباهور الذي من أبطوحة مركز بني مزار والقس مكسيموس من شنارو مركز الفشن، والشماس تكناش من البهنسا والشماس بيجوش من طرفة مركز سمالوط.

رآه أحد رجال الوالي يدعى أبيانوس فأخبر الوالي بأن أبيما شيخ قرية بنكلاوس المسيحي خارجًا، فأمر بإحضاره. سأله الوالي إن كان قد أحضر معه أواني الكنيسة فأجابه بأنهم أناس فقراء وأواني كنيستهم من الزجاج، وأنه ليس لديهم كاهن خاص بهم، بل يطلبون كل أسبوع من البلاد المجاورة من يصلي لهم القداس الإلهي، عندئذ سأله أن يبخر للآلهة فدخل معه في حوار معلنًا إيمانه بالسيد المسيح، وإذ كان مصرًا على ذلك تعرض للجلد، ثم ألقي على كرسي حديدي وأُوقد تحته النار، ووضعت خوذة محماة على رأسه... وكان في شجاعة يحتمل، إذ كان الرب يسنده ويحميه حتى دهشت الجموع وصرخت تعلن إيمانها بإله أبيما، وخشي الحاكم من ثورة البلد عليه فأمر بترحيله إلى الإسكندرية.

أمام الوالي أرمانيوس

أرسله لوكيوس إلى أرمانيوس والي الإسكندرية ومعه رسالة يعلن فيها اتهامه بعدم الخضوع لأوامر الإمبراطور واستخدامه السحر، وفي الطريق ظهر له السيد المسيح في حلم وطمأنه أنه سيشهد أمام كثيرين وبسببه يؤمن كثيرون.

أُلقي أبيما في السجن حتى يُستدعى في اليوم التالي إذ كان أرمانيوس منهمكًا في الاحتفال بعيده، وهناك أخرج روحًا شريرًا من سجين فتأثر السجّان وسأله أن يصلي من أجل ابنته الوحيدة التي كانت متعثرة في أوجاع الولادة، فصلى وأنجبت الابنة الطفل أبيما.

اُستدعى في الغد ودخل معه الوالي في حوار، وإذ رأى إصراره ربطه في معصرة فانشقت وحُلت رباطاته، وإذ أعد أتونًا أرسل الله أمطارًا غزيرة أفسدت خطته.

أُعيد السجين حيث زاره القديس يوليوس الأقفهصي كاتب سير الشهداء، وقد روى لنا ما شاهده بنفسه، في الطريق التقى به أعمى يطلب صدقة، وكان مقيدًا يحرسه الجند ولا يملك شيئًا فتوقف، وإذ به يصلي ويضع يديه على عينيه سائلاً السيد المسيح أن يشفيه، فانفتحت عيناه، وكما يقول يوليوس أنه لم يتمالك نفسه حتى جرى إليه وركع أمامه طالبًا الصلاة عنه وعن أخته أفخارستيا المعذبة بروح نجس منذ حوالي 14 عامًا، وبالفعل شُفيت وجاءت تلتقي معه في السجن تمجد الله.

استدعاه أرمانيوس وصار يعذبه، وإذ كان يجدف على اسم السيد المسيح صارت غشاوة على عينيه فلم يبصر ولصق لسانه بفمه... عندئذ تدخل يوليوس الأقفهصي فصلى أبيما لله وشفي الوالي، فطلب أن يمضوا بأبيما من أمامه.

في الطريق التقى بأناس يولولون لأن أخاهم يوساب قد سقط من دور علوي ومات، فصلى إلى الله وأقامه باسم الرب، حتى دُهش الحاضرون وآمن كثيرون وتقدموا للاستشهاد.

في اليوم التالي سلمه الوالي إلى رجل يدعى سيماخوس لينهي حياة أبيما... فوضع القديس ومعه رجل آخر مسيحي في مركب بها أربعة وحوش جائعة حتى تفترسهم وسط البحر، وإذ بملاك الرب يظهر ويشفيه من جراحاته ويحل قيوده ويسد أفواه الوحوش.

عادت السفينة إلى الشاطئ واستقبلته الجموع متهللة، فاضطر أرمانيوس أن يستبعده عن الإسكندرية فأرسله إلى بهنمون التابعة لبني سويف حيث قُطعت رأسه، بعد أن صلى وركع ليقدم رقبته للسياف وهو يناجي ربه يسوع المسيح.

ابيماخوس الفرمي الشهيد

نشأته

ولد هذا القديس بالفرما أو البلسم شمال شرقي القطر المصري.

كان حائكًا مع رفيقيه تادرس وكلليتيلس، وقد اتسم برقة الطبع والهدوء، محبًا لحياة التأمل. كثيرًا ما كان ينطلق إلى البرية في الفرما، مشتاقًا للحياة الرهبانية، لكنه نال إكليل الاستشهاد عوض الحياة الرهبانية.

انطلاقه إلى الإسكندرية

سمع عن قدوم والي جديد بالإسكندرية يدعى أبيللينوس Apellien أو بولامبيس، جاء بقصد اضطهاد المسيحيين. عرف القديس أن سجون الإسكندرية قد اكتظت بالمسيحيين وأن الوالي يتفنن في تعذيبهم، خاصة ما فعله بعذراء تدعى أتروبي، فقرر أن يذهب بنفسه إلى الإسكندرية ويلتقي بالوالي ليوبخه على تصرفاته الوحشية، وكان ذلك بدافع داخلي إلهي.

في الإسكندرية انطلق مباشرة إلى ساحة القضاء، وكان منظره يثير فضول الحاضرين، إذ رأوا شابًا قرويًا بملابسه البسيطة قد ظهرت عليه علامات الإعياء بسبب السفر الطويل. أما الوالي فلم يعطه اهتمامًا بل استهان به، لكن سرعان ما تحول إلى الثورة ضده لما رآه فيه من شجاعة وقوة إقناع، إذ صار يتحدث مدافعًا عن الإيمان والمؤمنين فلفت أنظار الكل إليه.

أمر الوالي مساعديه أن يضربوه ليسكتوه، وأن يلقى في السجن بتهمة إهانة الوالي أثناء ممارسته عمله.

في السجن

التقى القديس أبيماخوس بالمسيحيين المسجونين، فصار يشجعهم ويعزيهم، مذكرًا إياهم بالسعادة الأبدية، الأمر الذي أدركه الوالي في مقابلاته معهم، وإذ عرف الوالي دور هذا القديس بين المسجونين وضع في قلبه أن يذيقه أمّر أنواع العذابات.

لقاءه مع الوالي

استدعاه الوالي ودخل معه في حوار، فصار القديس يطلب منه أن يترك عبادة الأوثان ويقبل عمل السيد المسيح الخلاصي، أما الوالي فكان يهزأ بالصليب حاسبًا الإيمان به غباوة.

أمر الوالي بتعليقه عاريًا لكي يُجلد حتى يتقطع لحمه ويتناثر في الأرض، وتظهر عظامه، أما هو فكان يقول: "طوباكِ يا نفسي إن عُلقت كسيدك"، كما كان يقول بصوت عالٍ: "تشجع يا أبيماخوس"، فما هذه العذابات بجوار آلام المسيح، فإنك بها تدخل الملكوت! ".

أمر الوالي بعصره بالهنبازين، فخرج من جسده دم سقطت منه نقطة على عيني طفلة عمياء فأبصرت في الحال. عندئذ آمن أهلها بالسيد المسيح وسلموا أنفسهم للاستشهاد، الأمر الذي أثار الوالي جدًا وأمر بقطع رأسه.

قُدم القديس للسياف، وكان أبيماخوس متهللاً فرحًا من أجل انتظاره للقاء مع السيد المسيح وجهًا لوجه أما السياف فكان يرتجف، ولم يجسر أن يضرب رأسه، بل طلب من زميله أن يقوم بهذه المهمة، وتكرر الأمر لرابع عشر رجل قام بضرب عنقه.

حمل أحد الجنود الجسد ليطرحه بعيدًا، وإذ كان أصم انفتحت أذناه وصار يسمع... وأتى قوم من إدكو وأخذوا جسده.

أُقيمت كنيسة باسمه في البرمون حيث نقل جسده إليها، وإن كان اللاتين يرون أن جسده نُقل إلى روما.

ابيماخيوس الفرمي القديس

عرف الراهب أبيماخيوس أحد تلاميذ القديس يِوأنس قمص شيهيت المشهورين، بنعمة الشفاء وعمل المعجزات، فكان يأتيه المرضى لينالوا شفاءً لأجسادهم وسلامًا لنفوسهم في الرب.

عاصر القديسان أبرآم وجاورجي، وقد شبهه إخوته الرهبان بموسى النبي لما كان يبدو على وجهه من نور سماوي شبيه بالنور الذي كان يسطع على وجه النبي موسى حين قضى أربعين يومًا يتحدث مع الله وجهًا لوجه ويتسلم الشريعة (خر 34: 29).

ولد هذا الأب حوالي عام 650 م في أرواط، وانطلق إلى الرهبنة بشيهيت في الثامنة عشر من عمره متتلمذًا على يدي القديس يوأنس قمص شيهيت مدة لا تقل عن خمس سنوات. سيم كاهنًا بدير القديس مقاريوس الكبير، ثم صار قمصًا بدير السيدة العذراء بتنيس سنة 744 م (بجزيرة ببحيرة المنزلة، تبعد حوالي 9 أميال جنوب غربي بورسعيد). أُختير أسقفًا على الفرما (البلسم) في أيام باباوية الأنبا ميخائيل الأول البابا 46 (744 – 768 م).

تنيح بعد أن عاش أكثر من مائة عام حوالي عام 750 م.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، جـ2، طبعة 1983 م، ص 326.

ابيماخيوس والكسندر الشهيدان

إذ اشتعل الاضطهاد في الإسكندرية أيام الإمبراطور ديسيوس (داكيوس) في منتصف القرن الثالث، كان القضاة يسعون وراء المسيحيين، فقبضوا على أبيماخيوس Epimachius وألكسندر اللذين اعترفا بالسيد المسيح، فقيدا بالسلاسل وفي السجن كانا يشجعان المؤمنين المسجونين من أجل المسيح ويثبتانهم على الإيمان.

احتملا عذابات كثيرة من ضرب وتمزيق جسديهما بخطاف حديدي، وأخيرًا أُحرقا بالنار.

حسب التقليد الروماني نقلت رفات القديس أبيماخيوس من الإسكندرية إلى روما. هذا ويروي لنا القديس ديونسيوس الإسكندري – كشاهد عيان - العذابات التي لاقاها هذان الشهيدان مع أربع شهيدات، توّج الكل معًا في يوم واحد، وهن:

العذراء أموناريا Ammonaria التي عُذبت بوحشية شديدة بسبب رفضها ترديد كلمات التجديف وراء القاضي، وأخيرًا قطعت رأسها.

الثانية ميركيوريا Mercuria وهي متقدمة في السن لم يترفق القاضي بجنسها كامرأة ولا بسنها المتقدم. والثالثة ديونسياDionysia التي قدمت أطفالها لله بفرح وشجعتهم على الاحتمال، والرابعة لم يذكر اسمها.

Butler’s Lives of Saints, Dec 12.

ابيماخوس وعزاريانوس الشهيدان

استشهد القديسان أبيماخوس وعزاريانوس في الرابع من هاتور.

كانا من مدينة روما، سعى بهما البعض لدى الوالي المعين من قبل مكسيمانوس إنهما مسيحيان، ثم وبخاه على تركه عبادة الله الحيّ خالق السماء والأرض، وعبادته للأصنام التي لا تبصر ولا تنطق، هذه التي تخدع البشر بالشياطين السكان فيها.

دهش الوالي لشجاعتهما، وأمر بضرب عنقيهما، فنالا إكليل الشهادة في 4 هاتور.

السنكسار القبطي.

اتوربيوس الخصي

كان عبدًا قد تحرر، استطاع بخداعاته ومكره أن يعمل بالقصر حتى صار الرجل التالي بعد الإمبراطور. سببّ متاعب كثيرة للقديس يوحنا الذهبي الفم لأنه لم يمالقه، وقد ألغى حق اللجوء الكنسي حيث يلتجىء الإنسان إلى قرون المذبح. انتهت حياته بخيانته لسيده الإمبراطور، فلجأ إلى الكنيسة التي قاومها. وقد ألقى القديس يوحنا ذهبي الفم مقالين عنه.

راجع كتابنا: الكنيسة تحبك لذهبي الفم.

اتروبيوس القارئ

ما احتمله أتروبيوس من آلام حتى الموت لم يكن صادرًا عن وثنيين وإنما هو ثمرة خلط السياسة بالدين، فقد نُفي القديس يوحنا ذهبي الفم ظلمًا بسبب الإمبراطورة أفدوكسيا، تاركًا كنيسة القسطنطينية إلى جبال القوقاز بأرمينيا، محرومًا من شعبه، محتملاً كل المتاعب بقلب فرح ونفس متهللة.

التهب جو القسطنطينية بنفي القديس، وفجأة شب نار في كاتدرائية القسطنطينية، قيل أن نارًا خرجت من تحت المذبح تعلن غضب الله على ما حدث تجاه البطريرك المظلوم. وقال البعض أن مقاومي القديس ذهبي الفم فعلوا ذلك ليقتلوا أتباعه الذين في الكاتدرائية، غير أن مقاومي القديس اتهموا أتباعه أنهم فعلوا ذلك لإثارة السلطات. وقد سمعت السلطات لهم فاستدعت القارئ أتروبيوس وشددت عليه ليعترف بأسماء الذين أشعلوا النيران، وإذ لم يذكر اسمًا واحدًا بالرغم من شدة العذابات التي سقط تحتها، إذ جلدوه بعنف كما مشطوا جنبيه ووجهه بأمشاط حديدية، ووضعت مشاعل بجوار أعضاء جسمه الحساسة، أخيرًا ألقوه في جب حيث انتقلت نفسه بعد قليل وهو في الجب.

راجع كتابنا: القديس يوحنا الذهبي الفم (نفيه)، 1980.

اثريه الأب

يروي لنا الأب بيستوس أنه ذهب مع ستة من المتوحدين إلى الأب شيشوي في منطقة كليزما Clysma يطلبون كلمة منفعة، فأجابهم إنه إنسان عامي، لكنه يكتفي بأن يروي لهم ما حدث أمام عينيه عند زيارته للأبوين أور (هور) وأثريه:

قضى الأب شيشوي عدة أيام في صحبة هذين المتوحدين أور وأثريه، اللذين عاشا معًا، وعُرف الأول بتواضعه والثاني بطاعته.

كان الأب أور مريضًا لمدة 18 عامًا، وإذ أحضر له سمكة صغيرة أراد الأب أثريه أن يعدها له، وما أن ضرب بالسكين في السمكة حتى ناداه الأب أور، فتركها في طاعة دون أن يقول له: "انتظر قليلاً حتى أقطع السمكة". سأله الأب شيشوي من أين له هذه الطاعة، فأجاب بأنه تعلمها من الأب أور، ثم قال له انتظر لتنظر بنفسك.

طهى أثريه جزءًا من السمكة ثم أتلفها، وقدمها للأب أور، فأكلها الشيخ ولم ينطق بكلمة، ولما قال له الأب أثريه: "أجيدة أيها الشيخ؟" أجاب: "إنها شهية جدًا". ثم طهى الجزء الآخر ولم يتلفه، ثم قدمه للأب أور، ولما أكلها، قال له: "لقد أتلفتها" فأجابه الشيخ: "نعم لقد أتلفتها قليلاً".

هكذا قال الأب أثريه للأب شيشوي: "أترى كيف أن طاعتي هي من طاعة الشيخ أور".

اثناسيوس أسقف قوص

أسقف في القرن الثالث عشر، اهتم بالحفاظ على اللغة القبطية، فوضع مقدمة باللهجتين البحيرية والصعيدية، عنوانها: "قلادة التحرير في علم التفسير".

وضع أيضًا كتابًا عن الأحوال الشخصية، وآخر عن تكريس الميرون، وقد ضمن كتابه الأخير وصفًا تفصيليًا للرحلة من القاهرة إلى وادي النطرون، حيث اشترك مع البابا في تكريس الميرون بدير القديس مقاريوس الكبير. هذا الكتاب موجود بمكتبة البطريركية بالقاهرة (مخطوط 106 طقس).

أثناسيوس ألرسولي

البابا العشرون

✥ نشأته:

كان الله يهيئ هذا الإناء المختار ليقف بقوة الروح والحق أمام آريوس والأريوسيين، محافظًا على إيمان الكنيسة الجامعة بخصوص لاهوت السيد المسيح. فقد وُلد أثناسيوس غالبًا في صعيد مصر من عائلة متدينة تقية حوالي عام 297 م، وكان والده كاهنًا، تشرب منه الحياة الكنسية الورعة، هذا وقد نزحت الأسرة إلى الإسكندرية (غالبًا بعد نياحة والده) ليراه البابا الكسندروس (19) وهو مطل من شرفة البطريركية يقوم بدور عماد أصدقاء له على شاطئ البحر، فاستدعاه وحاوره فأحبه وقبله تلميذًا له وسكرتيرًا خاصًا، بهذا كان الله يهيئه للعمل على مستوى عام وشامل.

✞ لم يُبتلع أثناسيوس في أعمال إدارية بل ركز بالأكثر على الدراسة العلمية والفلسفية والأدبية والقانونية، وأعطى اهتمامات للدارسات الإنجيلية اللاهوتية على أساس آبائي. ومما ألهب قلبه أن معلميه الذين يقرأ لهم أستشهد بعضهم في شبابه وربما عاين بنفسه شهادتهم من أجل تمسكهم بالإيمان بالسيد المسيح، فكانت كلماتهم مدعّمة في نفسه بالجهاد حتى الموت.

✞ أما بالنسبة للجانب النسكي فقد تتلمذ القديس أثناسيوس فترة لدى القديس أنبا أنطونيوس ألهبت فيه زهد العالم وحبه للعبادة والتأمل وعدم مهابة الموت.

✞ يظهر نضوجه المبكر من كتابيه "ضد الوثنيين"، "تجسد الكلمة" اللذين وضعهما قبل عام 319 م، الأول دعا فيه الوثنيين إلى ترك الوثنية، والثاني عرض فيه فكرًا لاهوتيًا بأسلوب علمي عن التجسد الإلهي.

✞ في مجمع نقية (سنة 325 م):

قيل أن البابا ألكسندروس سام أثناسيوس قسًا أثناء المجمع ليعطيه حق الكلمة، فقد كان النجم اللامع، خذل الأريوسيين منكري لاهوت السيد المسيح، مؤكدًا أنه "واحد مع الآب في الجوهر".

✞ بابا الإسكندرية:

حاول أثناسيوس الهروب حين وجد رجال الإكليروس مع الشعب يلحون على سيامته أسقفًا للإسكندرية بعد أن تنيح البابا ألكسندروس (عام 328)، ما عدا قلة من الأريوسيين والميليتيين (أتباع ميليتس أسقف أسيوط الذي أنكر الأيمان أثناء الاضطهاد ثم عاد فحرض الأساقفة على الانشقاق، وحاول اغتصاب الكرسي الباباوي حينما كان القديس بطرس خاتم الشهداء مسجونًا).

✞ سيم أسقفًا على الإسكندرية وبابا للكرازة وهو شاب (حوالي الثلاثين من عمره) وقد بقى سبع سنوات في جو من الهدوء، فيها سام فرمنتيوس أسقفًا على أكسوم بأثيوبيا (الأنبا سلامة)، وكان ذلك بداية تأسيس كنيسة أثيوبيا، حوالي سنة 330 م، وإن كان بعض الدارسين يرى أنها تحققت حوالي عام 357 م. وفى هذه الفترة قام بزيارة رعوية لصعيد مصر، فيها التقى بالقديس باخوميوس الذي هرب من لقائه حتى اطمأن أنه لن يرسمه كاهنًا.

✞ مقاومة الأريوسيين له:

كان الأريوسيون مع الميليتيين على اتصال بيوسابيوس أسقف نيقوميديا يدبرون الخطط لتحطيم البابا أثناسيوس، فقد بقى حوالي أربعين عامًا لا يعرف طعم الراحة، نلحظها في النقاط التالية:

1. بتحريض يوسابيوس أصدر الإمبراطور قسطنطين أمره لأثناسيوس بقبول آريوس في الشركة، بعد أن ادعى الأخير توبته وكتب قانون إيمانه بصيغة ملتوية، وقد رفضه البابا، وكان ذلك حوالي سنة 330 م.

2. أبحر ثلاثة أساقفة ميليتيون إلى نيقوميديا يقدمون عريظة اتهام ضد البابا، وكان لدى الإمبراطور كاهنان كشفا كذبهم للإمبراطور، فأدانهم واستدعى البابا، فجاء وكشف بطلان حججهم ضده (إنه حطم كأس الأفخارستيا الذي يستخدمه أسخيراس الكاهن، وقتل الأسقف أرسانيوس... الأول أتى للبابا نادمًا ومعترفًا أنهم أغروه برشوة ليدعي كذبًا، والثاني كان مختفيًا في صور).

3. في سنة 335 عقد مجمع في صور يرأسه يوسابيوس القيصري يحركه يوسابيوس النيقوميدي، فيه قامت امرأة زانية تتهمه باغتصابه لها، فقام تلميذه الشماس تيموثاوس يحدثها كأنه أثناسيوس فقالت له بوقاحة أنه هو الذي سلبها عفتها وبتوليتها.... عندئذ خزي الكل! عرضوا أيضًا قضية الكاهن أسخيراس والأسقف أرسانيوس وجاءوا بشهود من اليهود يدعون أنهم موعوظون جدد.

ومع ظهور براءته هاج المجمع وماج، فترك البابا المجمع وانطلق إلى القسطنطينية.

وإذ شعر يوسابيوس وأعوانه بالخطر يلاحقهم أسرعوا ليدعوا بأن البابا هدد بمنع إرسال القمح من الإسكندرية إلى القسطنطينية، فهاج الملك ونفاه إلى تريف وكان ذلك في فبراير 336 م. في جرأة قال البابا للإمبراطور: "الرب يحكم بيني وبينك"....

✞ بعد مجمع صور عُقد مجمع في أورشليم - بعد تدشين كنيسة القبر المقدس - من الأريوسيين أصدروا قرارًا بعودة أريوس إلى الإسكندرية في غياب البابا المنفي، فعاد أريوس تحت حراسة مشددة لكن ثورة الشعب ضده ألزمت الوالي أن يطالب بسحبه ورده إلى القسطنطينية، فاستدعاه الإمبراطور.

بذل يوسابيوس النيقوميدي كل الجهد لعودة أريوس للشركة الكنسية فكان البطريرك القسطنطيني الكسندروس مرّ النفس، ولما أُلزم بقبوله صلى إلى الله، فمات أريوس في مرحاض عام وهو في طريقه إلى الكنيسة.

✞ بعد حوالي عام إذ كان قسطنطين على فراش الموت أوصى بعودة البابا أثناسيوس إلى كرسيه، وبالفعل عاد ليجد الإسكندرية كلها تترقبه على الشاطئ كملاك انحدر إليهم من السماء!

4. لم يهدأ يوسابيوس النيقوميدي عن مقاومة البابا، فقد نجح في إقناع الإمبراطور أن يستدعي الوالي ثيوذوروس لأنه كان صديقًا للبابا ويرسل فيلاجيوس الكبادوكي عوضًا عنه، الذي كان قد حكم الإسكندرية قبلا (335 – 337 م) وهو عدو عنيف للبابا.

قام الأريوسيون بأعمال شغب وتخريب وقتل لإثارة الإمبراطور بأن وجود البابا ينزع السلام عن الإسكندرية، كما وجهوا ضده اتهامات كاستيلائه على القمح الخاص بالفقراء، وإعلانهم أن عودته غير كنسية لأنها بدون قرار مجمعي، وقد نزل القديس أنبا أنطونيوس يساند البابا المتألم.

5. خلال عام 338 أنهمك يوسابيوس النيقوميدي في الانتقال من نيقوميديا إلى أسقفية القسطنطينية، لأن العاصمة كانت قد انتقلت رسميًا من نيقوميديا إلى القسطنطينية، وإذ نجح في ذلك تفرغ لمقاومة البابا أثناسيوس ففي نهاية 338 أقنع الإمبراطور قنسطانطيوس بعقد مجمع في إنطاكية، فيه يصدر قرارًا بعزل البابا، صدر الأمر وانطلق الرعاع إلى كنيسة ثيؤناس لقتله، فهرب البابا. تعرض الكهنة والرهبان مع الشعب حتى النساء إلى موجة مرة من العذابات بل وذُبح البعض وسُجن آخرون، وبعد أربعة أيام دخل غريغوريوس الكبادوكي كأسقف للمدينة يضطهد المؤمنين.

✞ لم يقف الرهبان مكتوفي الأيدي، فقد أرسل القديس أنبا أنطونيوس عدة رسائل منها إلى الأسقف الدخيل وبعض الضباط يؤنبهم عن تصرفاتهم، كما بعث القديس باخوميوس أفضل راهبين عنده هما زكاوس وتادرس ليسندا المؤمنين بالإسكندرية في غيبة البابا.

✞ سافر البابا أثناسيوس إلى روما ليلتقي بصديقه البابا يوليوس حيث كتب الأخير رسالة إلى يوسابيوس النيقوميدي وجماعته كطلب مجمع روما، في هذه الزيارة دخلت الرهبنة إلى الغرب، وتشبع الفكر اللاتيني بلاهوتيات أثناسيوس.

✞ اعتبر اتباع يوسابيوس رسالة يوليوس التي برأت البابا أثناسيوس إهانة لكرامتهم، فعقدوا مجمعًا بإنطاكية، وكتبوا له يتهكمون ويهددون لكن في شيء من الحذاقة.

✞ في سنة 342 التقى البابا أثناسيوس بإمبراطور الغرب قسطانس في ميلان وقد حاول اليوسابيون أن يصوروا لأخيه إمبراطور الشرق قسطنطيوس أنه تلاقى معه ليطلب عقد مجمع عام لأساقفة الشرق والغرب، وقد أكدّ البابا أنه لم يفعل ذلك، إنما كانت الفكرة لدى قسطانس قبل لقائه بالبابا.

6. رأى الإمبراطوران الشرقي والغربي أن يُعقد مجمع في سرديكا أي صوفيا (عاصمة بلغاريا) على حدود المملكتين وكان ذلك في عام 343، وقد جاء الأساقفة الأريوسيون من الشرق (كان يوسابيوس قد مات)، ورفضوا حضور المجمع لدخول البابا أثناسيوس وجماعته فيه، وإنما اجتمعوا في مدينة فيلوبوليس مقابل سرديكا وتقع في حدود مملكة الشرق، وقد تركوا خطابًا بيد يوستاثيوس كاهن كنيسة سرديكا يعتذرون أنهم اضطروا للرجوع لدعوة الإمبراطور لهم بعد عودته منتصرًا على الفرس، فيه حرموا هوسيوس ويوليوس وأثناسيوس وغيرهم. أما آباء مجمع سرديكا فوقعوا حرمانًا على أحد عشر أسقفًا أريوسيًا.

✞ استخدم الأريوسيون إجراءات حازمة لمنع دخول أثناسيوس ورجاله إلى الإسكندرية لكن الرب بدد مشورتهم بأيدٍ أريوسية، فقد أتى بعض الأريوسيين بامرأة شريرة ودخلوا بها إلى أسقفين كانا مندوبي الإمبراطور قسطانس موفدين إلى أخيه إمبراطور الشرق. وإذ دخلت المرأة إلى حجرة أحدهما ووجدته شيخًا وقورًا يغط في النوم صرخت، وتجمعت المدينة وأعلنت ما قد حدث، وبسببها عُزل الأريوسي إسطفانوس أسقف إنطاكية. هنا تيقظ ضمير إمبراطور الشرق ليدرك شر الأريوسيين وألاعيبهم فأمر بعودة جميع المنفيين بسببهم، بل وأرسل ثلاثة خطابات للبابا أثناسيوس يعلن فيها شوقه لرؤياه، مترجيًا عودته إلى كرسيه.

✞ قبل أن يذهب إلى الإمبراطور التقى أثناسيوس بصديقه الحميم يوليوس أسقف روما التي اهتزت نفسه بالفرح فكتب رسالة إلى كهنة الإسكندرية وشعبها يهنئهم على عودة أبيهم المناضل.

✞ التقى رجل الآلام بالإمبراطور، ثم انتقل إلى بلاده، ليستقبله شعبه بفرح عجيب عام 346 م، بعد غياب طال أكثر من سبع سنوات، فيه ذاق الشعب مرارة الحرمان من رعاية البابا مع سقوطهم تحت اضطهاد الأريوسيين والميليتيين لهم، فكان رجوعه سبب بركة إذ رسم الأساقفة للإيبارشيات الخالية وازداد عدد المكرسين للخدمة والمتبتلين والرهبان بصورة ضخمة، وانطلق الكل يود تعويض السنوات العجاف.

7. انتهز الأريوسيين قتل قسطانس صديق البابا أثناسيوس حيث قامت حرب أهلية بين قاتل قسطانس ماجننتيوس والإمبراطور قسطنطيوس الذي صار إمبراطورًا للشرق والغرب شغلت الإمبراطورية أكثر من ثلاث سنوات، واتهموا البابا أن له علاقة سرية بالقاتل. وإذ تخلص الإمبراطور من ماجننتيوس تفرغ لمقاومة البابا الذي كان يكن له كراهية بغيضة في داخله. وبغضب شديد ألزم أساقفة الشرق والغرب بعقد مجمعين في آرل بفرنسا وميلان لعزل البابا ونفيه، وقد احتمل بعض الأساقفة النفي مثل باولينيوس أسقف تريف، ولوسيفر مطران سردينيا، ويوسابيوس أسقف فرشيلي بإيطاليا، وديوناسيوس أسقف ميلان، وهوسيوس أسقف قرطبة الذي كان قد بلغ المائة من عمره، أما ليبريوس أسقف روما فقد ثابر إلى حين وأخيرًا زلّ صاغرًا ووقّع على وثيقة الأريوسيين بعد أن أمضى في النفي سنتين.

✞ هاجم الجند كنيسة القديس ثيوناس بينما كان البابا يصلي مع الكهنة والشعب، وإذ ماجت الجموع وسط بريق السيوف أراد البابا أن يبقى حتى يخرج أخر شخص، لكن الكهنة والرهبان ألزموه بالانسحاب خاصة وأن الظلام حلّ بالموقع حين انطفأت الشموع والمصابيح.

✞ بقى أثناسيوس هاربًا ست سنوات يطلب الإمبراطور رأسه دون جدوى!

قدم الإمبراطور جورج الكبادوكي أسقفًا يغتصب الشعب ويتسلم الكنائس عنوة ويجمع الأموال، لكنه لم يستطع أن يحتمل البقاء في الإسكندرية، فهرب ليعود بعد موت الإمبراطور (سنة 361) فيقتله الوثنيون الذين كانوا يبغضونه (ربما للاستيلاء على أمواله).

✞ كان أثناسيوس في منفاه الاختياري يتنقل من دير إلى دير ومن موضع إلى أخر، بقلبه الملتهب بحب الله وشعبه، يرعى أولاده خلال كتاباته العميقة، فكان خصبًا في إنتاجه الروحي. كتب سيرة الأنبا أنطونيوس، ودفاعه عن هروبه، وأرسل خطابات إلى أساقفة مصر وليبيا ولوسيفر أسقف كالاريس (كاجلياري بجزيرة سردينيا غرب إيطاليا) وإلى الرهبان المصريين، وأربع مقالات ضد الأريوسيين، وخمس رسائل عقائدية لسيرابيون أسقف تمى، وخطابات عن الروح القدس، وكتاب المجامع.

✞ بموت قسطانطيوس وتولي يوليانوس الحكم ظهر البابا أثناسيوس عام 362 ومعه لوسيفر أسقف كلاديوس وأوسابيوس أسقف فرشيلي اللذان كانا منفيين بالصعيد.

✞ عقد البابا مجمعًا بالإسكندرية عام 362 دعي "مجمع القديسين والمعترفين"، إذ كان جميعهم قد حضروا من النفي أو نالوا عذابات، لكن لم يدم الحال، فقد شعر يوليانوس بخطورة البابا أثناسيوس على الوثنية فبعث لوالي الإسكندرية يقول بأن الأمر بعودة المنفيين إلى بلادهم لا إلى كراسيهم، آمرًا إياه بطرد أثناسيوس خارج مصر، فاضطر البابا إلى الاختفاء في مقبرة أبيه 6 شهور. وإذ شدد الإمبراطور على الوالي اضطر البابا إلى ترك الإسكندرية متجهًا إلى الصعيد في مركب لحقتها مركب الوالي، فسأله الجند عن أثناسيوس، أما هو فقال لهم: "إنه ليس بعيد عنكم" فأسرعوا نحو الصعيد، وعاد هو إلى مدينة كايرو بجوار ممفيس، وبعد فترة صار يتنقل بين الأديرة في الصعيد.

✞ قُتل يوليانوس وتولى جوفيان الحكم فأرسل خطابًا ودّيًا للبابا يدعوه للعودة، كما أمر بعودة كل المنفيين. رجع البابا إلى الإسكندرية حيث عقد مجمعًا فيه كتب خطابًا يحوي قانون الإيمان النيقوي، ثم انطلق لمقابلة الإمبراطور الذي قابله بالترحاب ليعود إلى الإسكندرية في فبراير 364، حاملاً معه خطابات الإمبراطور.

✞ مات جوفنيان في فبراير 364 وتولى فالنتينان الحكم في نفس الشهر فاستلم الغرب وسلّم أخاه فالنس الأريوسي الشرق.

8. بعث فالنس منشورًا بعودة جميع الأساقفة الذين سبق نفيهم في حكم يوليانوس إلى أماكن نفيهم، اضطر البابا أن يغادر الإسكندرية إلى بيت ريفي. وتحت ضغط الشعب رجع أثناسيوس إلى كرسيه بعد حوالي تسعة شهور (مايو 635 - فبراير366) فامتلأت الإسكندرية فرحًا.

✞ عاد البابا من نفيه الخامس وقد بلغ حوالي السبعين من عمره ليمارس رعايته لشعبه بروح متقدة بالغيرة، خاصة في تطهير البلد من كل فكر أريوسي.

في عام 369 عقد مجمعًا بالإسكندرية من 90 أسقفًا للاهتمام بالفكر الإيماني المستقيم، وبقى عاملاً حتى بلغ الخامسة والسبعين من عمره ليسلم للأجيال وديعة الإيمان المستقيم بلا انحراف.

أثناسيوس الثاني

البابا الثامن والعشرون

كان كاهنًا بالإسكندرية، اشتهر بالصلاح واستقامة الإيمان فسيم بطريركًا بعد نياحة البابا بطرس الثالث، وقد دعي بأثناسيوس الصغير تمييزًا له عن أثناسيوس الكبير (الرسولي).

اشترك مع القيصر أنستاسيوس في إعادة السلام في الشرق بوجه عام وفي مصر على وجه الخصوص بعد أن مزق مجمع خلقيدونية الكنيسة، الذي نفي فيه القديس ديسقورس بابا الإسكندرية (25) القائل بأن السيد المسيح له طبيعة واحدة وأنه أقنوم واحد، وأن الاتحاد بين اللاهوت والناسوت بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.

[إلى وقت قريب كان العالم المسيحي يظن أننا نعتقد بالطبيعة الواحدة، بمعنى تلاشي الطبيعة الناسوتية في اللاهوتية كقول المبتدع أوطيخا، لذا كانوا يدعوننا بالأوطاخيين خطأ].

عاش البابا أثناسيوس فترة هدوء وسلام حتى تنيح في 20 توت سنة 229 ش، 497 م.

أثناسيوس الثالث

البابا السادس والسبعون

✥ بعد نياحة البابا كيرلس الثالث (75) خلا الكرسي لمدة سبع سنوات ونصف لم يفكر أحد قط من عظماء الشعب أو العامة في سيامة البابا بسبب ما كان يلتزم به القبط من دفع رسم قدره 3000 دينارًا. وإذ تولى الملك عز الدين أيبك الجلسنلير التركماني بعد زواجه بالملكة شجرة الدر، قدم الأقباط هدية في حدود 500 دينارًا، وانقطع ذكر الرسم المفروض من ذلك الحين.

عُملت القرعة فأسفرت عن القس بولس الراهب الأنطوني المعروف بابن كليل المصري، وكان قد حضر القس غبريال الراهب قريب بطرس أسقف طنبدي طامعًا في سيامته يعضده في ذلك أولاد العسال، لكن الشعب كان يرفضه. وقد قام الأنبا يوساب بدور هام في تثبيت سيامة القس بولس الراهب، واتفق أخيرًا الكل على سيامته.

✞ تمت سيامته في كنيسة السوتير (المخلص) حضرها أول وزير قبطي يُدعى شرف الدين أبي سعيد هبة الله بن صاعد النايزي.

✞ قبل مبارحته الإسكندرية قام بتكريس عدة هياكل وسيامة عدد من الكهنة، ثم سافر إلى أديرة وادي النطرون كعادة البطاركة.

اهتم بإصلاح حال الكهنة روحيًا، وألغى السيمونية (اقتناء الكهنوت بمال). وقد تعرض لتجارب قاسية إذ قُتل عدد كبير من الأقباط في دمشق بعد موقعة عين جالوت وهزيمة المغول سنة 1259 م. تنيح في نوفمبر 1261 م (أول كيهك 978 ش).

الشماس كامل صالح نخلة: سلسلة تاريخ الباباوات، حلقة 2، 1952 م، ص 6 - 15.

اثناسيوس القديس

وُجد في أنطاكية شاب إسكندري الجنس اتسم بمخافة الله وحبه الشديد للفقراء، يدعى أندرونيكُس، تزوج بفتاة تقية شاركته ورعه وتقواه، فأنجح الرب حياتهما. قسما أموالهما ثلاثة أقسام: القسم الأول وزعاه على الفقراء، والثلث الثاني تركاه ليقرضاه لمن هو في ضيق بدون ربا، والثلث الأخير استخدمه الرجل في عمله كصائغ فضة. وهبهما الله طفلين هما يوحنا ومريم، وعاش الكل كما في كنيسة مفرحة، يؤمها كل فقير أو متألم ليجد راحته ماديًا ونفسيًا وروحيًا.

فجأة مات الولدان في يوم واحد على أثر حمى شديدة وكان سن يوحنا 12 عامًا ومريم 10 سنوات، فكانت تسبحة الرجل ليلاً ونهارًا كلمة أيوب: "الرب أعطى، الرب أخذ، ليكن اسم الرب مباركًا". أما الأم فلم تجد تعزية قط، وكادت تفقد صوابها من شدة الحزن... لا عمل لها سوى الانطلاق إلى مقبرة طفليها بجوار كنيسة يوليانوس، تبكيهما بغير انقطاع.

تأخرت المرأة في أحد الأيام حتى الليل، وبينما هي تبكي إذ بها ترى رجلاً أشبه برئيس دير يسألها عن سرّ بكائها، فارتعدت منه، ولكنها تمالكت نفسها وقالت له إنها قد دفنت ولديها اللذين هما أحشائها في هذه الأرض. أجابها أن إبنيها عند السيد المسيح. فشعرت براحة وتعزية، حتى إذ فكرت أن تشكره اختفى من أمامها، وعلمت أنها إنما رأت رؤيا.

رجعت السيدة إلى رجلها لأول مرة بقلب مبتهج ووجه باش وأخبرته بما رأت، وكيف استراحت نفسها في داخلها، فشكر الله على ذلك.

وزع الزوجان أموالهما على الكنائس والفقراء، وذهبا معًا إلى فلسطين لزيارة الأماكن المقدسة، مقررين أن يذهب كل منهما إلى الدير الذي يناسبه. وبالفعل بعد زيارتهما بيت المقدس سافرا إلى الإسكندرية وتبركا من كنيسة أنبا مينا في الإسكندرية، ومن هناك انطلق أندرونيكوس وحده إلى شيهيت ليتبارك من أديرتها، وقابل أنبا دانيال قمص شيهيت، وروى له قصته مع زوجته، فسأله أن يودعها في أحد أديرة النساء ويعود إليه. وبالفعل تتلمذ أندرونيكوس على يديّ الأنبا دانيال لمدة 12 سنة، لكنه عاد يسأله أن يزور الأماكن المقدسة بأورشليم فسمح له.

في الطريق إذ كان يستظل تحت شجرة التقى به راهب يود الذهاب أيضًا إلى أورشليم، فتحدثا معًا قليلاً، وانطلاقا معًا يسبحان الله ويصليان. ثم عادا إلى الإسكندرية معًا، وقد ارتبطا بمحبة روحية وانسجام خلال الصلاة والعبادة، فدخلا معًا دير "أوكتوكا يديكاثون" أي دير العاشر، وكان يزورهما القديس دانيال قمص شيهيت من حين إلى آخر، وكان يفرح بنموهما روحيًا، إذ كانا يشجعان بعضهما البعض مع صمت في قلاية واحدة.

مرض الراهب الآخر "أثناسيوس" واشتد به المرض جدًا، فانطلق أندرونيكوس يستدعي الأب دانيال، فجاء ليجد أثناسيوس يبكي... فظنه يخاف الموت، وإذ سمع أثناسيوس ذلك قال: "إنني أبكي يا أبتي لأني أترك أندرونيكوس وحيدًا في هذه الحياة". ثم قال له سرًا: "يا أبتِ متى توفيت تجد تحت وسادتي كتابًا فخذه وادفعه إلى أندرونيكوس" فوعده بذلك، وإذ صلى أودع حياته في يديّ الرب.

بينما كانوا يدفنون الراهب أثناسيوس تسلم أندرونيكوس الكتاب الذي تحت الوسادة، فعرف أن الراهب هو زوجته أثناسيا، بقيت معه تجاهد في الحياة النسكية وتسنده وتحبس مشاعرها حتى النفس الأخير.

شاع الخبر سريعًا بين الرهبان وانتقل الخبر إلى بلاد الشرق والغرب.

لم يحتمل أندرونيكوس الغربة وحده طويلاً، لكنه أصر أن يبقى في ذات القلاية، ولم تمض إلا فترة قصيرة لينطلق هو أيضًا ويلحق بزوجته.

تعيد لهما الكنيسة اليونانية واللاتينية في 9 أكتوبر من كل عام.

اثناسيوس الأسقف الشهيد

جاء في السنكسار القبطي (29 مسرى) أن قومًا أبلغوا إريانا والي أنصنا أن الأسقف قد عمّد ابنة الوزير أنطونيوس، فاستدعاه هو وغلاميه جراسيموس وثاوتيطس وطلب منهم التبخير للأوثان، وإذ رفضوا عذبهم وأخيرًا قطع رؤوسهم فنالوا إكليل الشهادة.

اثناسيوس الشهيد

تحتفل الكنيسة القبطية بعيد استشهاد القديس أثناسيوس وأخته إيريني في الثالث من هاتور. احتملا عذابات كثيرة على يد مكسيمانوس، وإذ لم يتركا الإيمان أمر بإلقائهما في جب والإغلاق عليهما حتى تنيحا فيه حوالي عام 305 م.

اثيناغوراس الفيلسوف

عميد مدرسة إسكندرية المسيحية، من رجال القرن الثاني الميلادي.

لا نعرف الكثير عن حياته، لكنه كان فيلسوفًا يرأس إحدى كراسي الأكاديمية "الموزيم Museum" بالإسكندرية، أكبر مدرسة فلسفية علمية في الشرق في ذلك الحين، تنافس مدرسة أثينا، وكان يعتبر من أساطين الديانة الوثنية، أولع بالبحث في الديانة المسيحية كغيره من الفلاسفة الأفلاطونيين طمعًا في كشف أخطائها وإظهار فسادها، وإذ أراد أن يضرب بسهام نقده بكل قوة، عكف على دراسة الكتاب المقدس، ولكن الروح القدس أمسك به بقوة وعوض أن يخرج مجلداته ضد الإيمان المسيحي، إذ به ينجذب للإيمان حوالي عام 176. وإذ قَبِل المعمودية والتصق بالمسيحيين أدرك سمو الحياة الإنجيلية، فكتب دفاعه عن المسيحية والمسيحيين.

لشخصية أثيناغوراس Athenagoras أهمية خاصة، فهو أول فيلسوف أهلته غيرته الشديدة واجتهاده في الدراسة أن يصير عميدًا لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، دون أن يخلع عنه زي الفلاسفة The philosopher Pallium ويعتبر أول مسيحي معروف حمل مع إيمانه حنوًا نحو الفلسفة.

كتاباته

وضع العلامة أثيناغوراس عملين هامين هما: التماسه أو شفاعته (إبريسفيا) عن المسيحيين وآخر عن القيامة من الموت.

تلمس في كتابَاته العقل الفلسفي الذي هذبته الثقافة اليونانية مع ملكة رائعة في الكتابة. قال عن Donaldson "أنه اقتبس شعرًا (يونانيًا) لكن الهدف كان واضحًا نصب عينيه، لم يستعرض قط إمكانياته، ولا يشتت ذهن قارئه".

القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة إسكندرية الأولون، 1980 م، ص 33 الخ.

اثينوجينيس الشهيد

تحتفل الكنيسة الرومانية بعيد ميلاد هذا اللاهوتي الشهيد أثينوجينيس St. Athenogenes في 18 من يناير، وعيد استشهاده في 16 يوليو، كما ثبّت القديس غريغوريوس المستنير عيدًا له بأرمينيا.

ولد هذا القديس ببنطس، ويرى البعض أنه ولد بسبسطية بأرمينيا، وقد سيم أسقفًا. استشهد حوالي عام 305 م مع عشرة من تلاميذ له في أيام الإمبراطور دقلديانوس. وقد استشهد بإلقائه في النار، فصار يسبح تسبحة خاصة بالروح القدس من وضعه، علامة فرحه بالروح القدس الذي وهبه عطية الاستشهاد.

أشار القديس باسيليوس الكبير في مقاله عن الروح القدس (ف 73) عن هذه التسبحة، قائلاً: "إن كان أحد يعرف تسبحة أثينوجينيس التي كان يسرع فيها لنواله الكمال بالنار، إذ تركها كنوع من العطية الوداعية لأصدقائه، يمكنه أن يعرف فكر الشهداء من جهة الروح".

اجريكولا الشهيد

في عام 393 م أعلن ليوسابيوس أسقف بولوناBologna عن جسدي شهيدين مسيحيين، فيتاليسVitalis وأجريكولا Agricolaمدفونين في مقابر اليهود بالمدينة.

نقلت رفاتهما من ذلك الموضع، وكان القديس أمبروسيوس أسقف ميلان حاضرًا هذه المناسبة، وقد أشار إليهما في مقاله عن البتولية.

قيل أن أجريكولا كان إنسانًا غنيًا يقطن في بولونا، وكان محبوبًا جدًا بسبب رقته ووداعته. استطاع هذا الثري بحبه أن يقتني عبده فيتاليس للإيمان وصار شريكًا معه في إكليل الاستشهاد.

قُدم الاثنان للمحاكمة، وكانا يسندان بعضهما البعض لا كسيد مع عبده، وإنما كأخ مع أخيه في الحب، وإذ أراد الوالي أن يحطم نفسية أجريكولا لعلمه بحبه للعبد، جاء بالعبد إلى ساحة الاستشهاد أمام سيده وأذاقه عذابات كثيرة حتى لم يبق في جسده موضع بلا جراحات، وكان السيد يسنده ويشجعه وحسبه مثالاً حيًا له، حتى أسلم الروح.

قُدم أجريكولا للاستشهاد، فعُلق على الصليب، وقد مزقوا جسده بمسامير كثيرة في مواضع مختلفة من جسده؛ فلحق بأخيه "العبد" في الفردوس ينعمان بأخوية أبدية في مجد لا ينطق به، منتظرين يوم الرب العظيم.

إنها صورة حية للحياة المسيحية التي حطمت نظام الرق والعبودية، لا بثورات أو قوانين، وإنما بروح الحب العميق، فيه يشعر كل إنسان أنه عضو لأخيه! لقد سند السيد عبده بحبه وإيمانه فاجتذبه للخلاص، وسند العبد سيده باحتماله الآلام بصبر بل وبفرح.

Butler' s Live of Saints, Nov 4.

اجنس الشهيدة

من أشهر شهيدات روما، قدمت حياتها ذبيحة حب وهي في الثانية عشرة من عمرها كما يقول القديسان أغسطينوس وأمبروسيوس، ذبيحة لله طاهرة وعفيفة لذا يرمز لها الغرب في أيقونتها بحَمَل، خاصة وأن اسم "أجنس" يعني "حملاً".

نشأت في روما وقد اتسمت بالجمال البارع مع الغنى فتشاحن أبناء الأشراف عليها، وتقدم لها بروكبيوس ابن حاكم مدينة روما يطلب يدها مقدمًا هدايا ثمينة للغاية، فصارحته أنها مخطوبة لعريسها السماوي، وإذ ظن أنها تحب آخر غيره مرض، فقلق عليه والده وعرف سرّ مرضه. فاستدعى الفتاة وصار يلاطفها وإذ رفضت الملاطفة كبلها بالقيود بعد تعذيبها وسحبها إلى هيكل للأوثان لتسجد هناك فرفضت. يقول القديس أمبروسيوس أنهم حاولوا أن يلزموها بالعنف أن تبخر أمام الأوثان، فكانت ترسم ذاتها بعلامة الصليب مجاهرة.

إذ فشلت كل وسائل الحاكم من ملاطفة وتعذيب أمر بسحبها إلى أحد بيوت الدعارة لتسقط مع شباب روما الماجن، أما هي فأجابت بأن يسوع المسيح غيور على نقاوة مختاريه، لن يسمح لهم بالدنس بهذه الصورة، وأنه هو المحامي عنهم والمدافع. كما قالت للحاكم: "تستطيع أن تلطخ جسدي بسيفك لكنك لن تقدر أن تدنسه إذ هو مقدس للمسيح".

جاء بعض الشباب لاغتصابها فأعطاها الرب مهابة في أعينهم، وإذ تجاسر أحدهم بوقاحة أصيب بعمى وسقط على الأرض مرتعدًا. فتوسل رفقاؤه لديها أن تصلي عنه، وإذ صلت انفتحت عيناه وسبّح الكل لله.

إذ شعر الوالي بالفشل أمر بقطع رأسها، وكما يقول القديس أمبروسيوس أنها "انطلقت إلى مكان الاستشهاد فرحة أكثر من فرح كثيرات عند ذهابهن للعرس".

حاول السياف ملاطفتها فلم تذعن له، بل قدمت صلاة قصيرة لتحني رقبتها وتتقبل بفرح ضربة الموت، انذرفت دموع المشاهدين إذ رأوا صبية جميلة للغاية تقدم حياتها للسيف بلا خوف بينما كانت يد السياف ترتعش، كان الكل يبكون وبقيت وحدها متهللة!

دُفن جثمانها بجوار طريق نومنتان قريبًا من روما، حيث بنيت هناك كنيسة على اسمها في السنة التالية لاستشهادها.

كتب القديس أمبروسيوس إلى العذارى يصف استشهاد العفيفة أجنس، هكذا: "الفتيات في سنها لا يحتملن مجرد نظرة غاضبة من الوالدين، ويحسبن وخزات إبرة جراحات فيصرخن، أما هي فلم ترتعب أمام ثقل الأغلال الحديدية، بل قدمت جسدها كله لسيف الجندي الثائر، كأنها مستعدة للموت مع أنها تجهله.

حُملت إلى المذابح الوثنية قسرًا، وها هي تبسط يديها للمسيح على نيران الذبيحة.

إنه نوع جديد من الاستشهاد! عمرها غير متكافئ مع العقوبة، لكنها كانت ناضجة في نوال النصرة. بصعوبة تصارع وبسهولة تكلل!

مارست وظيفة تعليم الشجاعة مع صغر سنها.

لم تكن عروسًا تجري نحو المخدع إنما بتولاً تذهب بفرح نحو موضع العقوبة بخطوات سريعة، لا تُزين رأسها بضفائر شعرها وإنما بالمسيح.

كان الكل يبكي، وبقيت وحدها لا تذرف دمعة واحدة!...

كان لها ما هو فائق للطبيعة من خالق الطبيعة نفسه!...

يمكنكن أن تشاهدن المضطهد مرتعبًا كمن هو تحت الحكم، يمينه ترتجف، ووجهه شاحب كمن يخاف من مخاطر تحل بالغير، أما الفتاة فلم تخف مما يحل بها...

إنكن تجدن استشهادًا مزدوجًا في فدية واحدة... إذ بقيت عذراء ونالت الاستشهاد ".

تتميز أيقونتها في الكنيسة الغربية برسم صورة حمل بجوارها إشارة إلى طهارتها، وأحيانًا يُرسم لهيب نار تحت قدميها إشارة إلى قبولها الاستشهاد بحب كذبيحة حية للرب، كما ترسم بشعر طويل ورداء للرجلين تذكارًا لعمل الله معها في بيت الخطية حيث ستر عليها وحفظ جسدها من الدنس.

Butler' s Lives of the Saints, Jan 21.

St. Ambrose: Conc. Virgins 1: 2.

اخيلاس القديس

القديس أخيلاس Akhila أو أكيلا Akila لا نعرف عنه إلا ما جاء عرضًا في أقوال الآباء الشيوخ.

جاء عنه أن تقدم ثلاثة شيوخ، وكان أحدهم سيىء السيرة. طلب الأول منه أن يصنع له شبكة فلم يستجيب لطلبه، وسأله الثاني أن يصنع محبة ويجعل لنفسه في ديرهم تذكارًا بشبكة يصنعها لهم، فوعده عندما يتفرغ يعملها. وإذ تقدم الثالث ذو السمعة السيئة، وطلب منه أن يصنع له شبكة ليكون له شيء من عمل يديه قام في الحال ليعملها له.

سأله الأولان في خلوة لماذا استجاب لزميلهما دونهما، فقال: "لقد قلت لكما" لا "لأني أعلم أنكما لا تغتمان، ثم إني في الحقيقة لم أكن متفرغًا لذلك، أما ذاك فلو قلت له ذلك، لقال في نفسه: إن الشيخ قد سمع بخطيتي، ولذلك لم يجبني طلبي، فيحزن وينقطع رجاؤه، ففعلت معه هكذا كي لا يهلك في الحزن واليأس".

هكذا يقدم لنا هذا الأب درسًا عمليًا في محبة الخطاة وخدمتهم وعدم جرح مشاعرهم، حتى نستطيع بالحب أن نكسبهم لحساب ربنا يسوع. هذا ويقدم لنا الأنبا أموس Ammoes قصة واقعية عنه كشفت عن جهاده وحبه للتعب، إذ قال أنه ذهب مع الأب بيتيموس إلى الأب أخيلاس، وعند وصولهما سمعاه يقول: "لاتخف يا يعقوب من النزول إلى مصر" (تك 46: 3)، وكان يتأمل في ذلك (ربما يتأمل في الالتزام بالجهاد ما دمنا قد نزلنا إلى العالم (مصر) حتى نستطيع بالنعمة أن نرتفع إلى الأبدية). وإذ عرف أنهما جاءا من جبل نتريا أي من بُعد وصارا يسألانه كلمة منفعة، قال: "إني منذ البارحة حتى هذه الساعة قد ضفرت عشرين باعًا، وصدقوني إني لست في احتياج إلى كل ذلك، ولكنني أخاف أن يقول لي الرب: لماذا لا تعمل ما دمت تقوى على العمل؟ من أجل ذلك أعمل وأتعب بكل قوتي"، فانتفع الأبوان وانصرفا، مدركين أهمية الجهاد حتى في العمل اليدوي.

مع رقته الشديدة مع الخطاة حتى لا يفقدوا رجاءهم واهتمامه بالعمل الدائم، كان يحرص أن يدقق كل أخ في وقته، فيعمل بجدية لخلاص نفسه وبنيان إخوته. لهذا قال الأب بيتميوس إنه إذ كان نازلاً إلى الإسقيط أعطاني أحدهم بعض الفاكهة لأوزعها على الشيوخ. وإذ قرعت باب قلاية الأب أخيلاس لأعطيه شيئًا، قال لي: "أيها الأخ لا أريدك أن تقرع بابي ومعك أي نوع من الطعام، ولا تقرع قلالي الآخرين أيضًا"، عندئذ انسحبت إلى قلايتي وأخذت الفاكهة إلى الكنيسة.

لعله بهذا التصرف وإن كان قد أحرج زميلاً له، لكنه خشي أن يتحول الإسقيط إلى موضع للمجاملات البشرية، للأكل والشرب! فقد حرص آباء البرية أن تبقى هذه الأماكن مراكز نسكية جادة، أما المحتاج أو المريض فيجد ما يطلبه بجوار الكنيسة (مبنى المائدة الملحق بها).

نستطيع أن ندرك مدى ما بلغه هؤلاء النساك من التقشف أنه إذ مضى الأب أخيلاس إلى قلاية الأب إشعياء في الإسقيط ووجده قد اضطر أن يصب قليلاً من الماء على الملح ليأكله بالخبز الجاف إذ كان الجو حارًا وقد عاد بعد قطع أغصان للشجر ظمآنًا... قال له: "إشعياء يحتسي" الشوربة "في الإسقيط أن كنت تريد" الشوربة "إذهب إلى مصر".

Bendicta ward: Sayings of the Desert Fathers, p 24، 25.

اخيلاوس الشهيد1

الشماس أخيلاوس Achilleus وزميله فرطوناتوس Fortunates رافقا الأب الكاهن فيلكس في إرسالية كرازية بعثها القديس أيريناؤس أسقف ليون في بدء القرن الثالث إلى فالنس Valence، وقد استشهد الثلاثة معًا في أيام حكم كاركالا Caracalla حوالي عام 212 م.

قيل أنهم إذ قاموا بالكرازة بالمسيحية فاقنعوا الكثير من الوثنيين، خاصة وأن الرب وهبهم عطية عمل الآيات وشفاء المرضى، أُلقي القبض عليهم وسجنوا. لكن ملاكًا ظهر لهم وأخرجهم لينطلقوا إلى المعابد الوثنية ويحطموا التماثيل الثمينة للآلهة جوبيتر وزحل إله الزراعة وهرمس إله التجارة والبلاغة، لذلك أُلقي القبض عليهم وكسرت أقدامهم وتعرضوا لعذابات كثيرة نهارًا وليلاً وأخيرًا قطعت أعناقهم.

Butler’s Lives of Saints, April 23.

اخيلاوس الشهيد2

قيل أن أخيلاوس Achilleus وزميله نيريوس Nereus كانا جنديين، ويرى البعض أنهما كانا خصيان لفتاة شريفة تسمى Domitilla تمُت بصلة قرابة للإمبراطور دومتيان.

خُطبت الفتاة لأحد عظماء البلاط الملكي اسمه أوريليانوس، لكنها إذ أدركت نعمة الله العاملة في خادميها كانت تتحدث معهما بخصوص حياتها واشتياقاتها، خاصة وأنها كانت قد قبلت الإيمان المسيحي وتنصرت، ربما خلال تأثرها بهذين الخادمين.

على أي الأحوال تحدث معها الخادمان عن حياة البتولية وتكريس القلب لله كما كشفا لها عن خطورة الزواج برجل وثني يسحب قلبها وأولادها للوثنية ويحرمها من الحياة الملائكية. تأثرت دوميتيلا بحديثهما وقررت نذر العفة. ففرح الأخان وأخبرا القديس إكليمنضس أسقف روما الذي صار يشجع الثلاثة، معلنًا لهم أنه سينال إكليل الاستشهاد معهم.

علم أوريليانوس بذلك فغضب غضبًا شديدًا، وقبض على الأخين وأمر بضربهما بالسياط بوحشية، فاحتملا بصبر عجيب حتى خاف أوريليانوس أن يستميلا بصبرهما وبشاشتهما الوثنيين للإيمان المسيحي فأمر بقتلهما، لكنه عاد فأرسلهما إلى جزيرة تيراسينا، ولما مثلا أمام واليها مينوسيوس وطلب منهما التبخير للأوثان رفضا. فأمر الوالي بتعليقهما وحرق خواصرهما بلهيب المصابيح، فقابلا الألم بفرح عجيب سحب قلوب الكثيرين من الوثنيين، وإذ خشي الوالي من ذلك أمر بقطع رقبتيهما.

أما دوميتيلا فنفيت إلى جزيرة بونتيا أو بونزا Ponza، وبعد فترة أُعيدت إلى جزيرة تيراسينا Terracina حيث سُلمت إلى أختين تدعيان أفروسينا وثيودورا لكي يجذبانها إلى الزواج بأوريليانوس، مدعيان أنها بذلك تستطيع أن تكسبه للإيمان المسيحي، فصارت تحدثهما عن العرس السماوي، والاتحاد بالعريس الأبدي حتى سحبت قلبهما إلى ذلك... خاصة وأن القديسة دوميتيلا صلّت لخادمة لهما كانت خرساء فنطقت بصلاتها معلنة إيمانها بالسيد المسيح.

سمع أوريليانوس بذلك فاستأذن الوالي في حرق البيت بمن فيه.

Butler’s Lives of Saints, May 12.

اداكتيوس الشهيد

في عهد دقلديانوس حوالي عام 304 م، إذ قُبض على كاهن تقي بروما عرف بحياته الفاضلة السعيدة يدعى فيلكس واحتمل عذابات كثيرة، أخيرًا صدر الأمر بقطع رقبته. في الطريق التقى به شاب مسيحي اشتاق أن يشارك كاهنه إكليل استشهاده، فصار يصرخ وسط الجموع: "إني اعترف بذات الشريعة التي يعترف بها هذا الرجل، اعترف بيسوع المسيح نفسه، واضع حياتي لأجله".

إذ سمع القضاة ذلك ألقوا القبض عليه وأمروا بقطع رأسه مع الكاهن، وإذ لم يُعرف اسمه، دعي "أداكتيوس" أي "واحد مُضاف"، إذ أضاف نفسه إلى الشهيد فيلكس. يقول داماسيوس أسقف روما:

"آه، يا لك بالحق والحقيقة أنك تدعى فيلكس (فيلكس يعني سعيد)، فإنك سعيد، إيمانك لم يُمس، محتقرًا رئيس هذا العالم، معترفًا بالمسيح، تطلب الملكوت السماوي.

الآن أيها الإخوة، قد أسرع الإيمان الثمين بأداكتيوس إلى السماء غالبًا ".

Butler’s Lives of saints, Aug 30.

آداي وماري

يرى البعض أن كلمة "آداي" Addai من الناحية اللغوية تقابل تداوس بحسب التقليد السرياني. آداي هذا هو أحد السبعين رسولاً، بعثه القديس توما إلى الرها ليشفي الملك أبجر الخامس ويكرز له كوعد السيد المسيح له (راجع سيرة أبجر الخامس).

يوجد قداس إلهي باسم "آداي" وتلميذه "ماري" Mari لا يزال يصلى به النساطرة حتى اليوم.

قيل أن آداي وتلميذه ماري كانا حاضرين يوم الخمسين، وأن توما إذ أرسل آداي للملك أبجر آمن الأخير ومعه جموع من شعبه، كما آمن على يديه صانع المجوهرات الملكي "أجاي" Aggai الذي صار أسقفًا كخلف لآداي، وأيضًا آمن باليت Palut الذي سامه كاهنًا قبيل نياحته مباشرة.

استشهد أجاي على اسم السيد المسيح.

أما بالنسبة لماري فقد قيل أن آداي أرسله ليكرز في نصيبين ومنها ذهب إلى منطقة التيجر، وتنيح بالقرب من سلوكية ستسفون Selcia - Ctesiphon وقد عُرف بقوة كرازته، إذ جذب كثير من الوثنيين إلى الإيمان بالسيد المسيح.

منذ العصور الأولى يُكرم "آداي وماري" كرسولين قديسين، لهما الفضل في الكرازة بالإنجيل في المناطق المحيطة بالفرات والتيجر، ولا يزال يكرمهما الكلدانيون ونساطرة العراق وكردستان حتى اليوم.

ادروسيس الشهيدة

قصة استشهاد ابنة ملك على يدي والدها الذي كان يحبها بكل طاقاته، لكنه لم يقبل المسيح العامل فيها فسلمها لأتون ناري فتخلص منها.

نشأتها

أدروسيس أو أتراسيس Atrasis هي ابنة أدريان الملك (117 – 138 م)، كان والدها يحبها جدًا فصنع لها مقصورة خاصة بها تحتجب فيها عن أعين الناس.

لم يستطع القصر بكل إمكانياته وعظمته أن يدخل قلب هذه الفتاة الوثنية، ولا كرامة أبيها أن تجعلها متشامخة، وإنما كانت تشعر بزوال العالم كله، ونهاية هذه الحياة بكل أمجادها ومباهجها ومتاعبها أيضًا، فكانت تصرخ إلى الله أن يرشدها ماذا تفعل. فرأت في رؤيا الليل من يقول لها: "احضري يوأنا العذراء ابنة فيلوسفون (أي الفيلسوف) وهي تعلمك طريق الرب".

استيقظت أدروسيس من نومها، وشعرت بالبهجة تملأ أعماقها، فأرسلت إلى العذراء يوأنا تطلب مقابلتها... وبالفعل إذ جاءت إليها سجدت أمامها فرفعتها يوأنا وتعانقا بالحب... وصارت يوأنا تتحدث معها عن الله الخالق الذي أحب الإنسان، وأقام كل المسكونة من أجله، وعندما سقط أرسل له الشريعة والأنبياء، ثم كشفت لها عن سرّ التجسد الإلهي وعمل الصليب وقوة القيامة، والأمجاد التي أعدها الله للإنسان أبديًا... فابتهجت نفس الأميرة جدًا، وآمنت بالسيد المسيح. صارت الاثنتان كجسدين بروح واحد، تشتركان في الأصوام والصلوات، لهما فكر ورجاء واحد واشتياق واحد.

رفض الوثنية

كان والدها في ذلك الحين يحارب، وإذ عاد سألها أن تبخر للإله أبولون قبل أن يتم زفافها... وإذ به يجد ابنته تتحدث معه عن عبادة الله الحيّ ورفض الوثنية، وعمل الله الخلاصي.

لم يحتمل الملك أن يسمع من ابنته هذا الحديث، وإنما استقصى عن علة تحولها عن عبادة الإله أبولون، فعرف أنها يوأنا ابنة فيلوسفون التي غيّرت فكرها، للحال أمر بإحراقهما معًا.

خرجت المدينة كلها تبكي بمرارة من أجل هاتين العروسين اللتين خرجتا إلى خارج المدينة، وقد ارتديا ثيابًا فاخرة ومزينتين بالحلي، وكأنهما منطلقتان إلى حفل زفافهما... كان الكل يبكي، أما هما فكانتا مبتهجتين.

ارتفع لهيب الأتون، وارتفع معه صرخات الكثيرين متوسلين لهما لكي توافقا على أمر الملك من أجل شبابهما، وأما هما فأمسكت الواحدة بيد الأخرى وفي هدوء دخلتا الأتون، واتجهتا نحو الشرق ليصليا معًا... وإذ خمدت النار وجد المؤمنون جسديهما ملاصقين لبعضهما البعض، ولم يتغير لباسهما ولا حليهما، فاحتفظوا بهما حتى انقضاء زمن الاضطهاد، وبنوا لهما كنيسة عظيمة.

تعيد لهما الكنيسة القبطية في الثامن عشر من هاتور.

ادريان وناتاليا القديسان

ليس عجيبًا أن يتأثر أدريان Adrian أو أدريانوس بالشهداء المسيحيين فيتحول من اضطهاده لهم إلى الاشتياق للاستشهاد معهم وإنما ما هو أعجب دور زوجته ناتاليا التي كانت بفرح تسنده حتى ينعم الاثنان بالإكليل.

أدريانوس والشهداء

جاء مكسيميانوس إلى نيقوميديا ليشرف بنفسه على تعذيب المسيحيين فيها، فكان يتوعد بالموت كل وثني لا يخبره بأسماء المتنصرين، فكانت المدينة في حالة مرة من الضيق. سلم الأصدقاء أصدقاءهم والأقرباء أقرباءهم للموت. وكان أدريانوس أقسى أعداء المسيحيين يُمتع نظره بعذاباتهم، لكن صبرهم وفرحهم أثناء الضيق هزّ أعماق نفسه الداخلية. صار يسأل المعترفين أثناء تعذيبهم عن سرّ الرجاء الذي فيهم حتى تأثر بهم، وخرج من المحفل ليكتب اسمه في سجل المسيحيين الذين يُقدَمون للاستشهاد.

أدريانوس ومكسيميانوس

إذ بلغ الخبر الملك مكسيميانوس شريك دقلديانوس لم يصدق ذلك، لذا استدعاه ليقول له: "أصحيح أنك جننت مثل المسيحيين حتى أنك تريد أن تموت تحت العذاب الأليم؟" أجاب أدريانوس: "لست بمجنون إنما كنت في جهل وغباوة حين كنت أعبد الأوثان، والآن انكشف عن عيني حجاب الجهل واستنرت بضياء الحكمة لأعبد السيد المسيح الإله الحق".

أمر مكسيميانوس بإلقاء أدريان في السجن مع بقية المسجونين، وكان عمره في ذلك الوقت حوالي 28عامًا.

أدريانوس وناتاليا Natalia

سمعت زوجته ناتاليا أو أناطوليا بالخبر فانطلقت بفرح إلى السجن لتخر أمامه عند قدميه وتقّبل القيود، وهي تقول: "حقًا إنك لسعيد إذ ربحت سيدنا يسوع المسيح، وبه ربحت كل الخيرات... إياك أن يتغير عزمك المقدس، فتخسر المواعيد المقدسة الإلهية"، ثم التفتت إلى بقية المعترفين وسألتهم أن يسندوا رجلها بنصائحهم وصلواتهم.

سألها أدريانوس أن ترجع بيتها، قائلاً لها أنه سيستدعيها عندما يأتي وقت رحيله.

بعد أيام قليلة إذ أدرك أدريانوس أن وقت رحيله قد أزف، دفع للجند مالاً لكي يضمنه أحدهم، ويتحدث مع زوجته ويرجع سريعًا. وفي الطريق إذ رآه صديق أسرع ليخبر زوجته فحزنت جدًا، إذ ظنت أنه خار وأنكر مسيحه، لذا أغلقت الباب ووبخته وهي في الداخل. أما هو فقال لها: "افتحي الباب يا أختي ناتاليا، فلست هاربًا من الاستشهاد كما تظنين، لكنني أتيت لآخذك معي..." وإذ تأكدت من صدق كلامه فتحت له الباب وهنأته على ما سيناله من مجد.

انطلق الاثنان إلى السجن، وفي الطريق سألها أدريانوس: "ماذا فعلتي يا أختي بأموالنا؟" أجابته ناتاليا: "أسألك ألا تدع ذهنك يفكر في أمر زمني، لئلا يصرفك هذا عن قصدك الحميد، إنما لتكن كل أفكارك في الخير الأبدي المعد لك في الملكوت".

أُحضر أدريانوس أمام مكسيميانوس أكثر من مرة ليجلده بالسياط، وكانت زوجته تشجعه. أمر الملك بتقطيع أطراف جميع المسجونين وإذ خشيت ناتاليا لئلا ينهار رجلها حين يرى الآخرين وقد بُترت أعضائهم توسلت للجندي أن يبدأ برجلها، وأمسكت بقدميه ليبترهما، ثم سألت رجلها أن يمد ذراعيه بنفسه فبترهما... وأسلم الروح.

أمر الملك بحرق كل الأجساد حتى لا يكرمهم المسيحيون، فحدثت زلزلة هرب على أثرها الجميع ماعدا ناتاليا وبعض النسوة الفاضلات اللواتي أخذن الأجساد، وقد نقلت إلى أرجيربوليسArgyropolis عند بوسفورسBosphorus بالقرب من بيزنطة حيث دفنت هناك.

بعد شهور قليلة تعرضت ناتاليا لمتاعب كثيرة من أحد موظفي البلاط بنيقوميديا إذ كان يطلب الزواج منها، وقد رفضت بإصرار.

أخيرًا رحلت إلى أرجيروبوليس حيث رقدت هناك بسلام ودفنت مع الشهداء.

يحتفل اللاتين بعيد أدريان وناتاليا في 8 سبتمبر كعيد لنقل رفاتهما إلى روما، ويحددوا يوم 4 مارس كيوم استشهاد أدريان وأول ديسمبر عيد نياحة ناتاليا.

ادوليوس الطرسوسي

يروي لنا القديس بَلاديوس أنه تعرف على الراهب أودوليوس Adolius أو أدلفيوس الطرسوسي في أورشليم، وهو غير الراهب أدلفيوس من أوائل رهبان نتريا الذي نفاه لوس الأريوسي مدّعي الأسقفية بتحريض الوالي فالنس إلى فلسطين مع الآباء إيسذورس وهيراكليدس وبموا وبيسمينوس وبفنوتيوس وآمونيوس ذي الأذن الواحدة.

يقول بلاديوس أنه طرسوسي المولد جاء إلى أورشليم ليمارس حياة شاقة وغريبة، فكان يأكل مرة كل يومين، وفي الصوم الكبير مرة كل خمسة أيام.

ينطلق مع الغروب إلى جبل الزيتون حيث صعد السيد، ويبقى وسط البرد الشديد والأمطار مصليًا في العراء كل يوم متى حلّ موعد الصلاة (نصف الليل) يوقظ النساك ليجمعهم للصلاة معًا بتسبيح المزامير في مجموعتين (كنظام التسبحة الحالي).

كان النساك يشفقون عليه فيعصرون ملابسه المبتلة ويجففونها له.

ينام قليلاً حتى الفجر ليقوم يصلي ثم يعمل طول النهار حتى الغروب.

Palladius: The Lausiac History، ch 43.

اراسموس الأسقف

أحد الشهداء المشهورين بسوريا والغرب القديس إراسموس Erasmus، وللأسف اختلف الدارسون في تاريخ حياته.

إذ اندلع الاضطهاد انطلق هذا الأسقف إلى جبل لبنان ليعيش في مغارة، وكان الله يرسل له غرابًا يطعمه خبزة كل يوم.

بأمر الإمبراطور دقلديانوس ألقي القبض عليه، حيث ضرب وألقي في قار يغلي، ولكن الرب حفظه من الأذى. ألقي في السجن وقيل أن ملاكًا حمله إلى إيطاليا بالقرب من بحيرة لوسرينو Lucrino.

ألقي القبض عليه مرة أخرى، ووضع على كرسي حديد ملتهب نارًا، كما وضع في قزان زيت مغلي، وكان الرب يحفظه.

رُبط القديس في فروع شجرة محنية وهو عارٍ، فتمزق، وخرجت أحشاؤه لينال إكليل الشهادة.

حدث لبس بينه وبين بعض الشهداء.

Rev. Baring Could، Lives of the Saints 1872, June 2.

ارتيماس الشهيد

يعيد له الإيطاليون في نابولي Puteoli موطن الشهيد، يدعى أرتيماسArtemas وكان يُعرف خطأ بانتيماسيوس، ولا يُعرف تاريخ استشهاده.

كان أرتيماس صبيًا تقيًا محبًا للسيد المسيح عاش في Puteoliجنوب إيطاليا. التحق بمدرسة رجل وثني يدعى كاثيجيتا Cathegeta.

من فضلة القلب يتكلم اللسان، فقد ظهر سلوك الصبي مختلفًا عن بقية زملائه، فأحبوه وتعلقوا به، وإذ أعلن لزملائه عن إيمانه عرف أستاذه الذي صار يوبخه ويهدده بالعصا.

في شجاعة قال الصبي: "إن كنت تضرب السياط فأنت لن تضرب إيماني العميق في داخلي". اغتاظ المدرس وأمر التلاميذ أن يعاقبوه، هؤلاء الذين نشأوا على حب سفك الدم في الاستعراضات التي تقام في المسارح العامة. انهالوا عليه بأقلامهم الحديدية التي تستخدم للنحت على ألواح الشمع، وصاروا يطعنوه حتى مات.

يُعيَد له في 25يناير.

Rev. Baring - Could: Lives of the Saints, 1872 June 25.

ارتيميوس

اختلفت الآراء في شخص ارتيميوس Artemius، فقد كان رجلاً تقيًا ومن الأشراف، خدم المملكة الرومانية بإخلاص ودراية في أيام قسطنطين وأولاده من بعده، وتقدم في الوظائف السامية حتى نال رتبة "أفغسطي" وهو لقب خاص بمن يتولى ولاية مصر.

يبدو أنه قد تأثر جدًا بالأريوسيين لذلك عندما اغتصب جورج الكبادوكي البطريركية بالإسكندرية وهرب القديس البابا أثناسيوس كان من واجب أرتيميوس أن يسعى وراءه ويبحث عنه في الأديرة والبراري بمصر، كما اضطهد الكنيسة الأرثوذكسية بمصر بعنف شديد.

يرى البعض أنه مما يغفر له ذلك هو أنه تولى يوليانوس الجاحد العرش وأخذ يضطهد كنيسة الله، وأثار اليهود على المسيحيين، وأراد أن يبعث الوثنية من جديد، كان أرتيميوس قد اعتزل وظيفته وأضحى شيخًا طاعنًا في السن، فذهب إلى الإمبراطور الفتى وصار ينصحه أن يكف عن تصرفاته هذه، فغضب عليه الإمبراطور وسلمه للجند يسخرون به ويذلونه، ويجلدونه. وأخيرًا أمر بضرب عنقه، وكان ذلك في إنطاكية عام 363 م.

Butler’s Lives of Saints, Oct; 20.

ارداليو الشهيد

St. Ardalio

استشهد أرداليو حوالي عام 300 م. وكان ممثلاً يستخدمه الوالي لتقليد المسيحيين كنوع من السخرية، وكان هذا الأمر شائعًا.

إذ قام بدور شهيد وكان المشاهدون يصفقون لإتقانه الدور الذي مثله كمسيحي أمام القاضي، صرخ بصوت عالِ: "ليعلم جميعكم إني لست أتكلم هزلاً"، فدهش الحاضرون لعمل نعمة الله الخفية فيه.

أُقتيد إلى القاضي حيث أمر بحرقه.

Rev. Baring – Could: Lives of Saints, April 14.

ارساكيوس المعترف

يروي لنا المؤرخ الكنسي سوزومين Sozomen، من رجال القرن الخامس (في بدايته) قصة المعترف أرساكيوسArsacius, Ursacius الذي يحتفل الغرب بعيده في 16 أغسطس، وقد تنيح عام 358 م.

نشأ أرساكيوس في بلاد فارس، وقد صار جنديًا مناطًا بتدريب أسود الإمبراطور، وفي أيام حكم ليسينيوس Licinius احتمل الآلام بفرح من أجل إيمانه بالسيد المسيح، وترك الجندية.

ذهب إلى نيقوميديا عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وعاش يمارس الحياة الرهبانية، بكل تقوى وحب. وهبه الله عمل المعجزات والأشفية وإخراج الشياطين، ذكر بعضها المؤرخ سوزومين نقلاً عن أناس موثوق بهم أخبروه بأنهم سمعوا ذلك عمن شاهد عيانًا القصص التالية:

1. في إحدى المرات أصيب إنسان بروح شرير، وكان ثائرًا للغاية، أمسك سيفًا وانطلق إلى سوق المدينة، فأحدث شغبًا، وكان الكل يهرب من أمامه. فانطلق إليه القديس وقابله، وإذ صلى خرج الروح الشرير، وألقى عنه السيف وصار هادئًا.

2. جاءه قوم كانوا مضطربين لأن بعض الزواحف القاتلة تهددهم، فذهب معهم إلى حيث توجد هذه الزواحف، وصلى فماتت وفرح الناس.

3. ظهرت له رؤيا سماوية تعلن له أن خرابًا شديدًا يحل بالمدينة فأسرع إلى الكنيسة والتقى بالكهنة يطلب إليهم بغيرة أن يصرخوا لله كي يرفع غضبه فصاروا يسخرون بكلماته. أخذ ينادي بالخروج من المدينة، فتطلع الغالبية إليه بهزء. وإذ خرج هو إلى خارجها حيث كان يقطن، انبطح على الأرض بدموع يصلي، سائلاً الله أن يأخذ نفسه ولا يرى بعينيه الهلاك المدمر، في الحال حدث زلزال قوي دمر المدينة واشتعلت النيران التي كانت في أفران الحمامات العامة وأفران بعض الصناعات لتحول المدينة إلى كتلة لهيب متقد... وكان الناس في ذعر شديد... والذين خلصوا هربوا مسرعين إلى حيث يسكن هذا التقي، فدخلوا مسكنه ليجدوه ساجدًا يصلي وقد أسلم الروح.

هذا التصرف الأخير... اشتياقه أن يموت ولا يرى ما يحل باخوته في المدينة بالرغم من شرهم واستهزائهم به وبتحذيراته إنما يكشف عن مشاعر المؤمن المرهفة وقلبه المحب الذي لا يحتمل أن يرى آلام الآخرين وضيقهم. هذا هو روح الرسول بولس، القائل: "من يضعف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا التهب". (2كو 11: 29).

Sozomen: Eccl. Hist. 4: 16

ارسانيوس القديس

تحتفل الكنيسة بعيد نياحته في 13 من شهر بشنس.

وُلد في روما حوالي عام 354، نال ثقافة عالية كما كان من الأشراف، قيل أنه سيم شماسًا. سلمه ثيؤدوسيوس الأول بالقسطنطينية أبنيه ليتتلمذا على يديه، وهما هونوريوس الذي صار إمبراطورًا للغرب وأركاديوس الذي صار إمبراطورًا للشرق بعد موت أبيهما.

كان الفيلسوف يسأل الله: "عرفني يارب كيف أخلص؟" فجاءه يومًا صوت يقول له: "يا أرساني اهرب من الناس وأنت تخلص". وبالفعل سافر إلى الإسكندرية ومنها إلى الإسقيط بوادي النطرون، حوالي عام 400 م رآه القديس مقاريوس محبًا للهدوء فأعطاه قلاية (حجرة لراهب) خارج الدير، ولم يبق القديس مقاريوس إلا أيام وتنيح. عاش كمتوحد يعشق الهدوء والسكون، يكرز بصمته ودموعه مع صلواته وتواضعه، وفي عام 434 إذ حدثت الغارة الثانية على الإسقيط انتقل إلى طرة ثم كانوبيس بجوار الإسكندرية وعاد إلى جبل طرة حيث تنيح حوالي عام 440 م.

سار أرسانيوس في حياة القداسة واشتهر بتواضعه، فكان يجلس عند قدمي أحد الرهبان الأميين يتتلمذ له، وقال: "إني درست اللاتينية واليونانية، أما ألفا فيتا التي يعرفها هذا المصري الأمي فلم أتقنها بعد".

إذ جلس يضفر الخوص (السعف) تنساب دموعه من عينيه حتى تساقط شعر جفونه من كثرة البكاء، وكان في الصيف يبلل السعف بدموعه، وكان يضع منشفة على حجره تتساقط عليها الدموع أثناء عمله.

يظهر مدى عشقه لحياة الوحدة في شيء من الحزم لما جاءه البابا ثاوفيلس ومعه حاكم، يسأله كلمة منفعة. إذ صمت قليلاً طلب منهما أن يعداه بممارسة ما يقوله لهما، ولما وعداه، قال لهما: "إن سمعتما عن أرساني في موضع ما فلا تذهبا إليه".

مرة أخرى أرسل إليه البابا يستأذنه بالحضور، فبعث إليه القديس أرسانيوس الرسالة التالية: "إن جئت فتحت لك، وإن لم أفتح للكل فلا أستطيع أن أعيش بعد هنا". لهذا لم يذهب البابا إليه حتى لا يقطع خلوته.

سأله الأب مرقس: "لماذا تهرب منا؟" أجاب: "الله يعلم إني أحبكم، ولكنني لا أستطيع أن أكون مع الله والناس (كمتوحد). ألوف وربوات السمائيين لهم إرادة واحدة وأما الناس فلهم ارادات كثيرة. لهذا لا أقدر أن أترك الله وأصير مع الناس".

قال للأب دانيال إنه يقضي الليل كله ساهرًا، وفي الصباح المبكر إذ تلزمه الطبيعة بالنوم، يقول للنوم: "تعال أيها العبد الشرير"، ثم يجلس ليختطف قليلاً من النوم ويستيقظ.

قيل أن أخًا غريبًا جاء إلى الكنيسة بالإسقيط وطلب أن يبصر القديس أرسانيوس، وقد رفض أن يأكل شيئًا حتى يراه. وإذ أرسل معه أب الرهبان أخًا التقيا مع القديس الذي بقى صامتًا حتى خجل الأخ الغريب واستأذن لينصرف، ثم عاد يطلب الالتقاء مع القديس أنبا موسى الذي كان قبلاً لصًا، فالتقى به بفرح وعزاه بكلمة الله ثم صرفه. قال له الأخ الذي رافقه: "ها قد أريتك الأجنبي والمصري، فمن من الاثنين أرضاك؟!" أجابه قائلاً: "المصري". وإذ سمع أحد الإخوة ذلك صلى إلى الله، قائلاً: "اكشف لي هذا الأمر يارب، فإن واحدًا هرب من الناس لأجل اسمك، والآخر يقبلهم بأذرع مفتوحة لأجل اسمك أيضًا." وإذ ألح في الصلاة رأى سفينتين عظيمتين في نهر، ورأى الأنبا أرسانيوس مع روح الله يبحر بواحدة في هدوء كامل، وفي الأخرى الأنبا موسى مع ملائكة الله يأكلون كعك عسل.

حقًا ما أحوجنا إلى أُناس كأرسانيوس يحملون الحياة الملتهبة المقدسة كسّر بركة للكنيسة، يخدمونها بصلواتهم المستمرة وفكرهم في الرب غير المنقطع. يتكلمون بالصمت ما هو أقوى من الكلام، كما نحتاج موسى العامل يبسط ذراعيه للنفوس المنهارة ليشددها بالرب ويضمها بالروح القدس لتأكل وتشبع من دسم بيت الرب!

حقًا لقد اتسم القديس أرسانيوس بالحزم الشديد في وحدته، حتى وبخ إحدى الشريفات القادمة من روما لتزوره، قائلاً: لها أنه ما كان يليق بها أن تجول البحر والبر لتراه، وإنما كان يلزمها أن تقتدي به إن أرادت، فبحضورها تحول البحر طريقًا للنساء يأتين لزيارته. بل وحينما سألته أن يذكرها في صلواته، أجابها أن يصلي لكي يمحو الله من قلبه خيالها واسمها وذكرها وفكرها، هذا كله مع ما فيه من قسوة ظاهرة أتعبت المرأة إلى حين إنما فعله لا عن كراهية ولا عن ضيق قلب وإنما ليغلق باب الزيارات عليه إذ كان معروفًا في روما، وخشي وأن تقتدي شريفات روما بها فتتحول حياته إلى مجاملات ومقابلات كثيرة يفقد خلالها هدوءه. لكن كما قال لها البابا ثاوفيلس إنه بلا شك سيصلي لأجلها، فهو صاحب قلب كبير متسع. هذا يمكننا أن نلمسه مما قاله عنه تلميذه دانيال أنه كان دائم البشاشة وسط دموعه. وكأن صمته ووحدته ونسكه لا يحمل كبتًا بل فرحًا، ولا يخفي فراغًا بل شبعًا… كان صاحب القلب الكبير المتسع حبًا لله والناس. هذا ما قد انعكس على وجهه وملامحه، فصارت صورته شهادة حق لعمل النعمة الخفية فيه أكثر من الكلام والعظات.

من كلماته المأثورة

تأمل يا أرساني فيما خرجت لأجله!

إن طلبنا الله يظهر ذاته لنا، وإن أمسكنا به يبقى ملاصقًا لنا.

كثيرًا ما تكلمت وندمت، أما عن السكوت فلم أندم قط.

ارسانيوس مملوك سوسنيوس

في عهد دقلديانوس إذ تعرض رجل غني "سوسنيوس" للعذابات، قيل للإمبراطور أن لهذا الرجل غلام مملوك لا يعبد الآلهة بل المسيح، فاستدعاه الإمبراطور وظن أنه يستطيع أن يؤثر على نفسية سوسنيوس بإلزام الغلام المملوك بإنكار الإيمان، لكن الأخير قبل الآلام بفرح فكان سبب تعزية لسيده واضطر الإمبراطور وقد شعر بالخزي أن يأمر بضرب عنق أرسانيوس، وكان ذلك في 18 من شهر برمودة.

ارسانيوس وأولوجيوس الشهيدان

تحتفل الكنيسة القبطية بعيد استشهادهما في 16 من شهر كيهك. وقد جاء في السنكسار القبطي، طبعة رينيه باسيه أن أولوجيوس وأرسانيوس كانا سريانيّ الجنسية، تركا بلادهما وجاءا إلى مصر كي لا ينكرا إيمانهما بالمسيح. وقفا للمحاكمة أمام الوالي (غالبًا والي أخميم) وقالا له أن هذه المرة هي المرة الثالثة يقفان فيها للمحاكمة من أجل السيد المسيح، وأنهما لن ينكراه. أمر الوالي أن تعلق الحجارة في عنقيهما، ويعلقان منكسين، ثم ربطوا حجارة في أرجلهما وألقوهما في النهر، وإذ بالحجارة تعوم ليجلس عليها الشهيدان ويعودا إلى البر. عندئذ أمر الوالي بقطع رأسيهما وهما معلقين من أقدامهما لينالا إكليل الاستشهاد.

يوجد ديرهما في أخميم يسمى "دير الحديد".

معجزاتهما

1. قيل أن راعي غنم جلس فوق تل بحري الدير على شاطئ النيل، وكان بغير حياء يزمر ويرقص، وإذ به يشعر كأن يدًا قد سحبته إلى النيل ليجد نفسه في مواجهة تمساح يفتح فاه ليبتلعه، فصرخ إلى الله طالبًا النجدة بشفاعة الشهيدين، وبالفعل اختفى التمساح، وأدرك أن ما حلّ به كان لاستهتاره وعدم توقيره للدير المقدس.

2. إذ كانت سيدة منطلقة إلى الدير اعترض طريقها رجل أراد اغتصابها، وللحال ظهر ذئبان وكادوا أن يفترساه. صرخ إلى الله طالبًا شفاعة القديسين، فأنقذه الرب، وانطلق الرجل إلى الكنيسة بالدير يعترف بخطاياه مقدمًا توبة صادقة لازمته كل حياته.

نبيل سليم: الشهيدان أنبا باخوم وأخته ضالشوم، 1967.

ارسانيوس وفيليمون الشهيدان

آمن القديسون أرسانيوس وفليمون والعذراء ليكية بالسيد المسيح على يديّ الرسول بولس حين كان في فريجية.

في عيد أطاميوس دخل هؤلاء إلى البربا ينظرون بمرارة إلى النفوس العابدة للوثن، فاستدعاهم الوالي ورجم أرسانيوس كما عذب فليمون حتى أسلما الروح.

تعيد لهما الكنيسة في 25 من أمشير.

ارستون الشهيد

في أيام دقلديانوس صدر الأمر باضطهاد المسيحيين. يروي لنا الكاهن يوليانوس كشاهد عيان للعذابات التي ذاقها أرستون وآمون ومارسيل وغيرهم من الشهداء بمدينة البهنسا (اكسيرهنخوس …Oxyrhynchos دعيت هكذا على اسم نوع من السمك النيلي الذي كان أهل هذه المدينة يتعبدون له).

استدعاهم والي المدينة ويدعى كلكيانوس إلى ساحة المحكمة، وفي ابتسامة تهكمية قال: "هاهم تابعوا البدعة المضللة، الرافضون لقوانين الإمبراطورية، والناقضون للعدالة، جاحدوا الديانة المقدسة التي لآلهتنا التي لا تموت!".

قابل المؤمنون هذا التهكم بهدوء شديد، وأجابوه بكل لياقة وأدب أنهم ليسوا أصحاب بدعة ولا هم بجاحدي العدالة، لكنهم لن يتركوا إلههم الذي يحبهم. عندئذ سألهم الوالي أن يتخلوا عن الكلمات الفلسفية برضائهم ويضحوا لإلهة الإمبراطورية حتى ينالوا كرامات ويحسبون له أصدقاء، فرفضوا تمامًا.

أمر الوالي بتكبيلهم بالقيود في أيديهم وأرجلهم، وأن يلقوا في السجن حتى يراجعوا أنفسهم قبل ممارسة العنف والوحشية ضدهم.

إذ اُستدعوا في اليوم التالي، حُملوا إلى ساحة الاستشهاد التي اكتظت بالجماهير الوثنية التي جاءت تتشفى برؤية المسيحيين تحت العذابات.

رفع الوالي يمينه ليُسكت الجماهير الصاخبة، ووجه حديثه إلى أحد المسيحيين المقدمين للاستشهاد، ليقول له: "انظر يا مارسيل كيف قادتك حماقتك لتنطلق عليك وعلى زملائك الوحوش المفترسة فتُطحنون بأنيابهم. اهتم بحياتك واترك خرافاتك وأطع أوامر الإمبراطور مضحيًا، وإلا فإني أُشهد الآلهة التي لا تموت عليكم أنه لن يبقى من أجسادكم شيء فسأحرق ما يتبقى منكم بعد إطلاق الوحوش عليكم".

لم يبال هذا الرجل وزملائه بشيء من هذه التهديدات، بل أعلنوا قبولهم كل ألم من أجل مسيحهم. عندئذ صار الوالي يستهزأ بهم كيف يعبدون المصلوب الذي حكم عليه بيلاطس وقضيته قائمة ومسجلة في القصر الروماني، وإذ بدأ الشهداء يتحدثون عن الفداء والصليب حاول أن يوقفهم عن الكلام.

أخيرًا إذ شعر الوالي أن كلامه لا يجدي أعطى الإشارة بفتح أبواب أقفاص الوحوش الجائعة، وبالفعل فُتحت لتنطلق أربعة من الدببة بسرعة رهيبة وتجري نحوهم في الساحة لترتمي عند أقدامهم وتلحسها، وكأنها تحولت عن طبعها الوحشي لتصير حملان وديعة.

دُهشت الجماهير للمنظر، واغتاظ الوالي وحسب ذلك سحرًا فائقًا. أمر بإعداد أتون ضخم، وإذ ارتفع اللهب جدًا ألقي الرجال في وسطه فكانوا فرحين متهللين يسبحون الله، وخرجوا منه أكثر تعزية. أما الوالي فلم ينظر إلى عناية الله ورعايته لهم إنما حسب ذلك سحرًا.

أمر بقتلهم وإلقاء جثثهم في النار، وقد جمع بعض المؤمنين ذخائرهم، استلمتها شماسة تقية تدعى "Yssicia إيسيكيا".

Cheneau: Les Saints D’ Egypt, t 2, v. 245 - 8.

ارستيديس المدافع المسيحي

ارستيديس Aristides من رجال القرن الثاني، فيلسوف مسيحي ومدافع من أثينا. قرر يوسابيوس أنه قدم دفاعه لهادريان، ولو أن البعض يرى أنه قدمه لأنطونيوس بيوس.

في دفاعه أوضح أن المسيحيين لهم إدراك لطبيعة الله بطريقة أكمل مما للبرابرة واليونان واليهود، وأنهم وحدهم يحبونه حسب وصاياه. دافع عن وجود الله وأبديته، كما شمل التماس وجهه إلى جميع الذين ليس لهم معرفة الله أن يقتربوا إلى الإيمان المسيحي ليكونوا مستعدين للظهور أمام قضاء الله.

F. L. Cross: The Early Christian Frs, London 1960, p 47.

ارسطو المدافع المسيحي

Areston of Pella

يبدو أنه أول مسيحي دافع عن المسيحية ضد اليهود كتابة، وقد جاء دفاعه (حوالي عام 140 م) في شكل حوار بين جاسون المسيحي من أصل يهودي وبابيسكوس Papiscus يهودي إسكندري، ولا نعرف إن كانت هاتان الشخصيتان حقيقيتين أو رمزيتين.

ارسطو بولس الرسول

هو أحد السبعين رسولاً الذين انتخبهم السيد المسيح وأرسلهم للكرازة قبل آلامه، وقد نال مع التلاميذ مواهب الروح المعزي وصحبهم وخدمهم ونادى معهم بالبشارة المحيية وردَّ كثيرين إلى طريق الخلاص، فآمنوا بالسيد المسيح فعمدهم وعلمهم الوصايا الإلهية.

وأقامه التلاميذ أسقفًا على أبريطانياس، فمضى إليها وبشر أهلها ووعظهم وعمدهم وصنع آيات كثيرة. وقد نالته إهانات عظيمة من اليهود واليونانيين وطردوه مرارًا عديدة، ورجموه بالحجارة.

وقد ذكره بولس الرسول في رسالته إلى رومية الإصحاح السادس عشر آية رقم 10. ولما أكمل سعيه تنيح بسلام.

السنكسار، 19 برمهات.

ارسطوس الرسول

كان هذا القديس من السبعين رسولاً، وقبل نعمة الروح المعزي مع الرسل في علية صهيون وتكلم معهم باللغات، وخدم وكرز وتألم معهم مرارًا كثيرة، ثم وضعوا عليه اليد ورسموه أسقفًا على أورشليم. وقد علم فيها وفي غيرها، وأجرى الله على يديه آيات كثيرة.

وجاهد مع بولس الرسول في سياحاته العديدة حيث كان خدمًا له، وهو الذي ورد ذكره في الإصحاح التاسع عشر من سفر أعمال الرسل. وبعد أن بلغ سن الشيخوخة تنيح بسلام.

السنكسار، 29 برمودة.

ارسفيوس وأركياس الشهيدان

استشهدوا مع عدد كبير من الشهداء في مدينة أسيوط حينما أُقتيد القديس أبسخيرون إلى أنصنا ليعذبه إريانا الوالي، لكنه إذ لم يكن هناك اُقتيد إلى أسيوط حيث كانا إريانا يعذب المسيحيين هناك.

كان مع إريانا والي أنصنا مكسيماس (والي أسيوط في الغالب)، وقد أمر الأخير بربط الأخين أرسيفيوس وأركياس إلى خلف وجلدهما بالسياط، ثم يمضوا بهما إلى الجهة البحرية من المدينة وتُدق لهما أوتاد في الأرض ويربطونهما فيها بقوة ويظلا معذبين حتى يطيعا ويبخرا للأوثان.

قبِل الأخان العذابات بفرح وتهليل ولم يسمعا لرسل الوالي، بل رفضا تقديم البخور. أمر الوالي أن يُحملا إلى مستوقد حمام، وقد قام الجنود لإحضار القديسين فوجدوهما قد أسلما الروح وسط الآلام، ونالا إكليل الاستشهاد.

كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك: سيرة القديس الشهيد أباسخيرون الجندي، 1977 م، ص 23 – 25.

ارشلاوس القديس

كتب لنا عنه القديس جيروم في كتابه "مشاهير الرجال".

أرشلاوس هو أسقفKashkar في بلاد ما بين النهرين، عُرف بقداسته وعلمه، له كتاب يحوي محاورة بينه وبين الهرطوقي ماني الذي من بلاد فارس، هذا الذي أقام بدعة "المانية"، سبق لنا الحديث عنها في مقدمة هذا الكتاب. وقد تُرجم هذا الكتاب إلى اليونانية، وكان مشهورًا جدًا في أيام القديس جيروم.

أما قصة هذا الكتاب فهو أن رجلاً سريانيًا مارس المسيحية عمليًا فعتق جميع العبيد المسيحيين، إذ شعر أن العبودية تتنافى مع الحياة الإيمانية، ولعل هذا التصرف كان شائعًا لدى كثير من السادة الذين يقبلون الإيمان المسيحي، إذ لا يحتملون مذلة أخ لهم في الإنسانية بعد تلامسهم مع محبة الله الفائقة التي ترفعهم إلى البنوة لله، فيقومون بتحرير عبيدهم، وإذ كان الكثيرون يريدون العمل لديهم يقبلونهم كعمال بروح الأخوة الإنسانية. هذا لم يحدث بأوامر وقوانين كنسية، وإنما كان يتم خلال عمل الروح القدس في حياة المؤمنين الحقيقيين.

إذ سمع ماني عن هذا الرجل السرياني مارسيليوس أرسل إليه يهنئه على تصرفه المملوء حبًا، وكان يقصد بذلك أن يستميله إلى هرطقته. ولكن مارسيليوس أرسل إلى أسقفه أرشلاوس يخبره بالأمر، وهنا تدخل الأسقف ليكشف أخطاء ماني، وتم حوار مكتوب بين الأسقف وماني.

يحتفل الغرب بعيد نياحة هذا الأسقف في 26 من شهر ديسمبر.

ارشليدس القديس

في روما

نشأ يوحنا وزوجته شندوانا أو أرسكلاديا Arsikladia في روما في حياة تقوية مقدسة، وقد طلبا من الله أن يهبهما طفلاً مباركًا، فأعطاهما أرشليدس الذي ربياه تربية مسيحية تقوية.

إذ بلغ أرشليدس السادسة من عمره توفي والده فاهتمت والدته به، واستدعت له معلمًا من روما يسمى ثاوفيلس يهتم بدراسة الكتاب المقدس والحكمة المسيحية. فنشأ الصبي تقيًا، ناجحًا في حياته، وإذ كبر دخل الجندية وصار ضابطًا مرموقًا.

أرادت الأم أن يستكمل الابن دراسته في أثينا ليعود فيتزوج، فوافق أرشليدس على السفر للدراسة وإن كان قد رفض فكرة الزواج.

انطلق إلى أثينا ومعه شابان ليخدماه، لكن السفينة توقفت في إحدى المواني ونزل أرشليدس وزميلاه إلى الشاطئ ليجدوا أمامهم جثة إنسان غريق قد قذفته الأمواج إلى البر، عندئذ صار أرشليدس يفكر في زوال هذه الحياة مقررًا أن يترك كل شيء ويترهب. وبالفعل قدم لكل شاب خمسين قطعة ذهبية وطلب منهما ألا يخبرا والدته بشيء، أما هو فعوض ذهابه إلى أثينا انطلق إلى فلسطين.

في فلسطين

في فلسطين ذهب إلى أحد الأديرة كانت تحت رعاية راهب يدعى "رومانُس" التقى أرشليدس بالرئيس الراهب وتحدث معه، فشعر الرئيس بنعمة الله العاملة في أرشليدس، فقبله بعد أن أظهر له صعوبة طريق الرهبنة، وقدم له قلاية منفردة.

إذ جاء وقت الطعام اعتذر أرشليدس إنه لم يعتد أن يأكل خبزًا قط، بل يكتفي بقليل من الحبوب والبقول، كما لاحظ عليه الرهبان نعمة الله حالة عليه، فأحبه الجميع، وكانوا يستشيرونه.

الأم الحائرة

انقطعت الأخبار عن الأم فقلقت واضطربت، وصارت تسأل عنه بدموع في أثينا فلم تستدل عليه.

أشار عليها البعض أن تفتح بيتها لإضافة الغرباء، لعلها تستطيع أن تستدل عليه من أحدهم، ولكن مرت الأيام ولم تعرف عنه شيئًا، ولم تستطع أن تتعزى، حاسبة نفسها أنها قد دفعته للموت بيديها إذ حثته على ترك الجندية والسفر إلى أثينا للمزيد من العلم.

في أحد الأيام إذ استضافت بعض التجار الغرباء من فلسطين، وقد رأوا إنسانًا يصرعه شيطانًا، صاروا يتحدثون فيما بينهم أنه يلزم إرساله إلى فلسطين في دير الأب رومانس ليصلي عليه الراهب أرشليدس فيشفى. وكانوا يتحدثون عن هذا الراهب وعمل الله معه، والأم تنصت حتى وإذ أدركت من حديثهم أنه ابنها سألتهم أن يخبروها عن طريقة لتذهب إليه فتشفى من علة في جسدها، أصابتها منذ اثنتي عشرة سنة، وقد فشل الأطباء في علاجها.

أجابها أحدهم أن الطريق شاق والمسافة طويلة، لكنها أصرت أن تعرف مكانه لتراه، فأجابها أنه لا يرى وجه امرأة إنما يكتفي بالصلاة على زيت يرسله للمريضة فتدهن به نفسها فتبرأ.

جمعت الأم كل أموالها وانطلقت بها إلى أسقف روما تقدمها له وهي تقول له أن الله سمع صلاتها وأرشدها إلى ابنها الذي صار راهبًا بفلسطين، وأنها قد عزمت على الذهاب إليه، وها هي تترك كل ممتلكاتها بين يدي الأسقف للتصرف فيها، والصلاة من أجلها.

لقاء مع الابن

سافرت الأم إلى فلسطين وعانت الكثير حتى بلغت دير الأب رومانُس، وقد نسيت كل تعب أمام بهجتها برؤية ابنها.

قرعت باب الدير وإذ التقت بالراهب المسئول عن الباب طلبت مقابلة الراهب أرشليدس، فاعتذر لها أنه لا يقابل امرأة قط.

توسلت إليه أن يذهب ويخبره هكذا: "هوذا أمك واقفة على الباب تريد أن تراك قبل موتها".

ذهب الراهب يخبر أرشليدس بالأمر فحارت نفسه فيه، ثم ركع يصلي طالبًا العون من الله إذ قد وعد الله ألا يرى وجه امرأة قط. ثم سأل الراهب أن يذهب إليها ليقول لها أنه لا يستطيع رؤيتها، وإن أرادت فلتترهب هي بأحد أديرة النساء. أجابته الأم "قل له: لقد عانت أمك من مشاق الطريق وما لاقته من أهوال البحر؛ كما أنها هي التي أنجبتك وتعبت في تربيتك ليلاً ونهارًا. ليتك تستجيب لتضرعي وتسمح لي بدقائق أقضيها معك، فأنت عزائي وسلوتي وقلبي".

أخبر الراهب الأب أرشليدس بكلمات أمه، فسأله أن يخبرها بأن الرب سيعوضها عن تعبها لكنه لن يحيد عن عهده مع الرب، وإذ لم تسترح الأم، أجابته أنه إن رفض مقابلتها فستذهب إلى البرية وتترك نفسها للوحوش ويُطلب دمها منه.

لم يحتمل الأب أرشليدس هذه الكلمات فطلب من الراهب أن يسمح لها بالدخول، وكانت عيناه تزرفان الدموع.

ركع أرشليدس ليصلي طالبًا من الله ألا يتخلى عنه، وأن يأخذ نفسه في يديه ليلتقي معه، وإذ دخلت الأم على ابنها وجدته قد فارق الحياة، فبكت بمرارة نادمة على إلحاحها في مقابلته وسألت الرب أن يأخذ نفسها مع ابنها، وبالفعل ركعت الأم بجوار جسد ابنها لتُسلم الروح.

اجتمع الرهبان حول الأب أرشليدس وأمه ليسمعوا من الراهب المسئول عن الباب ما قد جرى، وكانت دموعهم لا تتوقف من أجل هذا الأب العجيب في محبته لله. وإذ أرادوا دفن الجسدين اختلف الرهبان فيما بينهم إن كانوا يدفنونهما معًا أم لا. وإذ هم يتباحثون في الأمر سمعوا صوتًا يخرج من جسد القديس أرشليدس، يقول: "أسألكم يا أخوتي أن تجعلوا جسدي مع جسد أمي، لأني لم أسمح لها برؤيتي ونحن في الجسد، أما الآن وقد خرجت من هذا العالم فاتركوا الجسدين معًا".

تعيد الكنيسة بتذكار نياحتهما في 14 من شهر طوبة

O’ Leary: The Saints of Egypt, 1974, p 84.

أبناء أنبا شنودة رئيس المتوحدين: القديس أرشليدس الراهب (عن مخطوط بدير السيدة العذراء، البراموس).

ارشيلاوس

البابا الثامن عشر

وُلد أرشلاوس (أرشيلاوس أو أخيلاس Achillas (بالإسكندرية، وقد اتسم بالحياة التقوية المقدسة بجانب نبوغه وعلمه، فسامه البابا ثأونا قسًا وسلمه رئاسة مدرسة الإسكندرية.

تتلمذ القديس بطرس خاتم الشهداء في المدرسة أثناء مدة رئاسته لها، ولما سيم بابا الإسكندرية (17) أخذ أرشلاوس والكسندروس تلميذين له. وعندما أُلقي في السجن استدعاهما وأخبرهما بأن أرشلاوس القس يكون خلفًا له ومن بعد ألكسندروس، وحذرهما من المبتدع آريوس، إذ قال لهما أنه يمتنع عن قبوله ليس عن قسوة من جانبه، ولكن لأن آريوس منكر لاهوت المسيح مخادع، فقد ظهر له السيد المسيح في السجن مشقوق الثوب، ولما سأله عن سبب ذلك أجابه أن آريوس قد مزق ثوبه فلا يقبله.

لما جلس أرشلاوس على الكرسي بعد البابا بطرس توسل إليه آريوس ليعيده إلى شركة الكنيسة، وإذ تظاهر بالندامة على ما فرط منه نسى وصية سلفه وقبله في الشركة، بل وسامه قسًا، فكان آريوس نكبة على الكنيسة في العالم كله شرقًا وغربًا.

لم تدم رئاسته غير ستة شهور، إذ تنبح في 19 بؤونة حوالي سنة 311 م.

اركاديوس الشهيد

قصة استشهاده تمثل حياة المؤمن الذي يرى الضيق حالاً فيهرب، لا لكي يُحرم من حمل الصليب، وإنما كي لا يدخل بنفسه في التجربة، مادام لم يُدع للاستشهاد بإعلان واضح، وربما يخشى لئلا يضعف. لكن الله تمجد فيه بقوة فجعله مثالاً حيًا لاحتمال عذابات وحشية لا يمكن للطاقة البشرية أن تحتملها، معلنًا ما سبق فقيل للرسول بولس: "قوتي في الضعف تكمل".

استشهد هذا القديس في شمال أفريقيا حوالي عام 260 م.

إذ اشتد الاضطهاد في حكم جالينوس، في شمال أفريقيا، اختفى أركاديوس الذي كان قد جاء هاربًا من قيصرية خشية عدم الثبات أمام العذابات.

إذ لم ينظره الوالي يذبح للأوثان صار يبحث عنه فلم يجده، فأمسك الجند بأحد أقربائه كان بمفرده في بيت أركاديوس.

سمع أركاديوس عن قريبه المقبوض عليه فخرج من المخبأ وسلم نفسه حتى لا يتعرض قريبه للعذابات بسببه. وإذ أمره الوالي أن يبخر للأوثان رفض، فأصدر الوالي أمره أن يقطع أعضاء جسمه جزءًا فجزءًا، فصاروا يبترون "عقلة" فعقلة لأصابعه، ثم بتروا كفيه ثم قدميه. وإذ كان يصلي ممجدًا الله قطعوا لسانه، فتحول إلى بدن بلا قدمين ولا ذراعين، غائص في بركة من الدماء حتى أسلم الروح، فجاء بعض المؤمنين وجمعوا الأعضاء المبعثرة مع البدن وحملوها بوقار، ممجدين الله الذي يهب شهداءه قوة واحتمالاً كهذا.

Rev. Baring Gould: Lives of the Saints, Jan 12.

اركانيوس والي سمنود الشهيد

مع يوليوس الأقفهصي

إذ أعطى الله نعمة ليوليوس الأقفهصي أحد أثرياء الإسكندرية في عيني أرمانيوس والي الإسكندرية حتى يتمم رسالته ألا وهي الاهتمام بأجساد الشهداء وكتابة سيرهم، لم يحرمه الله من الدخول في طغمة هؤلاء الشهداء القديسين. فبعد موت دقلديانوس هدأت موجة الاضطهاد العام لكن لم يكن بعد قد صار قسطنطين مسيحيًا، فكان بعض الولاة يمارسون الاضطهاد بصفتهم الشخصية.

ظهر السيد المسيح للقديس يوليوس وأمره بالذهاب إلى أركانيوس والي سمنود ويعترف بالسيد المسيح. انطلق في الحال إليه وأعلن إيمانه، فصار الوالي يعذبه والرب ينقذه. أخيرًا جاء به إلى هيكل ضخم للأوثان يخدمه أربعون كاهنًا وصار يلاطفه ويسأله أن يقدم بخورًا. صلى القديس إلى الله بحرارة، فانشقت الأرض وابتلعت الأوثان بكهنتها. ارتعب الوالي جدًا، وسأل القديس عن إلهه فآمن هو وبعض أفراد حاشيته.

اشتهى والي سمنود أن يتمتع بإكليل الشهادة مع يوليوس، فذهب الاثنان إلى والي أتريب (خرائبها تسمى تل أتريب بجوار بنها)، واعترفا بالسيد المسيح، وتعرضا لعذابات كثيرة.

إذ كان الوثنيون يستعدون للاحتفال بعيد لأحد آلهتهم بهيكل أتريب، زينوه وأشعلوا المصابيح، وصار الكل في فرح. وإذا في منتصف الليل إذ كان القديسان يوليوس وأركانيوس يصليان أرسل الرب ملاكه لينزع رؤوس التماثيل ويحطم زينتها ويلطخها بالسواد، وفي الصباح جاء الوثنيون بثيابهم المزركشة للعيد فرأوا هذا المنظر. إذ شاهد والي أتريب ذلك آمن بالسيد المسيح، وانطلق مع القديسين إلى طوة (بمركز ببا محافظة بني سويف) حيث التقوا بالوالي الكسندروس ليكرزوا له فرفض، وأراد إرسالهم إلى الإسكندرية لمحاكمتهم هناك حتى لا يحدث شغب وسط الشعب بسبب مكانتهم، لكنهم طلبوا منه أن يحاكمهم، وبالفعل استشهد الثلاثة وأيضا معهم كثيرون، وكان ذلك في 22 من توت.

ارمانيوس الأب

لا نعرف عنه شيئًا إلا ما ورد عنه في بستان الرهبان بخصوص نصيحته للإخوة عن الحياة المملوءة سلامًا بينهم. لقد سألوه: كيف يليق بنا أن نتدبر حياتنا؟

أجابهم الشيخ: "لا أتذكر إني سألت إنسانًا في وقت من الأوقات أن يعمل شيئًا ما لم أسبق واضع في ذهني أنني لا أغضب إن خالفني الأمر ولم يعمل بما قلته له. وهكذا عشنا عمرنا كله بسكون وسلام".

ارميا الراهب بالمنوفية

نُفي أناستاسيوس قبل توليه الملك إلى مصر، وكان مقيمًا في مركز منوف حيث كان له أصدقاء كثيرون. وحدث أن أحد الأعيان أشار إليه بزيارة راهب تقي يدعى إرميا يقيم في أحد البلاد بالقرب من منوف ليدعو له بالخير. فزاره ومعه صحبة من أصدقائه، وإذ طلب الكل من الراهب أن يباركهم بارك كل واحد ببركة خاصة ماعدا أناستاسيوس، فحزن الرجل جدًا وقال لأصدقائه لعل الرجل قد عرف خفاياي السيئة فلم يباركني، وعبثًا حاول أصدقائه إراحته، فذهبوا إلى الراهب إرميا يخبرونه بالأمر. استدعى الراهب إرميا أناستاسيوس، وقال له أمام ثلاثة من أصدقائه بأنه رأى يد الله مرفوعة فوق رأسه فلم ير ما يجعله يباركه بعد الله، ثم أوصاه قائلاً: "الله الذي عينك لمنصب الملك يطلب منك أن تعيش صالحًا بعيدًا عن الأفعال الرديئة، ولا توافق على أنصار مجمع خلقيدونية..."

تمت نبوة الراهب وجلس أناستاسيوس إمبراطورًا عام 491 م، وقد أحسن معاملة كنيسة مصر، وكانت أيامه سلامًا، إذ استراحت كل الكراسي بلا نزاع، غير أن بعض أتباع كرسي روما كانوا غير مستريحين لذلك، وقد قام رجل يدعى وبطاليانوس يدّعي الغيرة على قرارات مجمع خلقيدونية وجمع حوله كثيرين وحاول اغتصاب العرش من أناستاسيوس لكنه انهزم.

القس منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، طبعة 1983 م، ص 276، 277.

ارميا الشهيد

قدم لنا يوسابيوس المؤرخ قصة خمسة شهداء مصريين بذلوا حياتهم في قيصرية فلسطين من أجل المسيح، في كتابه "تاريخ الكنيسة"، فصل "شهداء فلسطين!!".

في عام 309 م إذ استمر الإمبراطور غاليريوس مكسيميان ومكسيموس في الاضطهاد الذي أشعله دقلديانوس، انطلق خمسة رجال مصريين لافتقاد المعترفين الذين في مناجم سيلسيا Cilicia. أوقفهم حراس أبواب قيصرية فلسطين، وإذ سُئلوا أجابهم أنهم مسيحيون وأعلنوا غاية رحلتهم، فأُلقي القبض عليهم، وقُدموا مع القديس بمفيليوس وغيره أمام الوالي فرمليان Firmilian.

اختبر القاضي في بداية الأمر ثبات هؤلاء المصريين الذي لم يلن، وذلك بكل أنواع التعذيب، وباختراع آلات غريبة متنوعة.

سُئل زعيمهم عن اسمه فأجاب باسم نبي "إيليا" لأنه جرت العادة تلقيب أنفسهم بأسماء أخرى بدل الأسماء الوثنية التي أطلقها عليهم آباؤهم. لقد قال بأن أسماء الخمسة هم إيليا وإرميا وإشعياء وصموئيل ودانيال... كأسماء استعارية، مظهرين بهذا أنهم إسرائيليون (شعب الله الجديد) لا غش فيهم، لا بأعمالهم فحسب وإنما حتى أيضًا بأسمائهم.

لنفس السبب لما سُئلوا عن وطنهم، فمع كونهم مصريين قالوا أنهم من أورشليم... هذه هي عادة أغلب الشهداء، يعنون بهذا أنهم حملوا سمة أورشليم، كقول الرسول: "وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعًا فهي حرة" (غل 4: 26).

لجأ القاضي إلى تعذيبهم بكل وسيلة دون أن يزحزحهم عن إيمانهم قيد أنملة، وأخيرًا سلمهم للاستشهاد.

ارنُبيوس

أحد المدافعين عن الإيمان المسيحي ضد الوثنية هو أرنوبيوس Arnobius of Sicca.

وُلد من أبوين وثنيين وتربى بفكر وثني، اشتهر بتعليم البيان في مدينة سيكة Sicca بأفريقيا، وكان مناضلاً ضد المسيحية. لكنه إذ كان جادًا في معرفة الحق سحبه روح الله من المقاومة إلى عشق الإيمان المسيحي، ودفاعه عنه حتى تنيح عام 330 م.

جاء في كتابات القديس جيروم أن الأسقف الذي قبل أرنوبيوس وعمده تشكك في أمر إيمانه عندما طلب الانضمام للكنيسة، فسأله كموعوظ أن يثبت صدق إيمانه، فكتب أرنوبيوس دفاعًا عن المسيحية في سبعة أجزاء هي "Adversus Nationes"، ترجمته الحرفية "ضد الأمميين"، وقد جاء في جوهره هجومًا ضد الوثنية أكثر منه دفاعًا عن المسيحية.

من أهم تلاميذه لكتنتيوس Lucius Lactantius الذي عرف بفصاحته في اللاتينية حتى دعي شيشرون النصارى.

ابا آري الشطانوفي الشهيد

كان أبا آري Ariكاهنًا بقرية شطانوف التابعة لبشاتيPchati، بشاتي بالقبطية هي "نيقيوس" مكانها حاليًا زاوية رزين مركز منوف، كانت أسقفية قديمة جدًا.

اتسم هذا الأب بحياة تقوية مقدسة، وحب شديد لرعية المسيح الذي وهبه عطية شفاء المرضى وإخراج الشياطين، بل وكان يرى ملاك الرب عن يمين المذبح أثناء ممارسته سر الأفخارستيا (القداس الإلهي).

مواجهته الأضطهاد

في عهد دقلديانوس أرسل حاكم بشاتي إلى أبا آري جماعة من الجند يأتون به إليه، وإذ عاد وجد الحاكم جالسًا في منصة القضاء يحاور المسيحيين.

دهش الوالي عند رؤيته للكاهن إذ شعر بمهابته، فسأله أن يذبح للآلهة فيهبه كرامات كثيرة وعظيمة. أما القديس فأخذ يستخف بهذه الوعود معلنًا إيمانه بالسيد المسيح.

تعرض القديس للجلد بعنف وقسوة، فظهر له المخلص يعزيه قائلاً له: "تشجع يا مختاري أبا آري، تشجع في الجهاد الحسن، فإن ميراثًا عظيمًا محفوظ لك في السماوات مع كل القديسين من أجل أتعاب شهادتك والآلام التي سوف تتحملها من أجل اسمي"، ثم لمس السيد المسيح جسمه فشفاه.

رأى الكثيرون هذا المنظر وسمعوا الحديث الإلهي فهتفوا معلنين إيمانهم، فاغتاظ الحاكم وأمر بسجنه. وفي اليوم التالي إذ اُستدعي وُجد في السجن يرتل ويسبح الله. أمر الحكم بطرحه في مرجل به زيت وأشعلوا النار تحته، لكن الله أرسل رئيس الملائكة ميخائيل وخلصه.

في الإسكندرية

بعثه الحاكم إلى أرمانيوس والي الإسكندرية حتى يبعده عن شعبه ولا يستميل الكثير من أهل المنطقة للإيمان، وقد تعرض هناك لعذابات كثيرة.

إذ رأى السجان نعمة الله عاملة في هذا الكاهن جاء إليه بابنه الأعمى وسأله أن يصلي من أجله ويضع يديه على رأسه، وبالفعل انفتحت عينا الابن.

سمع أرمانيوس بما حدث، وكيف جذب كثير من الوثنيين إلى الإيمان وهو في السجن، فاستدعاه وصار يعذبه حتى ألقاه في أتون نار متقد والرب أنقذه.

صغر الوالي في عيني نفسه جدًا، وأمر بقطع رأس القديس آري. عندئذ رفع الأب القديس ذراعيه وصلى وسجد ثلاث مرات وسلم عنقه للسياف، وكان ذلك في منطقة تتيادورون Tatiadoron جنوب المدينة.

بعد استشهاده حمله يوليوس في أكفان جديدة إلى شطانوف كطلب الشهيد نفسه حيث استقبله شعبه بالتسابيح.

تعيد له الكنيسة في التاسع من شهر مسرى.

اريانا والي أنصنا

التصق اسم إريانا Arianus بدقلديانوس، فكان الأخير قد عُرف بشراسته في اضطهاد المسيحيين، فإن والي أنصنا بصعيد مصر (بجوار ملوي) في عصر دقلديانوس، قد عُرف بتفننه في تعذيب المسيحيين لا على مستوى صعيد مصر وإنما امتدت شهرته إلى خارج مصر، فكان الولاة يرسلون إليه من يرغبون في تعذيبه.

ذكر اسم إريانا كوالي قاسي في سير كثير من الشهداء، ولا نعرف ما كان يختلج نفسه أمام هؤلاء الجبابرة الذين كان أغلبهم يقابل الموت بتهليل وفرح.

لكن ما لا نستطيع إنكاره أنه قد صغر جدًا في عيني نفسه وأدرك قوة الشهداء لذلك اجتذبته نعمة الله لا للإيمان فحسب وإنما للاستشهاد أيضًا.

في إحدى المرات إذ كان يستعذب عمليات التعذيب صوب سهمه ضد فليمون زمار أنصنا الشهير الذي قبل الإيمان المسيحي وتحول عن وثنيته إلى الشهادة للحق. فارتد السهم على إريانا فأصاب عينه، فكان يصرخ مجدفًا على الله. في هدوء سأله فليمون أن يذهب إلى قبره بعد استشهاده ويضع من التراب على عينيه ويدلكها به باسم السيد المسيح. وبالفعل إذ قطع إريانا رأس فليمون اشتد به الألم جدًا، فتسلل في الفجر إلى المقبرة وتمم ما قاله له فليمون فانفتحت عينه.

دخل إريانا مدينة أنصنا، وبجرأة فتح السجون لينطلق المعترفون منها وكان يشهد لمسيحهم... وكان الإمبراطور في ذلك الوقت يزور الإسكندرية، فسمع بما فعله إريانا ولم يصدق الخبر، فأرسل أربعة رجال من الحرس يتحققون الخبر ويأتون به إليه.

دفع إريانا للحرس ذهبًا ليسمحوا له بزيارة مقبرة القديسين فليمون وأبولينوس، وهناك سمع صوتًا يصدر عن رفاتهما يشجعه على الاستشهاد، فانطلق مع الحرس مملوءًا بنشوة الفرح السماوي.

التقى بالإمبراطور دقلديانوس، وأعلن أمامه رفضه للعبادة للإله أبولو، فما كان من دقلديانوس إلا أن أصدر أمره بحفر بئر يلقونه فيها ويردمون عليه، وكان الجند يرقصون حول البئر، قائلين: لنر إن كان مسيحه يأتي ويخلصه!.

لم يصدق دقلديانوس ما يجري حوله، كيف يتحول إريانا إلى الإيمان المسيحي؛ وفيما هو مرتبك نفسانيًا إذا به يرى إريانا أمامه في حجرة نومه فخاف جدًا، إذ ظنه جاء ينتقم منه. وإذ وجده هادئًا سلمه للجند الذين لما رأوه وأمسكوا به وتحققوا من شخصه بعد الردم عليه آمنوا بمسيحه، خاصة أنهم رأوا إريانا يتعجل الإمبراطور أن يسرع ويقتله لكي ينطلق إلى السماء.

طُرح إريانا والجند الحراس الأربعة في البحر عند طرف جزيرة لوقيوس، لكن أجسادهم طفت عند شاطئ إيلوزيس، حيث حملها بعض خدام إريانا واهتموا بدفنها، وكان ذلك حوالي عام 305 م، وقد ظهرت منها آيات كثيرة.

تحتفل الكنيسة بعيد استشهاده في الثامن من برمهات.

الشماس يوسف حبيب: الشهيدان فليمون الزمار وأريانا الوالي.

O’ Leary: The Saints of Egypt, 1974، p 86.

اسبانيوس

كما عالجت سير الآباء "حياة الشركة مع الله في المسيح يسوع"، إذ تلهب القلب نحوها، وتطلق النفس بالروح القدس نحو الحياة السماوية الملائكية، هكذا سير الساقطين تحذرنا من حروب الشياطين وخداعاتهم، ومن السلوك بلا حكمة.

جاء عن أسبانيوس هذا الذي من مدينة الرُها بسوريا أنه كان غيورًا وملتهبًا محبًا للتسابيح والترانيم، يضعها ويلحنها لكن بروح العجرفة والكبرياء.

سلك بروح الافتخار فكان يعمل بلا توقف طالبًا مديح الناس، لذا تأهل لخداع العدو الذي أخرجه من قلايته وأوقفه على جبل الستوريون، وأراه مركبات روحية تبدو منطلقة نحو السماء، وسمع صوتًا يقول له: "الله يستدعيك كما استدعى إيليا"، فصدق الرؤيا وانطلق إلى المركبة لترتفع به ثم تتلاشى خيالاتها، فيسقط من علو شاهق ويتحطم تمامًا، فصار عبرة لكل من يسلك بغير مشورة، وبلا تمييز، طالبًا مجد ذاته الأرضي.

اسبريدون الأب

أنظر سبيريديون الأسقف القديس تحت حرف "س".

استيريوس أسقف أماسيا

أحد الآباء الكبادوك هو أستيريوس أسقف أماسيا ببنطسAusterivs of Amasea. كان معاصرًا لأمفيليخوس أسقف أيقونية والثلاثة آباء العظام الكبادوك أي القديسين باسيليوس الكبير وإغريغوريوس النزينزي وإغريغوريوس أسقف نيصص.

لا نعرف عن حياته الكثير، إنما كما يخبرنا هو أنه تعلم على يديّ رجل سكيثي أو غوصي قدير. عمل كخطيب ومحام في الفترة ما بين سنتي 380، 390 م قبل نواله الأسقفية.

من جهة كتاباته فإن بعض العظات التي لأستيروس السوفطائي الأريوسي نسبت له خطأ، أما هو فله 16 عظة. العظة 11 التي ألقاها في أول يناير سنة 400 "عن استشهاد القديسة أوفيمية" لها أهميتها الخاصة في تاريخ الفن، فيها يصف تصوير استشهاد هذه القديسة ويقارنه بأعمال أوفرانور وتيموماخوس.

في عظاته يحدثنا عن تكريم القديسين ورفاتهم والحذر من المبالغة والسقوط في العبادة، فمن كلماته: "نحن نحفظ أجسادهم في أكفان لائقة كعربون ثمين، كأوانِ للبركة، وكأعضاء لنفوسهم الطوباوية، وكتابوت لأذهانهم المقدسة. إننا نضع في أنفسنا تحت حمايتهم (في الرب). الشهداء يدافعون عن الكنيسة كجنود يحفظون القلعة".، "إننا لا نعبد الشهداء بأية وسيلة إنما نكرمهم بكونهم عبدة الله الحقيقيين".

Quasten: Patrology, vol 3, p 300, 301.

استيريوس السوفسطائي

Asterius the Sophist

دُعيّ بالسوفسطائي بسبب مهنته قبل قبول الإيمان المسيحي، إذ كان خطيبًا وفيلسوفًا. تتلمذ على يدي لوقيان الإنطاكي، وفي اضطهاد مكسيمانوس استشهد المعلم بينما أنكر أستيروس الإيمان، لذا دعاه البابا أثناسيوس "مقدم الذبيحة (الوثنية)". حضر مجمع إنطاكية عام 341 م، وكان مدافعًا عن أريوس. ولعله يعتبر أول كاتب أو لاهوتي أريوسي. كتاباته تكشف عن منهج المدرسة الأريوسية وفكرها واهتماماتها بطريقة مخادعة وحذرة.

أشهر كتاباته، مقاله الصغير "Syntagmation" المفقود، ولم يبقى منه إلا ما اقتبسه البابا أثناسيوس ومارسيليوس أسقف أنقرا. له أيضًا عمل مفقود هو "تفنيد ما قاله مارسيليوس" كما له تعليقات وعظات على الرسالة إلى أهل رومية، وعلى الأناجيل، والمزامير "... مات بعد سنة 341 م.

Quasten: Patrology; vol 3, p 194 –7

استيريوس الشهيد

استشهد الإخوة الثلاثة: أقلاديوسClaudius واستيريوس ونيونNeon على يدي والي سيليسيا Cilicia، يسمى ليسياس Lysias، عرف بعنفه الشديد وكراهيته للمسيحيين، على يديه استشهد مع هؤلاء الإخوة امرأتان هما دومنينا وثيؤنيلا وابن الأخيرة كان طفلاً. على يديه أيضًا استشهد القديسان قزمان ودميان. هؤلاء الإخوة الثلاثة كانوا من Aegea، سلمتهم امرأة أبيهم للسلطات بالإبلاغ عنهم كمسيحيين لكي ترث ممتلكاتهم.

استدعى ليسياس الأخ أقلاديوس، ودخل معه في الحوار التالي: - حسنًا، ما اسمك؟ - أقلاديوس.

- لا تكن معتوهًا وتفقد حياتك في شبابك. ضحِ للآلهة واهرب من العذابات التي أُعدت لكم إن رفضت. - إلهي لا يطلب مثل هذه الذبائح. إنه بالأحرى يسرّ بالصدقة وقداسة الحياة. ألهتكم أرواح شريرة، تُسر بمثل هذه التقدمات بينما تُعد العقوبات الأبدية لمن يمارسها. - ليُربط ويُضرب، فإنه لا توجد وسيلة غير هذه لرده إلى صوابه. - وإن صببت أقسى العذابات العنيفة عليّ فلن تحركني أو تؤذيني. - بأمر الأباطرة أن يقدم المسيحيون ذبائح الآلهة، ومن يرفض يعاقب، ومن يطيع يكافأ. - مكافأتهم وقتية زائلة، أما الاعتراف بيسوع المسيح فيهب مجدًا أبديًا. عندئذ أمر الوالي بتعذيبه، فقال له الشهيد: "لا تستطيع نيرانك أو غيرها أن تجرح خائفي الله، إنما تهبهم الحياة الأبدية". عندئذ أمر الوالي بتشديد العقوبة، أما أقلاديوس فقال: "إني أحسبه أمرًا نافعًا أن أتألم من أجل الله، وفرحًا عظيمًا أن أموت من أجل يسوع المسيح". أمر ليسياس بإلقائه في الحبس وتقديم آخر، فجاءوا إليه بأوستريوس، تم الحوار التالي: - اقبل نصيحتي وضح للآلهة، ها أنت ترى أمام عينيك ما قد أُعد للعاصين. - يوجد إله واحد، يسكن في السماء، وبقوته العظيمة يتطلع إلى أصغر الأمور. لقد علمني والداي أن أحبه وأعبده، لكنني لست أعرف هذه التي تدعوها آلهة وتتعبد أنت لها. - مزقوا جنبيه بالخطافات الحديدية، ألزموه بالتضحية للآلهة. - أني أخ ذاك الذي كنت تستجوبه حالاً، وقد اتفقنا أن نقدم اعترافًا واحدًا. جسدي في سلطانك، أما نفسي فلن تبلغها. - احضروا الكلبتين والعجلات، اربطوا قدميه وعذبوه لكي يعرف أني أستطيع أن أعذبه... ضعوا فحمًا متقدًا تحت قدميه، واجلدوه على ظهره وبطنه... أخيرًا ألقاه في السجن وأحضر الأخ الأصغر نيون الذي دعاه "ابنًا" وكان يتحدث معه بلطف، وإذ أظهر ثباتًا، عذبه بالدولاب الحديدي ليمزق جسده، ووضع فحم متقد عليه، وجلده على ظهره. وإذ فشل الحاكم أمر بصلب الإخوة الثلاثة خارج المدينة، وترك أجسادهم مأكلاً لطيور الهواء.

Butler’s Lives of Saints, Aug. 23.

استيريوس القديس

إذ عرض لنا يوسابيوس القيصري استشهاد مارينوس، القائد بالجيش في قيصرية فلسطين على يدي القاضي أخايوس، كان أستيروس حاضرًا المحاكمة، وقد أظهر غيرة عجيبة، إذ يقول:

"أحتفظ بذكرى أستيريوس Asterius بسبب جرأته النادرة في هذه الناحية. وكان رومانيًا له كرسي في مجلس الأعيان، محبوبًا من الأباطرة، ومعروفًا لدى الجميع بسبب شرفه وغناه. إذ كان حاضرًا موت الشهيد المذكور حمل جسده على كتفه وكفنه بثوب بهي غالي الثمن ودفنه بطريقة لائقة. ويروي أصدقاء هذا الرجل، الذين لا يزالوا أحياء حقائق أخرى كثيرة عنه" تاريخ الكنيسة ليوسابيوس (7: 16).

للأسف لم يسجل لنا يوسابيوس شيئًا عما سمعه عن هذا الرجل المؤمن الشهم الذي لم يبال بمركزه كعضو في مجلس السيناتورز ولا بصداقته للأباطرة، حاملاً على كتفيه جثة من استشهد بقانون روماني!

يذكره اللاتين في 3 مارس مع الشهيد مارينوس Marinus، بينما يذكره اليونان في 7 أغسطس كشهيد، إذ قيل: "تقبل أستيروس مكافأة من تكريمه للشهيد إذ صار نفسه شهيدًا".

يرى البعض أنه لم يصر شهيدًا بسفك دمه، وإنما بالاعتراف والشهادة للسيد المسيح حين حمل جسد الشهيد وسط الساحة بإكرام جزيل وسط جو يعرضه للاستشهاد!

Rev. Baring – Gould: Lives of Saints ; Mar 3.

استيروس الكاهن

قيل أنه كان كاهنًا بروما، استشهد على يد الكسندر الوالي، إذ قبض عليه وألقاه من الكوبري في مياه التيجر، حوالي 222 م.

كرم هذا القديس في القرن الرابع أو الخامس، واكتشف جسده في أوستيا Ostia حيث دفن هناك.

Rev. Baring – Gould: Lives of the Saints, Oct. 21

اسحق

البابا الحادي والأربعون

نشأته

ولد إسحق (إيساك) بضاحية رمل الإسكندرية، وإن كان البعض يرجح أنه يقصد بالرمل "رملة بنها" بجوار بنها. وكان والده غنيًا ذا جاه. في يوم نواله سرّ العماد شاهد الأب الأسقف عند تغطيسه صليبًا من نور فوق رأسه، فأدرك أنه ذو شأن عظيم، لذا قال لوالديه: "ابذلا كل عناية في تربية هذا الطفل فإنه إناء مختار لرب المجد".

إذ بلغ الطفل التاسعة من عمره أرسله والداه إلى المدرسة، فأظهر نبوغًا خاصة في الخط (النسخ) والكتابة. لذا استقر رأي والديه بعد ذلك على تسليمه في يدي قريب لهم يدعى مينيسون يعمل كاتبًا في دار الولاية.

حدث أن الوالي طلب إليه دفعة أن يكتب له رسالة معينة فكتبها بسرعة وبأسلوب رائع وخط جميل فأعجب به جدًا، فتدرج به حتى صار رئيسًا لكتبة الديوان. وقد اتسم بجانب أمانته بحبه للغير واتضاعه فصار موضع حب للجميع.

رهبنته

إذ شعر والداه أنه يميل إلى الحياة الهادئة التأملية أدركا أنه لابد أن يسلك طريق الرهبنة، فحاولا الضغط عليه ليزوجاه فكان يرفض، مقدمًا كل اهتمامه بالعمل الموكل إليه، مؤكدًا لهم أنه يشتاق لحياة البتولية.

فجأة اختفى الشاب إيساك عام 654 م فأدرك والداه أنه قد هرب إلى أحد الأديرة، فصارا يبحثان عنه ولم يجداه، إذ كان قد انطلق إلى برية شيهيت، والتقى هناك بشيخ وقور يدعى زكريا قمص الدير، صار فيما بعد أسقفًا على سايس (جنوبي الإسكندرية حوالي 130 ك على فرع رشيد)، الذي إذ سمع له أحبه ونصحه - أنه لكي يحقق أمنيته دون ضغط والديه - بأن يذهب إلى جبل "ياماهو" بالصعيد الأقصى، باعثًا إياه مع راهب شيخ تقي يدعى أبرآم، رافقه الطريق، وبقى معه 6 شهور.

لم يستطع إيساك أن يستريح، وقد شعر أن والديه لابد وأن يكونا في حزن شديد ومرارة نفس لذا أقنع الراهب الشيخ أبرآم أن يرجع من الصعيد للتصرف بخصوص والديه. وبالفعل عاد الاثنان إلى منطقة قريبة من الرمل حيث قصدا راهبًا ناسكًا كان يعيش هناك يعرف والدي إيساك. استدعى الناسك شماسًا يدعى فيلوثيؤس، قابل الراهب إيساك بشوق شديد ومحبة، وتعرف على أخبار رهبنته. سأله إيساك أن يذهب إلى والديه ويخبرهما بأمره، وأن يأخذ منهما وعدًا أن يتركاه يسلك حسب الدعوة التي وُجهت إليه، فإن وافقا يحضرهما معه. وبالفعل قام الشماس بهذا الدور، فرح الوالدان جدًا، وجاءا معه يلتقيان بابنهما أيامًا قليلة يودعانه برضى.

عاد إيساك إلى برية شيهيت ليتتلمذ على يدي الأب الشيخ زكريا، وقد تدرب على المحبة الصادقة لله والناس، ولا يكف عن خدمة الرهبان بروح الاتضاع والتقوى فأحبه الجميع، كما كان بمحبته يجتذب الكثير من الزائرين للسيد المسيح.

جاء عنه أنه إذ خرج مع بعض النساك يجمع حطبًا، إذ بثعبان وسط الحشائش ينقضّ عليه ويلدغ بذراعه، أما هو فبهدوء شديد نفضه، ورشم ذراعه بعلامة الصليب، وحمل ما جمعه ليسير إلى الدير، كأن لا شيء قد حدث، فمجّد الرهبان الله على تحقيق مواعيده لقديسيه (مز 91: 13، لو 10: 19).

سكرتاريته للبابا يؤانس (يوحنا) الثالث

إذ كان البابا يؤانس الثالث يطلب من الله أن يرشده إلى راهب تقي يسنده كسكرتير له يمكن أن يخلفه أرشده روح الرب إلى هذا الناسك التقي المتبحر في دراسة الكتاب المقدس والمحب للخدمة. وقد أحبه البابا جدًا، وإن كان قد تظاهر إيساك في البداية بالعجز لكي يعفيه البابا من هذا المنصب. أخيرًا قبل أن يبقى مع البابا بعد أن وعده البابا أن يكون بقاؤه بهذا العمل مؤقتًا، ويسمح له بالعودة إلى الدير.

رجوعه إلى الدير

إذ سيم القديس زكريا في تلك الفترة أسقفًا على سايس، فظل يخدم شعبه وهو شيخ متقدم في الأيام، لكنه بسبب المرض اضطر أن يعود إلى دير القديس مقاريوس فلحقه إيساك الذي كان يحب معلمه للغاية، وكان يخدمه، حتى إذ دنت اللحظات الأخيرة تطلع الأنبا زكريا إلى تلميذه إيساك، وقال له: "يا بني، إذا ما نلت الكرامة فاذكر إخوتك الرهبان"... وإذ رقد الأنبا زكريا، قرر الرهبان إقامة إيساك رئيسًا على الدير. لكنه لم يبق سوى بضعة شهور حيث استدعاه البابا إذ أحس أن أيام غربته قد أوشكت على الانتهاء. وقد استبقاه إلى جواره وعهد إليه بإدارة الشئون الكنسية.

كان البابا في محبته لإيساك يأخذه معه كلما دعاه الأمير عبد العزيز بن مروان الذي كان يحب البابا يؤانس الثالث جدًا ويجله.

سيامته بطريركيًا

أوصى البابا يوحنا وهو على فراش الموت بإسحق تلميذه ليكون بابا وبطريركًا، وكان الأب إسحق يميل إلى الهروب من الأسقفية.

استطاع قس يدعى "جرجس" متزوج وله أخطاء، أن يستميل قلوب بعض الأراخنة مع بعض الأساقفة لسيامته بطريركًا، وكان متعجلاً يود أن يتحقق ذلك قبل يوم الأحد، حتى لا يعارضه بقية الأساقفة.

اجتمع الأساقفة في بابليون مع شعب كثير في كنيسة القديس سرجيوس بمصر القديمة (أبو سرجة)، ودخل القديس فجأة، فانكسر "قنديل" بالكنيسة وأغرقه زيتًا، فصرخ الشعب: "أكسيوس، أكسيوس، أكسيوس (مستحق)... مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك"... وانتخبوه بطريركًا، كانت هذه هي المرة الأولى لانتخاب بطريركًا في هذه الكنيسة، وبقى انتخاب البطاركة في بابليون حتى القرن الحادي عشر على أن تتم السيامة في كنيسة الإنجيليين بالإسكندرية.

بابا الإسكندرية

عُرف بدموعه التي لا تجف أثناء خدمة الإفخارستيا (القداس الإلهي)، كما ردّ كثير من الهراطقة إلى الإيمان.

اهتم أيضًا بعمارة الكنائس والأديرة، وإذ كان بينه وبين الوالي عبد العزيز صداقة قوية أقيمت كنيسة في حلوان، التي أنشأها الوالي، وقد ساعده الوالي في إقامة الكنائس والأديرة.

قيل أن علاقته بالوالي كانت قوية للغاية، وأن الوالي كان يسير مرة أمام باب الكنيسة فتطلع ليرى البابا في المذبح ونارًا تحيط به، مما زاد حب الوالي له.

إذ أقام الوالي قصرًا حديثًا في حلوان استدعى البابا، فرأت زوجة الوالي جموعًا من الملائكة تحيط به، فأخبرت رجلها فامتلأ دهشة!

حاول البعض أن يثير الفتنة فادعوا أن البابا كتب إلى ملك النوبة ليقيم صلحًا مع ملك أثيوبيا، وكان الجو ملبدًا بين مصر وأثيوبيا فغضب الوالي، لكن البابا بلطفه ووداعته أكدّ له كذب هذا الافتراء، فأكرمه الوالي جدًا.

مرة أخرى حاول البعض خلق جو من الكراهية بين الوالي والبابا، فذهبوا إلى الوالي يسألونه أن يطلب من البابا أن يأكل معه دون رسم علامة الصليب، وقدموا له سلة مملوءة بلحًا ممتازًا مسمومًا، أما القديس فبحكمة أمسك بالسلة، وقال للوالي: "أتريدني أن آكل من هذه الناحية أو من تلك، من هنا أو من هناك؟!" وبهذا رسم علامة الصليب. وإذ عرف الوالي بعد ذلك ما قصده البابا تعجب لحكمته ووجد نعمة أكثر لديه.

نياحته

عرفت حياته بكثرة المعجزات التي وهبه الله إياها.

بعد مرض قصير تنيح في التاسع من هاتور، ووضع جسده إلى جانب سلفه البابا يوحنا الثالث.

بركة صلواته تكون معنا آمين.

يوسف حبيب: تاريخ كنسي (الكلية الأكليركية بالإسكندرية)، 1974 م، ص17 –23.

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، ج3، 1983 م، ص 300 الخ.

إسحق التبايسي

كثيرًا ما يحدث خلط بين الآباء الذين حملوا اسم "إسحق" في الرهبانية المصرية في مركز قيادي، فيرى بعض الدارسين أن إسحق التبايسي هو بعينه الأب إسحق قس القلالي، كاهن كنيسة نتريا، قد تتلمذ أولاً على يدي القديس مقاريوس أب دير بسبير، وقد رأى القديس أنبا أنطونيوس، ثم انطلق إلى نتريا يتتلمذ على يدي القديس كرونيوس والقديس ثيؤدور الفرمي Theodore of Parme، ويحاول البعض الفصل بين الشخصيتين، وإن كان الرأي السائد أنهما شخص واحد. هذا وكثيرًا ما يخلط البعض أيضًا بين الأب إسحق قس القلالي، والأب إسحق قس شيهيت، وينسبون ما للواحد للآخر.

إسحق التبايسي

إن كان إسحق قس القلالي هو بعينه إسحق التبايسي، إذ نشأ بالصعيد وترهب أولاً هناك متتلمذًا على يدي القديس مقاريوس رئيس دير بسبير، لكنه وجد أكثر من أب حمل ذات الاسم "إسحق" في الأديرة الكثيرة المنتشرة بمنطقة طيبة التي تكاد تتسع لتحوي غالبية صعيد مصر. لذلك ما ورد في بعض الكتابات النسكية عن "إسحق التبايسي" أحيانًا يقصد به غير الأب إسحق قس القلالي، نذكر هنا ما ورد تحت عنوان "إسحق التبايسي" في كتاب "Bendicta Word" طبعة 1975 م، ص 93 - 94، إنه كان تلميذًا للأنبا أبوللو، الذي قال عنه تلميذه إسحق أنه "قد تدرب بكمال في كل الأعمال الصالحة وكان له موهبة الصلاة الدائمة". فمع محبته لإخوته لم يكن يسمح لأحد أن يرافقه في الطريق إلى الكنيسة حتى لا يشغل ذهنه بشيء، وكان يعلق على ذلك بقوله: "كل شيء صالح في وقته المناسب، فلكل عمل زمنه". لعله بهذا يقصد أنه لا يليق أن نمارس حتى أحاديث المحبة أو خدمة ما قبيل الحضور للقداس الإلهي حتى لا يرتبك ذهننا بشيء حتى وإن كان صالحًا، فللخدمة وقت معين فلا تكون على حساب تركيز ذهننا في الصلاة.

بعد نهاية القداس الإلهي لم يكن يقبل أن يشترك في الطعام بل ينطلق سريعًا إلى قلايته، وكما يقول معلمه أبوللو: "لم يفعل ذلك رفضًا لمحبة الإخوة وإنما حفظًا للصلاة الدائمة".

إذ مرض الأب إسحق جاء الإخوة يفتقدونه، فسألوه: "لماذا تهرب يا أبا إسحق من الإخوة في نهاية الخدمة؟" أجاب: "لست أهرب من الإخوة إنما من حيل إبليس، الشياطين الشريرة. متى أشعل إنسان سراجًا، فإن عرَّضه للهواء الطلق ينطفئ بسبب الريح، هكذا نحن إذ نستنير بالإفخارستيا المقدسة فإن روحنا تظلم إن سرنا خارج قلالينا".

اسحق الدفراوي الشهيد

نشأته

ولد القديس إسحق ببلدة دفرا، التابعة لطنطا، وعاش في حياة تقوية مقدسة.

لما أثار الإمبراطور دقلديانوس الاضطهاد كان القديس قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره، وإذ كان نائمًا في الحقل مع الحصادين رأى ملاك الرب يقول له: "سلام لك يا إسحق رجل الله التقي؛ لماذا أنت نائم والجهاد قائم؟!"، ثم أراه إكليلاً فالتهب قلبه بنوال بركة الاستشهاد.

إذ لاح النهار ودّع الشاب والديه لينطلق إلى مدينة طوه، تابعة لببا بصعيد مصر، فمنعاه من الخروج. وفي منتصف الليل أضاء البيت كله بنور فائق، ثم ظهر الملاك وشجع إسحق لينطلق ويتمم شوق قلبه، وفي الحال ترك مدينته وانطلق إلى طوه.

استشهاده

التقى القديس إسحق بوالي المدينة. حيث أعلن إيمانه بقوة وشجاعة، فهدده وأمر بحبسه حتى يعود من نقيوس.

انطلق إسحق مع أحد الجنود من أمام الوالي إلى الحبس، وفي الطريق التقى برجل أعمى، صلى إلى الله من أجله فانفتحت عيناه، وللوقت آمن الجندي نفسه، وعند عودة الوالي اعترف الجندي بالإيمان وسلّم رقبته للسيف لينال إكليل الشهادة بفرح.

اغتاظ الوالي وصمم أن يذيقه كل أنواع العذابات، فأرسله إلى ككليانوس والي البهنسا ليقوم بالتعذيب. وإذ كان بالسفينة مقيدًا طلب من أحد النوتية قليل ماء فأعطاه، وإذ شرب أخذ القليل من الماء المتبقي وصلى عليه وسكبه على عين الرجل النوتي التي كانت عمياء فانفتحت وأبصر بها كما بعينه الأخرى.

التقى القديس بوالي البهنسا، الذي بدأ أولاً بملاطفته ليستميله لترك إيمانه فلم يفلح، وعندئذ صار يعذبه، وكان الرب يشفيه.

حدث أن كان أريانا يجول في البلاد يتشفى بمضايقة المسيحيين وتعذيبهم، وإذ التقى بككليانوس أخبره الأخير عن أمر إسحق الدفراوي، وروى له ما حدث معه، فاستلمه منه ليقوم هو أيضًا بدوره في التعذيب، وأخذه معه إلى أنصنا وصار يعذبه، وإذ لم يفلح أرسله إلى مدينة طوه حيث قطعت رأسه ونال إكليل الاستشهاد، وقد ظهر من جسده عجائب كثيرة.

جاء بعض المؤمنين وحملوا جسده، وأتوا به إلى بلده دفرا، ودفنوه هناك بإكرام عظيم، وبنوا كنيسة باسمه.

تعيِّد الكنيسة القبطية بعيد استشهاده في 6 بشنس، وعيد تكريس كنيسته في 6 طوبة.

إسحق السرياني

نال شهرة عظيمة بسبب حبه الشديد للوحدة، وممارسته إياها، كما وضع أربعة كتب عن الوحدة والسكون، غاية في الروحانية، ترجمت منذ وقت مبكر إلى العربية والأثيوبية واليونانية.

دخل مع أخيه ديرًا بطور سيناء، ويرى البعض أنه التحق بدير في "بيت آب Bethabe" بكوردستان. ثم توحد في مغارة بينما صار أخوه رئيسًا للدير. ولما دعاه لزيارة الرهبان أرسل إليه يعاتبه بشدة إذ كان يعشق حياة الوحدة والسكون.

إذ اشتهر علمه وقداسته اختير أسقفًا لمدينة نينوى (تبع النساطرة)، في ظروف لا نعرفها (مع هذا فقد رأى الدارسون في الكنيسة الجامعة أن كتاباته لا تحمل فكرًا نسطوريًا).

في أول يوم للأسقفية جاءه دائن ومدين يحتكمان إليه، فطلب المدين من الدائن أن يمهله قليلاً حتى يجمع المال، لكن الدائن أصر على تسليمه للحاكم. تدخل الأب الأسقف، قائلاً: "إن الإنجيل المقدس يأمرنا بأن من يأخذ مالنا لا نطالبه به، فلا أقل من أن تصبر عليه". أجابه الدائن: "دع عنك كلام الإنجيل". قال مار إسحق: "إذا كانوا لا يستمعون لكلمات الإنجيل، فماذا أتيت لأعمل؟!" ولما رأى تدبير شئون الأسقفية يفسد له عمل الوحدة هرب إلى دير "رابان شابور" Rabban Shapur، وصار رائدًا للسكون والوحدة. ويرى البعض أنه هرب إلى برية الأسقيط يقضي بقية أيامه في شيهيت متوحدًا (القرن السادس / السابع).

يرى البعض أن هناك خلطًا بين حياته وحياة إسحق الأنطاكي في القرن الرابع.

من كلماته

المسيح هو الغاية: السابح يغوص غائرًا في البحر إلى أن يجد اللؤلؤ، والراهب الحكيم يسير في الدنيا عاريًا إلى أن يصادف فيها الدرة الحقة التي هي يسوع المسيح، وإذ ما وافاه فلن يقتني معه شيئًا من الموجودات.

الإيمان: بالحقيقة إن المعمودية والإيمان هما أساس كل خير، فيهما دُعيت ليسوع المسيح لأعمال صالحة. بالإيمان يدرك العقل الأسرار الخفية، كما يدرك البصر المحسوسات.

التوبة: التوبة هي لباس الثياب الحسنة المضيئة.

الرهبنة الحقيقية: طوبى للذين يحفظون ويعملون. لا تفتخر بالاسم بل اجتهد في الأعمال، لأن العمل (لا مجرد الاسم كراهب) هو الذي يبرر ولو كان بلا شكل أو اسم.

الجهاد: لا تحب التهاون، لئلا تحزن نفسك في قيامة الصديقين.

الموت والحياة: كن ميتًا بالحياة، لا حيًا بالموت.

التواضع: من وضع قلبه مات عن العالم، ومن مات عن العالم مات عن الآلام.

من طلب الكرامة هربت منه، ومن هرب من الكرامة لحقت به وأمسكت.

جالس المجذومين ولا تجالس المتعظمين.

من يهرب من سبح العالم بمعرفة يكتنز في نفسه رجاء العالم العتيد... والذي يفر من نياح الدنيا يدرك بعقله السعادة الأبدية.

الصلاة: ثمار الشجرة تكون فجة ومرّة، ولا تصلح للأكل حتى تقع فيها حلاوة من الشمس، كذلك أعمال التوبة الأولى فجة ومرة جدًا، ولا تفيد الراهب حتى تقع فيها حلاوة الثاؤريا (التأمل في الإلهيات بالصلاة)، فتنقل القلب من الأرضيات.

حِبّْ الصلاة كل حين لكي يستنير قلبك بالله.

الذي يتهاون بالصلاة ويظن أن هناك ثمة باب آخر للتوبة مخدوع من الشياطين.

الذي يمزج قراءته بالتدابير (العملية) والصلاة يُعتق من الطياشة.

الحياة الداخلية: اصطلح مع نفسك فتصطلح معك السماء والأرض.

من يصالح نفسه أفضل ممن يصالح شعوبًا.

الشكر: ليست خطية بلا غفران إلا التي بلا توبة، ولا عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر.

فم يشكر دائمًا إنما يقبل البركة من الله، وقلب يلازم الحمد والشكر تحل فيه النعمة.

الرحمة: كن مطرودًا لا طاردًا، وكن مظلومًا لا ظالمًا.

الذي فرش مراحمه بلا تمييز على الصالحين والأشرار بالشفقة، فقد تشبه بالله.

استر على الخاطئ من غير أن تنفر منه لكيما تحملك رحمة الله.

الاتكال على البشر: الاتكال على البشر يمنع بالكلية الاتكال على الله، والعزاء الظاهر يمنع العزاء الخفي، وهكذا بقدر ما يكون الراهب منفردًا وفي وحشة تخدمه العناية الإلهية.

العادات: رباطات النفس هي العادات التي يعتادها الإنسان، إن كانت بالجيد أو بالرديء.

كل عادة إذ سُلمت لها باختيارك، تصبح لك في النهاية سيدًا، تسير خلفها مضطرًا بغير اختيارك.

النهم: جالس الضباع ولا تجالس الشره الذي لا يشبع.

من يشتهي الروحيات حتمًا يهمل الجسديات.

من يكرم الجسد (بالنهم) يكرم معه الشياطين الذين خدعوه منذ القديم.

محبة الاقتناء: التمس فهمًا لا ذهبًا، واقتن سلامًا لا مُلكًا.

المرتبط بالمقتنيات والملذات هو عبد للأوجاع الذميمة.

مطرانية بني سويف: بستان الرهبان.

إسحق "الكبير"

هكذا تدعوه الكنيسة الأرمنية: "القديس إسحق Sahak وIsaac الكبير أو الأول.

يبدو أن الأساقفة في الفترة الأولى في الكنيسة الأرمنية كان يمكن أن يكونوا متزوجين، على أن يكون بعل امرأة واحدة، حتى ظهرت حركة البتولية ثم الرهبنة هناك فسلكوا حسب التقليد الكنسي العام أن يكون بتولاً أو راهبًا.

هو ابن الجاثليق (كاثوليكوث) نيرسيس الأول، يُحتمل أن يكون قد سيم وهو أرمل، ومن سلالة القديس غريغوريوس المستنير لذا يدعى "الإغريغوري".

ولد حوالي عام 350م، وبعد أن أتم دراسته في القسطنطينية تزوج. تنحيت زوجته في وقت مبكر فصار راهبًا.

سيم جاثليقًا على أرمينيا سنة 390 م في وقت عصيب وحرج بالنسبة للكنيسة وأيضًا بالنسبة للدولة. فمن جهة الدولة كانت أرمينيا بقسميها يحكمها ولاة خاضعين اسميًا لسادتهم البيزنطيين والفارسيين. أما من جهة الكنيسة فقد سبق فأعلن سلفه نيرسيس الأول استقلال الكنيسة الأرمنية عن قيصرية، وكان ذلك في أيام القديس باسيليوس أسقف قيصرية، لذا كان يُنظر إلى هذه الكنيسة بطريقة أو أخرى ككنيسة منشقة. لما سيم إسحق وجد قلة تميل للتبعية لكرسي قيصرية فتجاهلها، معلنًا نفسه في القسطنطينية كرئيس أعلى للكنيسة الأرمنية مطالبًا بقوة لدى القصر الإمبراطوري باستقلال كنيسته عن قيصرية، كشعب أرمنّي له بطريركه وثقافته الخاصة، ويبدو أن هذا الاتجاه قد وجد قبولاً لدى القسطنطينية خاصة في الوسط الكنسي، حيث بدأ الأرمن يتفاعلون مع الفكر البيزنطي ويرتبطون بشيء من ثقافته. هذا من جانب ومن جانب آخر يرى بعض الدارسين أن الضغط الفارسي (الوثني) كان له أثره في ميل الأرمن للاستقلال عن قيصرية للارتباط بالأكثر بالقسطنطينية.

على أي الأحوال كان هذا العمل تحركًا طبيعيًا للكنيسة الأرمنية يمثل انطلاقة جديدة حسبت كبدء عصر ذهبي للفكر الأرمني الكنسي الأصيل.

في عهده ظهرت حركة نمو وإصلاح شامل، فازدهرت الحركة الرهبانية بسرعة وأنُشئت المدارس والمستشفيات، وأعيد بناء الكنائس التي هدمها الفرس. هذا التحرك احتاج إلى صراع الأب إسحق ضد الأفكار الفارسية الوثنية من جانب، وضد بعض الاتجاهات الكنسية التي مالت لقيصرية.

قام بحركة ترجمة قوية، يساعده في ذلك القديس ميسروب Mesrop، ويعتبر ترجمة العهد القديم الأرمنية ذات قيمة عالية لدي دارسي الكتاب المقدس، كما أن بعض الكتابات اليونانية التي ترجمت إلى الأرمنية فُقد الأصل وبقيت الترجمة تمثل تراثًا كنسيًا أصيلاً. هذا وينسب له التقليد الكثير من التسابيح والألحان الأرمنية.

حوالي عام 425 م طرد الفارسيون الوالي، كما عزلوا إسحق عن كرسيه في أقصى غرب الدولة لمعرفتهم بميوله للكنيسة البيزنطية القسطنطينية، لكن تحت الضغط الشعبي القوي التزم الفارسيون بإعادته إلى كرسيه، وقد تنيح وهو في الثانية والتسعين من عمره تقريبًا.

لم يستطع أن يحضر مجمع أفسس سنة 435 م بسبب شيخوخته.

إسحق الهوريني القديس

نشأته

ولد هذا القديس بمدينة هورين من أعمال شباس من أبوين تقيين، وقد تنحيت والدته سوسنه وهو صغير، فتزوج والده إبراهيم مرة أخرى، فكانت امرأة أبيه تبغضه بالرغم من صغر سنه، فلم تكن تعطيه طعامًا سوى القليل من الخبز، وكان ينطلق مع رعاة أبيه وهو في الخامسة من عمره يحمل الخبز معه، يوزعه على الرعاة ويبقى صائمًا حتى يعود إلى بيته.

إذ شكاه أحد الرعاة لوالده أنه لا يأكل طوال النهار، أراد الوالد أن يتحقق الأمر بنفسه. رآه الصبي الصغير قادمًا من بعيد، وعرف أنه جاء خصيصًا ليراه إن كان يأكل الخبز أم يوزعه، وكان قد قام بتوزيعه، وإذ خاف من والده، جاء بثلاث قطع من طين وربطهم في طرف العباءة ليظن والده أنه محتفظ بالخبز، وكان ذلك على مشهد بعض الرعاة.

جاء الوالد واتجه إلى العباءة وفك الرباطات ففوجئ الرعاة بوجود خبز حقيقي، فدهشوا للغاية، وإذا سألهم الوالد عن سرّ دهشتهم قصوا له ما فعله أبنه، فتعجب الوالد ومجّد الله.

رهبنته

إذ كبر الصبي كان يزداد قلبه شوقًا للحياة الرهبانية، فذهب إلى راهب قديس يدعى الأنبا إيليا، وأقام عنده مدة. وبعد نياحة الأنبا إيليا، مضى إسحق إلى جبل البرنوج، وأقام عند شيخ يدعى الأنبا زخرياس يتتلمذ على يديه (جبل البرنوج بنتريا، بمركز دمنهور بمحافظة البحيرة).

إذ كان والده يجّد في البحث عنه، عثر عليه عند القديس، وسأله أن يرجع معه، وقد أشار عليه معلمه أن يطيع فعاد، ومكث مع والده حتى تنيح الأخير فوزع الابن كل ما ورثه، وأقام في مكان منفرد بناه خارج المدينة يمارس حياته النسكية، وبقى في هذا الموضع سرّ بركة لكثيرين حتى تنيح ودفن هناك، في 22 برمودة.

إسحق المعترف الأب

حياة هذا المتوحد تكشف عن قلب المسيحي الملتهب حبًا وغيرة، العامل بقوة في الكنيسة، أيا كان مركزه أو دوره.

أحب هذا الأب حياة الوحدة وأراد أن يقضي كل حياته متعبدًا لله بلا انقطاع بعيدًا عن ارتباكات العالم ومشغولياته. لكنه إذ سمع عن الإمبراطور فالنس الأريوسي إنه يضطهد الكنيسة لم يستطع أن يقف مكتوف اليدين، وإنما بعد أن قدم صلوات مستمرة وعميقة انطلق إلى القسطنطينية، وصار يحذر الإمبراطور بوضوح وصراحة أكثر من مرة، معلنًا له أنه إن لم يكف عن اضطهاد مستقيمي الرأي (الأرثوذكس) ويرد لهم الكنائس التي اغتصبها منهم وسلمها للأريوسيين ستحل به مآسي صعبة، لكن الإمبراطور استخف به.

التقى به مرة وهو خارج من المدينة، فأمسك بلجام حصانه وصار يوبخه، فأمر الإمبراطور بإلقائه في أقرب مستنقع، لكن الرب خلصه بطريقة معجزية. وإذ كرر نبوته أمامه ألقاه في السجن، فتحققت نبوته، وقُتل فالنس في معركةAdrinople ولما ملك ثيؤدوسيوس أفرج عنه وكرّمه.

أراد أن يمارس وحدته من جديد لكن تلاميذه أصروا ألا يفارقهم فبنى لهم ديرًا يدعى "الدالماتي" نسبة إلى أحد تلاميذه دالماتيوس، وهو أقدم دير بالقسطنطينية.

اشترك في المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية. وقد تنيح في شيخوخة صالحة.

Butler’s Lives of Saints, Mary 30.

إسحق قس القلالي

وُلد القديس إسحق قس القلالي أو قس نتريا من أبوين فقيرين تقيين بصعيد مصر. كان يلتقي بالرهبان القادمين إلي الريف ويسمع لهم فأحب الحياة الرهبانية، وتتلمذ علي يدي القديس مقاريوس رئيس دير بسبير. كما رأى القديس أنبا أنطونيوس وتعلّم منه الصلاة، كما يظهر من مناظرته مع القديس يوحنا كاسيان (مناظرة عن الصلاة 9: 31).

رحل إلى جبل نتريا، وتتلمذ على يد الأنبا كرونيوس الذي خلفه كقس ومدبر لنتريا والقلالي. عندما كبر المعلم في السن جدًا، إذ كان قد بلغ حوالي 110 سنة هذا وقد تتلمذ أيضًا على يدي القديس ثيؤدور الفرمي.

التقى بالقديس الأنبا بامو (بيمين)، وتتدرب على يديه في الزهد خاصة في الملبس.

طرد من نتريا على يد البابا ثاوفيلس (23) مع سميّه إسحق قس شيهيت وعدد من المتوحدين والرهبان بسبب ميولهم للعلامة أوريجينوس. بعد النفي عاد من فلسطين إلى نتريا ليمارس دوره الفعال. وقد أصيب في آخر أيامه بمرض شديد أنهكه، فلازم الفراش زمانًا طويلاً.

تلمذته لأنبا كرونيوس

يكشف لنا الأنبا إسحق قس القلالي كيف يدربه معلماه أنبا كرونيوس وأنبا تيؤدور بالعمل لا الكلام، مقدمين مفهومًا آبائيًا للتلمذة الحقة، إذ يقول: "عندما كنت شابًا صغيرًا اعتدت السكنى مع أنبا كرونيوس، ولم يكن يكلفني مطلقًا بعمل شيء ما. والآن، وقد صار شيخًا لا يستطيع التحكم في أطرافه، إلا أنه لا يزال يقف ويقدم لي الماء بيديه وكذلك الأمر مع الجميع.

هذا هو ما كان يحدث أيضًا بالنسبة لأنبا تيؤدور الفرمي، إذ لم يكن يكلفني بعمل أيا كان نوعه. وكان يعد هو المائدة، وكنت أقول له: "لقد جئت يا أبي لكي أساعدك، فلماذا لا تطلب مني أن أؤدي لك عملاً؟" لكن الشيخ لم يكن يخاطبني بشيء بل كان يحفظ السكون. فصعدت أنا وأعلمت الشيوخ بالأمر، فجاءوا إليه قائلين: "يا أبانا لقد جاء إلى قداستك هذا الأخ لكي ما يعينك، فلماذا لا تأمره بعمل ما؟" أجابهم الشيخ: "وهل أنا رئيس دير حتى آمره؟ إنني لن أقول له شيئًا إلا عن رغبتي في أن يفعل هو مثلما يراني أعمل".

"ومنذ ذلك الوقت كنت أسبقه في عمل الشيء قبل أن يقوم هو به، ولازال يعمل هو في صمت وهدوء، وبهذه الطريقة جعلني أتعلم أن أعمل في سكون وهدوء.

مع أنبا بيمين

يذكر لنا البستان أحاديث كثيرة نافعة وبدالة قوية تمت بين القديس إسحق قس القلالي والقديس الأنبا بيمين، نذكر منها:

كنت جالسًا في إحدى المناسبات مع أنبا بيمين، فلاحظت أنه كان في دهش عظيم، وبما كان لي من تأثير عليه طلبت منه بإلحاح، قائلاً: "فيم تفكر يا أبي؟" وبعد إلحاح شديد أجاب، قائلاً: "كنت أتأمل في موضوع الصلب، حيث كانت القديسة مريم والدة الإله واقفة تبكي بجوار صليب مخلصنا، كنت أتمنى أن أشعر بمثل هذا كل الأوقات".

في إحدى المناسبات رأى أحد الآباء الأنبا بيمين يصب ماء على قدميه (يغسلهما)، فقال أنبا إسحق لأنبا بيمين بدالة: "كيف يكون هذا؟ فبينما يدرب الآباء أنفسهم على أتعاب شاقة، وأعمال نسك عظيمة حتى أنهم قمعوا أجسادهم نراك تغسل قدميك؟" أجاب أنبا بيمين: "إننا لم نتعلم أن نكون قاتلين لأجسادنا، بل قاتلين لشهواتنا".

مرة سمع أنبا إسحق صياح ديك، فقال لأنبا بيمين: هل يوجد دواجن هنا يا أبي؟ أجابه قائلاً: "لماذا تجبرني أن أتحدث إليك يا إسحق؟ الذين يشبهونك فقط هم الذين يسمعون مثل هذه الأصوات، أما المجاهد فلا يشغل نفسه بمثل هذه الأمور".

اعتاد أبا إسحق قس القلالي أن يقول بأن أبا بامو (بيمين) كان يقول: يليق بلبس الراهب الذي يرتديه أن يكون هكذا: لو أُلقي خارج القلاية لمدة ثلاثة أيام لا يريد أحد أن يلتقطه.

اعتاد أبا إسحق أن يقول للإخوة: إن آباءنا وأنبا بامو (بيمين) كانوا يلبسون خرقًا موصولة قديمة، أما الآن فتلبسون ثيابًا غالية الثمن. امضوا من هنا فقد أفسدتم الموضع. إنني لا أقدم لكم وصايا لأنكم لا تحفظونها.

بكاؤه

كان أبا إسحق وأبا إبراهيم يعيشان معًا. حدث أن دخل مرة أبا إبراهيم ليجد أبا إسحق يبكي، فقال له: "لماذا تبكي يا أبت؟" أجاب الشيخ: "ولماذا لا نبكي؟ لقد مات آباؤنا، وها عمل أيدينا (جهادنا الروحي) لا يكفي لأجرة المركب لكي نذهب ونفتقدهم، لهذا نحن أيتام (لا نجاهد كآبائنا)، من أجل هذا أبكي".

عند الحصاد

اعتاد الرهبان أن يقوموا ببعض الأعمال كالحصاد في الحقول القريبة حتى يأكلوا من تعب أيديهم. وقد روى لنا أنبا إسحق ما رآه بعينيه أن أحد الإخوة (الرهبان) إذ كان يقوم بالحصاد ذهب يستأذن صاحب الحقل ليأخذ سنبلة يفركها بيديه ويأكلها، فدُهش صاحب الحقل، قائلاً: "يا ابني الحقل هو لك، أتستأذني لكي تأكل؟!" وقد تأثر صاحب الحقل منتفعًا لما رأى ما بلغه الإخوة من حذر على أنفسهم.

حبه للنسك

حدثنا أحد الآباء كيف أنه في أيام أبا إسحق جاء أخ إلى كنيسة القلالي، وكان يرتدي قبعة صغيرة، فطرده الشيخ، قائلاً: "هذا الموضع هو للرهبان، إنك علماني ولا يليق بك أن تعيش هنا".

نقاوة القلب

لم أسمح قط لفكر ضد أخي يحزنني أن يدخل قلايتي، وكان همّي ألا أترك أحدًا يدخل قلايته وفي قلبه فكر ضدي.

لعل هذا الحديث جاء ثمرة خبرة عاشها بعد أن سقط في إدانة أخ، فوبخه الملاك على ذلك، إذ جاء عنه:

حدث أن أتى أبا إسحق إلى دير، فرأى أخًا يخطئ فأدانه، وإذ عاد إلى البرية وجد ملاكًا من عند الرب قد جاء ووقف أمام قلايته، وصار يقول له: "لن أسمح لك بالدخول". وإذ قاومه قائلاً: "ما هو الأمر؟" أجابه الملاك: "الرب بعثني إليك أسألك أين تشاء أن تطرح الأخ المخطئ الذي أنت أدنته؟" فتاب لوقته، وقال: "أخطأت، اغفر لي". عندئذ قال الملاك: "اصعد، فإن الرب قد غفر لك، ولكن عليك من الآن أن تحفظ نفسك من أن تدين أحدًا قبل أن يدينه الله".

في كتاب "Bendicta" نسبت هذه القصة لإسحق التبايسي كإسحق آخر غير قس القلالي.

هذا ويروي لنا عن نفسه أن الشيطان قد تجاسر وظهر له مطلاً من الطاقة قائلاً له أنه قد صار من أتباعه، وإذ فحص الأمر تذكر أنه تجاسر وتناول من الأسرار المقدسة ثلاثة أسابيع متتالية دون أن يصفح عن أحد. هكذا شعر أنه بهذا العمل عوض نوال بركة الاتحاد مع الله حُسب من أتباع عدو الخير، إذ عمل في قلبه عدم الصفح عن الآخرين. لهذا أسرع إلى الأخ، وبدموعه سأله أن يصفح عنه.

الكبرياء

يتقدم الآلام (الشهوات) جميعها الكبرياء ومحبة الذات.

Budge: The Paradise of the Father, v. 2, p. 18, 37, 39, 67, 103, 129, 190, 223, 231, 235.

Bendicta Ward: The Sayings of the Desert Frs. , 1975, p 84 – 6.

إسحق قس شيهيت

انطلق إلى الصحراء وهو ابن سبع سنوات، وبالرغم من صغر سنه كان يحفظ بعض إصحاحات كاملة من الكتاب المقدس عن ظهر قلب، وقد اهتم كل حياته بالكتاب المقدس. يقول عنه المؤرخ القديس بلاديوس أنه حفظ الكتاب كله.

منذ صغره تمتع بمواهب فائقة حيث كان يمسك الأفعى المقرنة القاتلة ولا تؤذيه. عاش 50 عامًا في حياة الوحدة وتتلمذ له 150 متوحدًا. وكان القديس الأنبا أثناسيوس يحبه وكان كثير الحديث عنه.

نفي مع سميّه أنبا إسحق قس القلالي لميوله للعلامة أوريجينوس.

يروي لنا الآباء عن قصة هروبه من الكهنوت ثم قبوله، وقد نُسبت خطأ للأب إسحق قس القلالي كما يرى بعض الدارسين، تتلخص في أن الأب إسحق سمع أنهم يريدون سيامته كاهنًا فانطلق إلى مصر، وذهب إلى حقل واختفى في وسط البيدر. انطلق الكهنة وراءه يبحثون عنه، وإذ بلغوا ذات الحقل توقفوا ليستريحوا إذ كان الليل قد حلّ. تركوا الدابة (الحمار) قليلاً وإذ به ينطلق وهم وراءه يريدون الإمساك به، حتى بلغ إلى الموضع الذي فيه القديس إسحق مختفيًا، فامتلأوا دهشة، وإذ أرادوا أن يربطوه ليحملوه عنوة منعهم قائلاً لهم: "إنني لن أهرب بعد، فإن هذه هي إرادة الله، وأينما هربت وجدت ذلك بعينه".

إسحق من شما الشهيد

كان يعمل في حراسة بستان، يسلك في حياة تقوية نسكية، يأكل مرة كل يومين من البقول، وكان محبًا للفقراء.

ظهر له ملاك في رؤيا وسأله أن يمضي إلى الوالي ويعترف باسم السيد المسيح، وبالفعل تمم ذلك، ونال إكليل الشهادة في 25 من شهر أبيب، وقد دفن في بلده شما.

الأنبا إسحق تلميذ الأنبا أبلوس: أنظر الأنبا إيساك (10 برمودة).

إسخيون الشهيد

في أيام الإمبراطور داكيوس (ديسيوس)، كان والي الإسكندرية عنيفًا في اضطهاده للمسيحيين، وكما يقول المؤرخ يوسابيوس أنه بدأ الاضطهاد قبل إصدارالإمبراطور للمرسوم بذلك الأمر بحوالي سنة كاملة (أي سنة 249 م).

كان المسيحيون في الإسكندرية يُساقون إلى المحاكمة ليسقطوا تحت أنواع كثيرة من العذابات، وإذ كان أحد المسيحيين يومًا ما يُحاكم، ورأى أدوات التعذيب يبدو أنه بدأ يضعف، وكاد أن ينهار، وينكر مسيحه، لكن ربنا يسوع المسيح لم يتركه هكذا، إذ فجأة رأى خمسة من الجند من بينهم جندي يدعى إسخيون Ischyion قد اقتحموا ساحة المحاكمة، الأمر الذي شدَّ أنظار الكل ليروا ما وراءهم، وإذ بهم ينطلقون ليقفوا بجوار المتهمين، معترفين أنهم تلاميذ المسيح.

دُهش القاضي وكل الجماهير لهذا المنظر، خاصة وقد حمل هؤلاء الرجال بشاشة على وجوههم، وكأنهم قادمون لا لاحتمال العذابات وإنما لنوال فرح وأكاليل. هنا تشدد الرجل الخائر، وأدرك بقوة تملأ نفسه، وتعزيات الله في قلبه، بعد أن كان القاضي قد بدأ يتهلل بانهيار الرجل انقلبت كل الموازين، إذ أعلن الرجل شوقه لاحتمال كل عذاب من أجل إيمانه الحق.

بدأ إسخيون يشهد للسيد ويكرز به وسط المحكمة، فأمر القاضي رجلاً يدعى أرمينيوس أن يعذب هذا الجندي، فصار يبتر أعضاء جسده، بل وفتح بطنه بعصا، ثم استشهد، وتبعه زملاؤه.

Cheneau: Les Saints D’Egypte, 12, p109.

أسطاسيوس الشهيد

لقرون طويلة كانت الكنيسة في الشرق والغرب تحتفل بعيد استشهاد القديس أسطاسيوس أو أستاثيوس أو أوسطاس Eustace، وقد حوت قصته بعض الأحداث حسبها المؤرخون أنها مسحة من الخيال.

كان يدعي بلاسيداس أو فلاكيداس Placidas، وكان أحد وزراء مملكة الرومان، وقائدًا باسلاً في عهد الإمبراطور تراجان. لم تكن له معرفة بالله لكنه كان شديد العطف على الفقراء، مترفقًا بكل الوثنيين، ورعًا في سلوكه. وإذ كان يصطاد كعادته في الجبال رأى من بعيد مثال صليب مرتفع بين قرون أيل والسيد المسيح مصلوبًا عليه، وسمع صوتًا يناديه: "فلاكيداس، لماذا تضطهدني؟" فارتبك الوزير في الحال، وسأل عن ذاك الذي يضطهده، فجاءه الصوت: "أنا يسوع المسيح" وكان ذلك في منطقة Guadagnolo ما بين تيفولي وفالسترينا Palestrina.

عاد الرجل إلى بيته يروي لزوجته وولديه ما قد حدث معه، ثم التقى بأسقف روما الذي علمه الإيمان وعمده ودعاه "أسطاسيوس" بذات الاسم الذي طلب منه الصوت أن يُسمى به، وهو يعني "الناجح" أو "الثابت" كما اعتمدت زوجته ثاوبستي (المتكلة على الله). وابناه أغابيوس (حبيب) وتاؤبستس (المتكل على الله).

حلّ بالرجل نكبات متوالية إذ فقد عبيده وجورايه وأمواله، بل وحينما خرج من روما بسبب الفقر أخذ منه النوتية زوجته بسبب عجزه عن دفع الأجرة. تقول القصة إنه حمل أحد ولديه ليعبر به نهرًا وجاء ليجد الآخر قد خُطف ثم عاد ليجد الآخر غير موجود، وبقى وحيدًا يعمل كحارس بستان، يعيش في مخافة الله بروح التقوى.

مرت السنوات وكبر الولدان، والتقيا معًا خلال أحد الحروب وتعرفا على بعضهما البعض، وكان التعارف قد تم في بستان كانت والدتهما تعمل فيه فصار الثلاثة معًا بفرح عظيم.

إذ تولى أدريان الملك سمع عن أسطاسيوس وما حلّ به فأقامه قائدًا بروما، وعاد إلى غناه، وصار يترفق كعادته بالفقراء. سمعت زوجته بأمره فأخذت ولديها والتقى الكل معًا بروما، وعاشوا في سلام.

إذ عرف أدريان الملك بعد ذلك أن أسطاسيوس وعائلته مسيحيون أمرهم بالتبخير للأوثان فرفضوا. وإذ أراد التنكيل بهم ليكونوا عبرة لكل روما، جاء بهم إلى ساحة الاستشهاد وأطلق عليهم الوحوش المفترسة الجائعة فلم تؤذهم، بل صارت هادئة وديعة، تأنس لهم. اغتاظ الإمبراطور فصار يعذبهم وأخيرًا وضعهم في قزان وأوقد النار تحتهم حتى أسلموا الروح وتمتعوا بإكليل الاستشهاد.

تعيِّد لهم الكنيسة الغربية في 20 سبتمبر، والكنيسة القبطية في 27 من شهر توت.

إنها قصة رائعة من جهة إعلان الله ذاته لذاك الذي يحب الفقراء ويشتاق للحياة التقوية... يحمله معه إلى الصليب ليهبه شركة أمجاد الأبدية!

إسطفانا الساقط

في مرارة يسجل لنا القديس جيروم سيرة هذا الراهب العملاق الذي انهار بسبب الكبرياء، وانحل عن حياته الروحية ليعيش في الفساد والدنس، وقد صار عبرة لكل نفس متشامخة.

قال القديس جيروم:

"كان في الإسقيط رجل يدعى إسطفانا Stephana، سكن في البرية تسعة وعشرين عامًا، كان ثوبه من سعف النخيل، يسلك حياة صارمة مدققة في إنكار الذات، ويمارس النسك حتى أنه لم يمل لأكل الوجبات العادية ذات المذاق الحسن، وكان ينتقد بشدة الذين يأكلون بسبب المرض طعامًا مطبوخًا أو يشربون حلوًا.

لقد وُهب عطية الشفاء، فكان يخرج الشياطين بكلمة.

حدث مرة أن إنسانًا به روح نجس جاء إلى الإسقيط ليُشفى، وإذ رأى الراهب أن الرجل يتعذب بشدة من الشيطان صلى فشفي.

أخيرًا رفضته نعمة الله بسبب تشامخه وتعاليه المتزايد جدًا، فقد ظن في نفسه أن حياته وأعماله أعظم مما للآباء الآخرين، ففي البداية عزل نفسه عن الإخوة، ثم ذهب إلى أحد الأديرة بالإسكندرية كرئيس للمتوحدين.

في كبريائه قال: "أأخضع أنا لمقاريوس؟ أليست حياتي وأعمالي أفضل من حياته وأعماله؟". وقد بلغ به الجنون (العظمة) أنه ذهب إلى الإسكندرية وسلم نفسه للنهم والسكر، وكان يأكل اللحوم بنهم أكثر من العاديين، وأخيرًا سقط في حفرة اشتهاء النساء. صار يذهب إلى بيوت الزانيات وإلى الأماكن البطالة، يرتبط بالزناة ويمارس شهواته بطريقة مخجلة، وكان يقول: "لست أفعل هذا بسبب الأهواء والزنا، إنني لا أفعل أمرًا مشينًا، فإن الالتصاق بالنساء ليس خطية إذ خلق الله الرجل والمرأة".

حدث في الأيام أنني نزلت مع الطوباوي أوغريس إلى الإسكندرية لقضاء عمل هناك، وكان معنا أربعة إخوة. وإذ كنا عابرين في سوق المدينة التقينا براهب في غير قصد، وكان يتحدث مع زانية في أمور شهوانية. وإذ رآه الطوباوي أوغريس بكى وسقط عند قدميه وصار يتوسل إليه، أما الرجل فلم يهز له رأسه بأقل انحناءة، بل في تشامخ معيب وتعالٍ أجابه، قائلاً: "ماذا تطلبون أيها المراؤون والمخادعون هنا؟" صار الطوباوي أوغريس يتوسل إليه أن يذهب معنا إلى حيث نقيم لكنه لم يقبل بأية وسيلة، وبصعوبة شديدة جاء معنا. وإذ دخلنا وصلينا وقع الطوباوي أوغريس على عنقه وقبّله، والدموع تنهمر منه، وهو يقول: "حقًا يا حبيبي لقد هبطت من الخدمة الإلهية التي للملائكة إلى أعماق الشر!

لقد تحولت عن الحديث عن الله لتتحدث مع الزانيات!

عوض الحياة وخدمة الملائكة اخترت حياة الشياطين!

أسألك، وأتوسل إليك ألا تقطع الرجاء في خلاصك؛ قم وتعال معنا إلى البرية، فإن الله الرحيم قادر أن يردك إلى درجتك الأولى ".

كان فهمه قد أصيب بالعمى بواسطة الشيطان فلم يعرف كيف ينصت لما قيل له، ولا ما يجيب به. وإنما قال لأوغريس: "كنت حتى الآن تائهًا، لكني عرفت طريق الحق". ثم بدأ يسخر بالآباء، قائلاً: "إنكم تائهون، تقطنون البرية بسمة باطلة، من أجل الناس لا الله، وها أنتم أمام الذين يشاهدونكم كأصنام زيّنها البشر ليتعبدوا لها". وهكذا في كبرياء إبليس وعجرفته صار يستهزئ بالآباء، ثم تركهم ومضى. وقد بكى الطوباوي أوغريس والإخوة وتنهدوا من أجله كثيرًا. هذا الرجل أخذ عذراء يتيمة تعيش بمفردها كراهبة بخطة دنيئة، تحت ستار أنه يتصدق عليها فيما تحتاج إليه، وكان في حقيقة الأمر يود أن يشبع شهوته. وإذ عاش معها بطريقة منحطة لمدة عامين، أخيرًا جاء بعض اللصوص ليلاً، وربطوه بحبال حتى قدم لهم كل ما في مسكنه، ثم رفعوه مع المرأة التي يصنع معها الشر إلى منزل يوجد به قش ورُبط الاثنان وأشعلوا في البيت نار فماتا أشر ميتة.

فيهما قد تحقق ما قاله معلم الأمم: "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق" (رو 1: 28). بمعنى آخر أن حرق النار هنا هو عربون للنار التي يتعذب بها الأشرار.

الآن فإن ما حدث لإسطفانا إنما لأنه عزل نفسه عن الإخوة، وانتفخ في ذهنه، وظن في نفسه أنه كامل ".

W. Budge: The Paradise, v. 1, p 260 – 262.

اسطفانوس الأول أسقف روما

أسقفيته

ولد مع بداية القرن الثالث، كان من أشراف روما، لا نعرف شيئًا عن صبوته، لكنه كان معتبرًا جدًا لدى القديسين كرنيليوس ولوسيوس أسقفي روما. ولما تنيح الأخير أُختير الكاهن إسطفانوس خلفًا له، في 12 مايو 254 م، وقد عرف بتقواه وغزارة علمه.

إذ تبوأ الكرسي الروماني ضغط عليه فوستينوس أسقف ليون أن يتدخل مع القديس كبريانوس في مقاومة ماركيان أسقف Arles لأنه اعتنق مبادئ نوفاتيان، الذي أغلق باب الرجاء في وجه مرتكبي بعض الخطايا بعد نوالهم سر المعمودية فلا يُقبلون مهما قدموا من توبة، خاصة إنكار الإيمان في وقت الاستشهاد (جاء هذا على أثر اضطهاد ديسيوس حوالي 250 م)، كما حرّم أيضًا الزواج الثاني.

التجأ البعض إلى الخداع في أيام اضطهاد ديسيوس (داكيوس)، فكانوا يدفعون مالاً للقضاة لينالوا شهادة منهم أنهم قدموا بخورًا للأوثان دون أن يمارسوا ذلك، حفظًا لحياتهم وأموالهم، فقام الأسقف بمحاربة هذا العمل الشيطاني وحسبه إنكارًا للإيمان، يسقط من ارتكبه تحت التأديب الكنسي.

دخل الأسقف في جدال قاسٍ ومرّ لزمن طويل مع القديس كبريانوس بسبب إعادة معمودية الهراطقة، إذ نادى القديس كبريانوس بأن ما يمارسه الهراطقة ليس عمادًا بسبب الهراطقة، وأن الكنيسة يلزمها أن تعمد من عمدهم الهراطقة، ولا يحسب ذلك إعادة للعماد، وقد عقد ثلاثة مجامع أفريقية كما عضده في ذلك فرمليانوس أسقف قيصرية الكبادوك. وقد رفض الأسقف إسطفانوس مقابلة الوفد القادم من قرطاجنة سنة 256 م في هذا الشأن وأيضاً وفد الأسقف فرماليانوس مهدداً بقطع من ينادي بذلك. تدخل القديس ديوناسيوس بابا الإسكندرية بحكمة بين الفريقين، وأعلن أن هذا الأمر يتطلب حبًا ووداعة في الجدال دون تهديدات بالحرمان حتى لا تنشق الكنيسة.

أرسل إليه أحد عظماء رومية نيماسيوس رسولاً، سائلاً إياه أن يشفي ابنته العمياء، فصلى عنها وشفاها باسم السيد المسيح، فآمن الرجل وكل أهل بيته، بل وآمن عدد كبير من الوثنيين. سمع الوالي أولمبيوس فاستدعى نيماسيوس وابنته وسمبرونيوس وكيل بيته، وإذ تأكد أنهم صاروا مسيحيين، سأل الأخير أن يسلم كل ممتلكات سيده له، فأجابه بأن سيده قد وزع كل ممتلكاته على الفقراء بعد قبوله الإيمان بالسيد المسيح. أمره أن يسجد للأوثان، فنظر إليها باستخفاف وطلب من السيد المسيح أن يسحق الأصنام، فسقطت في الحال وصارت ترابًا، عندئذ أدرك الوالي تفاهتها، وعاد إلى بيته يروي لزوجته أوكسبيريا ما حدث، وكانت قد قبلت المسيحية سرًا، فشجعته لينال سرّ العماد على يدي الأسقف.

استشهاده

قيل أن فاليريان أثار الاضطهاد ضد المسيحيين، وقد نال هذا الأب إكليل الاستشهاد، وإن كان بعض المؤرخين يرون أنه قد رقد في الرب بدون تعرضه للاستشهاد.

Butler’s Lives of Saints, Aug 2.

إسطفانوس الليبي

يروي لنا القديس بلاديوس سيرة الطوباوي إسطفانوس الذي من أصل ليبي، وقد عاش ناسكًا في البرية على حدود مارماريكا Marmarica ومريوط في الصحراء الغربية (يبدو بالقرب من ليبيا)، وتشعر من حديثه عنه مدى اشتياقه أن يلتقي معه لولا بعد المسافة، وقد سمع عنه من القديسين أمونيوس وأُغريس اللذين زاراه في مرضه.

قال عنه القديس بلاديوس: [سكن في البرية ستين عامًا، وقد بلغ مرتفعات تدبير الحياة الكاملة، وحُسب (بنعمة الله) أهلاً أن يهب تعزية للغير، حتى أن كل متألم – أيا كان – إذ يقترب منه يخرج فرحًا. وقد تعرف عليه الطوباوي أنطونيوس.

إسطفانوس هذا استمر في هذه الحياة حتى أيامنا، لكنني لم أعش معه قط، ولا التقيت به، لأن الجبل الذي يقطنه بعيد عني جدًا.

القديسان أمونيوس وأغريس اللذان ذهبا لافتقاده رويا لي قصصًا عنه، فقد قالا:

إذ ذهبنا إليه وجدناه في مرض خطير جدًا، فقد أصيب بأورام في الأجزاء السفلية من جسده، أصيب "بغرغرينة"، وقد وجدنا طبيبًا يبتر أجزاءً من جسمه (غالبًا إحدى رجليه). ومع هذا كان القديس يعمل بيديه، يجدل سعفًا، وكان يتحدث معنا بينما كان الطبيب يبتر في جسده. كان محتملاً ذلك بصبرٍ، كما لو كان البتر في جسم غير جسمه، وإذ بُترت هذه الأجزاء كأن شعرًا قد قُص، استمر القديس بنعمة الله دون أن يعطي الأمر اهتمامًا.

صار الطبيب يربط الجراحات بينما جلس هو ليجدل السلال بيديه، وتحدث معنا فرحًا شاكرًا لله...

لقد وقفنا ونحن مندهشين لهذه المأساة، إذ لم نكن قادرين على احتمال رؤية الإنسان الذي سلك حياة نسكية روحية سامية أن تُبتر أعضاؤه تحت الضرورة.

أدرك الطوباوي أفكارنا، وإذ شعر بحزننا، أجاب قائلاً لنا:

"لا تحزنا يا بني لهذا الأمر، ولا يضعف إيمانكما بسبب هذا الأمر فإن الله لن يصنع شرًا قط، بل بالعكس يتطلع إلى نهاية سعيدة (لأعماله).

كم من مرة استحقت هذه الأعضاء الحكم بالعقوبة!

لقد استحقت الأعضاء البتر، فلتجازى هنا أفضل من أن تجازى بعد الرحيل من هذا العالم ".

هذا ما نطق به معنا، فأراحنا، وأرسلنا، قائلاً لنا:

[لا تتعثروا عندما تجدًان تجارب من هذا النوع تحل بالقديسين، فبها يبنينا الله، ويهبنا الراحة ويثبتنا في النواميس التي هي ضد التجارب.

لقد رويت هذه الأمور لكي لا تتعجبوا عندما ترون قديسين يسقطون في ضيقات].

Budge: The Paradise, vol 1,P 131,2

Palladius: Lausiac History, ch 21.

أسكلاس الشهيد

نشأ الشهيد أسكلاس Asclas في منطقة أنتينوه، وفي زيارة أريانا والي أنصنا لهرموبوليس (الأشمونيين) استدعى أسكلاس، وصار يستجوبه، وأخيرًا قال: "إذن فلتأتِ الآن، ولتذبح للآلهة من أجل سلامتك، فإنك ترى ما لديّ من وسائل متنوعة (للعذابات)". في شجاعة أجابه الشهيد: "لتجرب الآن، فترى إن كنت تغلب أنت بوسائلك، أم أنا بمسيحي!"

أمر الوالي بربطه في حصان ليتهرأ جسمه ويتناثر، وإذ رآه لا يبالي قال: "حقًا إني أراه عنيدًا للغاية". أجاب المدعي: "إن اقتراب الموت منه سلبه صوابه". أجابه الشهيد: "لا، لن يُسلب مني صوابي ولا إلهي".

إذ جرى ذلك بالقرب من أنتينوة، أراد الوالي الذهاب إلى هرموبوليس، فأمر أسكلاس أن يركب مركبًا، وركب هو مركباً آخر ليعبرا النيل. صرخ أسكلاس طالبًا من الرب أن يتمجد بشفتي أريانا نفسه لا إراديًا، وبالفعل توقفت مركب أريانا في وسط النيل ولم يكن ممكنًا أن تتحرك، وكأنها قد استقرت على شاطئ رملي، وإذ بدأ الخوف يملأ أريانا اضطر أن يكتب بنفسه ورقة يعلن فيها أنه ليس رب إلا إله أسكلاس وحده القادر أن يخلص، وأرسلها إليه، عندئذ تحرك المركب. لكن الوالي وقد ترك السفينة حسب ما فعله أسكلاس من فعل السحر، فصار يعذبه بالنار عند جنبيه وبطنه حتى صار جسمه كتلة من الألم.

ربط عنقه بحجر وألقاه في النيل. وهكذا تمتع الشهيد أسكلاس بالإكليل.

Baring - Gould: Lives of the Saints, 1872, jan 23.

أسكلابيوس الشهيد

دُعيت مدينة أخميم بصعيد مصر "المتشبهة بأورشليم" من كثرة ما قدمت من شهداء خاصة في عصر دقلديانوس، وهي في هذا تشبه كثير من مدن الصعيد مثل مدينة إسنا، حيث تقدم الشعب بفرح لنوال إكليل الاستشهاد. كانت أخميم تسمى "إشمين".

ديسقورس وأسكلابيوس

من بين الشهداء المشهورين لمدينة أخميم الأنبا ديسقورس الكاهن وأخوه الأنبا أسكلابيوس الشماس، ويبدو من ميمرهما أنهما كانا توأمين، نشأ معًا وتلازما في العبادة والنسك وحتى في احتمال الاستشهاد حتى انطلقا معًا إلى الفردوس.

كانا ابنيّ أرخن محب لله من مدينة أخميم يدعى أمونيوس، كان غنيًا جدًا، وقد اهتم بتربية ولديه.

حياتهما النسكية

إذ بلغا الخامسة عشر من عمرهما تنيح والداهما، فتفرغا للنسك في منزلهما؛ وعندما بلغا الثانية والعشرين من عمرهما تشاورا معًا أن يمضيا إلى الجبل ليعبرا إلى البرية الداخلية ممتثلين بالقديسين يوحنا المعمدان وإيليا. وهكذا باع الاثنان ممتلكاتهما ووزعاه على الأرامل والمحتاجين والكنائس، وتركا جزءًا يسيرًا للحاجة الضرورية، ثم خرجا من المدينة خفية إلى الجبل الشرقي حيث سكنا في واد على بعد 14 ميلاً، ولعله في هذا الموضع قد بُني فيما بعد دير "السبعة جبال" الذي ذكره المقريزي.

بقيا هناك ستة أشهر وسط مصاعب الحياة، وقد حفظهما الرب من الوحوش الضارية والأفاعي، بعدها أرسلهما الله إلى شيخ قديس عابد يدربهما على الحياة الكاملة في الرب، هو القس موسياس، كان قد سكن في هذا الوادي على بعد 20 ميلاً منهما منذ زمن بعيد. كان يسكن معه إخوة يتتلمذون على يديه حول عين ماء، لا زال النبع قائمًا إلى الآن في الجبل الشرقي وإن كان يصعب الوصول إليه.

بقيا مع بقية الإخوة تحت قيادة هذا الشيخ لكنه لم يمض سوى ثلاثة أشهر بعدها انتقل إلى الفردوس. وقد استدعاهما قبيل تسليم روحه وباركهما وأعلن لهما أن ديسقورس يكون قسًا وأسكلابيوس شماسًا، وأنهما سيتحملا متاعب كثيرة حتى ينالا إكليل الشهادة، وإنهما يكونا سر بركة وخلاص نفوس كثيرة تقبل إلى الإيمان بالسيد المسيح، وقد انتقل الشيخ في السابع من شهر بؤونة.

بقيا فترة مع الإخوة ثم عادا إلى مسكنهما الأول يمارسان الحياة النسكية بأكثر اجتهاد، متذكران كلمات أبيهما موساس وحياته، خاصة تواضعه ومحبته وتأمله في الكتاب المقدس، وقد تعرضا لحروب شيطانية كثيرة.

سيامتهما

إذ نزل الناسكان يومًا إلى المدينة ليبتاعا ما يحتاجان إليه، أمسكهما أهل المدينة ومضوا بهما إلى الأنبا تامسطكلا أسقف المدينة فسام ديسقوروس قسًا وأسكلابيوس شماسًا، وقد عادا إلى الجبل بعد السيامة، حيث اجتمع حولهما كثير من الإخوة يتتلمذون على أيديهما. كما أشادا كنيسة صغيرة بالجبل لكي يتقرب الكل فيها، تحولت إلى مركز روحي حيّ، يقدم إليه كثيرون لطلب المشورة والتعزية وسماع كلمة الله، وقد وهبهما الله عطية الشفاء وإخراج الشياطين. وقد عاش هذان القديسان في هذه البرية 45 عامًا مع إخوة بفرح شديد يمارسان حياة التسبحة كأنهما في الفردوس.

قيل أن الأنبا أوضاكيوس أسقف أخميم زار القديسان حيث اجتمع بهما مع بقية الآباء والرهبان، وأيضًا جمهور كبير من الشعب كان قد قدم لنوال البركة، فتحدث الأسقف إليهم وأنبأهم بما سيحل بالقديسين والرهبان مع رجال الدين والشعب بأخميم عندما ينحرف دقلديانوس عن الإيمان، وكان يشجع الكل على احتمال الاضطهاد بفرح.

موجة الاضطهاد

إذ كفر دقلديانوس أثار الاضطهاد على الكنيسة، وجاء أحد الولاة يدعى أرمانيوس إلى أخميم حيث استقبله أكابر المدينة وعظمائها وكهنتها وشعبها، أما الأسقف أوضاكيوس فكان قد تنيح من شهرين. أعلن أرمانيوس منشور دقلديانوس، وطلب منهم أن يبخروا للأوثان فهاج المسيحيون رافضين ذلك.

دهش أرمانيوس إذ لم يجد بين مستقبليه أبسكندة الكاهن العظيم للوثن، فسأل عنه الكهنة الذين ذهبوا إليه يخبرونه بأن الوالي يسأل عنه وإنه يحمل هدايا كثيرة، فأجابهم أبسكندة أنه قد صار مسيحيًا، وبدأ يكرز لهم حتى آمن الكثير منهم.

أعد أرمانيوس حفرة ضخمة ليحولها إلى أتون يحرق فيها النصارى الذين يرفضون التبخير للأوثان.

نزول القديسين إلى أخميم

ظهر رئيس الملائكة ميخائيل للقديسين ديسقورس وأسكلابيوس لينزلا إلى أخميم وينالا مع الشعب إكليل الشهادة، ففرحا بهذه الدعوة، وأقاما رئيسًا للإخوة يدعى الأنبا بطرس عوضًا عنهما.

في أخميم دخل الناسكان الكنيسة ليجدا كل الشعب ومعهم أبسكندة وبعضًا من كهنة الأوثان البالغ عددهم حوالي السبعين وأيضًا بعضًا الشعب الوثني هؤلاء الذين قبلوا الإيمان ونالوا سر العماد بفرح. فتحدث القديس ديسقورس بقلب ملتهب عن الاستعداد لنوال إكليل الاستشهاد.

بعد أيام قليلة جدًا (ربما بعد يوم أو يومين) اجتمع الكل في الكنيسة بالليل ليحتفلوا بعيد الميلاد المجيد، وقد رأس الصلاة الأنبا بانوديون الأسقف، وكان قد حضر مع الوالي أرمانيوس موثقًا، فتركه الجند لعله يتراجع عن إيمانه... أما هو فانطلق إلى الكنيسة وبقي ساهرًا مع الكل يحتفلون بالعيد.

سمع الوالي بذلك فأخذ جنده وانطلق إلى الكنيسة في الصباح، واستدعى أرخنين من الكنيسة، وسألهما أن يتركا الإيمان ويستميلا بقية الشعب عن هذا العصيان لدقلديانوس، فأبيا رفض الإيمان وسلما عنقيهما للسيف، عندئذ صرخ الشعب في الكنيسة يعلن إيمانه. انطلق الجند إلى الكنيسة وقتلوا أولاً أبسكندة وكهنته، ثم سحبوا الأسقف والناسكين والرهبان ليوثقوهم، وضربوا بالسيف كل الشعب المجتمع للعيد.

انتشر الخبر سريعًا في الكنائس الأخرى بالمدينة، فصارت الجموع تأتي إلى هذه الكنيسة لتشهد منظر طغمة من الملائكة نازلة من السماء، كل ملاك يحمل إكليلاً ليقدمه لشهيد، فكان الكل يتهافت على نوال إكليله. ويقدر عدد الشهداء في يوم ميلاد الرب (29 كيهك) بحوالي سبعة آلاف ومائتين شخصًا، وكأنهم في موكب نصرة ينطلق مع شهداء بيت لحم لينعم بالفردوس.

في السجن

أخذ الوالي يوبخ الأسقف بانوديون بأنه مثير للشغب وأنه هو السبب في قتل هذه الآلاف ثم أمر بسجنه. واستدعى الأنبا ديسقورس وصار يعذبه، وبالليل سجنه مع أخيه والرهبان الذين معهما.

في الصباح (30 طوبة) استدعى ديسقورس ومن معه وقد لاحظ أنهم محلولي الرباطات، فصار يوبخ رئيس الجند أكوديوس المنوط بحراسة السجن متهمًا إياه أنه ارتشى مع جنده ليحلوا هؤلاء الرجال. وكانت المفاجأة أن أكوديوس ومساعده فليمون وأيضًا الجند قد أعلنوا أنهم قبلوا الإيمان المسيحي، فأحرق الوالي الجند بالنار.

زكريا وأبوه

قيل أن رجلاً كان واقفًا يرى هذا المشهد ومعه ابنه الصغير زكريا، فصار الابن يصرخ قائلاً أنه يرى ملائكة تنزل من السماء، وتقدم أكاليل مجد للجند وسط النار. فصار الوثنيون المشاهدون للمنظر يتعجبون لذلك. وإذ سمع الملك بالأمر أصدر أمره بقطع لسان الابن.

انطلق الأب الوثني حزينًا على ابنه وقد صار الدم يندفع من فمه، وجموع من الوثنيين يواسونه، وإذا برئيس الملائكة ميخائيل يشفي الولد فيؤمن كثيرون بالسيد المسيح. فأحرق الوالي زكريا وأباه وقتل بالسيف الذين آمنوا، وكان ذلك في الثلاثين من كيهك.

مع أولجيوس وجنده

إذ جاء المساء أمر الوالي رئيس جند يدعي أولجيوس أن يضبط ديسقورس ورجاله في السجن، وكان أولجيوس وهو وثني يخاف الله ويتطلع إلى هؤلاء الرجال كأنبياء، لكنه كان ملتزمًا بتنفيذ أمر الوالي.

كبّل الرجال بالقيود وبقى مع جنده حارسًا للحبس وهو مرّ النفس... فظهر رئيس الملائكة ميخائيل للقديس ديسقورس كالمرة السابقة وجمعه بأولجيوس ورجاله، وصار يكرز له، حتى إذا جاء الصباح استشهد أولجيوس ورجاله كمؤمنين، دخلوا الأتون الذي أعده الوالي بفرح شديد.

وتعرض القديس ديسقورس لأتعاب كثيرة في ذات اليوم، وكان ببشاشته وشجاعته يجتذب الكثيرين من الوثنيين، وقد استشهد معه جموع كثيرة.

خلاص أرمانيوس

عاد أرمانيوس إلى القصر وهو حزين القلب من أجل الدماء الكثيرة التي سُفكت في أيام قليلة وأخيرًا نام، وإذ بديسقورس يظهر له بمجد عظيم ليوقظه. ارتعد الوالي الذي لم يعرف ديسقورس في البداية من أجل بهاء المجد الذي له، وإذ أخبره عن نفسه اختفى، فآمن الوالي بالسيد المسيح واعترف بذلك أمام دقلديانوس، واستشهد مع بعض أصدقائه بالسيف.

إبراهيم صبري: مجموعة القصص المسيحية (3)

إسماعيل ورفيقاه الشهداء

أرسل ملك الفرس إرسالية تتكون من ثلاثة شبان مسيحيين يدعون مانوئيل وسابيلSabiel وإسماعيل وكانوا أبناء ساحر مشهور، بعثهم برسالة إلى الإمبراطور يوليانوس الجاحد، قبيل الحرب التي اشتعلت بينهما وقُتل فيها يوليانوس. استقبلهم يوليانوس بحفاوة عظيمة وسألهم أن ينتظروه في بيثينية. وإذ جاء الإمبراطور رأى السفراء الثلاثة حشودًا ضخمة من الجماهير تتدفق على المعبد تكريمًا للإمبراطور، يقدمون تقدمات وعبادات للوثن. حزن الشبان، وصاروا يقرعون صدورهم. دعاهم حاجب الملك – وكان هنديًا – أن يدخلوا المعبد ويقدموا ذبائح فرفضوا بإصرار.

ثار يوليانوس على هذا الموقف عندما سمع بتصرفاتهم وأمر بقتلهم وحرق أجسادهم، مع أنهم غرباء غير تابعين لمملكته... الأمر الذي لا يحمل أية لياقة إنسانية.

إذ سمع ملك الفرس ما فعله يوليانوس بسفرائه غضب جدًا وحسبها إهانة موجه له شخصيًا بل ولكل بلده، لذا دخل معه في حرب أدت إلى هلاك يوليانوس مضطهد الكنيسة.

يُعيَّد لهم الغرب في 17 يونيو.

أنبا إشعياء الإسقيطي

لا نعرف كثيرًا عن حياته، لكن ما جاءنا عنه يكشف عن مدى سموّ حياته وقدراته الروحية والتعليمية حتى تسلم تدريب حياة الكثيرين من الرهبان في بدء حياتهم الرهبانية، وقد جاءت تعاليمه للرهبان المبتدئين حية ورائعة.

مع القديس أرسانيوس

يبدو أنه كان مسئولاً عن حياة القديس أرسانيوس في بداية رهبنته، وإذ كان الأخير يأكل صنفين بقلاً وخلاً يكسر بهذا النظام الرهباني في عهده. وقد خجل أنبا إشعياء أن يحدثه في هذا الأمر، إذ يعلم حياته الأولى كمعلم لأولاد الملوك عاش في القصر مدللاً، لكنه إذ دخل تارة قلاية أحد الإخوة المجاورين للقديس أرسانيوس يدعى زينون، ووجده يبل الخبز الجاف في ماء به ملح ليأكله بسبب الحر الشديد، وجدها فرصة لا للتشهير بهذا الأخ وإنما لتعليم أرسانيوس. أخذ الأب إشعياء الوعاء الذي به الماء ووضعه أمام قلاية أنبا أرسانيوس وأمر فدقوا الجرس واجتمع الإخوة، عندئذ قال: "يا أخي، لقد تركت تنعمك وكل مالك وجئت إلى الإسقيط حبًا في الرب وخلاص نفسك، فكيف تريد الآن أن تتلذذ ذاتك بالأطعمة... إن كنت تريد أن تأكل مرقًا امضِ إلى مصر، لأنه لا يوجد في الإسقيط تنعم". وإذ سمع الأنبا أرسانيوس، قال لنفسه: "هذا الكلام موجه إليك يا أرساني".

"والعجيب أن ما فعله مع القديس أرسانيوس حدث معه شخصيًا في بداية رهبنته، إذ دخل عليه الأنبا أخيلاس في قلايته ووجده يأكل، وكان يبل الخبز الجاف أيضًا في إناء به ماء وملح، وإذ شعر بمجيء أنبا أخيلاس أخفى الإناء وراء" الحصيرة "... لكن الأنبا أخيلاس كشف الأمر، وإذ اعتذر أنبا إشعياء إنه كان يقطع سعف النخيل في الحر، وقد جفّ حلقه لذا كان يبل الخبز الجاف... فوبخه، قائلاً له:" أبا إشعياء يأكل مرقًا في الإسقيط، إن أردت أن تأكل مرقًا اذهب إلى مصر ".

دروس في الجهاد

قيل عنه أنه حمل وعاءً ومضى إلى البيدر ليقول لمالكه: "اعطني قمحًا"، فأجابه: "وهل حصدت يا أبتِ؟" قال: "لا"، فقال له صاحب البيدر: "كيف تريد إذن أن تحصد من حيث لم تزرع؟!" قال الأب: "إذن من لا يعمل لا يأخذ أجرة"... ثم تركه الشيخ ومضى.

إذ رأى الإخوة ذلك انحنوا أمامه، قائلين: "اخبرنا لماذا فعلت ذلك؟" أجاب الشيخ: "فعلت هذا مثالاً، من لا يعمل لا يتقبل من الله جزاء".

إرشاداته للمبتدئين

ليس شيء ينفع المبتدئين مثل (احتمال) الإهانة، فالمبتديء الذي يحتمل الإهانة يكون شجرة ترتوي كل يوم.

كما أن الغصن الغضّ ينحني بسهولة، هكذا المبتدئون الذين يعيشون في الطاعة.

المبتديء الذي يتنقل من دير إلى دير يشبه حيوانًا يركض هنا وهناك بسبب ذبابة خيل.

قال أيضًا إنه إذ كان الإخوة مجتمعين يأكلون في الكنيسة (المبنى الملحق بها) وجبة محبة وكانوا يتكلمون فيما بينهم، انتقدهم كاهن البلسم (الفرما)، قائلاً: "اصمتوا يا إخوة، فقد رأيت أخًا يأكل معكم ويشرب مثلكم، وصلاته ترتفع إلى حضرة الله مثل النار.

الصلاة

أحب الصلاة في كل حين ليضيء قلبك بأسرار الله.

لا تتوانى في صلوات السواعي (الأجبية)، لئلا تقع في أيدي أعدائك. اجهد نفسك في تلاوة المزامير، فإن ذلك يحفظك من خطية الدنس.

الجهاد

إن كنت في شيء من تعب الرهبانية ورأيت الشياطين قد انهزموا منك وانغلبوا في القتال فلا تطمئن، بل كن على حذر منهم... واعلم أنهم يهيئون لك قتالاً أشر من الأول...

الصوم يذل الجسد، والسهر ينقي العقل، أما كثرة النوم ففيه خسارة العقل وجفاف العينين وغلاظة القلب.

حب التعب والمشقة في كل شيء لتخفف عنك أوجاعك.

الكسل يجلب علينا الأعداء، ابغض الكسل كيلا تحزن.

مصادقة العظماء

إن مضيت إلى رؤساء (عظماء) العالم مريدًا مصادقتهم فليس فيك خوف الله.

إن شئت أن تكون معروفًا عند الله، فلا تُعرف الناس بنفسك، لأن المرتبط بأمور العالم إذا سمع الحق يرذل قائله.

العفة وحفظ الحواس

احفظ قلبك وعينيك فلن يصيبك بأس جميع أيام حياتك.

إذا تحدث أناس بأفكار لم تبلغها ولم تُحارب بها فامتنع عن سماع كلامهم هذا، لئلا تجلب على نفسك ذلك القتال.

احذر من فتح فمك بالضحك، فإن الضحك يوضح عدم وجود خوف الله.

إياك أن تتمادى في ذكر خطاياك السابقة، والتلذذ بها، لئلا تنتابك الأتعاب، وإن قوتلت بزنا في أحلام الليل، فاحفظ فكرك من تذكرها بالنهار، ولا تذكر أيضًا تلك الأجساد التي أبصرتها أثناء نومك، لئلا تتدنس بلذتها وتجلب على نفسك حزنًا.

ليكن فكرك منشغلاً بالله، وهو يحفظك. ابغض كلام العالم ليفرح قلبك بالله.

التوبة

إن قال لي إنسان: "إني أريد أن أتوب عن خطاياي"، وهو لا يزال يفعل شيئًا منها فهو كاذب.

إن أخطأت في أمر ما فلا تستح وتكذب، بل اسرع وقر بذنبك واستغفر، فيغفر لك.

طوبى لمن اهتم من أجل جراحاته لتُشفى، وعرف خطاياه، وطلب من أجلها الغفران.

المحبة

لتكن محبًا للمؤمنين لتحل عليك رحمة الله. لتكن محبًا للقديسين لتغار بأعمالهم الصالحة.

لنكن محبين لجميع الناس لنخلص من الغيرة، لنكن متصالحين مع كل أحد لنخلص من الغيرة...

عدم الإدانة

إذا أبصرت إنسانًا قد أخطأ فلا تحتقره ولا تزدري به، لئلا تقع في أيدي أعدائك...

إذا سمعت أخًا يدين آخر فلا تستح منه أو توافقه لئلا يغضب الله، بل قل بتواضع: "اغفر لي يا أخي فإني إنسان شقي، وهذه الأمور التي تذكرها أنا منغمس فيها ولست أحتمل ذكرها".

من لا يدين أحدًا فقد استحق الراحة، إذا انشغلت عن خطاياك وقعت في خطايا أخيك.

إن قلت أن فلانًا صالحًا وفلانًا شرير خربت نفسك.

إشعياء وبسويس الأسبانيان

يحدثنا المؤرخ الرهباني بلاديوس عن أخين من أب أسباني يدعيان بسويس Poesius (أو بشوي) وإشعياء لا نعرف عنهما أكثر مما ورد في كتابه، إذ يقول:

[كذلك كان هناك (في جبل نتريا) بسويس وإشعياء، وهما ابنان لتاجر أسباني. مات والدهما فقسّما ميراثهما البالغ خمسة آلاف قطعة من العملة وثيابًا وعبيدًا. تشاورا معًا ودبرا أمرهما هكذا: "يا أخي، ما هي الحياة التي سنعيشها؟ إن اشتغلنا بالتجارة كأبينا فإننا سنترك تعبنا لآخرين؟ وسنتعرض لمخاطر القراصنة في أعالي البحار. هلم بنا نمارس الحياة الرهبانية فننتفع بخيرات أبينا ولا نخسر نفوسنا"

استهوتهما فكرة الحياة الرهبانية لكنهما اختلفا في وجهة النظر، فإنهما إذ قسّما ميراثهما كان كل منهما يود أن يرضي الله بأسلوب حياة مختلف. فقام واحد بتوزيع كل ما عنده على الأديرة والكنائس والسجون، وتعلم صنعة كي يكسب قوته بالتعب، مكرسًا وقته في التداريب النسكية والصلاة. أما الآخر فلم يوزع ماله بل بنى به ديرًا لنفسه وقبل قليلاً من الإخوة، وكان في كل سبت وأحد يقيم ثلاث أو أربع موائد يستضيف إليها كل غريب ومريض وشيخ وفقير، هكذا صرف أمواله.

ولما مات كلاهما كثرت الأقاويل عنهما مع أن كليهما سلك بالكمال. فضّل البعض الواحد والبعض الثاني. وإذ حدثت منافسة بين الإخوة في مديح واحد عن الآخر، ذهبوا إلى الطوباوي بامبو ووضعوا الحكم بين يديه، طالبين أن يعرفوا أي الطريقتين أفضل. فقال لهم: "كلاهما كامل، أحدهما أظهر عمل إبراهيم (كرم الضيافة) والآخر عمل إيليا (إنكار الذات)".

سأل فريق: "نتوسل إليك عند قدميك كيف يمكن أن يتساوى الاثنان؟" وكان هذا الفريق يظن أن الناسك هو الأعظم، مصرّين أنه نفذ ما أمر به الإنجيل إذ باع كل ماله معطيًا إياه للمساكين وحمل صليبه وتبع المخلص في صلواته (لو 18: 22؛ 9: 23، 14: 27). أما الآخرون فأكدوا أن إشعياء قد شارك الفقراء في كل شيء إذ كان يجلس في مفارق الطرق ويضم المتضايقين، فلم يكن يخفف عن نفسه فقط، بل كان يخفف عن الآخرين مهتمًا بالمرضى ومعينًا لهم.

أخبرهم بامبو: "مرة أخرى أقول أنهما متساويان، وأؤكد لكل واحد منكم أنه لو كان الأول لم يعش ناسكًا لما كان مستحقًا أن يقارن بصلاح الآخر. أما الآخر فإن كان قد أنعش الغرباء لكنه قد أنعش نفسه (روحيًا)، فإنه وإن بدى حاملاً أثقال التعب (الضيافة للغرباء) لكنه كان يشعر بالراحة (الروحية) بعد ذلك. انتظروا إلى أن أنال إعلانًا من الله، ثم تعالوا إليّ وأعلمكم".

جاءوا إليه بعد أيام، فأخبرهم: "رأيت كليهما واقفين في الفردوس في حضرة الله".

هذه القصة تكشف عن مفهوم الكلمات الرسولية: "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح، واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد، وأنواع أعمال موجودة لكن الله واحد الذي يعمل للكل" (1كو 12: 4 - 6). يلزمنا لا أن ننشغل بنوع موهبتنا فنفتخر بها على غيرنا، أو تصغر نفوسنا أمام مواهب الغير... إنما نهتم كيف نضرم مواهبنا بالروح القدس، فنُحسب أمناء لننال الكنز الأبدي!

Palladius: the Lausiac History, ch 14.

إشعياء وهور وبولس

يروي لنا القديس جيروم في كتابه عن تاريخ الرهبان، أن ثلاثة من الرهبان النساك الكاملين التقوا معًا عند شاطئ النهر الكبير، وكان الثلاثة يريدون زيارة معترف يدعى نوبي Nopi، وكان مقيمًا في مدينة بعيدة.

يبدو أنه في شيء من الدعابة قالوا لنرى من يغلب ويكرمه الله فيبلغ بنا سريعًا إلى الموضع، عندئذ قال أباهور أو أبا أور: "إنني أسأل الله هذه العطية أن ننطلق إلى المدينة بقوة الروح بلا تعب"، في الحال صلى فوجدوا قاربًا معدًا للرحلة، وفي وقت قصير جدًا بلغوا المدينة مع أن الريح كانت مضادة.

إذ صعدوا من النهر قال إشعياء: "أكثير على الله يا أحبائي إن كان الرجل الذي نحن قادمون إليه يأتي إلينا ويقابلنا ويحدثنا عن حياته وأعماله؟!" أما بولس فقال: "لقد أعلن الله لي إنه سيأخذه بعد ثلاثة أيام...

"لم يسيروا إلا قليلاً جدًا وإذا بالرجل يلتقي بهم ويحيهم.

قال له بولس: "أخبرنا أيها الأخ عن حياتك وأعمالك فإنك سترحل إلى الله بعد غد".

قال أبا نوبي: "مبارك هو الله الذي أعلن لي هذه الأمور، وأظهر لي مجيئكم، وكشف لي عن حياتكم وأعمالكم".

إذ وصف لهم استقامة سلوكهم مع بعضهم البعض، وأظهر لهم حياتهم وكيف يجاهدون، بدأ الحديث معهم عن حياته وأعماله، قائلاً:

"منذ اليوم الذي فيه اعترفت باسم ربنا يسوع المسيح، مخلصنا وإلهنا، لم تخرج كلمة بطالة من فمي على الأرض، ولم آخذ شيئًا أرضيًا، فإن ملاكًا يطعمني بغذاء سماوي.

ليس في قلبي شهوة أكثر من الله.

الله لم يخفِ عني شيئًا مجيدًا ومكرمًا.

لم أكن محتاجا لنور لعينيّ.

لم أنم في النهار، وبالليل لا أكف عن التوسلات لله.

ملاك الرب يصاحبني على الدوام، ويظهر لي قدرة العالم العتيد؛ نوره لا يفارق عقلي.

ما أطلبه من الله يهبني إياه حالاً.

في كل الأوقات أرى ربوات الملائكة واقفين أمام الله. وأرى جماعات القديسين، كما أنظر جموع الشهداء. أتطلع إلى نصرات الرهبان المتألمين. أشاهد أعمال الإخوة المتوحدين، وجموع الأبرار. أرى كل الخليقة تمجد الله.

أرى الشيطان وقد أُسلم للنار المحرقة، كما أنظر ملائكته يعانون العذابات، أما الأبرار فينالون غبطة بلا توقف ".

إذ نطق المعترف نوبي بذلك، كما تحدث معهم في أمور روحية كثيرة، في اليوم الثالث أسلم الروح، وجاءت ملائكة وجيوش من الشهداء تستقبل نفسه وتحملها وهي تسبح... وقد سمع الإخوة الثلاثة أصواتهم كما رأوهم عيانًا.

St. Jerome: His. Of Monks, ch. 17.

اغابوس الرسول

هو أحد السبعين رسولاً الذين اختارهم الرب ليكرزوا أمامه، وكان مع التلاميذ الاثني عشر في علية صهيون وامتلأ من مواهب الروح القدس المعزي ومُنِح نعمة النبوة كما يخبرنا سفر أعمال الرسل بقوله: "وبينما نحن مقيمون أيامًا كثيرة انحدر من اليهودية نبي اسمه أغابوس، فجاء إلينا وأخذ مِنطقة بولس وربط يديّ نفسه ورجليه وقال هذا يقوله الروح القدس: الذي له هذه المِنطقة هكذا سيربطه اليهود في أورشليم ويسلمونه إلى أيدي الأمم" (أع21: 10 - 11). وقد تمت هذه النبوة (أع21: 17 - 36)، وتنبأ أيضًا عن حدوث جوع عظيم بالمسكونة كلها، وقد تم ذلك في أيام كلوديوس قيصر (أع11: 27 - 28).

ثم كرز هذا الرسول ببشارة الإنجيل مع الرسل القديسين وطاف بلادًا كثيرة معلمًا وهاديًا حتى ردَّ كثيرين من اليهود واليونان إلى معرفة السيد المسيح وطهرهم بسر المعمودية، فقبض عليه اليهود بأورشليم وضربوه كثيرًا، ثم وضعوا في عنقه حبلاً وجروه خارج المدينة حيث رجموه بالحجارة إلى أن أسلم روحه الطاهرة. عند ذلك نزل نور من السماء رآه الجمع الحاضر كأنه عمود متصلاً بجسده وبالسماء، وأبصرت ذلك امرأة يهودية فقالت: "حقًا إن هذا الرجل بار"، وصاحت بأعلى صوتها قائلة: "أنا مسيحية مؤمنة بإله هذا القديس"، فرجموها أيضًا.

السنكسار، 4 أمشير.

اغابي الشهيدة

تحتفل الكنيسة القبطية بعيد استشهاد العذارى القديسات الأخوات أغابي وإيريني وسيونية وشيونيةChionia في الثامن من شهر برموده.

هؤلاء العذارى كن تقيات محبات للسيد المسيح، ارتبطن معًا بدالة المحبة القوية مع الرب، وكن يترددن على أحد أديرة الراهبات بتسالونيكي مدينتهن، وكن يمارسن بفرح الحياة التقوية النسكية متمثلات بالراهبات.

إذ أثار دقلديانوس وشريكه مكسيمانوس الاضطهاد هربت هؤلاء العذارى إلى الجبل، وقد حملن معهن كتب الدير، اختبأن في مغارة، وصرن يداومن على الحياة النسكية.

كانت سيدة عجوز تفتقدهن مرة كل أسبوع لتقدم لهم احتياجاتهن، وتبيع لهم عمل أيديهن، وتتصدق عنهن بما يفضل. حدث أن رآها أحد الأشرار فحسبها تخفي أشياء ثمينة في الجبل، فاقتفى أثرها من بعيد حتى عرف موضع المغارة، وإذ خرجت دخل ليجد عرائس المسيح يصلين، فربطهن وأحضرهن إلى الوالي.

سألهن الوالي عن إيمانهن فاعترفن أنهن مسيحيات، عابدات يسوع المسيح، فصار يسخر بهن، ويطالبهن أن يأكلن مما ذبح للأوثان فرفضن. عندئذ أمر الوالي بإحضار الكتب التي في حوذة هؤلاء الأخوات، وأحرقها أمام الجميع.

التقى أيضًا الإمبراطور بهن ودار بينه وبينهن حوارًا جاء فيه:

أغابي: "أيها الإمبراطور المقدس، من شأنك أن تهتم بالأمم، وترعى الدولة، وتعتني بالجيش، لكن ليس لك أن تتحدث ضد الله الحيّ الذي بدونه لا تقدر أن تفعل شيئًا". وهنا يلتفت الوالي إلى شيونية ليقول: "أتجيبي أختك، فإنها غبية؟!" تجيب شيونية: "أختي في كمال الفهم، بحق تجحد التقدمات الشريرة". عندئذ يلتفت إلى إيريني أصغرهن ويقول لها أن تكون أحكم من أختيها، فتجيبه إن كان ما تقوله الأختان جنونًا فهي تقبله.

أمر دقلديانوس بإلقائهن في السجن، فكانت القديسة أنسطاسية تفتقدهن وتعزيهن. وإذ ذهب دقلديانوس إلى مكدونية استدعاهن، وسلمهن للوالي هناك دولسيتوسDolcitius الذي رآهن فاشتعل قلبه بهن من أجل جمالهن. وإذ كانت السجون مكتظة حبسهن الوالي في مطبخ، وبالليل جاء ليتأكد من وجودهن، فكان المطبخ مظلمًا. سمعهن يرتلن المزامير، وإذ كان مخمورًا انطلق نحو المطبخ وظن أنه أمسك بواحدة فقبلها وإذ به يجد نفسه ممسكًا بقدر أسود متسخ خطأ، فارتبك جدًا.

في الصباح استدعاهن للمحاكمة، وأمر بجلدهن وهن عراه، وإذ كان قد سهر الليل كله يسكر، نعس قبل التنفيذ، وعبثًا حاول أحد الحاضرين أن يوقظه.

سمع دقلديانوس بما حدث فأمر بمحاكمة الفتيات بواسطة نبيل يدعى سيسينيوس، الذي ألقى الأختين أغابي وشيونية في النار، بينما هدد أصغرهن وأجملهن إيريني أن يبعث بها إلى بيت الدعارة. أما هي فلم تخف من التهديد وأكدت له أنها لن تترك إلهها، وإنه هو الحافظ لها من الفساد... أخيرًا ضُربت بسهم فأسلمت الروح ونالت مع أختيها إكليل الاستشهاد.

Rev. Baring – Gould: Lives of the Saints, April 3.

العذراء الشهيدة أغابي: توجد شهيدات كثيرات باسم أغابي كن عذارى.

اغابيطوس الأسقف

القديس الأسقف أغابيطوس أو أغابيتوس Agapitus

في عهد الإمبراطور دقلديانوس وشريكه مكسيميانوس، وقد ربياه والده تربية مسيحية تقوية، وإذ كبر صار شماسًا.

أحب الحياة الرهبانية فكان يزور أحد الأديرة ويخدم الشيوخ؛ متدربًا على يديهم الحياة النسكية والسهر الروحي، فتقدم في الفضيلة، ووهبه الله عطية صنع الآيات.

سمع عنه ليكينيوس (ليسينيوس) Licinius الوالي فاستحضره وضمه إلى الجندية، فمارس حياته النسكية في الجيش. ولما ملك قسطنطين البار وكان له غلام مريض عزيز لديه سمع عن هذا الجندي من بعض القادة فتعجب كيف يوجد بين الجنود إنسان يصنع عجائب ويسلك بالنسك، فاستدعاه. صلى الجندي للغلام فوهبه الله الشفاء، وإذ أراد أن يكافئه الإمبراطور، سأله أن يطلقه من الجندية ليمارس حياته النسكية في حرية. وبالفعل عاد إلى حيث مسكنه الأول وانفرد للعبادة.

سامه الأسقف بعد قليل كاهنًا، وإذ تنيح الأسقف أُختير للأسقفية فمارس العمل الرعوي بأمانة وحب، وكان الله يجري على يديه عجائب كثيرة.

تحتفل الكنيسة القبطية بعيد نياحته في 24 من شهر أمشير.

اغابيطوس الشهيد

في 18 أغسطس تحتفل الكنيسة اللاتينية بعيد استشهاد شاب يدعى أغابيطوس. نشأ في فاليسترينا Palestrina، قُدم أمام الوالي أنطيخوس في عهد الإمبراطور أورليان وتعرض لعذابات شديدة انتهت بقطع رأسه.

ويرى الدارسون اللاتين – مع تأكيد حقيقة استشهاده –إلا أن العذابات التي وردت في سيرته حملت شيئًا من المبالغة، إذ جاء فيها أنه ألقي في السجن المظلم أربعة أيام بلا طعام أو شراب، فصار مريضًا وخائرًا، ولم يحتمل الشمس بعد فترة الظلام الدامس... وعندما سأله أنطيخوس أن يضحي للأوثان لم يستطع الإجابة وإنما اكتفي بتحريك رأسه يعلن الرفض. عندئذ أمر الوالي بإلقاء فحم ملتهب على رأسه وكتفيه، كما سُحب من قدميه وانهال عليه الضرب. وإذ فقد وعيه تمامًا، ألقي عليه ماء مغلي على صدره وبطنه، كما هُشم فكه بحجر... ومع ذلك بقى حيًا.

قيل أنه إذ حدث هذا كله وأنطيخوس يمتع نظره بهذه العذابات سقط الأخير عن كرسيه ميتًا.

سمع الإمبراطور أوريليوس بما حدث للوالي فأمر بتقديم الشاب للوحوش في المسرح العام لتأكله... وإذ كانت الجماهير تترقب هذا المنظر كعادتها لتجد متعة في افتراس الحيوانات للبشر... انطلقت الوحوش بسرعة هائلة لتأتي عند قدمي هذا المتألم تلحس قدميه، وكأنها تعلن خلال الطبيعة ما فقده البشر خلال الفكر والمنطق.

تأثر جدًا المحامي أنسطاسيوس إذ رأى المنظر وقبل الإيمان في الحال... بينما قطعت رأس الشهيد أغابيطوس خارج باب المدينة.

Butler’s Lives of Saints, Aug. 18.

اغابيوس الشهيد

في عهد الإمبراطور دقلديانوس ومكسيميانوس، إذ أراد الأخير أن يحتفل بعيد ميلاده كما يروي لنا أوسابيوس القيصري، وجد في تعذيب المسيحيين تسلية تبهج قلوب الوثنيين، فقدم الشهيد أغابيوس وأخته تكلا للعذابات، إذ يقول:

[في السنة الرابعة من الاضطهاد الذي وُجه ضدنا، في اليوم الثاني عشر قبل أول ديسمبر، وهو اليوم الأول من شهر ديوس، في اليوم السابق للسبت، وكان الطاغية مكسيميانوس حاضرًا يحتفل بعيد ميلاده بمظاهر غاية في الترف، تمت الحادثة التالية في مدينة قيصرية، وهي تستحق التدوين.

بحسب العادة القديمة كان عند حضور الإمبراطور تُعرض مناظر أمام المشاهدين أكثر فخامة من أي وقت آخر، مناظر جديدة وغريبة بدلاً من المسليات العادية من استعراض لحيوانات أُحضرت من الهند أو أثيوبيا أو أية أماكن أخرى، أو عوض الألعاب الرياضية التي تدهش المتفرجين... فإذ كان الإمبراطور نقسه يقدم العرض وجب تقديم ما هو أكثر غرابة، فما عسى أن تكون هذه؟

أُحضر أحد المدافعين عن تعليمنا، وأقيم في الوسط، واحتمل الآلام من أجل الديانة الحقيقية الوحيدة، هو أغابيوس... كان مع تكلا التي قُدمت طعامًا للوحوش. أما هو فأُستدعى من السجن إلى المسرح مع المجرمين ثلاث مرات. أو أكثر، وفي كل مرة كان يُستبقى لنضال آخر بعد أن يهدده القاضي بعذابات متنوعة، وكان استبقاؤه إما شفقة به أو على رجاء أن يغيّر رأيه.

في هذه المرة إذ كان الإمبراطور حاضرًا أُستدعي، وكأنه قد أُبقي لهذه الفرصة لكي تتحقق فيه كلمة المخلص التي أعلنها لرسله بمعرفته الإلهية، أنه يجب أن يساقوا أمام ملوك من أجل شهادتهم له (مت 10: 18).

لقد أُخذ إلى وسط المسرح مع أحد المجرمين الذي قيل أنه كان متهمًا بقتل سيده.

هذا القاتل إذ طُرح للوحوش أُعتبر مستحقًا أن يعامل بالرأفة والإنسانية – كما حدث مع باراباس في أيام مخلصنا – وامتلأ المسرح بأصوات الهُتاف والاستحسان لأن الإمبراطور قد عفى عنه وأهّله للحرية والكرامة.

أما أغابيوس، المصارع من أجل الإيمان، فقد استدعاه الطاغية أولاً ووعده بالحرية إن جحد الإيمان. أما هو فشهد بصوت عالٍ أنه يكون سعيدًا أن يحتمل كل ما يحل به... وإذ قال هذا اندفع بنفسه ليلتقي بدُب أطلقوه عليه، مسلمًا نفسه باغتباط ليلتهمه، بعد هذا إذ بقي فيه نفسًا يردده طرح في السجن، وإذ عاش يومًا آخر ربطت حجارة في قدميه وأُغرق في البحر].

هذا ما سجله لنا يوسابيوس القيصري عن هذا الشهيد الذي حُسب كسيده مستحقًا للعذابات والموت، بينما تصرخ الجماهير لتطالب بالعفو عن القتلة والمجرمين... أما ما هو أعظم فهو أنه يجري بنفسه إلى الدب إذ يرى السموات مفتوحة والأيدي الإلهية تستقبله، فلا يرى موتًا وحرمانًا بل قيامة وشبعًا في الرب.

يوسابيوس القيصري: شهداء فلسطين 6.

اغاتودرس الشهيد

رسمه القديس هرمون بطريرك أورشليم، مع أوجانيوس وألبيدوس أساقفة بدون كراسي، قاموا بالكرازة في مدن كثيرة، فتعرضوا للرجم (15 برمهات).

اغاثا الشهيدة

العفيفة

إحدى شهيدات القرن الثالث، احتملت الكثير من أجل محبتها للسيد المسيح وشوقها للحياة البتولية من أجل الرب. وقد وُجد في روما كنيستان باسمها ترجعان للقرن السادس الميلادي.

نشأتها

نشأت في جزيرة سيسيلياSicily؛ غالبًا ما وُلدت في مدينة باليرما Palermo، واستشهدت في مدينة كاتانياCatania نفس الجزيرة.

اتسمت هذه الفتاة بجمالها البارع مع شرف نسبها وتقواها، فسمع عنها حاكم الجزيرة الوثني كينسيانوسQuintian فأراد الزواج بها، وقد عُرف بشره. أما هي فإذ عرفت كانت تصرخ في صلاتها، قائلة:

"يا يسوع المسيح، رب الجميع، أنت ترى قلبي وتعرف اشتياقي. أنت تملكني بكليتي كما أنا.

أنا من غنمك، اجعلني أهلاً أن أغلب الشيطان! "

اضطهادها

إذ أصدر داكيوس (ديسيوس) قيصر أمره باضطهاد المسيحيين وجد الحاكم فرصته لتحطيم ما في قلب العذراء أغاثا، وإلزامها بجحد مسيحها. سلم الحاكم هذه البتول لامرأة شريرة تدعى أفردوسيا، فتحت بيتها ومعها بناتها الست للدعارة، فكانت أغاثا في هذا الموضع تبكي ليلاً ونهارًا، وحينما كانت المرأة تحاول إثارتها بكلمات شريرة كانت البتول تنتهرها قائلة لها: "إني أحسب لسانك هو لسان الشيطان الساكن في قلبك لا لسان امرأة". حاولت المرأة أن تهددها بالعذابات التي يعدّها لها الحاكم إن لم تترك مسيحها وتتخلى عن بتوليتها، أما أغاثا فكانت ثابتة في إيمانها وعفتها.

إذ بقيت شهرًا كاملاً في بيت الدعارة انطلقت أفردوسيا إلى الحاكم تخبره بثبات هذه البتول. فاستدعاها الوالي وصار يلاطفها ويعدها بكرامات كثيرة فلم تبال بكلماته، وإذ هددها لم ترتجف.

أمر الحاكم بقطع ثدييها، لذا اعتادت الكنيسة الغربية أن تصورها حاملة طبقًا عليه ثديان.

أُلقيت في السجن بعد قطع ثدييها دون علاج أو طعام، وقيل أن الرب أرسل لها القديس بطرس في السجن فأضاء السجن بنور سماوي حتى هرب الحراس، أما هي فنالت الشفاء ولم تهرب.

استدعاها الحاكم وأمر بإلقائها في النار لتُحرق، وإذ كانت تحتمل بصبر حدث زلزال فمات اثنان من الذين يعذبونها. وإذ طُرحت في السجن صلت واستودعت روحها في يدي ربنا يسوع.

تُعيِّد لها الكنيسة اليونانية في 6 فبراير، واللاتينية في 5 فبراير.

اغاثانجيلوس الشهيد1

كلمة "أغاثانجيلوس" Agathangelus مكونة من كلمتين "أغاثو" معناها "صالح"، و "أنجيلوس" معناها "ملاك"، فيكون اسم الشهيد "الملاك الصالح".

يدعى أيضا "أغاتيوس" وأيضًا "أكاكيوس" Acacius.

قيل أنه كان أسقفًا لإنطاكية بيسيدية، وإن كان البعض يرى أنه كان أسقفًا لمدينة Melitene بأرمينيا الصغرى.

إذ كان قلبه ملتهبًا غيرة، لم يكف عن العمل والرعاية فاستدعاه مارتيان الوالي، فأعلن الأسقف أن المسيحيين موالون وخاضعون للإمبراطور، يصلون من أجله بانتظام؛ وإذ طلب منه الوالي التعبد للإمبراطور رفض، ودخل معه في حوار ديني طويل.

اتهمه مارتيان بالسحر وطلب منه أسماء السحرة المساعدين له، فأجاب الأسقف أنه ليس بساحر وأن المسيحيين يبغضون السحر.

وإذ أخذ يهدده أظهر له الأسقف إيمانه بالله كأب صالح يخلصنا من الموت. ولما بدأ يُلح طالبًا أسماء المسيحيين، في قوة الروح أجابه الأسقف: "أنا تحت المحاكمة وأنت تطالبني بأسماء آخرين! إن كنت لا تقدر أن تغلبني فهل تظن أنك تقدر أن تغلب الآخرين؟! أنت تريد أسماء، حسنًا! أنا أدُعى أكاكيوس، وشهرتي أغاثانجيلوس! أفعل بي ما شئت!"

ألقيّ أكاكيوس في السجن وأُرسل تقرير عنه للإمبراطور داكيوس Decius (249 - 251) الذي ثار عند قراءته. وقد قيل أنه نال عفوًا إمبراطوريًا في ظروف خاصة، لكنه عاد فاستشهد.

Butler’s Lives of Saints، March 31.

اغاثانجيلوس الشهيد2

استشهد هذا الشهيد الشماس مع أسقف أنقرة القديس اكليمنضس مشاركًا إياه في آلام سيده، وكان ذلك حوالي عام 308 (يُعيد لهما في الغرب في 23 يناير).

اغاثوبس وثيؤديلوس الشهيدان

قدم الشماس أغاثوبس Theodulus Agathopus شهادة صالحة للإيمان في مدينة تسالونيكي، في بدء القرن الرابع.

قُدما أمام الوالي فوستينوس الذي بذل كل الجهد معهما باطلاً لكي يتعبدا للأوثان. لقد ألقيا في السجن فنظرا رؤيا أنهما مبحران في سفينة وسط البحر، يقاومان ريحًا عنيفة جدًا. عندئذ انكسرت السفينة، وغطسا في الماء، لكنهما هربا إلى صخرة، وصعدا على تل. لقد تحقق ذلك في استشهادهما إذ أُلقيّ في البحر كأمر الحاكم، وقد ربط في عنقيهما حجارة، لكنهما سبحا في الماء وصعدا إلى جبل صهيون السماوي في حضرة الملك الرب.

Rev. Baring - Gould: Lives of Saints، April 4.

اغاثوس الشهيد1

شهيد كبادوكي يدعى أغاثوس Agathus أو أكاكيوس Acacius، استشهد في عهد الإمبراطور دقلديانوس ما بين عامي 303، 305م.

كان قائد مائة في الجيش، احتمل مع سبعة وسبعين من زملائه عذابات كثيرة من أجل تمسكه بالإيمان. حوكم أمام محكمة فرميوس Firmus لدى بيرنثوس Perinthus بتراسياThrace، أمام قاض عنيف للغاية يدعى بيبينوس Bibienus.

اقتيد مربوطًا بالسلاسل إلى بيزنطية حيث جُلد علانية وأخيرًا قُطعت رأسه.

ضمت القسطنطينية كنيستين أو ثلاث باسمه "القديس أكاكيوس"، أحدهما أُنشأت في عهد قسطنطين الكبير، وقد دُعيت بالجوزة "شجرة جوز"، إذ قيل أنها ضمت شجرة الجوز التي عُلق عليها القديس وضُرب بالسياط.

يُعيَّد له في الكنيسة الغربية في 8 مايو.

Butler's Lives of Saints، May 8.

اغاثوس الشهيد2

الابن الأكبر للشهيدة رفقة التي من قوص (عيد استشهادهم 7 توت).

اغاثون

البابا التاسع والثلاثون

حياته

كلمة "أغاثو" أو "أغاثون" معناها "صالح"؛ وقد كان هذا الأب صالحًا كاسمه.

نشأ أغاثو في منطقة مريوط محبًا لحياة التأمل بقلب منفتح نحو الخدمة، لهذا عندما اضطر البابا بنيامين (38) إلى الاختفاء بسبب الضيق الذي عاناه من الملكيين تخفى الكاهن أغاثو في زي نجار، يحمل أدوات النجارة جهرًا، ممارسًا أعمال الكهنوت الرعوية والسرائرية خفية، يشدّد الشعب على احتمال الضيق، ويقيم لهم الأسرار الإلهية. لهذا إذ عاد البابا بنيامين بعد دخول العرب مصر اتخذ الكاهن أغاثو سكرتيرًا خاصًا، فكان الإنسان التقي الأمين في خدمته لكنيسته ورعايته للشعب.

مرض البابا بنيامين، وصار ملازمًا الفراش قرابة عامين فكان الكاهن أغاثو هو المتصرف في تدبير أمور الكنيسة، فتعلق به الشعب جدًا لأمانته ورقته ووداعته.

سيامته بطريركًا

إذ تنيح البابا بنيامين (38) أُنتخب بطريركًا، وإذ وجد عددًا كبيرًا أسرى من روم وصقليين وإيطاليين فكان يفتديهم بالمال، ويترك لهم حرية الاختيار أن يبقوا بمصر أو يعودوا إلى بلادهم.

في عهده ذهب أحد التابعين لكنيسة الملكانيين (الأروام) بمصر يُدعى ثيؤدورس إلى دمشق والتقى بالخليفة زيد بن معاوية، وقدم له مبلغًا كبيرًا من المال لينعم عليه بسلطان على الإسكندرية ومريوط، وعاد إلى الإسكندرية يضايق البابا أغاثو، يطلب منه جزية سنوية ويرهقه بدفع كل ما ينفقه على النوتية في الأسطول.

اضطر البابا أن يلتزم بالبقاء في قلايته ليلاً ونهارًا، إذ كان ثيؤدورس أوصى أتباعه أن من يراه يرجمه بالحجارة ويقتله، أما البابا فكان يصلي من أجله.

لم يتوقف البابا عن العمل، فكان يرسم كهنة أتقياء خائفي الله يعملون، وكان يدبر أمور شعبه من قلايته.

تنيح البابا سنة 677 م بعد أن بقى على الكرسي 17 عامًا. أسرع ثيؤدورس يغلق أبواب البطريركية ويختمها بالشمع الأحمر، فاستاء الشعب من ذلك، والتجأ الأراخنة بسخا إلى والي سخا، الذي تدخل ورفع هذا الثقل عن الشعب. غير أن الله لم يهمل ثيؤدورس إذ ضربه بمرض الاستسقاء ومات وسط آلام مرة.

تحتفل الكنيسة القبطية بعيد نياحته في 16 من شهر بابه.

اغاثون الشهيد

كان جنديًا وثنيًا ملتحقًا بالجيش الروماني المرابط بالإسكندرية. عاصر فترة الاستشهاد في عهد ديسيوس (داكيوس 249 – 251 م) وشاهد الشهداء يواجهون العذابات المرة بوجه باش وفرح حقيقي، مع ثبات في الإيمان وشجاعة، بغض النظر عن جنس الشهداء رجالاً ونساء، أو سنهم أو وظيفتهم أو مركزهم الاجتماعي. اجتذبته نعمة الله فأحب السيد المسيح والمسيحيين. لذلك عندما كُلف بحفظ النظام أثناء محاكمة الشهيدين يوليان وأونوس كان يهتم بحفظ الشهيدين من بطش الوثنيين، كما اهتم بحفظ جسدي الشهيدين وتسليمهما للمسيحيين.

أُتهم بالتواطؤ مع أعداء الآلهة، ولما مثل أمام القاضي كان ينعته القاضي بأنه مسيحي كنوع من الاستخفاف، أما هو فكان في حديثه معه يعلن أن هذا مجد له وشرف لا يستحقه. نصحه القاضي أن يتعقل ويرجع عن ضلاله. أما هو فكان يعترف بالإيمان مسلمًا رأسه للقطع لينال إكليل الاستشهاد.

بركة صلواته تكون معنا أمين.

Cheneau: Les Saints D'Egypt، t 2، p 527 (Dec. 7).

أغاثون العمودي القديس

رهبنته

ولد بمدينة تانيس بجزيرة ببحيرة المنزلة من أبوين تقيين خائفين الله، محبين للصدقة والعطاء، وكان قلبه يشتعل بحب الرهبنة لتكريس كل طاقاته للعبادة. وإذ بلغ خمسة وثلاثين عامًا سيم قسًا، فلازم الكنيسة، خادمًا شعب الله بكل محبة، لكن بقي قلبه ملتهبًا بالحياة والتأمل والرغبة في الرهبنة.

وهبه الله سؤل قلبه فانطلق من المدينة إلى مريوط، ومنها إلى الإسقيط، فتتلمذ على جماعة من الآباء القديسين أبرام وجاورجي. أقام هناك ثلاث سنوات، فأحبه الجميع وأدركوا قوة روحه وفضائله. صلى عليه الأنبا يؤانس قمص شيهيت ومعه جماعة من القديسين ثلاثة أيام متوالية وألبسوه الإسكيم الملائكي، فصار يجاهد بالأكثر في حياته النسكية، بأصوام وصلوات بلا انقطاع.

انطلاقه إلى سخا

اشتاق أن يتمثل بالقديس سمعان العمودي، فاستشار الآباء بالبرية الذين استصوبوا رأيه، وصلوا من أجله، حيث انطلق من البرية إلى نواحي سخا في كنيسة صغيرة، فبنى له المؤمنون مسكنًا شبه عمود صعد إليه.

كان بقلبه المتسع حبًا وبنفسه النقية يخدم الشعب، بصلواته وإرشاداته، وقد وهبه الله عطية عمل الآيات، نذكر منها:

1. في أيامه ظهر إنسان به شيطان عنيد يضل الناس، فكان يجلس في الكنيسة وحوله الشعب يحمل سعف النخيل وأغصان الشجر؛ استدعاه القديس وصلى عليه وأخرج منه الشيطان.

2. ادعت سيدة أن القديس مارمينا يكلمها، وطلبت من الشعب أن يحفروا بئرًا على اسم مارمينا ليبرأ كل من يستحم فيها من مرضه. صلى القديس على المرأة فخرج الروح الشرير، ثم ردم المؤمنون البئر.

3. ادعى شخص إنه يخرج الشياطين، إذ كان يضرب من بهم أرواح نجسة فيسكتون إلى حين، مدعيًا أنه أخرج منهم الأرواح الشريرة. استدعاه القديس لكي يحضر فلم يطع، بل استرسل في طغيانه وكبرياء قلبه. وفي أحد الأيام إذ عبر الوالي به وكان حوله مجموعة من الذين سيطرت عليهم الأرواح الشريرة، صاروا يهينون الوالي ويشتمونه. استدعى الوالي هذا الرجل وأمر بتعذيبه حتى مات. وهكذا نال جزاء كبرياء قلبه وعدم طاعته.

4. ظهرت الشياطين للقديس أغاثون العمودي في شكل ملائكة ترتل له وتطوبه؛ أدرك خداعهم، ورشم عليهم علامة الصليب ففروا مغلوبين.

عاش هذا القديس مائة عام، أقام 35 عامًا في العالم قبل الكهنوت، وخمس سنوات ككاهن بتانيس، 10 سنوات ببرية شيهيت، 50 سنة في مسكنه العمودي. وأخيرًا إذ مرض اجتمع حوله كثيرون فوعظهم، ثم صلى، وأسلم الروح بين دموع الكثيرين.

تعيِّد له الكنيسة في 14 من شهر توت.

اغاثون القديس

هو أحد آباء البرية في القرن الرابع، عاش متغربًا لا يستقر في موضع، ولا يملك شيئًا قط، استطاع بحكمته الفائقة وتجرده مع محبته ولطفه أن يكون له أثره الفعّال في حياة الكثيرين من الرهبان.

تتلمذ وهو حدث على يدي القديس بيمين، فكان الأخير يوقره، حتى إنه إذ كان يتحدث مع بعض المتوحدين وجاء ذكره دعاه "أبا أغاثون" فدهشوا لذلك، ولما سأله الأب يوسف أجاب أن فمه أكسبه هذا اللقب، إذ عُرف بالحكمة.

ذهب إلى الإسقيط وعاش زمانًا مع تلميذيه إسكندر وزويل، اللذين صارا بعد نياحته تحت إرشاد القديس أرسانيوس. ترك الإسقيط ربما بعد هجوم البدو الأول وعاش مع تلميذه إبراهيم بجوار النيل بالقرب من طره.

تعرف على الآباء القديسين أمون ومقاريوس ويوسف وبطرس في الأيام الأولى من الإسقيط.

فيما يلي بعض ملامح حياته:

1. محبته

مع ما اتسم به القديس من حياة نسكية قاسية كان همّه الأول منصبًا على حياته الداخلية، خاصة نقاوة قلبه من جهة علاقته مع الله والناس، يحرص ألا يشوب قلبه شيئًا، لذا قال:

بدون حفظ الوصايا الإلهية لا يستطيع أحد أن يتقدم ولا في فضيلة واحدة!

إني ما رقدت قط وأنا حاقد على أحد، وحسب طاقتي لم أترك أحدًا يرقد وهو حاقد عليّ.

الغضوب وإن أقام ميتًا لن يكون مقبولاً لدى الله.

لو كان ممكنًا أن ألتقي بأبرص أعطيه جسدي وآخذ جسده لكنت سعيدًا جدًا، لأن هذه هي المحبة الكاملة.

يروى عنه أنه نزل يومًا إلى المدينة ليبيع عمل يديه فالتقى به مقعد على الطريق، فسأله أن يصنع به معروفًا ويحمله إلى المدينة، فحمله. وإذ باع بعض السلال سأله أن يشتري له كعكة بالثمن، وإذ باع أخرى طلب أطعمة أخرى، وهكذا حتى باع كل السلال. وعندئذ سأله المقعد أن يحمله إلى حيث وجده أولاً. جاء به إلى الموضع؛ اختفي الرجل وهو يقول له: "مبارك أنت في السماء وعلى الأرض" فأدرك أنه ملاك الرب أرسل لتزكيته.

2. اهتمامه بالحياة الداخلية

يقدم لنا الأب أغاثون فهمًا حقيقيًا للحياة الرهبانية بل وللحياة المسيحية، بكونها ليست نضالاً نسكيًا بحتًا، وإنما هي حياة داخلية مقدسة ترتبط بالحياة النسكية بلا انفصال، إذ قيل: [سأل أحدهم أبا أغاثون: أيهما أفضل: النسك الجسدي أم السهر الداخلي؟ فأجابه الشيخ: الإنسان يشبه شجرة، أوراقها النسك الجسدي والثمر هو السهر الداخلي. وإذ كُتب: "كل شجرة لا تأتي بثمر تقطع وتلقى في النار" (مت 3: 10)، فمن الواضح أنه يلزمنا الاهتمام بالثمار أي الاهتمام بالروح، ولكنها تحتاج إلى حماية الأوراق وزينته أي للنسك الجسدي].

3. تجرده

عاش الأنبا أغاثون متجردًا من كل شيء، لا يملك شيئًا سوى سكينًا يشق بها الخوص أينما وُجد، لذا كان يغير مكانه دون تعب ولا حاجة أن يأخذ معه مؤونة.

قيل أنه إذ كان يسير بين الحقول مع تلاميذه وجد أحدهم على الطريق حزمة من الحمص الأخضر (ملانه) فاستأذن أن يأخذها. نظر إليه الأب بتعجب، وقال: "هل أنت الذي وضعتها هنا؟ لماذا إذن تريد أن تأخذ ما لم تضعه في هذا المكان؟"

"قدم له واحد من الشعب مالاً، فاعتذر عن قبوله، معلنًا له أن عمل يديه يكفي معيشته، فأصّر الرجل أن يقبل العطية ويقدمها للآخرين، فأجابه القديس:" إنه لأمر مخز أن أقبل ما لا حاجة لي، وأُعرض نفسي للتجربة بالمجد الباطل بإعطائي الآخرين مالاً ليس لي! "

4. حكمته

اتسم القديس أغاثون بالحكمة، فقد جاءه الأب بطرس تلميذ الأب لوط يسأله كلمة منفعة، إذ كان يريد أن يقيم مع الإخوة، فأجابه: "ضع في ذهنك أنك غريب كل أيام حياتك مثل أول يوم تدخل فيه معهم، ولا تكن لك دالة معهم، وتدخل معهم فيما لا يعنيك، فسوف تقضي زمان غربتك في راحة". وإذ كان الأب مقاريوس حاضرًا سأله: "ماذا تصنع هذه الدالة؟" أجاب: "إنها تشبه ريحًا قوية محرقة، أينما حلّت يهرب كل شيء من أمامها، وتفسد ثمار الأشجار". عندئذ قال الأب مقاريوس: "هل لهذه الحرية في الكلام مثل هذا التأثير السيء؟" أجاب: "ليس هناك هوى أشر من اللسان غير المضبوط، إذ هو والد كل الأهواء..."

إذ سمع أحد الإخوة عن نعمة التمييز التي اتسم بها، أرادوا أن يجربوه ليروا إن كان يغضب، فقالوا له: "أأنت هو أغاثون الذي نسمع عنك أنك متعظم؟" فقال: "نعم الأمر هو كذلك كما تقولون"، قالوا له: "أأنت أغاثون المهذار المحتال؟" قال لهم: "نعم أنا هو". قالوا له: "أأنت أغاثون الهرطوقي". أجاب: حاشا وكلا، إني لست مهرطقًا ". ولما سُئل لماذا احتمل كل الإهانات ما عدا الاتهام بالهرطقة، أجاب: إنني أرى كل التهم الأولى في نفسي، وقبولها يعود عليّ بالنفع، أما أن يكون الإنسان هرطوقيًا، فهذا يعني أنه قد انفصل عن الله، وأنا لا أريد أن أنفصل عنه". فلما سمعوا هذا تعجبوا من هذه النعمة.

هذا وقد قيل عنه أنه في بدء حياته الرهبانية كان يضع في فمه حجرًا صغيرًا ليتدرب على السكون، وذلك لمدة ثلاث سنوات. لكن ما هو أعظم أنه لم يكن صامتًا بلسانه فحسب، وإنما بقلبه لا يسمح لنفسه أن يدين أحدًا، يعرف أن يبني نفسه كما غيره بصمته كما بكلماته.

بقى حريصًا على خلاص نفسه إلى النفس الأخير، ففي رقاده الأخير سأله الإخوة ماذا ينظر فقال لهم إنه ينظر دينونة الله... ولما ألحوا عليه أن يتكلم قال: "اصنعوا محبة ولا تتكلموا الآن لأني مشغول"، ثم رقد بفرح، وكانوا يرونه يرحل عنهم كمن يودع أصدقاء أحباء له.

من كلماته

التعرف على إرادة الله: هكذا يجب أن يكون فهم القديسين أن يعرف الإنسان مشيئة الله، وأن يكون بكليته سامعًا للحق، خاضعًا له، لأنه في صورة الله ومثاله.

فاعلية الصلاة: سأله الإخوة بخصوص قتال الزنا، فقال: امضوا اطرحوا ضعفكم أمام الله فتجدوا راحة.

الطريق الضيق: الذي يجد طريق القديسين ويمشي فيها يُسر بالأحزان، لأن سبيل الخلاص مملوء أحزانًا.

التواضع وحب الذات: إكليل الراهب الإتضاع.

لا يمكنك أن تحيا حياة مرضية أمام الله ما دمت محبًا للذات.

محبة الاقتناء: إن كنت مشتاقًا إلى ملك السماء فاترك غنى العالم.

Bendicta Ward: The Saying of the Desert Fathers; p 17 - 22.

أغاثونيس الشهيدة

تمتعت بنوال إكليل الاستشهاد مع الأسقف كاربس منGurdos بليديا وزوجها الشماس بإبليس من ثياتيرا كما أخبرنا يوسابيوس المؤرخ (4: 15)، وذلك أمام الحاكم الروماني في برغامس بآسيا الصغرى، في عهد الإمبراطور ديسيوس، وإن كان البعض يرى أن استشهادهم تم في عهد مرقس أوريليوس (إما حوالي عام 250م أو حوالي 170 م).

نترك الحديث عن الأب الأسقف والشماس فيما بعد لنذكر هذه السيدة الخائفة الله أغاثونيس، التي وقفت أمام الحاكم بشجاعة ترفض إنكار إيمانها. لقد حاول المحيطون بها أن ينصحوها كي تنقذ حياتها وتتطلع إلى أطفالها، فأجابتهم بقوة: "أولادي معهم الله، وهو يعتني بهم". ولما هددها الحاكم بالموت كغيرها لم تبالِ. أُخذت إلى موضع الاستشهاد وإذ رُفع الغطاء عن وجهها اندهشت الجماهير لجمالها.

اشتعلت النيران، فرفعت أغاثونيس صلاة قصيرة: "أيها الرب يسوع المسيح أعني فاحتمل ذلك لأجلك"، وكررت ذلك ثلاث مرات لتسلم روحها وسط النيران.

تذكرها الكنيسة الغربية في 13 أبريل.

أغاثي الأم

راجع الشهيدة ربسيما.

أغربينا الشهيدة

كان ينظر إليها الغرب كشفيعة لإخراج الأرواح الشريرة وشفاء البرص وتهدئة العواصف العنيفة.

يُقال أن هذه القديسة العذراء أغربينا Agrippina كانت من عائلة شريفة ثرية، تعرضت في روما لعذابات قاسية بشكر، وأخيرًا استشهدت في عصر فالريان، وربما في عهد دقلديانوس. قام ثلاث نسوة بتكفينها، هن باسا وباولا وأغاثونيس، ونقل جثمانها إلىMineo بسيسلا Sicily - غالبًا موطنها الأصلي - حيث دفنت هناك، وقد أظهر الله عجائب كثيرة من جسدها.

نُقل جسدها إلى القسطنطينية حتى لا يتعرض لعبث غير المؤمنين.

تحتفل الكنيسة الرومانية بعيد استشهادها في 23 يونيو.

Butler's Lives, of Saints, Jun 23.

أغربينوس

البابا العاشر

ولد بالإسكندرية، وسيم قسًا، وقد عُرف بتقواه وصلاحه، لذلك عندما تنيح كلاديوس، انتخبه الشعب والأساقفة بالإجماع أسقفًا على الإسكندرية، وجلس على الكرسي في مسري سنة 167 م، في عهد مرقس أورليوس.

وقد عاصر اضطهاد هذا الإمبراطور فكان يسند المؤمنين ويعظهم، بل وكان كارزًا للوثنيين، انضم منهم عدد كبير إلى الإيمان.

تنيح في الخامس من أمشير سنة 178 م.

غريغوريوس أسقف نيصص القديس

✥ أحد الآباء العظام، دعاه القديس غريغوريوس النزيانزي: "عمود الكنيسة كلها" ولقّبه الأب مكسيموس المعترف "معلم المسكونة". عاش في بداية حياته محبًا للعلم والأدب، وانطلق إلى حياة الخدمة والجهاد وكرس أواخر حياته للنسك والتأمل الإلهي في أعماق سماوية.

✞ نشأته:

وُلد حوالي عام 330 م من أبوين مسيحيين تقيين في مدينة قيصرية الكبادوك يُدعيان باسيليوس وإميليا ابنة شهيد، له تسعة إخوة من بينهم أسقفان (باسيليوس الكبير وبطرس أسقف سبسطية)، والقديسة ماكرينة التي صارت رئيسة دير، وكان لها دورها الفعّال في حياة أخوتها بما تمتعت به من مواهب فكرية وتقوية ونسكية.

لم يكن يميل إلى الحياة الدينية، طلبت منه والدته أن يشترك مع الأسرة في احتفالها بعيد شهداء سبسطية الأربعين، إذ كانت والدته قد بنت كنيسة على رفاتهم لكنه لم يرد الحضور وتحت الإلحاح حضر على مضض. وإذ نام في الاحتفال رأى بستانًا جميلاً أراد دخوله فمنعه الأربعون شهيدًا، عندئذ استيقظ من نومه نادمًا على ما فرط منه، وقرر أن يقبل الإيمان المسيحي طالبًا صلوات هؤلاء الشهداء.

قيل أن والديه رقدا في الرب وهو صغير فاهتم به القديس باسيليوس والقديسة ماكرينا، فكان ينظر إليهما بكل وقار وتكريم.

✞ بين الزواج والبتولية:

كان غريغوريوس ميالاً للبلاغة والأدب، وقيل أنه قطع شوطًا كبيرًا في ذلك طامحًا في مراكز هذا العالم وشهرته، لكن صديقه القديس غريغوريوس النزينزي كان يحثه على تكريس حياته للخدمة الإلهية والعبادة كأخيه باسيليوس وأخته ماكرينا.

تأثر غريغوريوس بكلمات صديقه، بعد أن كان قد تزوج بفتاة تدعى ثيوسيبيا Theosebia، التي مدحها فيما بعد عندما كتب عن البتولية، ودعاها القديس غريغوريوس النزينزي صديقته القديسة وأخته الطوباوية، بل وعند نياحتها رثاها، قائلاً: "فخر الكنيسة وبركة جيلنا". هكذا كان ينظر إليها القديس بإجلال وتقدير.

على أي الأحوال، نال بعد ذلك القديس غريغوريوس الكهنوت ويرى البعض أنها بقيت معه في الخدمة يسلكان كأخوين، وإن كان البعض يرى أنها انضمت إلى القديسة ماكرينا في ديرها.

انطلق القديس غريغوريوس المتزوج ولكن بقلب التهب بالبتولية إلى فلسطين ومصر لزيارة الآباء الرهبان والنساك المتوحدين، وعاش فترة من الوقت سنة 358م في جبل أناسيس بمنطقة بونتيوس، وهناك التصق بصديقه النزينزي، وقد حاول القديس باسيليوس أن يجعله يستقر ويبقى في جبل أناسيس فلم ينجح في ذلك.

✞ سيامته أسقفًا:

في عام 370م رُسم القديس باسيليوس الكبير أسقفًا على قيصرية الكبادوك، ولما كان الإمبراطور فالنس قد بدأ يشن حملة اضطهاد ضد السالكين بإيمان مجمع نيقية، أراد القديس باسيليوس أن يحيط نفسه بمجموعة من الأساقفة ألمستقيمي الرأي، فسام القديس غريغوريوس النزينزي أسقفًا على زاسيما، وأخاه غريغوريوس على مدينة نيصص عام 373م وكانت زوجته مازالت تعيش كبتول أو قد تنيحت.

في عام 374م أراد الإمبراطور فالنس بميوله الأريوسية التخلص من الأساقفة ألمستقيمي الإيمان، فاتهم غريغوريوس أسقف نيصص بتبديده أموال الكنيسة وأن سيامته باطلة، فنفاه لمدة أربع سنوات. كانت هذه الفترة فرصة للقديس يعيش فيها حياة التأمل، فصار يفكر بجدية في أفكار القديس باسيليوس النسكية، وبدأ يساعده في تأسيس الحركة الرهبانية بالكبادوك فكتب أول عمل له: "مقال في البتولية، كتبها كإنسان متزوج ارتبط بزوجته بعلاقة مقدسة ومحبة روحية، لكنه شعر بسمو الحياة البتولية التي خلالها يتفرغ القلب والفكر وكل طاقات الإنسان للعبادة والخدمة خارج العوائق الزوجية أو الالتزامات الزوجية.

✞ تجديد نشاطه الرعوي:

في نهاية عام 377 م عاد إلى مقر كرسيه بموافقة الإمبراطور جراتيان Gratian حيث اُستقبل بحفاوة شديدة وسط الأمطار الغزيرة. وفي عام 379م إذ تنيح أخوه القديس باسيليوس تأثر جدًا، وشعر بالالتزام أن يضاعف جهده، ليكمل رسالة أخيه من جهة نشاطه الرعوي وعمله اللاهوتي وتنظيم الحركة الرهبانية.

في خريف عام 379م اشترك في مجمع إنطاكية، وفي رجوعه من أنطاكية وقف في أناسيس ليحضر نياحة أخته القديسة ماكرينا، ولما رجع إلى إيبارشيتة وجد أتباع أنوميوس قد احتلوها، فصار يجاهد لدحض بدعتهم التي حملت فكرًا أريوسيًا، إذ رفضوا أن الابن واحد مع الآب في الجوهر، إنما يحمل قوة من الآب لكي يخلق، وأن الابن خلق الروح القدس أولاً كأداة في يده لتقديس النفوس.

وفي عام 380م دُعي إلي إيبورا بالقرب من أناسيس لمناسبة اختيار أسقف جديد لها.

وفي عيد القيامة لعام 380م رجع إلي نيصص حيث ألقى ثلاث عظات عن "الصعود وحلول الروح القدس"، كما كتب رسالة إلي أخيه بطرس أسقف سبسطية.

وفي عام 381م حضر مجمع القسطنطينية حيث كان له دور فعّال فيه، وخلاله اتجهت إليه الأنظار كأحد قادة الكنيسة العظماء في الشرق. حمَّله المجمع مسئولية رعاية بعض البلاد، والقيام بمصالحة أسقفين بالعربية. وفي عودته من العربية زار أورشليم وإذ رأي بعض الزوار يسيئون التصرف هناك كتب رسالة شديدة اللهجة في هذا الأمر. هناك أُتهم بهرطقة أبوليناريوس التي تتجاهل كمال ناسوت المسيح إذ تحسبه يحمل جسدًا بلا نفس بشرية، وإنما حل اللاهوت عوض النفس البشرية، فكتب القديس رسالة يدافع فيها عن نفسه.

وفي نهاية عام 381م رجع إلي نيصص، وفي الشتاء الثاني كتب ضد هرطقة أبوليناريوس وأيضًا ضد أنوميوس.

وفي عام 385م أُختير ليقول كلمة رثاء في وفاة الإمبراطورة فلاسيلا وابنتها بولكاريا.

واجه القديس متاعب كثيرة من الأسقف هيلاديوس أسقف قيصرية مما دفعه إلي تكريس حياته للحياة التأملية حتى تنيح عام 395م.

✞ كتاباته:

يرى الدارسون أن كتاباته تعتبر أروع ما سجله الآباء الكبادوك العظام، فقد فاق في كتاباته القديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس النزينزي. كتاباته حملت فكرًا عميقًا ومتسعًا، تكشف عن نفس ملتهبة غيرة ومتقدة بالحيوية.

أهم كتاباته هي:

1. مقالاته العقيدية: إذ كتب أربعة مقالات ضد أنوميوس، حملت أيضًا تفنيدًا للأريوسية، ومقال يوضح الأبولينارية كطلب بابا الإسكندرية ثاؤفيلس (23)، ومقال يرد على كتاب أبوليناريوس موضحًا أن جسد المسيح لم ينزل من السماء، وأن اللاهوت لم يحل محل النفس البشرية، عظة عن الروح القدس ضد مقدونيوس، وعدة مقالات توضح الثالوث القدوس، موجهة إلى رجل كنسي يدعى أبلابيوس Ablabius.

2. أعماله التفسيرية: أهمها عمله الذي أراد أن يكمل به تكملة كتاب القديس باسيليوس عن "أيام الخليقة الستة Hexameron"، حياة موسى، عن عناوين المزامير، 15 عظة عن نشيد الأناشيد، عن الصلاة الربانية، (1مل 28) (العرافة وروح صموئيل النبي)، عن التطويبات، عظتان عن 1 كورنثوس.

3. أعماله النسكية: فقد دعي "أب الحياة الباطنية"، كتب عن البتولية، وعن اسم المسيحي وعمله، عن الكمال، حياة ماكرينا الخ...

4. عظاته: منها عظات ليتورجية مثل عيد الأنوار (عماد السيد المسيح)، في الفصح المقدس والقيامة، عن صعود المسيح، عن الروح القدس في عيد البنطقستي، عن ميلاد المسيح. كما قدم عظات أو ميامر في أعياد الشهداء والقديسين مثل عظاته عن القديس اسطفانوس، وعيد القديس غريغوريوس النزينزي، وفي مدح الشهيد ثيؤدور، والأربعين شهيدًا بسبسطية. وأيضًا مراثي في صلوات الجنازات، وعظات سلوكية.

5. رسائله

القمص إشعياء ميخائيل: من مجد إلى مجد، 1982م.

غريغوريوس الأرمني القديس

✥ يسمى "القديس غريغوريوس المستنير" St. Gregory The Illuminator، ذلك لأنه قدم نور السيد المسيح لشعب الأرمن بطريقة فائقة، حتى دعي "رسول أرمينيا". تدعوه الكنيسة القبطية "الشهيد بغير سفك دم"، وتذكره في مجمع القداس الإلهي، اختاره شعب نابولي بإيطاليا عام 1636م شفيعًا عن مدينتهم.

إذ يرى بعض الدارسين أنه المؤسس الحقيقي لكنيسة أرمينيا، وإن كان البعض يرى أنه قد سبقه آخرون لكنه هو قام بدور رئيسي إذ استطاع أن يحول الملك إلى المسيحية، ليجعل المسيحية هي الديانة الرسمية للبلاد، وهو بهذا جعل أرمينيا أول بلد في العالم يقبل ملكها المسيحية، لذا يلزمنا أن نقدم في سطور قليلة عن الكنيسة الأولى في أرمينيا، فيمكننا تتبع سيرة هذا القديس.

✞ الكنيسة الأولى بأرمينيا:

يرى البعض أن المسيحية قد انطلقت إلى أرمينيا على يدي القديسين برثلماوس وتداوس منذ القرن الأول، وآخرون يرون أن المسيحية قد بدأت خلال بعثات تبشيرية في القرن الثاني جاءت من إنطاكية وفارس، غير أن الكل لا يتجاهل الدور الرئيسي الذي قام به القديس غريغوريوس المستنير، الذي سيم أسقفًا على أرمينيا بواسطة رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك عام 294م، فجذب الملك تريداته الثالثTiridates III (238 – 314م) للإيمان، وحول كثير من الوثنيين إلى الإيمان بالمسيحية، لذا حُسب مؤسس الإيبارشية الرئيسية فيEtchmidzin بجوار جبل أراراط، وصار جاثليقًا على أرمينيا وقدم من نسله عددًا ممن نالوا هذا المركز، وكان رئيس أساقفة قيصرية يقوم بالسيامة حتى صارت كنيسة أرمينيا مستقلة عن قيصرية.

في عام 390م انقسمت أرمينيا بين البيزنطيين والفارسيين، تتقاسمها الإمبراطوريتان، وفي أيام الجاثليق إسحق الكبير تم استقلالها تمامًا عن قيصرية الكبادوك، وانطلقت حركة أرمينية قومية خاصة بظهور حركة ترجمة ضخمة للكتاب المقدس والتراث المسجل باليونانية إلى اللغة الأرمينية.

✞ نشأته:

وُلد حوالي سنة 240م في مدينة فالارشياباط التي كانت أكبر مدن أرمينيا، عاصمة إقليم أراراط، من سلالة ملوكية. قام والدهParthian بتحريض البعض بقتل الملك خوسروف الأولKhosrov الأرميني، فقبض عليه الجند وقتلوه، أما غريغوريوس فكان مع أخيه طفلين استطاعت مربيتهما صوفيا أن تهرب بهما إلى قيصرية الكبادوك (بتركيا)، حيث قامت بتربيتهما في حياة تقوية مقدسة. كان غريغوريوس يتحلى بالحياة الفاضلة مع نبوغه أيضًا في العلم والفلسفة.

تحت ضغط مربيته تزوج وأنجب طفلين ثم اتفق مع زوجته على الحياة البتولية لتكريس طاقتهما للعبادة لله، فانضمت زوجته إلى إحدى أديرة النساء، أما غريغوريوس فقد أراد التكفير عن خطأ والده فتقدم لخدمة ابن الملك القتيل، "تريداته الثالث" يخدمه بأمانة فائقة.

دخل تريداته في حرب مع سلطان الغوط فانتصر عليه وقبض عليه وسلمه للإمبراطور الروماني فأنعم عليه بعرش والده وعينه واليًا على بلاد أرمينيا، فعاد إليها كملك عام 287 م.

أراد تريداته أن يقدم ذبيحة شكر للآلهة التي حسبها أنها هي التي ردت له مُلك والده، طلب من غريغوريوس أن ينوب عنه في تقديم القرابين... أما الأخير ففي لطف أخبره أنه مسيحي ولا يعتقد بالأوثان... فقام الوالي (الملك) بتعذيب غريغوريوس بعذابات مرة خاصة وأن بعض رجاله أخبروه أن والد غريغوريوس هو قاتل والده.

أعيت الوالي الحيل في تعذيب غريغوريوس إذ كان الرب في كل مرة يخلصه ويشفيه حتى ألقى رصاصًا مغليًا في فمه، وأخيرًا أمر بإلقائه في جب عميق يموت فيه جوعًا وعطشًا.

في طريقه إلى الجب، أمام مدينة فريزا تقدمت الجماهير ومعها المرضى يطلبون منه الصلاة، وكان الله يتمجد فيه، حتى آمنت زوجة الوالي وابنه فاستشهدا على يدي الوالي نفسه.

✞ في الجب:

تحول الجب إلى مقدس لله، فيه ينعم غريغوريوس بحياة تعبدية مفرحة وسط الضيق الخارجي، وقد أعد الله له سيدة عجوز أبصرت في رؤيا من يقول لها: "اصنعي خبزًا والقيه في ذلك الجب"، فكانت تفعل ذلك لمدة 14 عامًا.

في هذه الفترة هام الإمبراطور دقلديانوس بحب فتاة تدعى "اريبسما"، وإذ كانت قد نذرت البتولية هربت إلى أرمينيا، طلب الإمبراطور من الوالي تريداته أن يبحث له عنها في أديرة النساء، وبالفعل وجدها وإذ رآها سقط في حبها أراد الزواج بها لكنها رفضت. قام بحبسها مع امرأتين لتحاولا إغراءها فلم تفلحا بل قاومتهما وقاومت الوالي نفسه وهربت، فأرسل وراءها جلادين قبضوا عليها وأحرقوها بالنار، وقتلوا 32 عذراء كن معها.

تريداته الهائم في الأدغال:

اشتد الحزن بالوالي تريداته على اريبسما حتى دخل في حالة اكتئاب نفسي شديد، ولم يعد قادرًا على ممارسة عمله، فأخذه بعض رجاله إلى خارج المدينة في رحلة صيد لعله يستطيع أن ينسى، وإذ انتابه روح شرير صار كخنزير بري ينهش جسده ويصارع مع من حوله، وانطلق في الأدغال هائمًا.

إذ علمت أخته بما أصابه، وكانت إنسانة نقية القلب، تولت أعمال الولاية وهي تبكي بمرارة من أجل أخيها، فظهر لها ملاك في ليل يعلمها أن أخاها لن يبرأ ما لم يخرجوا غريغوريوس من الجب.

في الصباح أخبرت رجال الدولة بما رأت فحسبوا أن ما رأته إنما من قبيل الهواجس لشعورها بالذنب لما حدث مع غريغوريوس منذ 14 عامًا، لكن تكرر الحلم أربع مرات في الليلة التالية، وإذ أصرت على طلبها أرسلت بعضًا من رجال الدولة يلقون حبلاً في الجب ليرفعوا دانيال الجديد من الجب حيًا.

استقبلت الجماهير هذا الأب باحتفال عظيم وانطلقت الأخت تطلب بدموع من القديس أن يصفح عنها وعن أخيها ويطلب من الله شفاءه.

شفى القديس غريغوريوس الوالي تريداته باسم السيد المسيح مع ترك بعض علامات في جسده، لتذكره بالماضي إلى حين يتم شفاءه بالكامل، بعد قبول الإيمان المسيحي.

تحولت حياته الباقية إلى عمل كرازي غير منقطع، وتحول الكثير من الوثنيين للإيمان المسيحي وبنيت الكنائس، ممارسًا أعمالاً فائقة باسم السيد المسيح. سامه رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك ليونتيوس أسقفًا على أرمينيا عام 294م، فسام كهنة للخدمة وتفرغ للكرازة بين الوثنيين في بلاد أرمينيا. وقد أطال الله عمره حتى بداية حكم قسطنطين الكبير حيث زاره القديس مع الملك يوحنا لتقديم التهنئة له.

مال في نهاية أيامه إلى حياة الوحدة فاعتزل في جبل قريب Mount Manyea وقد دُعي لحضور مجمع نيقية عام 325م فأرسل ابنه أريسطاشهAristakes، الذي كان قد قام بالعمل كنائب عنه بناء على إلحاح الشعب، وخلفه كجاثليق أرمينا.

قضى ستة أعوام في خلوته يمارس حياة النسك والتأمل، وإذ قربت لحظة انتقاله (حوالي عام 330م) دخل جوف شجرة ضخمة وركع يصلي لينتقل، فدفنه بعض الرعاة دون أن يعرفوا شخصه. فظهر في رؤيا لأحد الأتقياء يدعى كارنيكوس وأخبره عن جسده لينقله إلى طردانوس بعد حوالي 60 عامًا من انتقاله.

✞ الكنيسة الأرمينية تذكر له أربعة أعياد: طرحه في الجب، إخراجه من الجب، ظهور الرؤيا السماوية له، تذكار ظهور جسده؛ أما كنيستنا فتحتفل بإخراجه من الجب في 19 توت ونياحته في 15 كيهك.

اغريغوريوس الراهب

ولد هذا القديس بصعيد مصر، وكان والداه غنيين وتقيّين، أدباه وثقفاه فتعلم الفصاحة والطب، كما درس العلوم الكنسية.

سامه أسقف المدينة الأنبا إسحق شماسًا، وكان بطبعه يميل للحياة الرهبانية، فكان يتردد على القديس باخوميوس أب الشركة. وأخيرًا انضم إلى رهبان الدير وتتلمذ على يدي القديس ثلاثة عشر سنة.

إذ زار القديس مقاريوس القديس باخوميوس، استأذن الراهب إغريغوريوس أبيه الروحي لينطلق إلى وادي النطرون، حيث أقام هناك عامين، ثم استأذن القديس مقاريوس ليعيش في مغارة يمارس حياة الوحدة، مكث بها سبع سنين، كان خلالها يزور القديس مقاريوس مرتين في العام، في عيدي الميلاد والقيامة.

أخيرًا قبل نياحته بثلاثة أيام أعلمه ملاك بانتقاله فدعى شيوخ البرية وودعهم وطلب إليهم الصلاة عنه وتنيح بسلام.

تحتفل الكنيسة بعيد نياحته في الرابع والعشرين من شهر توت.

غريغوريوس العجائبي القديس

✥ كتب لنا عن حياته سميّه القديس غريغوريوس أسقف نيصص، كما امتدحه القديس باسيليوس الكبير مشبهًا إيّاه في عجائبه بموسى النبي. إنه يمثل الإنسان الذي في أعماقه يشتاق للحق فلا يقبل الإيمان المسيحي فحسب، وإنما قبله بقوة في حياته ليحيا بروح إنجيلي رسولي، ومع قداسة حياته العجيبة عمل كارزًا بين الوثنيين بقوة فائقة.

✞ نشأته:

كان يدعى قبل عماده ثيؤدور، ولد في قيصرية الجديدة ببنطس، من أبوين ذوي شهرة وكرامة عالية، وثنيين.

توفي والده وهو في الرابعة عشرة من عمره، لكنه أكمل تعليمه إذ كان محبًا للمعرفة ومشتاقًا إلى إدراك الحق، وكان مهتمًا بدراسة القانون.

في عام 233 م، صاحب أخته التي رافقت زوجها، الذي كان له مركزه في ولاية قيصرية فلسطين، وأيضًا معه أخوه أثينادوراس Athenodorus، الذي صار بعد ذلك أسقفًا واحتمل الكثير من أجل الإيمان بالسيد المسيح. هناك في قيصرية الجديدة كان العلامة أوريجينوس قد وصل وافتتح مدرسته بها، فحضر غريغوريوس (ثيؤدور) بدء افتتاحها، وعوض توجهه إلى بيروت ليتعلم القانون ارتبط هو وأخوه بالعلامة أوريجينوس وأحبّاه جدًا إذ يقول: "أرشدنا ملاك الرب في طريق هذه الحياة، وربطنا بحبل المودة مع هذا الرجل العظيم، الذي منه سنستفيد جدًا، فأحسن استقبالنا مع عدم معرفته السابقة لنا، ومع كونه مسيحيًا، وأظهر لنا سرورًا كأننا أناس هداهم الله إلى أشراكه ليصطادنا ويربحنا للإنجيل وينقذنا من ظلام عبادة الأوثان".

على يدي العلامة أوريجينوس قبل الأخوان الإيمان المسيحي، وأدركا أن الحق الذي يطلبانه لا يوجد في كتب الفلاسفة والفكر البشري المجرد، وإنما ننعم به خلال نور الإيمان وإعلانات الله الفائقة للنفس... وهكذا انضم الأخوان إلى الموعوظين الذين يتتلمذون على يدي العلامة أوريجينوس ويسمعون تفسيره للكتب الإلهية.

تتلمذ القديس غريغوريوس على يدي معلمه لمدة خمس سنوات، وفي السنة 238م عاد إلى مدينته "قيصرية الجديدة" بعد أن شكر معلمه علانية في مقال أمام حشد كبير، مادحًا إياه على لباقته وحكمته التي بهما قاده في دراسته، كما بعث المعلم رسالة لتلميذه فيها يدعوه ابنه المكرم، حاثًا إياه أن يضرم كل مواهبه وطاقاته لحساب الرب، وأن ينتفع بما درسه من فلسفات في خدمة الإيمان وذلك كما استخدم العبرانيون ما أخذوه من المصريين في إقامة خيمة الاجتماع.

قيل أنه قبل ذهابه إلى بلده انطلق أولاً إلى الإسكندرية، ربما للاستزادة ببعض المعرفة من جهة الطب والفلسفة. وقد اتسم بنقاوة وطهارة مع أنه لم يكن بعد قد نال سّر العماد. قيل أن بعض الحاقدين أرادوا تشويه صورته، وإذ كان يتباحث مع بعض الوثنيين في أمور فلسفية دخلت عليهم امرأة زانية، ونظرت إليه علانية تطلب أجرتها، لتوحي للحاضرين أنه ارتكب معها الخطية، أما هو فلم يضطرب بل طلب من أحد الحاضرين أن يعطيها ما تطلبه. إذ أخذت الدراهم التي طلبتها دخلها روح شرير وصارت معذبة جدًا، فقام ثيؤدور (غريغوريوس) وصلى من أجلها فخرج الروح الشرير، واعترفت أمام الحاضرين عن الذين حثوها أن تفعل هذا لإفساد سيرة هذا الرجل.

✞ عماده:

إذ عاد إلى مدينته نال سرّ العماد ودُعي غريغوريوس في المعمودية. انطلق إلى البرية يمارس حياة الخلوة والتأمل ودراسة الكتاب المقدس؛ غير أن القديس فيديموس أسقف أماسيا إذ سمع عنه اشتاق إلى سيامته أسقفًا على مدينة قيصرية الجديدة التي لم يكن بها من المسيحيين سوى 17 شخصًا. شعر القديس بذلك فهرب، لكن فيديموس وقد تمررت نفسه من أجل المدينة التي بلا رعاية وقف أمام الله بدموع يصرخ، إنه وإن كان قد عجز عن وضع الأيدي على غريغوريوس ليكون أسقفًا فليسمح الله ويقبله أسقفًا ويتصرف. إذ سمع غريغوريوس ذلك لم يحتمل الهروب فعاد يقبل الأسقفية.

✞ أعماله الرعوية:

إذ كان الأسقف الجديد سائرًا في المدينة وجد هيكل وثن فدخله وصار يصلي طوال الليل، وفي الصباح إذ جاء كاهن الوثن وجد الشياطين قد هربت من الهيكل فتضايق جدًا، وذهب إلى حاكم المدينة يشكو إليه أن مسيحيًا دخل الهيكل وأخرج منه آلهتهم. وإذ سمع الأسقف بذلك التقى بالكاهن، وبدأ يحدثه عن الله الحقيقي، موضحا له حقائق الإيمان. ولكن الكاهن طلب أن تعود آلهته إلى الهيكل، عندئذ كتب له القديس على ورقة، جاء فيها: "من غريغوريوس إلى الشيطان، يقول لك:" ارجع ". وإذ حمل الكاهن الورقة إلى المذبح عادت الشياطين، وأدرك الكاهن تفاهة هذه الأرواح الشريرة، فانطلق إلى القديس يطلب منه أن يعرفه بالحق، وبالفعل بشره بالإنجيل وأكد له ذلك بأن أمر باسم السيد المسيح أن تتحرك صخرة كانت أمامه فتحركت.

سمع الوثنيون في المدينة بما حدث فخرج الكثيرون يرحبون به، ويطلبون منه أن يكرز لهم، ولم يمض زمان طويل حتى آمن كثيرون من خلال عظاته وسيرته المقدسة في الرب، وأعمال الله العجيبة به التي حدثنا عن بعضها القديس غريغوريوس أسقف نيصص، كما قال عنه القديس باسيليوس الكبير: "خلال عمل الروح كان لغريغوريوس سلطانًا على الأرواح الشريرة، وقد حوّل مجاري أنهار باسم المسيح، وجفف بحيرة كانت علة نزاع بين أخين، وأنبأ عن أمور مقبلة متساويًا مع الأنبياء... هذه الآيات والعجائب رآها الأصدقاء كما أعداء الحق وكأنه موسى آخر".

✞ يقول القديس غريغوريوس النيسي: "يستحيل علينا أن نورد كل عجائب هذا القديس، وإنما يكفينا أن نقول أن بكلمة واحدة وبعلامة الصليب المقدس يشفي جموعًا من مرضى، لذا كان الجميع يحسبونه قديسًا".

قيل أن يهوديين احتالا عليه إما بقصد إفساد شهرته كصانع عجائب أو لاختلاس مالٍ منه، فتظاهر أحدهما كميت وطلب الثاني صدقة ليكفنه، فأعطاه القديس رداءه إذ لم يكن معه مال، ومضى الشاب يستهزئ بالقديس، وراح يقول لصديقه: انهض لنضحك على أسقف دعاه المسيحيون نبيًا يصنع عجائب، غير أن الشاب وجد زميله قد فارق الحياة فعلاً.

اختيار الكسندر الفحام أسقفًا:

جاءه مجموعة من مدينة كومنا Comona يطلبون منه أن يختار لهم أسقفًا، مقدمين له مجموعة من الشرفاء العلماء جزيلي الاعتبار، أما هو فقال لهم: "هذه السمات لا تكفي، بل الأجدر بكم أن تختاروا إنسانًا قديسًا حكيمًا". حينئذ قال أحد الحاضرين أنه بهذا يجب أن يكون الكسندر الفحام أسقفًا، وكان هذا الرجل ماهرًا في الفلسفة لكنه تغرب عن بلده وصار يعمل كفحّام، يحمل صورة المهانة، بعيدًا عن الأنظار. استدعاه القديس فجاء، وكانت ثيابه ووجه ويداه قد تلوثت بالفحم، مملوءًا سوادًا، فصار الحاضرون يضحكون كيف يصير هذا الرجل أسقفًا، لكن إذ جلس مع القديس أدرك الكثير عن حياته، وبالفعل سيّم أسقفا واستشهد في 11 أغسطس.

✞ سماته:

كتب لنا القديس باسيليوس الكبير عن سمات هذا القديس، وقد تعرف هو وأخوه غريغوريوس أسقف نيصص على سيرته من جدتهما ماكرينا التي ربتهما، وكانت ماكرينا قد تعرفت عليه أيام الصبا وسمعت عظاته، فكان تروي لحفيديها ما رأته فيه وسمعته منه، فقال القديس باسيليوس أنه في تقواه أظهر وقارًا عظيمًا واحتشامًا؛ لم يغط رأسه قط في الصلاة (ربما يقصد بأكاليل الأساقفة)، أحب البساطة والتواضع في كلماته... كان يكره الكذب والبطلان، لم يغضب قط ولا حملت كلماته أو سلوكه مرارة!

✞ في اضطهاد ديسيوس:

حوالي سنة 250 م إذ التهب الاضطهاد في عهد ديسيوس (داكيوس) نصح شعبه أن يختفي حتى لا يتعرض أحد للضعف خلال الآلام فينكر إيمانه، وهو نفسه اعتزل في البرية ومعه فقط كاهن وثني قد قبل الإيمان على يديه وسامه شماسًا معه.

إذ سمع الوثنيون أنه مختفي في البرية أرسلوا جندًا ليقبضوا عليه، لكنهم عادوا ليقولوا أنهم لم يجدوا في البرية سوى شجرتين. وإذ عادوا من جديد يفتشون عنه وجدوه مع شماسه يصليان وقد ظهرا لهم من قبل كشجرتين. رأي القائد ذلك فأتى إلى الأسقف وخرّ عند قدميه وأعلن إيمانه بالسيد المسيح، طالبًا منه أن يقبله معه في البرية.

تعرض الشعب للضيق، وإذ انتهى الاضطهاد، عاد القديس يمارس عمله الرعوي، كما عين أعيادًا للشهداء الذين كابدوا الآلام وقت الاضطهاد.

تعرضت البلاد لوباء معدٍ خطير، وبصلاة القديس شُفي الكثيرون وزال الوباء، فآمن كثير من الوثنيين بالسيد المسيح.

أخيرًا فقد قيل إنه استلم المدينة بها 17 مسيحيًا، وعند نياحته سنة 268م لم يكن بها سوي 17 وثنيًا.

يُعيَّد له الغرب في 17 نوفمبر، والكنيسة القبطية في 21 هاتور.

بركة صلواته تكون معنا آمين.

غريغوريوس النزينزي القديس

✥ شارك القديس يوحنا الحبيب في لقبه "اللاهوتي" أو "الثيؤلوغوس"، بسبب براعته في الحديث عن الثالوث القدوس بإلهام إلهي، ولالتحام حياته التقوية بعمل الثالوث القدوس ويعتبر أحد الثلاثة آباء الكبادوك العظام: باسيليوس الكبير، وغريغوريوس أسقف نيصص، وغريغوريوس الثيؤلوغوس، عاشوا في عصر واحد في الكبادوك بآسيا الصغرى، لهم دورهم الفعّال بعد القديس أثناسيوس ألرسولي في مقاومة الأريوسية.

✞ نشأته:

ولد حوالي عام 329 م بقرية أريانزوسArianzus جنوب غربي الكبادوك، والدته القديسة نوناNonna التي كسبت زوجها الثري والقاضي إلى الإيمان المسيحي عام 325م، بل وصار أسقفًا على نزينزا لمدة 45 عامًا.

عاش تحت رعاية أمه التي بعثت فيه حب الكتب المقدسة والحياة الفاضلة في الرب مع الصلاة بتقوى وورع. روى لنا عن نفسه أنه إذ كان فتى رأى في حلم فتاتين جميلتين محتشمتين ترتديان ثيابًا بيضاء، قالت له إحداهما: أنا العفة، والأخرى: أنا الحكمة. وكانتا واقفتين أمام عرش السيد المسيح. وإذ استيقظ من نومه شعر بحنين شديد نحو العفة يتزايد على الدوام طوال عمره، هذا وقد اتسم بالحكمة الإلهية في دراسته للقضايا اللاهوتية وسلوكه.

التحق مع أخيه الأكبر قيصريوس بأعلى المعاهد في قيصرية كبدوكية حيث تعرفا على القديس باسيليوس. إذ كان غريغوريوس يميل لدراسة القانون ذهب إلى قيصرية فلسطين ليلتحق بمدرستها الشهيرة في الخطابة. ثم سافر مع أخيه إلى الإسكندرية حيث كان القديس ديديموس الضرير مديرًا للمدرسة اللاهوتية. قضى غريغوريوس فترة قصيرة بمصر ثم أبحر إلى أثينا للاستزادة في العلم (الفلسفة). وهناك التقى بصديقه باسيليوس ليعيشا معًا في حياة روحية مشتركة حتى قيل عنهما أنهما عقل واحد في جسدين.

هناك أيضًا التقى بيوليانوس الذي كان يتظاهر بالمسيحية، وكان يود صداقة غريغوريوس، لكن سرعان ما اكتشف القديس خطورته الخفية، حتى قال عنه: "ما أشرس هذا الوحش الذي تربيه المملكة (الرومانية) في حضنها"، فصار يتجنب معاشرته. وعندما جلس يوليانوس على العرش حاول اجتذاب غريغوريوس ولم يفلح، وإنما نجح في اكتساب أخيه قيصريوس الذي عينه كطبيب إمبراطوري، فكتب إليه غريغوريوس ليترك هذا الذئب الخاطف، وبالفعل تركه.

مكث في أثينا عشر سنوات، وإذ رحل عنها صديقه الحميم باسيليوس، تركها هو أيضًا ليعود حوالي عام 357م.

✞ في نزينزا:

أراد أن يعيش في بلده حياة الوحدة يكرس كل وقته وطاقاته لدراسة الكتاب المقدس مع العبادة، إلا أن صديقه باسيليوس دعاه ليعيش معه في الدير الذي أسسه في بنطس، فذهب إليه حيث قضى ثلاثة أعوام في حياة نسكية رائعة مع تجميع لكتابات العلامة أوريجينوس في تفسيره للكتاب المقدس.

دعاه والده في ذلك الحين لمساعدته إذ كان قد بلغ أكثر من ثمانين عامًا، وكان قد رسم أسقفًا في نزينزا، وهناك أصر الشعب على سيامته كاهنًا بالرغم من تحاشيه لنوال أية درجة كهنوتية ورغبته في الهروب، وتم ذلك على يدي والده عام 361م.

كان والده مع شيخوخته بسيطًا فسقط في التوقيع على مرسوم مجمع ريميني الذي يحمل اتجاهًا شبه أريوسي مما أثار الشعب ضده، فقام غريغوريوس يُظهر ما في المرسوم من خبث خفي وكشف لأبيه خداع هؤلاء النصف أريوسيين فاعتذر الأب عن توقيعه المرسوم، وعاد الشعب إلى الأسقف من جديد.

✞ سيامته أسقفًا:

إذ سيم القديس باسيليوس رئيس أساقفة قيصرية أراد أن يحيط نفسه بجماعة من الأساقفة ألمستقيمي الرأي، لتحطيم البدع المنتشرة في ذلك الحين فألح على صديقه غريغوريوس أن يقبل سيامته أسقفًا على سازيما، فرفض لكنه ألح عليه هو ووالد غريغوريوس فاضطر أن يقبل نعمة الأسقفية عام 372 م، لكنه لم يدخل الإيبارشية إذ كانت موضع نزاع بين القديس باسيليوس والأسقف أنتيموس.

عاد القديس غريغوريوس إلى خلوته لكن والده الأسقف طلب معونته، فجاء إليه مشترطًا ألا يرتبط بالإيبارشية. وبالفعل إذ تنيح والده عام 374م ووالدته في نفس السنة وزع ممتلكاته التي ورثها وانفرد في دير يمارس الحياة النسكية مع التأمل والدراسة خمس سنوات.

✞ في القسطنطينية:

إذ سمع أن مدينة القسطنطينية امتلأت بالهراطقة حتى استولوا على جميع الكنائس اضطر أن يقبل دعوة المؤمنين هناك تحت إحساسه بالالتزام بالمسئولية. وفي فترة قصيرة استطاع أن يرد كثير من الشعب من الهرطقات إلى الإيمان المستقيم.

وفي سنة 381م إذ انعقد المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية كان الاتجاه سائدًا أن يُثبت القديس غريغوريوس على القسطنطينية، وإذ اعترض الفريق المصري على هذا من جهة أنه سبق فسيم أسقفًا على إيبارشية أخرى أعلن أنه كمحب للوحدة والسلام يرفض قبول تثبيته، خاصة وأنه لا يشتهي المراكز، وقد ترك المدينة بعد أن ودّع الأساقفة والشعب بخطاب مؤثر للغاية، ثم ذهب إلي نزينزا يقاوم بدعة أتباع أبوليناريوس. وفي سنة 381م اعتكف بجوار المدينة ليستعد لرحيله من هذا العالم عام 390م.

تعيِّد له الكنيسة اليونانية في 10 مايو، أما كنيستنا ففي 24 توت.

✞ كتاباته:

ترك لنا القداس الإلهي (الغريغوري) وكنزًا من الكتابات اللاهوتية العميقة مع عظات ورسائل وقصائد.

1. العظات: أجمل ما تركه لنا هو 45 عظة قدمها في أهم فترة في حياته من 379 – 381م، حينما كان أسقفًا على القسطنطينية، جاذبًا أنظار العالم إليه.

2. القصائد الشعرية: كتبها في أواخر حياته، في خلوته باريانزيم Arianzum لم يبق سوى 400 قصيدة، في أحدها سجل لنا علة اتجاهه للشعر في أواخر حياته، ألا وهو إظهار أن الثقافة المسيحية الجديدة ليست أقل من الثقافة الوثنية بأية حال، ولأن بعض الهرطقات كالأبولينارية تستخدم القصائد في نشر أفكارها، لهذا استخدم ذات السلاح للرد عليها.

جاءت بعض قصائده لاهوتية، والبعض سلوكية.

3. رسائله: أول مؤلف باليونانية ينشر رسائله، وذلك بناء على طلب نيكوبولسNicobulus حفيد أخته جورجونيا.

بغير قصد وضع نظرية "كتابة الرسائل"، إذ طلب أن تكون الرسالة قصيرة، وواضحة، ولطيفة (رقيقة)، وبسيطة (رسالة 51، 54). مدحه القديس باسيليوس، إذ كتب إليه يقول: "وصلتني رسالتك أول أمس، هي بالحقيقة منك، ليس من جهة الخط وإنما من جهة نوع الرسالة، فإن كانت عباراتها قليلة لكنها تقدم الكثير".

✞من كلماته:

* من لا يؤمن بأن القديسة مريم والدة الإله "ثيؤتوكوس"، يعنفه اللاهوت (رسالة 101).

* لسان الكاهن يتوسط لدى الرب فيقيم المرضى؛ لتصنع ما هو أعظم بتقديس الليتورجيا فتمحى خطاياي الكثيرة عندما تقيم ذبيحة القيامة.

اغسطينوس القديس

من تاجست إلى قرطاجنة

في 13 نوفمبر 354م بمدينة تاجست من أعمال نوميديا بأفريقيا الشمالية وُلد أغسطينوس، وكان والده باتريكبوس وثنيًا فظ الأخلاق، أما والدته مونيكا فكانت مسيحية تحتمل شرور زوجها وحماتها بصبر عجيب، وبطول أناتها كسبت الاثنين حتى أن رجلها قبل الإيمان واعتمد قبيل نياحته.

كان كل همّ والده أن يرى ابنه رجلاً غنيًا ومثقفًا، وكان معلموه الوثنيين لا يهتمون بسلوك التلاميذ، فنشأ أغسطينوس مستهترًا في حياته ميالاً للكسل.

إذ بلغ السادسة عشرة من عمره أرسله أبوه إلى قرطاجنة ليتمهر في البيان، هناك التقى بأصدقاء أشرار، وصار قائدًا لهم يفتخر بالشر، فتحولت حياته إلى المسارح والفساد. أما عن دراسته فقد عكف على دراسة الفقه والقوانين مشتاقًا أن يرتقي إلى المحاماة والقضاء، وقد تضلع في اللاتينية حتى افتتح مدرسة لتعليم البيان وهو في التاسعة عشرة من عمره.

أعجب أغسطينوس بمذهب شيشرون، فقرأ كتابه "هورطانسيوس" الذي أثار فيه الشوق إلى العفة والبحث عن الحق. قرأ أيضًا الكتاب المقدس لكن ليس بروح الإيمان والتواضع وإنما في كبرياء، فأغلق على نفسه وسقط في "المانوية".

إذ رأت مونيكا ابنها قد انحرف سلوكيًا وعقيديًا، وصار عثرة لكثيرين طردته من بيتها، لكن بمحبتها ردته ثانية، وكانت دموعها لا تجف طالبة خلاص نفسه.

رأت القديسة مونيكا في حلم أنها واقفة على قطعة خشبية (ترمز للإيمان) والكآبة تشملها، وإذ بفتى يلمع بهاؤه أمامها ويشع الفرح من محياه ينظر إليها ويسألها عن سبب حزنها، وإذ أجابت، قال لها: "تعزي ولا تخافي، فها ولدك هنا وهو معك". التفتت مونيكا لتجد ابنها واقفًا معها على الخشبة، فتأكدت أن الله استجاب طلبتها.

في روما

في عام 382م أوعز إليه أصدقاءه بالسفر إلى روما لينال مجدًا وغنى أعظم، فحاولت والدته صده وإذ لم تفلح عزمت على السفر معه. احتال عليها بقوله أنه ذاهب ليودع صديقًا له على السفينة، فسافر تاركًا إياها غارقة في دموعها.

في ميلانو

أرسل حاكم ميلان إلى حاكم روما يطلب أستاذًا في البيان، فبعث إليه أغسطينوس، وقد دبرت له العناية الإلهية الالتقاء بالقديس أمبروسيوس أسقف ميلان، الذي شمله بحبه وحنانه فأحبه أغسطينوس وأعجب بعظاته، وكان مداومًا على سماعها لما فيها من قوة البيان دون اهتمام بالغذاء الروح الدسم.

سمع من القديس أمبروسيوس تفاسيره الروحية للعهد القديم الذي كان المانيون يتجاهلونه، كما سمعه في رده على أتباع ماني وغيرهم من الهراطقة، فبدأ نور الحق ينكشف أمامه. هنا أدرك أغسطينوس ما للكنيسة من علامات أنها من الله: فيها تتحقق نبوات العهد القديم، وفيها يتجلى الكمال الروحي، وتظهر المعجزات، وأخيرًا انتشارها بالرغم مما تعانيه من ضيق.

أبحرت مونيكا إلى ميلان ليلتقي بها ابنها ويبشرها بترك المانوية، لكن دون قبوله الإيمان الحق، إذ كان منهمكًا في الشهوات، حاسبًا حفظ العفة أمرًا مستحيلاً.

بدأ أغسطينوس يقرأ بعض كتب الأفلاطونيين التي نقلت عن اليونانية بواسطة فيكتريانوس، التي انتفع بها لكنها لم تقده للإيمان.

عاد يقرأ الكتاب المقدس خاصة رسائل معلمنا بولس الرسول فأعجب بها، خاصة في ربطها العهد القديم بالعهد الجديد...

دبرت العناية الإلهية أن يزور سمبليانس حيث بدأ يخبره عن قراءته في كتب الفلسفة الأفلاطونية التي عني بنشرها فيكتريانوس، فأظهر سمبليانس سروره بذلك، ثم عرف أغسطينوس منه عن اعتناق فيكتريانوس للإيمان المسيحي بروح تقوي، فشبت فيه الغيرة للاقتداء به، لكنه كان لا يزال أسير العادات الشريرة.

توبته

زاره مؤمن حقيقي من كبار رجال الدولة يدعى بنسيانس، فوجده مع صديقه أليبوس وبجوارهما بعض رسائل معلمنا بولس الرسول، فظنها أحد الكتب الفلسفية، لكن أغسطينوس أخبره بأن له زمانًا لا يشغله سوى مطالعة هذه الأسفار، فدار الحديث بينهما حتى تطرق بنسيانس لسيرة القديس أنبا أنطونيوس وكيف تأثر بها اثنان من أشراف البلاط فتركا كل شيء ليسيرا على منواله، وهنا التهب قلب أغسطينوس بالغيرة، كيف يغتصب البسطاء الأميون الملكوت ويبقى هو رغم علمه يتمرغ في الرجاسات. وإذ مضى بنسيانوس، قام أغسطينوس إلى البستان المجاور لمنزله وارتمى على جذع شجرة تين، وتمثلت أمامه كل شروره، فصار يصرخ: "عاصفة شديدة... دافع عني... وأنت فحتى متى؟ إلى متى يارب؟ أتغضب إلى الأبد؟ لا تذكر علينا ذنوب الأولين. فإنني أشعر بأنني قد اُستعبدت لها. إلى متى؟ إلى متى؟ أ إلى الغد؟ ولما لا يكون الآن؟! لما لا تكن هذه الساعة حدًا فاصلاً لنجاستي؟" وبكى بمرارة...

كان ذلك في عام 386م، بالغًا من العمر 32 عامًا حين تغيرت حياته وتجددت بنعمة الله، فتحولت القوة المحترقة شرًا إلى قوة ملتهبة حبًا...

عاد أغسطينوس إلى أليبوس ليذهبا معًا إلى مونيكا يبشرانها أن صلواتها التي دامت قرابة 30 عامًا قد استجيبت، ونبوة القديس إمبروسيوس قد تحققت، هذا الذي سبق فرآها تبكي فقال لها: "ثقي يا امرأة أنه من المستحيل أن يهلك ابن هذه الدموع".

عزم أغسطينوس بنعمة الله على ترك تدريس البيان وتكريس حياته للتأمل في كلمة الله والخدمة، فاعتزل ومعه والدته وصديقه أليبوس وابنه أدياتس (غير الشرعي) وبعض أبناء عمه وأصدقاءه في كاسيكاسيوم Cassiciacum بجوار ميلان حيث أقام ستة شهور يتأهب لنوال سرّ العماد، وفي ابتداء صوم الأربعين عام 387م ذهب إلى ميلان واعتمد على يدي الأسقف إمبروسيوس.

نياحة مونيكا

سافر القديس أغسطينوس مع ابنه ووالدته وأخيه وأليبوس إلى أوستيا منتظرين السفينة للعودة إلى وطنهم، وكانت الأم تتحدث مع أغسطينوس معلنة بأن رسالتها قد تحققت برؤيتها له كخادم أمين للرب.

بعد خمسة أيام مرضت مونيكا بحمى شديدة، وإذ أُغمى عليها وأفاقت قالت لابنيها: "أين كنت أنا؟... هنا تدفنان والدتكم"... قالت هذا ثم سلمت روحها في يدي الله.

في روما وأفريقيا

بعد نياحة القديسة مونيكا قرروا العودة إلى روما، حيث جاهد أغسطينوس هناك لدحض بدعة المانويين. ومن هناك انطلق إلى أفريقيا حيث ذهب إلى قرطاجنة ثم إلى تاجست، فوزع كل ممتلكاته واختلى للعبادة والتأمل في كلمة الله ثلاث سنوات، ووضع كتبًا كثيرة.

سيامته كاهنًا

إذ كان أغسطينوس يزور رجل شريف بمدينة هيبو (تدعى حاليًا إيبونا من أعمال نوميديا) سامه الأسقف كاهنًا بالرغم من محاولته رفض السيامة بدموع، بل وجعله يعظ أكثر أيام الأسبوع.

سكن في بستان ملك الكنيسة وجعله ديرًا حيث امتلأ بالرهبان الأتقياء، كما أنشأ ديرًا للراهبات تحت تدبير أخته.

سيامته أسقفًا

أقيم أسقفًا مساعدًا لفاليروس عام 395م الأمر الذي أفرح قلوب المؤمنين، وإن كان الهراطقة قد حزنوا وأثاروا شغبًا ضد الشعب وحاولوا قتله.

امتاز هذا الأسقف القديس بحبه الشديد للفقراء حتى كان يبيع أحيانًا ما للكنيسة ويوزعه على الفقراء ويحرر به المسجونين. واهتم بدحض أصحاب البدع. وحضر مجمعًا بأمر الملك أونريوس عام 421م ضم 275 أسقفًا مؤمنًا و279 من الدوناتيين... فقام يجادلهم ويردهم إلى الإيمان المستقيم.

نياحته

إذ بلغ من العمر 72 عامًا استعان بأحد الكهنة في تدبير أمور الكنيسة راغبًا أن يكون خليفته، وبقى 4 أعوام يستعد للرحيل، وفي عام 430 م تنيح وهو في سن السادسة والسبعين، وكانت دموعه لا تتوقف.

كتاباته

بلغت حوالي 232 كتابًا، منها كتبه التاريخية مثل "اعترافاته" و "الاستدراكات"، ومقالاته الفلسفية مثل "الرد على الأكاديميين" و "الحياة السعيدة"، "خلود النفس"، "في الموسيقى"... وأيضًا أعماله الجدلية ضد اليهود والوثنيين، وضد أتباع ماني وضد الدوناتيين وضد البيلاجيين وضد الأوريجانيين، كما قدم كتبًا في تفسير التكوين والمزامير والرسالة الأولى إلى يوحنا، والموعظة على الجبل، وعن اتفاق الإنجيليين، وتعليقات على الرسالة إلى أهل غلاطية والرسالة إلى أهل رومية وإنجيل يوحنا. كما كتب كُتب في النسكيات والأخلاقيات...

القمص تادرس يعقوب ملطي: الموعظة على الجبل.

اغناطيوس الثيؤفورس القديس

وُلد حوالي عام 30م، قيل أنه نشأ في سوريا. يرى البعض أنه الطفل الذي حمله السيد المسيح مقدمًا إياه مثلاً للتواضع (مت 18: 2 - 4).

إذ رأى الرسل فيه غيرته المتقدة رسموه أسقفًا على إنطاكية، وقد اختلف البعض في شخصية من سامه، فيرى البعض أن الرسول بطرس سام أفوديوس على اليهود المتنصرين والرسول بولس سام أغناطيوس على الأمم المتنصرين... وأنه لما تنيح الأول تسلم أغناطيوس رعاية الكنيسة بشطريها. على أي الأحوال اتسم بغيرته على خلاص النفوس فكسب الكثير من الأمم للسيد المسيح.

اتسم بحبه الشديد لشعبه كما يظهر من حديثه مع مستقبليه في أزمير أثناء رحلته إلى روما للاستشهاد، إذ كان يذكر أمام مستقبليه شعبه ويطلب إليهم الصلاة من أجلهم.

وضعه نظام التسبحة

قيل إنه رأي في رؤيا الملائكة تسبح ممجدة الثالوث القدوس، فنقل النظام الذي لاحظه إلى الكنيسة الإنطاكية، حيث انتشر بعد ذلك بين بقية الكنائس.

لقاؤه مع تراجان

إذ سمع عنه تراجان من جهة غيرته على انتشار المسيحية استدعاه، ودخل معه في حوار من جهة "يسوع المصلوب"، انتهى بإصداره الأمر بأن يقيد أغناطيوس القائل عن نفسه أنه حامل في قلبه المصلوب، ويُقاد إلى روما العظمى، ليقدم هناك طعامًا للوحوش الضارية، إرضاءً للشعب.

إذ سمع الأسقف بذلك ابتهج جدًا، إذ جاءت الساعة التي طالما ترقبها، وحسب هذا الأمر الإمبراطوري أعظم هدية قدمت إليه، إذ جثا وصرخ مبتهجًا: "أشكرك أيها السيد الرب، لأنك وهبتني أن تشرفني بالحب الكامل نحوك، وسمحت لي أن أُقيد بسلاسل حديدية كرسولك بولس". ولما صلى هكذا قبّل القيود، متضرعًا إلى الله أن يحفظ الكنيسة، هذه التي ائتمنه الرب عليها ليخدمها حوالي 40 عامًا.

إلى روما

خرج القديس في حراسة مشددة من عشرة جنود، وقد صاحبه اثنان من كنيسته هما فيلون وأغاتوبوس.

إذ رأى الجند حب الشعب له والتفافهم حوله عند رحيله تعمدوا الإساءة إليه ومعاملته بكل عنف وقسوة، حتى دعاهم بالفهود بالرغم من لطفه معهم، وما دفعه الشعب لهم كي يترفقوا بأسقفهم.

وصلوا إلى سميرنا حيث استقبله القديس بوليكربس أسقفها كما جاءت وفود كثيرة من كنائس أفسس وتراليا وماغنيزيا، فاستغل الفرصة وكتب رسائل لهذه الكنائس كما كتب رسالة بعثها إلى روما إذ سمع أن بعض المؤمنين يبذلون كل الجهد لينقذوه من الاستشهاد، جاء فيها: [أخشى من محبتكم أن تسببوا لي ضررًا...

صلوا ألا يوهب لي إحسان أعظم من أن أقدم لله مادام المذبح لا يزال مُعدًا...

أطلب إليكم ألا تظهروا لي عطفًا في غير أوانه، بل اسمحوا لي أن أكون طعامًا للوحوش الضارية، التي بواسطتها يوهب لي البلوغ إلى الله. إنني خبز الله. اتركوني أُطحن بأنياب الوحوش لتصير قبرًا لي. ولا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا ما متّ لا أُتعب أحدًا، فعندما لا يعد العالم يرى جسدي أكون بالحق تلميذًا للمسيح].

في ترواس

أبحر بالسفينة من سميرنا إلى ترواس، ليكتب القديس أيضًا ثلاث رسائل "إلى فيلادلفيا، وسميرنا، والقديس بوليكربس".

من ترواس أبحر إلى نيوبوليس، ثم فيلبي، ثمEpirus وTyrhene... وأخيرًا إلى منطقةPortus حيث التقى بالإخوة الذين امتزج فرحهم برؤيته بحزنهم لانتقاله. قابلهم بكل محبة سائلاً إياهم أن يظهروا المحبة الحقيقية ويتشجعوا.

جثا على ركبتيه وصلى لكي يوقف الله موجة الاضطهاد عن الكنيسة، وأن يزيد محبة الإخوة لبعضهم البعض.

أخيرًا أسرع به الجند إلى الساحة، وأطلقت الوحوش ليستقبلها بوجه باش، فوثب عليه أسدان ولم يبقيا منه إلا القليل من العظام.

جمع المؤمنون ذخائره وأرسلوها إلى كنيسته بإنطاكية. تعيِّد له الكنيسة في 7 شهر أبيب.

القس تادرس يعقوب: الشهيدان أغناطيوس وبوليكربس، 1964.

افانتيوس الشهيد

يحتفل اللاتين بعيد استشهاد الكاهنين إفانتيوسEvantius وثيؤدولس مع القديس ألكسندروس الأول، أسقف روما.

تم ذلك حوالي سنة 117م في عهد الإمبراطور هادريان وبواسطة الوالي أوريليانوس. ألقى الثلاثة في أتون نار وإذ لم يمسهم أذى، قُتل الكاهنان بالسيف بينما طعن الأسقف في كل جسمه بأدوات حديدية مسننة حتى أسلم الروح.

افبربيوس

اتسم الأب افبربيوس أو إبربيوسEuprepios بزهده الشديد في أمور هذه الحياة، حتى عندما سلبه بعض اللصوص كان يساعدهم على نقلها، ولما تركوا له العصا رآها فأخذها وسار وراءهم ليعطيهم إياها، وإذ خشوا منه سلمها لبعض المارة كي يسلمونها لهم.

إذ تعرف أن الله أمين وقدير ليكن لك إيمان به فتشاركه ما له.

كلنا نؤمن أنه القدير وأن كل شيء مستطاع لديه، فامسك بالإيمان به في أمورك الخاصة، إذ هو قادر أن يصنع معك معجزات أيضًا.

الأمور الجسدية مادية؛ من يحب العالم يحب فرص السقوط. لهذا إن حدث وفقدنا شيئًا لنقبل هذا بفرح وامتنان متحققين أننا قد تحررنا من الاهتمام بما فقدناه.

سأل أخ أبا إفبربيوس عن حياته، فأجاب الشيخ: "كلْ قشًا، البس قشًا، نمْ على قش، بمعنى احتقر كل شيء واطلب لنفسك قلبًا من حديد!"

في أيامه الأولى زار أبا إفبربيوس شيخًا، وقال له: "أبا، قل كلمة لكي أخلص". أجابه: "إن أردت أن تخلص فإنك إن ذهبت لترى إنسانًا لا تبدأ بالكلام قبل أن يوجه إليك الحديث". فشعر أبا إفبربيوس بالندامة على ما نطق به، وصنع له مطانية، وهو يقول: "قرأت كتبًا كثيرة من قبل ولم أجد تعليمًا كهذا"، وخرج من عنده منتفعًا جدًا.

إن اقتنى إنسان التواضع والفقر وعدم إدانة الآخرين، تحل مخافة الله فيه ".

Bendicta Ward: Saying of the Desert Fathers, P 53.

افتيخوس القديس

هو تلميذ القديس يوحنا الإنجيلي، وبعد أن مكث هذا القديس مع الرسول زمنًا طلب إليه أن يذهب إلى القديس بولس الرسول فأذن له بذلك، فسار إليه وكرز معه باسم المسيح وردَّ كثيرين من اليهود والوثنيين إلى الرب يسوع وعمدهم، وحوَّل برابي الأصنام إلى كنائس.

وقد صبر على القيود والحبس زمانًا طويلاً، وطُرِح في النار فلم تؤذه وللسباع فلم تقربه بأذى بل استأنست إليه. وقد ذهب هذا القديس إلى سبسطية وبشَّر فيها، وكان ملاك الرب يسير معه ويؤيده، ولما أكمل سعيه بسلام تنيح في شيخوخة صالحة.

وقيل عن هذا القديس أنه هو ذلك الشاب الذي كان جالسًا في الطاقة مثقلاً بنوم عميق في الوقت الذي كان يلقي فيه بولس الرسول خطابه، فسقط من الطبقة الثالثة إلى أسفل وحُمِل ميتًا، فأقامه بولس الرسول بصلاته.

السنكسار، 1 نسيء.

افخارستوس

سأل راهبان الله أن يعلن لهما مدى ما وصلا إليه من تقدم روحي فسمعا صوتًا يقول أنه في قرية ما بمصر يوجد إنسان يدعى إفخارستوس (أو ايوخارستوس Eucharistos) وزوجته تدعى مريم، لم تبلغا بعد إلى درجة فضيلتهما. نهض الشيخان وذهبا إلى القرية، وإذ سألا عن إفخارستوس وجدا بيته والتقيا بزوجته. سألاها: "أين زوجك؟"، فأجابت: "إنه راعٍ يطعم القطيع".

دخلا البيت، وفي المساء عاد إفخارستوس ومعه الغنم. وإذ رأى الشيخين أعد لهما المائدة، وجاء بماء يغسل أقدامهما، أما هما فقالا: "لن نأكل شيئًا حتى تخبرنا عن طريقة حياتك". أجاب إفخارستوس في تواضع: "أنا راعٍ وهذه زوجتي" أصر الشيخان أن يعرفا حياته، لكنه لم يرد أن ينطق بشيء. عندئذ قالا له: "الله هو الذي أرسلنا"، فقال إفخارستوس بخوف: "هنا يوجد الغنم الذي ورثناه من والدينا، فإن صنعنا ربحًا قليلاً بعون الله نقسمه ثلاثة أجزاء: نصيب للفقراء والثاني للضيافة والثالث لاحتياجاتنا الشخصية. ومنذ تزوجت لم نقترن ببعضنا بل هي عذراء، كل منا يعيش بمفرده؛ بالليل نلبس المسوح وبالنهار نلبس ثيابنا العادية، ولا يعلم أحد عنا شيئًا حتى الآن".

إذ سمع الشيخان هذه الكلمات صارا في دهشة وخرجا يمجدان الله.

Bendicta Ward: Saying of the Desert Fathers P 51.

افدوكيا الشهيدة1

تحتفل الكنيسة بعيد استشهاد القديسة أفدوكيا أو أودكسية (تعني "مسرة الله" Eutychia في 27 من مسرى.

نشأت مع أخيها بنيامين في شبشير طملاي (مركز منوف، محافظة المنوفية)، تحت رعاية والدين مسيحيين محبين للغرباء، وسالكين بخوف الله وتقوى.

اشتاق بنيامين أن يتمتع بإكليل الشهادة، فانطلق إلى شطانوف بمركز أشمون (بالمنوفية)، غالبًا بناء على دعوة إلهية حيث اعترف بالسيد المسيح أمام الوالي، محتملاً عذابات كثيرة، وأخيرًا أُودع في السجن.

سمع بذلك والداه وأخته، فجاءوا إليه باكين، أما هو فكان يعزيهم، معلنًا لهم عن زوال هذا العالم وانتظار المجد الأبدي. وإذ سمعت أخته عن المجد الأبدي قالت له: "حيّ هو الرب إني لا أفارقك، والموت الذي تموت به أموت أنا به معك".

سمع الوالي بذلك فحبسها معه في مكان مظلم مدة عشرين يومًا، ثم أخرجهما وربط في عنقيهما حجارة ثقيلة وطرحهما في البحر. أرسل الرب ملاكًا حلّ الحجارة من عنقيهما فسبحا حتى بلغا قرب بلدة تدعى بسطرة؛ التقت بهما عذراء أعانتهما حتى استراحا من الماء.

عادا إلى الوالي من جديد يعلنان إيمانهما، فأمر بقطع عنقيهما بالسيف، ونالا إكليل الاستشهاد. وبنى لهما المؤمنون كنيسة في بلدهما شبشير.

بركة صلواتهما فلتكن معنا، آمين.

افدوكيا الشهيدة2

قصة فتاة وثنية منغمسة في الشر بكل طاقاتها، تأثرت بعبادة ناسك وصلاته الخفية فاهتزت أعماقها الداخلية لا لتقبل الإيمان المسيحي فحسب، وإنما وقد تذوقت عذوبة الشركة مع عريسها السماوي صارت سرّ بركة وبنيان لنفوس كثيرة.

حداثتها

ولدت أفدوكيا أو أوذكسية أو أوطاخياEutychia في بعلبك بالشام، وكانت سامرية الجنس، والدها يُدعى يونان ووالدتها حكيمة.

كانت أفدوكيا جميلة جدًا، جذبت بجمالها الكثيرين إلى الخطية، حتى سمحت عناية الله أن ينزل أحد النساك من القدس يسمى "جرمانوس" ضيفًا في بيت ملاصق لبيت أفدوكيا. وفي منتصف الليل قام الناسك كعادته يصلي بحرارة ثم بدأ يقرأ في الكتاب المقدس عن "الدينونة" بصوت عالٍ لكي ينزع عنه النوم، وإذ فرغ من ذلك بدأ يقرأ في كتاب روحي عن عذابات الأشرار، وكانت أفدوكيا تصغي باهتمام من وراء الحائط فاهتزت مشاعرها، وصارت تبكي حتى الصباح.

التقت أفدوكيا بالناسك وصارت تسأله عما كان يقرأه فأخذ يحثها على التوبة، وكان يلتقي بها بصفة مستمرة حتى تهيأت للمعمودية، فقام الأنبا تيؤدورس أسقف بعلبك بتعميدها، حيث قدمت له كل أموالها ليوزعها على الفقراء.

انطلقت أفدوكيا إلى بيت العذارى حيث عاشت بقلب ملتهب حبًا لله، فأحبتها العذارى وألزمنها أن تكون رئيسة عليهن بعد نياحة الرئيسة التي كانت في أيام دخولها البيت، فصارت خير قدوة لهن بالحياة العملية، خلال سهرها وأصوامها وسلوكها المملوء حبًا، مما جذب الكثيرات إلى بيت العذارى.

خدعة شيطانية

حرك عدو الخير شابًا شريرًا ليسقطها في النجاسة، فتظاهر بالنسك والتقشف مع التقوى، وذهب إلى الناسك جرمانوس يسأله أن يقبله من بيت المتبتلين ليحيا مكرسًا حياته للعبادة، وإذ قال له الناسك أنه لا زال شابًا يحتاج إلى التأني أجابه أن سيرة أفدوكيا قد جذبته لهذا الطريق.

بعد فترة ليست بقليلة سأله الشاب أن يلتقي بالقديسة أفدوكيا لينال بركتها، وإذ اطمأن له جرمانوس سمح له، فالتقى بها، وأخذ يخاطبها بكلام دنس، أما هي ففي حزم شديد وبخته وأبكمته، فضربه الرب للحال، وسقط ميتًا.

اضطهاد الوالي لها

لما أشهر الملك تريانوس الاضطهاد ضد المسيحية أرسل والي المدينة أوريليانوس جنوده للقبض على تلك الشابة، فوثب عليهم وحش قتل بعضًا منهم وهرب الباقون.

لم يصدق الوالي الخبر فأرسل ابنه ومعه عدد كبير من الجنود، لكن في الطريق رفسه فرس ومات، فالتجأ الوالي إليها، وبصلاتها أقام الرب ابن الوالي، فآمن الوالي وأهل بيته وجمع كثير من المدينة.

احتمالها الآلام بصبر

إذ مات الوالي أوريليانوس، أراد خلفه ديوجنيتس أن يتزوج جلاسيا أخت الوالي الأول، وكان يبغض المسيحيين، فهربت الفتاة إلى أفدوكيا، فأرسل الوالي جنودًا لإحضار أفدوكيا لينتقم منها، فجاءت إليه وتحدثت معه بشجاعة، محتملة عذابات كثيرة من أجل إيمانها بالسيد المسيح، وقد تمجد الله فيها، إذ أثار زوبعة شديدة، بينما كان الجنود يضربونها بالسياط في وحشية حتى آمن البعض بالسيد المسيح. أخيرًا أطلق الوالي سراحها لتعود إلى بيت العذارى.

استشهادها

إذ تولى والي جديد اسمه فيسيسيوس الولاية من قبل تراجان الملك، حاول استمالة القديسة لتنكر الإيمان، وإذ رأى إصرارها أمر بقطع رأسها، في الخامس من شهر برمهات حوالي عام 114 م. فانطلقت أفدوكيا عروسًا مقدسة تلتقي بعريسها الأبدي في الفردوس.

O’Leary: The Saints of Egypt, P 138.

الشماس يوسف حبيب: تحوّل الخاطئة أفدوكيا إلى شهيدة، 1977.

افرا الشهيدة

حياتها تمثل النفس التي عاشت مدللة زمانًا في شهوات الجسد، وإذ تذوقت عذوبة الشركة مع الله في المسيح يسوع مخلصها تصطاد أهل بيتها للإيمان، وتقف بجرأة تواجه آلام الاضطهاد متهللة بالروح.

كان الغرب يحتفل بعيد استشهادها في الخامس من أغسطس، ولا زالت تكرم في اكسبرجAugsburg موطنها، وفي بعض مناطق بألمانيا، قيل أن رفاتها أكتشفها S. Ulric سنة 955 م، والآن توجد في كنيستي إلريك وأفرا في أقصى جنوب اكسبرج.

أغلب الدارسين يؤكدون صدق استشهادها، وإن كان بعض النقاد يتشككون في أنها كانت زانية وتابت.

نشأتها

بحسب التقليد كانت أفراAfra امرأة زانية تعيش في اكسبرج في بداية القرن الرابع، تابت على يدي القديس ناركيسوس بجيرونا في أسبانياSt. Narcissus of Gerona، وقد تابت معها والدتها هيلارية، كما كسبت نفوس خادماتها الثلاث: ديجنا وإفنوميا وإفبريبيا اللواتي كن يسلكن معها في الفساد.

استشهادها

إذ التهبت نيران الاضطهاد في عهد دقلديانوس وشريكه مكسيميانوس استدعاها غايس قاضي Rhaetia، ودخل معها في الحوار التالي:

- اذبحي للآلهة، فإنه خير لك أن تعيشي من أن تموتي بالعذابات.

- يكفي ما ارتكبته من خطايا خلال جهلي، فإنني لن أضيف عليها ما تأمرني به.

- اذهبي إلى الهيكل وقدمي ذبيحة.

- المسيح هو هيكلي، أراه دائمًا أمام عيني، وأعترف له كل يوم بخطاياي، وأقدم نفسي ذبيحة إرادية.

– لقد سمعت عنك، إنك زانية. إذن ضحِ، فإنه لا نصيب لك مع إله المسيحيين.

- لقد قال ربي يسوع المسيح أنه جاء من السماء لأجل الخطاة.

- ضحِ فتكسبين محبة محبيك، ويسكبون أموالهم في جرابك.

- إنني لن أقبل بعد أموالهم البغيضة، هذه الأموال التي ألقيتها عني كنفاية.

- لن يمكنك أن تصيري مسيحية فإنك زانية.

- إن كل ما لديّ أقدمه لأنال لقب مسيحية هو رحمة الله.

- كيف تعلمين أن المسيح قبلك؟

- في أنه يسمح لي أن اعترف به أمام كرسي قضائك.

- هذا كله وهن، مجرد تخيلات؛ قدمي ذبيحة!

- المسيح هو خلاصي، الذي عُلق على الصليب، ووعد اللص الذي اعترف به بالفردوس.

- لا تتركيني أحاورك كثيرًا، إنما قدمي ذبيحة، وإلا إن سلكتي بغباوة فسأعذبك وأحرقك حية.

- ليت جسدي الذي أخطأ يتألم!

إذ أصدر القاضي حكمه بحرقها حية، أمسك بها الجند وسحبوها إلى جزيرة في نهر Lech، وهناك جلدوها وربطوها في قائمة لحرقها، وإذا بها تبسط يديها وترفع نظرها إلى السماء والدموع تجري من عينها لتقدم صلاة لله قائلة: "أيها الرب يسوع المسيح، الله القدير، الذي جاء لا ليدعو أبرارًا بل خطاة للتوبة، اقبل في هذه الساعة آلام توبتي، وخلال هذه النار الزمنية التي أُعدت لإبادة جسدي أنقذني من النار الأبدية التي تحرق الجسد والنفس معًا".

وإذ بدأت تدخل النيران، سُمعت تقول: "أشكرك أيها الرب يسوع، إذ جعلتني أهلاً أن أتألم لأجل اسمك، يا من قدمت جسدك على الصليب فداء عن العالم كله، البار يفتدي الظالمين، الصالح يفتدي الأشرار، الطوباوي يفتدي من هم تحت اللعنة، الحلو يفتدي من هم مرارة... لك أقدم ذبيحتي، يا من لك الملك مع الآب والروح القدس، إلى دهر الدهور، آمين".

إذ قالت هذا صمتت لتنطلق نفسها إلى الفردوس متهللة بإكليل الشهادة. في المساء جاءت والدتها وخادماتها الثلاث يحملن جسدها ويدفن إياها... وإذ سمع غايس أرسل جنوده يحرقهن بالنار.

يرى بعض الدارسين أن أفرا هذه جاءت مع الكتيبة الطيبية من مصر إلى ألمانيا، إذ كان من عادة الجند متى رحلوا يأخذون أحيانًا زوجاتهم وأولادهم. ورأي آخرون أنها فتاة زانية جاءت مرافقة لأحد الجند وبقيت هناك تمارس شرها.

Rev. Baring – Gould: Lives of Saints, Aug. 5.

افراحات القديس1

انظر افراهاط القديس.

افراسيا القديسة

نشأتها

ولدت أفراسيا أو أفراكسيا St. Euphrasia, Euproxia بالقسطنطينية في عهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير في أواخر القرن الثالث، وكانت تمت بصلة قرابة للإمبراطور. كان والدها أنتيخوسAntigonus واليًا على مدينة ليكيا، عُرف بتقواه مع شرف حسبه. أما والدتها فكانت إنسانة تقية بارعة الجمال، تدعى أيضًا أفراسيا. بعد إنجابها للطفلة اتفق الوالدان على الحياة البتولية وهما تحت سقف واحد، يمارسان الحياة النسكية الخفية.

إذ بلغت الطفلة سنة واحدة من عمرها انتقل الوالد، وإذ بلغت الخامسة طلب الإمبراطور من الأم أن تخطب ابنتها الطفلة لأحد أبناء الشرفاء، فقبلت الأم. لكن إذ كانت الأم ابنة اثنين وعشرين عامًا وبسبب جمالها الفائق تقدم كثيرون من شباب الأشراف يودون الزواج من هذه الأرملة الشابة، وكان الإمبراطور يحثها على الزواج.

سألت أفراسيا الإمبراطور أن يسمح لها بزيارة مصر لتدبير بعض أمورها المادية، وكان هدفها الرئيسي هو الهروب من القصر الإمبراطوري خشية ضغط الإمبراطور عليها، فتكسر العفة التي نذرت نفسها لها مع رجلها الراحل.

في مصر

إذ وصلت أفراسيا وطفلتها إلى مصر، قاما بزيارة بعض الأديرة، من بينها دير بالإسكندرية به مائة وثلاثون راهبة يسلكن بروح نسكي تقوي، فما كانت الراهبات يخرجن من ديرهن قط، ولا يأكلن إلا بعد الغروب خبزًا وبقولاً، يلبسن المسوح، ويعملن بأيديهن.

قدمت أفراسيا مالاً للدير فرفضت الرئيسة نهائيًا معتذرة بأن عمل أيديهن يكفي لمعيشتهن.

ترددت أفراسيا الكبرى وابنتها أفراسيا الصغرى على هذا الدير، فكانتا تجدان راحتهما فيه، كما أحبت الراهبات الصبية الصغيرة أفراسيا التي كانت في السابعة من عمرها.

سألت رئيسة الدير الفتاة الصغيرة على سبيل الدعابة: "من الذي هو أحب إليك راهبات هذا الدير أم خطيبك؟". أجابت الصبية: "إنني لم أعرف خطيبي ولا هو يعرفني، أما راهبات الدير فإني أعرفهن وأحبهن جميعًا". ثم قالت الصبية: "وأنت أيهما أحب إليك أنا أم خطيبي؟". ابتسمت الرئيسة ثم قالت: "نحن نحبك، وسيدنا يسوع المسيح أيضًا يحبك". عندئذ قالت: "أنا أيضًا أحبكن وأحب سيدنا يسوع المسيح محبة عظيمة".

كانت الأم أفراسيا تنصت لكلمات ابنتها اللطيفة وتعبيرات وجهها، وإذ لم تتمالك نفسها من شدة الفرح انسابت الدموع من عينيها دون أن تنطق بكلمة.

في المساء سألت الأم ابنتها أن يتركا الدير حتى لا تنشغل الرئيسة بهما، فقالت لها الصبية: "اذهبي أنتِ يا أمي إن أردتِ ودعيني أمكث ههنا". أجابتها الوالدة: "يلزمنا أن نخرج من الدير فإنه مسكن للناسكات المنقطعات لعبادة الله".

جثت الصبية أمام أيقونة المصلوب وهي تقول:

"يا يسوع الحلو، أنت هو ربي وإلهي.

هأنذا أتعبد لك بكليتي، فلا أخرج من ههنا، لأني لست أريد عريسًا سواك ".

تأثرت الأم الرئيسة بالمنظر وأيضًا والدة الصبية، ولم تعرفا ماذا تفعلان، إلا أن الرئيسة بلطف قالت للصبية: "لا يمكنك أن تقيمي عندنا الآن إذ لا توجد قلاية خالية" في بساطة قالت الصبية: "ولِمَ لا أسكن معك في قلايتك". خجلت الرئيسة، ثم قالت للأم اتركيها سأعد لها مكانًا، وأوضحت لها أنها لن تحتمل السكنى لفترة طويلة، إنما ستشعر بضجر وتترك الدير.

بقيت الصبية أيامًا ولم تُظِهر ضجرًا بل كانت بالأكثر تتعلق بالموضع المقدس بفرح وتهليل، وإذ سألتها الرئيسة ومعها والدتها أن تترك الدير رفضت. وإذ أرادت الرئيسة أن تثقل عليها لكي تترك الدير سألتها أن تحفظ المزامير عن ظهر قلب وتمارس بعض الممارسات التقشفية، فكانت الصبية تتقبل ذلك بفرح نامية في النعمة، الأمر الذي جعل الأم الرئيسة تقول لأفراسيا: "اتركي الفتاة الصغيرة بيننا، فإن نعمة الله تعمل في قلبها، تقواكِ وتقوى أنتيخوس قد فتحا لها الطريق الأكمل".

انسابت الدموع من عيني الوالدة وهي متهللة بابنتها، إذ أمسكت بالابنة وتقدمت بها إلى أيقونة الصليب المقدس، وهي تقول: "أيها الرب يسوع المسيح اقبل الصبية. إنها تحبك أنت وحدك، وإياك تطلب، وها هي تكرس حياتها لخدمتك". ثم توجهت إلى ابنتها وهي تقول: "ليت الله الذي أسس الجبال يحفظك دائمًا في مخافته المقدسة".

لم يمض وقت طويل حتى ارتدت أفراسيا زي الرهبنة، فسألتها أمها إن كانت مسرورة أم لا، فأجابتها: "أماه، إنه ثوب عرسي، وُهب لي لأكرم يسوع حبيبي"، فكانت الأم تفرح وهي ترى ابنتها تنمو في النعمة.

رأت أفراسيا زوجها في حلم متلألئًا بنور سماوي يدعوها للملكوت، فروت ذلك للأم الرئيسة، وبالفعل انتقلت أفراسيا لتدفن في مقابر الدير.

دعوتها للقسطنطينية

كانت أفراسيا تنمو كل يوم في معرفة الله بحياة طاهرة مقدسة، وإذ بلغت الثانية عشرة من عمرها كانت لا تأكل إلا في المساء.

أرسل إليها الإمبراطور، غالبًا أركاديوس، يدعوها للحضور إلى القسطنطينية لتتزوج الشريف الذي سبق أن خُطبت له، فأرسلت إليه تقول له أنها قد قبلت عريسًا سماويًا، نذرت حياتها له، سألته أن يوزع كل ميراثها على الفقراء ويحرر جميع عبيدها، ففرح الملك برسالتها التي قرأها على القضاة وكل المحيطين به معتزًا بها. أما هي فكانت في تواضع تمارس أدنى الأعمال وتخدم ما استطاعت كل من بالدير، فتقوم بتنظيف قلاليهن، وتحمل المياه للمطبخ، وتقوم بتقطيع الحطب الخ... فأحبها الجميع لتواضعها ومحبتها!

جهادها ضد العدو

إن كانت أفراسيا قد تركت الغنى بإرادتها لكن العدو الشرير لم يكف عن محاربتها، تارة يذكرها بقصور القسطنطينية وإمكانية الخدمة لو عاشت حياتها كشريفة متزوجة، وأخرى يثير أمامها قبائح جسدية الخ...

إذ رأت إحدى الراهبات ما بلغته هذه الراهبة من كرامة وحب في قلب جميع الراهبات بما فيهن الأم الرئيسة، بسبب طاعتها وبشاشتها مع تواضعها وحبها، مما وهبها جمالاً روحيًا بجانب جمالها الجسدي بالرغم من أصوامها الشديدة التي بلغت أحيانًا أن تأكل مرة واحدة في الأسبوع، فقد حقدت هذه الراهبة عليها، وكانت تسمى جرمينا من الإماء. أشاعت هذه الراهبة في الدير أن ما تفعله أفراسيا ليس من قبيل محبتها لله، وإنما طلبًا في المجد الزمني وحب الظهور، ومع هذا فكانت أفراسيا تترفق بها وتحنو عليها أكثر من بقية الراهبات.

قيل أن عائلة أحضرت سيدة بها شيطان عنيف، إذ كانت تهيج وتضرب من بجوارها بعنف، جاءوا بها إلى الدير مقيدة لكي تصلي عليها الراهبات. قدمتها الأم الرئيسة لأفراسيا إذ كانت تعرف أن الله وهبها هذه العطية أن تشفي مرضى باسم السيد المسيح، وتخرج شياطين بروح متضع ومنسحق. بالفعل لاطفتها أفراسيا وصلّت من أجلها فاستراحت وهدأت جدًا بل وتعلقت بأفراسيا. هذا الأمر أثار حسد الراهبة جرمينا فذهبت إلى الأم الرئيسة متذمرة لماذا تعهد بالمرأة التي بها الشيطان للراهبة أفراسيا دون غيرها. وبالفعل إذ جاءت السيدة مرة أخرى سلمتها لجرمينا، فقامت السيدة بضربها بعنف وشدة حتى كادت أن تقتلها لولا تدخّل القديسة أفراسيا التي صلت عليها فهدأت واستراحت بعد أن خرج الشيطان منها، فتمجد الله بالأكثر في حياة أفراسيا وندمت جرمينا على ما فرط منها.

إذ بلغت أفراسيا الثلاثين من عمرها مرضت وتألمت كثيرًا جدًا ثم رقدت في الرب. تأثرت الراهبة جوليا (لم يأتي ذكرها من قبل أنها تلميذتها) لرقاد تلميذتها أفراسيا فبقيت بجوار قبرها ثلاثة أيام تبكي وتصلي وفي اليوم الرابع قالت جوليا للأم الرئيسة أن السيد المسيح قد دعاها للراحة بصلوات أفراسيا، وبالفعل أُخذت نفسها في اليوم الرابع ودُفنت مع تلميذتها (حوالي عام 420 م).

عن مخطوط يحوي مجموعة من القديسات بدير القديس أنبا أنطونيوس.

O’Leary: The Saints of Egypt, P 135; Butler, Mar. 13.

[ملاحظة: يرى البعض أنها عذراء من روما، وأنها تمت بصلة قرابة للإمبراطور هوفوريوس].

افراطس الأب

أحد آباء البرية الذي قدم مثلاً حيًا لرفض الراهب للصدقة، متكلاً على الله وحده، إذ قال: "إن شاء الله لي أن أحيا فهو يعلم كيف يدبر أمري، وإن لم يشأ فمالي وللحياة". وعندما صار مقعدًا مُلقى على فراش المرض رفض قبول أية تقدمة من أحد، قائلاً: إن أخذت من أحد شيئًا فليس لي ما أكافئه به.

يرى أن المؤمن الحقيقي لا يبالي بشتيمة ما أو ظلم يلحق به، لأن عينيه لا تنحرفان عن الله، إذ يقول: "يليق بالمتقدمين إلى الله أن ينظروا إليه وحده، ويلتجئوا إليه بورع هكذا لا يعيروا الشتيمة التفاتًا، ولو كانوا مظلومون ربوات المرات".

افرام السرياني القديس

عينة فريدة من رجال الله القديسين، يدعوه السريان "قيثارة الروح القدس"، فقد قدم للكنيسة أناشيد روحية بلا حصر، حملت مع نقاوة الإيمان المستقيم روح العبادة التقوية وعاطفة الحب المتأجج مع عذوبة الأسلوب وحلاوته، هذا وقد جاءت حياته في مجملها سيمفونية رائعة، تعزف لنا النسكية الحازمة مع اهتمام بخدمة الفقراء، وحزم في العقيدة والتعاليم الكنسية مع أتضاع شديد!

حداثته

وُلد حوالي عام 306 م في مدينة نصيبين إحدى بلاد ما بين النهرين (الميصة). كان والداه مسيحيين، إذ قال: "وُلدت في طريق الحق، مع إنني في صبوتي لم أدرك عظمة الحق، وإنما عرفته بالتجربة"، كما قال: "كان والديّ معترفين أمام القاضي، نعم إني قريب للشهداء".

التصق بالقديس مار يعقوب أسقف نصيبين، ويقال أنه صحبه معه في مجمع نيقية عام 325م. بعد موت مار يعقوب بقى مار أفرام ملتصقًا بالثلاثة الأساقفة خلفائه على الكرسي، ربما كرئيس للمدرسة التابعة للكرسي.

التجربة الأولى

ظهرت علامات الحمل على عذراء ابنة أحد رؤساء المدينة، وإذ سؤلت عمن ارتكب معها الشر، أشارت إلى القديس أفرام الذي لم يعترض عليها، بل في اتضاع قال أمام الأسقف: أخطأت يا أبي... فتعثر الشعب جدًا، وحدثت بلبلة شديدة. وإذ تسلم أفرام الطفل ليربيه تعب الكثيرون بسببه، فاضطر أن يستأذن الأسقف ليصعد بعد قداس الأحد على الإنبل ويحمل الرضيع بيمينه نحو المذبح، وصرخ أمام الكل: "أيها الطفل، أناشدك أمام مذبح الله، قل لي الحق: من هو أبوك". فنطق الطفل: أفرام قندلفت (المكلف بإضاءة قناديل الكنيسة)، فبكى كل الشعب وطلبوا منه السماح... وأسلم الطفل روحه في تلك الساعة!

خروجه من نصيبين

عاصر حصار الفرس للمدينة ثلاث مرات في الفترة 238 – 350 م حيث سُلمت نهائيُا لهم، بموجب معاهدة صلح بين سابور ملك الفرس وجوفنيان، فاضطر جميع المسيحيين إلى تركها، ومن بينهم القديس مار افرام حيث توجه إلى الرها Edessa.

عند اقترابه من المدينة التقى بامرأة زانية، فتطلع إليها ليجدها تحدق فيه بشدة. فقال لها: "يا امرأة، أما تستحين أن تحدقي بنظرك إليّ هكذا؟" أجابته: "إن المرأة قد أُخذت من الرجل فيحق لها أن تتفرس في أصلها، أما الرجل فأُخذ من التراب فينبغي عليه أن يتفرس في أصله الذي أَخذ منه".

عندئذ قال في نفسه: "إن كان نساء هذه المدينة حكيمات هكذا فكم تكون حكمة رجالها؟".

حياته في الرها

يُقال أنه اشتغل في أعمال بسيطة، وكان يقضي بقية وقته في الكرازة للوثنيين وتعليمهم الكتب المقدسة، حيث كان غالبية السكان وثنيين.

حرك الشيطان امرأة تسكن بجواره بفكر شرير، فسألته إن كان محتاجًا إلى شيء. أجابها: "إني محتاج إلى طوبتين وبعض الطين لأسد بها الطاقة التي بيني وبينك". فاغتاظت المرأة بسبب جفاف كلماته وهددته أنها تتهمه بارتكاب الشر معها إن لم يسقط معها، فتظاهر بموافقتها، لكنه اشترط أن يرتكبا الشر في سوق المدينة. وإذ سألته: "كيف نفعل هذا الأمر والناس من حولنا؟" أجاب: "إن كنت تستحين من الناس، أفما تستحين من الله الذي عيناه تخترقان أستار الظلام؟"... تأثرت المرأة جدًا، وقيل أنها تابت على يديه، والتحقت بأحد الأديرة.

بعد قليل سكن القديس أفرام في أحد مغاير جبل الرها، على تل صخري يعرف الآن باسم نمرود داج، حيث عكف على العبادة مع دراسة الكتاب المقدس.

قيل أن متوحدًا أسمه أفرام كان واقفًا خارج مغارته في الجبل فرأى ملاكًا نازلاً من السماء معه درج كبير مكتوب عليه من الوجهين، يحيط به ملائكة آخرون، وسمعه يقول: "لمن أعطي هذا الذي بيدي؟". فأجاب الملائكة: "إلى أوكين المتوحد الذي من صحراء مصر". ثم عاد فسأل: "من الذي يستحقه؟" أجابوا: "يوليانس المتوحد". عندئذ قال لهم: "ليس بين بشر هذا الزمان من يستحقه سوى أفرام السرياني الذي بجبل الرها"... وإذ رأى المتوحد ذلك تشكك أولاً، لكنه إذ زار مار افرام في مغارته وجده يكتب في تفسير سفر التكوين، وإذ قرأ ما يكتبه دُهش بسبب الموهبة التي أعطيت له، فأخذ منه التفسير وأسرع به إلى مدرسة الرها، وعرضه على علمائها الذين أُعجبوا به، فأمسكوه ليكرموه، فقال لهم عن كاتبه... فأسرعوا إلى مار أفرام ليحضروه، أما هو فإذ شعر بذلك هرب في أحد الأودية.

نزوله للعمل

ظهر له ملاك الرب وألزمه ألا يهرب من العمل، وفي خضوع نزل إلى المدينة وبات في أحد أبراج سور الرها، وفي الصباح إذ رآه بعض المؤمنين اغتاظوا لأنه هرب عندما ذهبوا إليه، وجاء الآن من تلقاء نفسه، وحسبوه مرائيًا، بل واتهمه البعض بالجنون، أما هو فلم يبال لا بكلمة المدح ولا الذم، إنما كان يعبر في السوق يعلم ويعظ الكثيرين.

إذ كان جادًا في كرازته واستقامة إيمانه ثار عليه بعض رؤساء المدينة والهراطقة واليهود والوثنيين، وصاروا يضربونه حتى اضطر للهروب إلى مغارته وتكريس وقته للكتابة ضد الهرطقات، وتحولت المغارة إلى مدرسة في الجبل تضم العديد من التلاميذ.

في إسقيط مصر

رأى مار افرام القديس باسيليوس الكبير أشبه بعمود نار نازلاً من السماء فاشتاق أن يلتقي به، وإذ أخذ معه مترجمًا سافر إلى مصر وهناك شدّه الإسقيط، وبقى فيه قرابة ثمان سنوات، ولازالت شجرته قائمة بدير السريان، إذ قيل بسبب نسكه الزائد كان يتوكأ على عصا فحسبه البعض أنه يتشبه بالشيوخ متباهيًا، فغرس عصاه في الأرض، وللحال أزهرت ونمت.

التقاؤه مع القديس باسيليوس

ذهب إلى قيصرية حوالي عام 371م، وحضر قداس عيد الظهور الإلهي بملابسه المهلهلة، وإذ رأى القديس باسيليوس من بعيد سقط قلبه بسبب فخامة ملابسه وتشكك في أمره، لكنه ما أن وقف القديس يعظ حتى رأى كأن ألسنة نارية تنطلق من فيه متجهة نحو قلوب سامعيه، وكأن حمامة تنطق من فيه، فتغير فكره في الحال.

رأى القديس باسيليوس كأن ملاكين يحيطان بالراهب أفرام فأرسل إليه يستدعيه بعد العظة مباشرة لكنه التمس أن يكون اللقاء بعد التناول، وبالفعل التقى الاثنان بقبلة أخوية. ثم قال له القديس باسيليوس على انفراد: لماذا شككت؟ مُظهرًا له أنه يلبس مسحًا من الداخل، قائلاً له: "أما هذه الملابس الخارجية الفاخرة فهي من أجل كرامة الخدمة فقط".

بقيت الزيارة أسبوعين، وقد حاول القديس باسيليوس رسامته قسًا، لكنه بالكاد قبل أن يرسم شماسًا "دياكون" تأثر القديس باسيليوس كثيرًا بشخصيته وتعاليمه كما ذكر في كتاباته.

عودته إلى الرها

رجع إلى الرها وصار يقاوم الهرطقات. وإذ رأى أحدهم قد ألف 150 نشيدًا تحمل عقائد خاطئة يترنم بها الشعب، ألّف هو أيضًا 150 نشيدًا بذات النغم مع استقامة الإيمان وعذوبة الأسلوب وقوته فحلّت محل الأناشيد الأولى.

إذ هدأ جو الهرطقات عاد إلى مغارته حتى اجتاحت المدينة مجاعة عظيمة في شتاء 372 / 373م فنزل إلى المدينة يحث الأغنياء على العطاء الذين أوكلوه على التصرف حيث أقام دارًا بها 300 سريرًا للمرضى بسبب المجاعة، وكان يخدم المحتاجين بنفسه مع أعوانه، ولم يعد إلى مغارته حتى انتهت المجاعة.

وفي التاسع من شهر يونية (حزيران) عام 373م أسلم روحه بعد أن قدم هذه الوصية نظمها شعرًا.

"لا تضعوني تحت مذبح الله، لأنه لا يليق أن توضع الجيفة النتنة في المكان المقدس.

لا تضعوا جسدي مع الشهداء لأني خاطئ، ولا أستحق، وأخشى الاقتراب من عظامهم، لا تكفنوني بالعطور فإني غير مستحق للبخور والأطياب إذ لا تليق بي، بل قدموا البخور في الأماكن المقدسة، أما أنا فاسندوني بصلواتكم. عوض العطور والأطياب اذكروني في توسلاتكم...

قطعت عهدًا مع الرب أن أُدفن مع الغرباء لأني غريب كما كانوا هم. ضعوني يا إخوة معهم، لأن كل طير يحب جنسه، والرجل يحب شبيهه. ضعوني في المقبرة حيث منكسرو القلب حتى حينما يأتي ابن الله يضمني إليه ويقيمني معه.. ".

تعيِّد له كنيستنا في الخامس عشر من أبيب.

ثورته الأدبية

أغنى المكتبة المسيحية بكتاباته المنظومة شعرًا وأيضًا المنثورة، وهي لا تقل عن ثلاثة ملايين من الأسطر، ضمت شرحًا للأسفار المقدسة كلها، وموضوعات الجدل الديني، وبعض مقالات ورسائل مع ميامر وتسابيح، وقد فقد بعضها.

شخصيته الجذابة

إن كان قد تظاهر بالجنون في بعض الأوقات ليهرب من الأسقفية حينما حاول القديس باسيليوس سيامته أسقفًا على أحد أقاليم إيبارشيته، وإن كانت دموعه لم تجف قط حتى حسبها القديس غريغوريوس أسقف نيصص ظاهرة طبيعية كما لا يتوقف التنفس في حياة الإنسان، فقد كانت محبته الفائقة للفقراء وحنوه وشبعه الروحي يعطي لشخصيته جاذبية عجيبة، حتى قال القديس غريغوريوس النيصي أنه شابه الملائكة الذين بلا جسم مادي وبلا همّ في حياتهم!

مطبوعات دير السريان: ميمر الميلاد المجيد 1961م.

Butler's Lives, of Saints, Jun 18

افرام الشهيد

ولد باخميم في صعيد مصر، وترهب بأحد أديرة مصر مع قريب له يسمى مرقُريوس، عاشا كأخين بالروح، يسندان بعضهما البعض، يمارسان حياة الرهبنة مدة عشرين عامًا بروح الشركة والحب.

إذ أثار الأريوسيون الاضطهاد على الكنيسة، دخلوا إلى الهيكل وأرادوا تقديم قرابين على المذبح، فتقدم القديسان ورفعا الخبز والخمر عن المذبح، قائلين: "من لم يعتمد باسم الثالوث القدوس لا يحق له أن يقدم قربانه إلا على مذبح الأوثان". أمسكهما الأريوسيون وضربوهما ضربًا مبرحًا حتى أسلما الروح، وكان ذلك في الثلاثين من شهر أبيب.

افراحات القديس2

عاش القديس أفراحات (أفراهات) Aphraates ناسكًا حقيقيًا، بفكر إنجيلي، في نسكه يتسع قلبه بالحب للكل، ويقابل الآخرين ببشاشة، مجاهدًا أيضًا من أجل حفظ الإيمان.

نشأته:

قيل أنه نشأ في القرن الرابع ببلاد فارس، وكان والداه من عبدة الأوثان، أما هو فمنذ صبوته لم يسترح لفكر آبائه وحياتهم المملوءة بالرجاسات. لذا إذ التقى وهو في سن الرشد ببعض المسيحيين وتلامس مع محبتهم ووداعتهم وعفتهم سألهم عن إيمانهم، فتحدثوا معه عن وحدانية الله وتثليث الأقانيم الإلهية وعمل الله الخلاصي، فقبل الإيمان بفرح شديد واعتمد.

رأى افراحات أن يترك بلده كإبراهيم ويذهب إلى أديسا (الرُها) فيما بين النهرين ليتشدد بإيمان المسيحيين هناك، وإذ كان يميل لحياة الوحدة سكن في مكان قريب من المدينة، يمارس حياة العبادة النسكية بروح تقوى حقيقي، ففاحت فيه رائحة المسيح الذكية وجاء الكثيرون يسترشدون به ويطلبون صلواته.

يبدو أنه ترك موضعه وذهب إلى منطقة أخرى بسوريا حيث ازداد في نسكه، فلم يكن يأكل إلا خبزًا ويشرب ماء، مرة في اليوم مع بعض الخضراوات غير المطبوخة عندما كبر في السن.

افتقده تارة أحد ولاة الشرق، يدعى أنثيموس، وقدم له ثوبًا جديدًا جاء به من بلاد فارس كهدية من بلد هذا المتوحد، وإذ كان بطبعه لطيفًا وبشوشًا تقبل الهدية وشكره عليها. وبعد قليل سأله أفراحات: إني أستشيرك في قضية تحيرني وتبلبل فكري، وهي إنني منذ حوالي 16 عامًا عزمت أن يكون لي صديقًا واحدًا اخترته ليرافقني ويعيش معي، وكان هذا الصديق يعجبني جدًا ويعزيني ولم يحزنني قط لكن جاء آخر من بلد بعيد وأراد أن يحتل مكانه فأي الاثنين أقبل؟! أجاب الوالي: "الأول" أبتسم أفراحات وقال له: "إن الصديق القديم هو ثوبي يلازمني هذه السنوات الطوال فكيف استبدله بآخر؟!" حينئذ ابتسم الوالي وأدرك أن أفراحات يود الاعتذار عن قبول هديته بلطف، فاسترد الثوب وهو متعجب من حكمته ولطفه، إذ لم يرد أن يجرح احساساته حتى في رفضه للهدية.

مع الملك فالنس

بقي القديس ملازمًا قلايته لا يخرج منها، وقد تحولت إلى مركز روحي قوي، يتعزى كل القادمين إليه بكلمات النعمة الخارجية من فمه، ويتمتعون ببركات عمل الله معه.

إذ نفى الإمبراطور فالنس ملاتيوس أسقف أنطاكية، وأثار الاضطهاد على الكنيسة بسبب فكره الأريوسي، دخل أفراحات مدينة أنطاكية، وكان يشجع المؤمنين، ويشددهم على الإيمان المستقيم، مبرهنًا لهم على لاهوت السيد المسيح. وكان الأريوسيون يعجزون عن مقاومته أو مجادلته من أجل النعمة التي وُهبت له خلال كلماته وحياته والعجائب التي كان الله يجريها على يديه، لذا كان الأريوسيون يهابونه ويريدون التخلص منه.

رآه الإمبراطور مرة يجري مسرعًا في الطريق رغم شيخوخته، وإذ سأل عن شخصه قيل له أنه الناسك أفراحات، فاستدعاه، ثم سأله عن سبب مشيه بسرعة. فقال له أفراحات: "لكي أجتمع في الكنيسة وأصلي من أجل العالم، خاصة من أجل الإمبراطورية". عندئذ قال له فالنس: "كان الأولى بك أن تلازم قلايتك وتصلي فيها". أجاب القديس: "لو أن فتاة أبصرت نارًا تلتهب في بيت أبيها وهي متحجبة أتبقى في البيت مستسلمة حتى تحترق؟! لست أنا الذي أُلام بل بالأحرى أنت الذي أشعلت النيران في بيت أبي وأنا أطفئها. إنني لا أفعل شيئًا يخالف عملنا عندما نجتمع معًا لننعش الموالين للإيمان الحقيقي".

لم يستطع الإمبراطور أن يجيبه بكلمة، إنما شتمه أحد الحاضرين مهددًا إياه بالقتل، فسقط في الحال ميتًا، الأمر الذي أرعب الإمبراطور، فلم يمد يده على القديس أفراحات بالرغم من محاولات الأريوسيين وحثهم له على نفيه.

لم يمض إلا وقت قليل ومات فالنس في حريق فاستراحت الكنيسة من مقاومته.

عاد القديس إلى توحده واختلى بها مقدمًا صلواته عن العالم حتى تنيح حوالي عام 345م.

تعيِّد له الكنيسة اليونانية في 29 من يناير، واللاتينية في السابع من أبريل.

افركيوس أسقف هيروبوليس القديس

كان أفركيوس أسقفًا على هيربوليس (منبج) Abricius of Hierapolis بإقليم فريجيا الصغرى، عرف بحبه الشديد للصلاة وتقواه، حتى كان يقضي الليالي ساجدًا في كنيسته يناجي سيده في حب عميق من أجل رعيته، ومن أجل خلاص العالم كله. خلال هذه المحبة الشديدة التقوية وهبه الله صنع العجائب وإخراج الشياطين فذاع صيته حتى بلغ مسامع الإمبراطور مرقس أوريليوس (161 - 180).

حبه لخلاص الوثنيين

في إحدى الليالي إذ كانت نفسه مرة للغاية بسبب انتشار الوثنية، أخذ يبتهل إلى الله بدموع من أجل خلاص الكل، ولفرط حزنه وتعبه نام، فتراءى له ملاك الرب، وسلم إليه عصا، وقال له: قم إلى هيكل الأوثان وحطّم ما به من أصنام، فلما استيقظ أدرك أنه إنما رأي رؤيا، فقام لساعته ليلاً وذهب إلى معبد الأوثان وصار يحطم الأصنام حتى ألقى بالكل على الأرض مهشمًا. شعر الحراس بذلك فهرعوا إليه ليروه يحطم أصنامهم فذهلوا من جسارته، أما هو فتظاهر بالجدية، قائلا: "لقد تخاصم الآلهة وتقاتلوا، وحطم بعضهم البعض" فحدث اضطراب وجاءت الجموع ترى ما حدث، فتسلل وترك الموضع.

في الغد جاءت الجموع إليه لتفتك به، وكان من بينهم ثلاثة رجال عراة يصيحون، فصلى عليهم الأب الأسقف وشفاهم، فخافه الشعب، وصاروا يهتفون: "عظيم هو إله المسيحيين!" وآمن كثيرون بالسيد المسيح واعتمدوا، فذاع صيته وجاء الكثيرون يطلبون إرشاده وصلواته، ويقدمون له مرضاهم ليشفيهم باسم ربنا يسوع.

في قصر الإمبراطور

قيل أن ابنة مرقس أوريليوس (Lucilla) أصيبت بروح شرير قبيل زفافها، فحار الكل في علاجها، وإذ ذُكر اسم هذا الأب لدى الإمبراطور أرسل إليه يطلبه. فقام بالرغم من شيخوخته وانطلق إلى روما حيث استقبلته الإمبراطورة فوستينا، لأن الإمبراطور كان في حرب، وهناك صلى الأب الأسقف على الفتاة فخرج الروح الشرير. ولما عرضت عليه الإمبراطورة هدايا رفض وتحت الإلحاح قبل إرسال قمح لفقراء الإيبارشية، وإنشاء مستشفى عند مياه "أغرا" المعدنية بفريجيا. وقد بقيت هذه المعونة ترسل سنويًا حتى منعها يوليانوس الجاحد.

التقى الأب الأسقف بمؤمني روما وكان يثبتهم في الإيمان ويعظمهم، وإذ رأى الكرامة تحيط به لم يبق كثيرًا بل عاد إلى بلده مفتقدًا بعض البلاد بآسيا، تجول في سوريا وما بين النهرين ونصيبين، وكان الله يعمل به أينما حلّ.

أعد القديس لنفسه قبرًا، نقش عليه السمكة رمزًا للإيمان المسيحي، وكتب باختصار عمل الله معه في زيارته للقصر. تنيح حوالي عام 167 م.

Butler: Lives of the Saints, Oct. 22.

افروسينا القديسة

عاشت في أواخر القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر.

فقدت والديها وهي صغيرة، فتولت إحدى العائلات التقية تربيتها، فنشأت في حياة تقوية، محبة للنسك.

إذ شعرت بأن شابًا يتقدم لزواجها "حلقت شعر رأسها" الأمر الذي أثر في نفس الشاب الذي كان قد تعلق بها، فأحب البتولية وكرس حياته للرب لما رآه في هذه الفتاة.

أمام إصرار الفتاة على الحياة البتولية، وتجلي الرب في حياتها قدمها الذي قام بتربيتها للدير، فازدادت نسكًا وسهرًا وكانت تشتاق أن ترتدي الزي الملائكي الرهباني، وقد وهبها الله عطية عمل المعجزات.

إذ تنحيت رئيسة الدير اتفقت الراهبات على إقامتها رئيسة أو أمًا عليهن، خاصة أنها اتسمت بجانب نسكها وسهرها وحبها للعطاء، التمتع بروح الحكمة في اتضاع، فكان الكل يشتقن لمجالستها وطلب مشورتها. تميزت في رئاستها بالحب الشديد والبشاشة، فكانت كل راهبة تجد راحتها الحقيقية في المسيح خلال هذه الأم.

مرت الكنيسة بضيقة شديدة في أيامها إذ طُرد المسيحيون من الدواوين، فكانت سندًا لهذه العائلات المتألمة، واستطاعت بقلبها المحب وبشاشتها أن تسند هؤلاء المضطهدين وتعينهم، كما ردت نفوس كثيرة إلى الإيمان.

أخيرًا عانت من الأمراض زمنًا طويلاً، ورقدت في الرب في التاسع من أمشير عام 1024 ش، بالغة من العمر ثمانين عامًا، وقد حضر البابا يوحنا الثامن انتقالها.

من كلماتها المأثورة

يليق بمن يود خلاص نفسه أن يعطي فضة لمن يشتمه ويهينه ويحزنه، حتى يكسب فضيلة الاتضاع.

ملكوت الله لا يُقتنى بذهب أو فضة إنما بالاتضاع ونقاوة القلب والمحبة الصادقة لكل أحد.

افروسينى القديسة

اتسم القرن الرابع بهجرة القلوب المؤمنة إلى البراري لتمارس حياة العشق الإلهي في أبدع صوره، حيث يرفض المؤمنون لا حياة الترف فحسب بل وكل ما يمكن أن يشغلهم عن التأمل الإلهي. وإذ انطلق الآلاف يمارسون هذه الحياة نجحت بعض الفتيات المشتاقات للحياة النسكية الجادة أن يختفين في زي رجال ويفقدن بالنسك نعومتهن وأنوثتهن ليعشن الحياة القاسية بقلب ملتهب حبًا وعاطفة مقدسة منطلقة في السماويات. من بين هؤلاء القديسات مارينا، وايلارية، واثناسيا وأبوليفارس الخ... وأيضا أفروسينى Euphrosyne، التي يلقبها اليونان: "أمنا".

جاءت أفروسينى ثمرة صلوات أحد الأباء الرهبان القديسين، إذ التجأ إليه أبوها بفنوتيوس أحد أثرياء الإسكندرية يطلب منه الصلاة ليهبه الله ثمرة مباركة، وقد استجاب الرب له، فدعاها والدها "أفروسينى" أي "بهجة"، إذ جاءت بعد شوق طويل لسنوات.

نشأت هذه الفتاة الجميلة بين والدين تقيين وغنيين في نهاية القرن الرابع، سخيين جدًا في العطاء، فالتقطت منهما محبة الله الفائقة حتى اشتهت تكريس حياتها للعبادة.

إذ بلغت أفروسيني الثامنة عشرة من عمرها، أراد والداها أن يزوجها لشاب تقي وغني، وعبثًا تضرعت إليه ليتركها وشأنها، وراح يعد لها العرس.

فجأة اختفت الفتاة، فصار الأب يبحث عنها في كل مدينة وقرية فلم يجدها.

انطلقت الفتاة إلى أحد الأديرة بعد أن اختفت في زي الرجال، والتقت بالرئيس الذي رفض في البداية قبولها لما رأى عليها من علامات النعومة والغنى مع الجمال، لكن تحت إصرارها قبلها تحت التجربة، حاسبًا إياها شابًا مدللاً لن يحتمل الحياة الرهبانية.

طارت الفتاة من الفرح وأخذت تسلك بحياة نسكية جادة مع عبادة تقوية وسلوك أدهش الجميع.

بعد فترة زار والدها الدير، فعرفته أفروسينى ولكنها كتمت مشاعرها، وكانت تلتقي به وترشده في احتمال الآلام بفرح. فوجد فيها تعزيته، لذا صار يكثر التردد على الدير بسببها وهو لا يعلم أنها ابنته.

عاشت أفروسينى ثماني عشرة سنة كراهب ناسك، وإذ مرضت وأدركت أن يوم رحيلها حان كشفت أمرها لوالدها الذي انطرح على عنقها وصار يقبلها، فعزته وشجعته وأنعشت إيمانه، ثم رقدت بين يديه.

تطوبها كنيسة الروم بهذا النشيد العذب:

"لما صبوتِ إلى نيل الحياة العلوية أهملت النعيم الأدنى بنشاط ونظمتِ ذاتك في سلك الرجال، يا دائمة الذكر، فإنك قد ازدريت خطيبك الزمني من أجل المسيح ختنك".

نعود إلى والدها الذي تأثر بابنته جدًا، واشتاق أن يلحقها في الحياة المقدسة في الرب مرتفعًا بروح الله القدوس على جبال الفضيلة... إذ باع كل ما يملكه ووزعه على الفقراء والتحق بالدير ليقضي عشر سنوات في قلاية إبنته يجاهد بفرح في حياة نسكية جادة.

Butler’s Lives of Saints. Jan. 1

الأرشمندريت ميشيل عساف: كتاب السنكسار، أيلول 25.

افرونيا الشهيدة

رهبنتها

عاشت في بلاد ما بين النهرين، أي الميصة، التهب قلبها بمحبة الله فاشتاقت إلى تكريس كل طاقاتها للعبادة. التحقت بدير هناك، وكانت خالتها أوريانة هي أم الدير، فتتلمذت على يديها؛ تدرس الكتاب المقدس بشغف، وتمارس الحياة النسكية بغيرة متقدة.

استشهادها

إذ أثار دقلديانوس الاضطهاد ضد المسيحيين، خافت العذارى وكن حوالي خمسين راهبة، فتركن الدير واختبأن، ولم يبق بالدير سوى الأم أوريانة والراهبة أفرونية وراهبة أخرى.

اقتحم الجند الدير، وأمسكوا بالأم وأساءوا معاملتها جدًا. تقدمت أفرونية إليهم وكانت في العشرين من عمرها، وسألتهم أن يتركوا الأم العجوز ويمسكوا بها عوضًا عنها. ربطوها بالحبال وانطلقوا بها إلى الوالي والأم تتبعها. عرض عليها الوالي عبادة الأوثان مقدمًا لها الوعود الكثيرة، أما هي فاستهانت بكل وعوده.

إذ لم يجد اللطف بدأ بالتهديد والعنف، فأمر بضربها بالعصى، والأم تصلي من أجلها لكي يهبها الله قوة وثباتًا.

إذ أراد الوالي التنكيل بها أمر بتمزيق ثيابها... عندئذ لم تحتمل الأم أوريانة، فصرخت: "يشقك الرب أيها الوحش المفترس، لأنك تقصد التشهير بهذه الصبية اليتيمة". هكذا احتملت أن ترى ابنتها تتعذب لكنها لم تحتمل أن ترى ثوبها يُشق ويظهر جسدها!

اغتاظ الوالي لما سمع كلمات الأم فأمر أن تعصر أفرونية في دولاب حديدي، ويمزق جسدها بأمشاط حتى يتهرأ. أما القديسة أفرونية فكانت تصلي إلى الرب كي يسندها في جهادها.

إذ أصرت القديسة على اعترافها بالسيد المسيح أمر الوالي بقطع لسانها وتهشيم أسنانها، وكان الرب سندًا لها، يشفيها. أخيرًا أمر بقطع عنقها بالسيف، فنالت إكليل الاستشهاد حوالي عام 305م.

تعيد لها الكنيسة القبطية في اليوم الأول من أبيب

افرونيا العذراء

افرونيا Evronie أو أبرونيا Apronia هي أخت الأسقف أنير Aner لمدينة Toul ببلاد الغال، ولدت في ترانكيل Tranquille، قرية تابعة لإيبارشية تروى Troyes؛ في محبتها للسيد المسيح اشتاقت للحياة البتولية الملائكية ممتثلة بأخيها، فعاشت محبة للطهارة والنقاوة والحياة المقدسة حتى تنيحت في نهاية القرن الخامس.

Rev. Baring – Gould: Lives of Saints. July 15.

افستراتيوس الشهيد

في بدء القرن الرابع، إذ أثار دقلديانوس الاضطهاد، ألقى ليسيا الوالي ببلاد أرمينيا القبض على رجل مسيحي من عائلة غنية يدعى افستراتيوس Eustratius وقام بتعذيبه بعنف لكي يثنيه عن الإيمان، وإذ شاهد أحد الجنود ثباته في الإيمان ومحبته وسط الضيقات قبل أيضا الإيمان المسيحي، وكان يدعى أورسطوس. اقتيد الاثنان إلى أغريكولاوس وإلى سبسطية وعبثًا حاول نزعهما عن الإيمان، فألقى الأول في أتون نار والثاني على ألواح حديدية أوقد تحتها النيران، حتى أسلما روحيهما في يديّ مخلصهما.

ألقى ليسيا القبض على مجموعة من المسيحيين من بينهم افكسنتيوس وأفجانيوس ومرضاريوس، وأسلمهم للتعذيب حتى أسلموا أرواحهم. وقد نقلت أجسادهم إلى روما ودفنت في كنيسة القديسة أبوليناريا.

Butler: Lives of the Saints, Dec. 13.

افلاطون الشهيد

St. platon

نشأ القديس أفلاطون أو بلاطونيوس في مدينة أنقرة بإقليم غلاطية، من أسرة شريفة وغنية، اتسمت بالتقوى والعطاء للمحتاجين.

اتسم أفلاطون بعلمه وثقافته مع ورعه وتقواه، ولما مات والده، قام بتوزيع ميراثه على المساكين.

إذ هبّ الاضطهاد في عهد دقلديانوس ومكسميانوس كان أفلاطون أول شهداء أنقره في ذلك الضيق، وقد أظهر شجاعة نادرة في احتمال العذابات التي صبّها الوالي أغريبانوس بوحشية فظيعة، الذي كان ينزل بنفسه ليشترك مع الجلادين ليشفي غليله، وأخيرًا أمر بقطع رأسه، وكان ذلك حوالي عام303م.

افلمبيوس وأفلمبية القديسان

كلمة "افلمبيوس" Eulampius معناها "ساطع"

في بدء القرن الرابع إذ اشتعلت نيران الاضطهاد الذي أثاره دقلديانوس وشريكة مكسميانوس تحولت نيقوميديا إلى مذابح جماعية حيث قُدم المسيحيون للاستشهاد جماعات. ويقال أن أفلمبيوس من عائلة ثرية كان حدثًا صغيرًا هرب مع أخته إلى كهف خارج المدينة.

اقتضى الأمر أن ينزل إلى المدينة، فرأى المنشور الإمبراطوري معلقًا فأخذ يقرأه، وإذ قُبض عليه اُقتيد إلى غاليروس الوالي ومن حوله. حاولوا إغراءه عن الإيمان فرفض، وصار يسخر بالأوثان فسقط تحت عذابات شديدة. وإذ سمعت أخته انطلقت إليه وسط جماهير الوثنيين المحيطين به، وانطرحت على عنقه وصارت تبكي وتشجعه، فقُبض عليها وأُهينت، لكنها كانت في إيمانها كالصخرة لا تتزعزع.

ألقي الأخ وأخته في خلقين مملوء قارًا يغلي، أما هما فكانا يسبحان الله الذي حفظهما من الأذى، عندئذ آمن حوالي مائتين من جموع الوثنيين المشاهدين لهما واعترفا بالسيد المسيح وسلموا أنفسهم للوالي فأمر بقطع رؤوسهم. انطلقوا كموكب يتقدم القديسين أفلمبيوس وأخته أفلمبية Eulanpia اللذين لحقا بهؤلاء الشهداء، وكان ذلك حوالي عام 303م.

Butler: Lives of the Saints,Oct. 10.

افوذس الشهيد

استشهد القديس إفوذس (أي المعطّر بعطر ذكي) ومعه كالستي (بهية) وهرموجانس (سليل عطارد) في أيام الإمبراطور دقلديانوس وشريكه مكسميانوس. وقد فقدت أعمالهم ولم يُعرف عنهم سوى أسماؤهم، وأنهم من مدينة سيراكوزا بجزيرة صقلية.

الأرشمندريت ميشيل عساف: كتاب السنكسار، ايلول 1.

اقلاديوس الشهيد

نشأة أقلاديوس

أحد أمراء الرومان وهو ابن أبطلماوس، كان محبوبًا من جميع أهل إنطاكية لصفاته الحميدة وشجاعته وبهاء طلعته، فدعوه "أقلاديوس الفارس" وعلقوا صورته على باب المدينة.

شوقه للاستشهاد

لما أثار دقلديانوس الاضطهاد على المسيحيين اتفق هذا القديس مع ابن عمه بقطر بن رومانوس أن يقدما حياتهما للسيد المسيح.

في الطريق إلى الملك ظهر لهما عدو الخير على شكل شيخ، صار ينصحهما، قائلاً: "يا ولديّ أنتما في سن الشباب ومن أولاد الأكابر، وأخاف عليكما من هذا الملك الكافر، فإن قال لكما اسجدا للأوثان وافقاه، وفي المنزل يمكنكما أن تتعبدا للمسيح خفية". فطن الاثنان لأمره، فقالا له: "أيها الممتلئ من كل غش اذهب عنا"، وللحال تغير شكله، وقال: هوذا أنا أسبقكما إلى الملك وأحرضه على سفك دمكما.

إرساله إلى صعيد مصر

التقى أقلاديوس بالملك الذي صار يلاطفه واعدًا إياه أن يهبه مركز أبيه إن بخر للأوثان، وإذ لم يهتم أشار عليه الوزير رومانوس أن يرسله إلى مصر بعيدًا عن أنطاكية حتى لا يثير استشهاده الشعب. فأرسله الملك مع ستة من جنوده طالبًا من أريانا والي أنصنا أن يلاطفه ثم يؤدبه.

أنطلق أقلاديوس الأمير بحراسة الجند إلى مصر، وقبل خروجه من المدينة اجتمع عدد كبير من الشعب يبكيه إذ كان الكل يحبه، وكان عند باب المدينة رجل أعمى طلب إليه أن يصلي من أجله، وبالفعل رشمه بعلامة الصليب وطلب من السيد المسيح ففتح عينيه... ثم بارك الجمع وودعهم، سائلاً إياهم أن يهتموا بخلاص نفوسهم، معلنًا فرحه بانطلاقه إلى سيده يسوع المسيح. هذا وقد سلم أمواله لزوج أخته "صدريخس" لتوزيعها على الفقراء.

وصل أقلاديوس إلى أنصنا، فعلم الجند أن أريانا انطلق إلى تخوم بلاد قسقام والأشمونين وأسيوط يطلب النصارى ليعذبهم، فاقلعوا نحو أسيوط، وإذ وصلوا إلى قرية ميسارة جلسوا ليستريحوا

في ميسارة التقى أقلاديوس بالشابين "أبامون" و "سرنا"، كانا يطلبان الوالي ليعترفا باسم السيد المسيح ويستشهدوا على اسمه، فظنا أن أقلاديوس هو الوالي... وإذ عرفا شخصه فرحا به جدًا وصار الثلاثة يتحدثون بعظائم الله.

في مدينة أسيوط إذ قرأ الوالي رسالة الملك قام يقبّل يدي الأمير أقلاديوس وكان يمدحه لكرامته وسموه، طالبًا منه أن يبخر للأوثان، وإذ رفض أمر باعتقاله مع الشابين أبامون وسربا.

في الصباح صار الوالي يحاكم أبامون، وإذ كان يشهد للسيد المسيح أمر بطرحه على سرير من حديد وإشعال النار تحته. أما ما أدهش الوالي فإن الجنود الستة الذين جاءوا مع أقلاديوس الأمير فقد تقدموا يعلنون إيمانهم بالسيد المسيح، قائلين: "إن سيدنا أقلاديوس قد سلمنا للملك الحقيقي يسوع المسيح، وكانت هذه تقدمة حب قدمها أقلاديوس للسيد المسيح بشهادته له أمام الجند. فاغتاظ الوالي وأمر بقطع رؤوسهم، أما أقلاديوس فكان يشجعهم ويعزيهم، وأما هم فقالوا له:" أننا بسببك نلنا هذه الكرامة ". أجابهم:" أمضوا بسلام وكونوا قربانًا وبكورًا للرب "، ثم سلموا حياتهم في يدي الرب في 20 بشنس.

تسبيح في السجن

انطلق الوالي نحو الحبس ليسمع بنفسه أقلاديوس وأبامون مع جميع المسجونين من المسيحيين يسبحون الله بنغم جميل كفريقين كل منهما يردّ على الآخر.

استشهاد 142 فتى

إذ كان بالقرب من مكان تعذيب أبامون كتّاب شجع المعلم تلاميذه أن ينطلقوا إلى حيث الوالي يشهدون للسيد المسيح ويغتصبون الملكوت. وبالفعل إذ رآهم الوالي، دُهش، وسألهم: أين آباؤكم؟ أجابوا: "أبونا في السماء وأمنا هي الكنيسة".

شاهد أقلاديوس هذا المنظر فسّر قلبه جدًا وصار يشجع الصبية، أما معلمهم فكان يرتل المزمور: "سبحوا الله في قديسيه"، والصبية يجاوبونه بنغم روحي جميل.

أثار هذا المشهد الجموع وانطلق الكل يعلن في المدينة ما حدث، فجاءت 28سيدة من أمهات هؤلاء الصبيان، وصرن يقلن لأولادهن: "ماذا أصابكم؟ أتريدون أن تمضوا إلى المسيح وتتركوننا وحدنا في هذا العالم؟"... أغتاظ الوالي للمنظر وألقى بالجميع في أتون النار في 22 بشنس.

استشهاد القديسة تكلا

بينما كان القديس أبامون على السرير المحمى بالنار، وقد استشهد الجنود الستة والفتيان المائة واثنان وأربعون مع 28 من أمهاتهم، انطلقت تكلا ابنة كاراس المحتسب بمدينة أسيوط بثياب مكرمة إلى حيث ساحة العذاب وصارت تتحدث مع الأمير أقلاديوس وأبامون كأخين لها... فاغتاظ الوالي وأمر أن تُقطع رأسها في باكر النهار، وقد تحقق ذلك في شرقي أسيوط.

بعد قطع رأسها تقدم مقدم القصر إلى الجند المرافقين له في إتمام هذه المهمة وسألهم أن يصفحوا عنه إن كان قد أخطأ إليهم في شيء لأنه ذاهب ليسلم نفسه للاستشهاد، فرافقه بعض الجند واستشهدوا في 23 بشنس.

استشهاد أقلاديوس

أشار أحد جلساء الوالي أن يعجل بالخروج من أسيوط لأن أقلاديوس يضل عقول الكثيرين، وبالفعل انطلق ومعه أقلاديوس وأبامون وسرنا وكثيرين.

رفع الوالي أقلاديوس على خشبه ثم ضربه بحربة فمات، وقد حزن كثيرًا لموته!

نبيل سليم: الشهيدان مار أقلاديوس وأبا بقطر شو، مايو 1967.

الشهيد أقلاديوس: راجع الشهيد أستيريوس.

اكاكيوس بطريرك القسطنطينية

عرف بتقواه وعلمه في الكتب المقدسة، لذا سيم قسًا على القسطنطينية. ولما انعقد مجمع خلقيدونية أدرك هذا الأب ما وراء هذا المجمع من دوافع نفسية في الغرب تجاه الإسكندرية تحت ستار العقيدة، فامتنع عن الحضور محتجًا بالمرض، وكان يعلن لأصدقائه أنه يشكر الله لأنه لم يشترك في أعمال هذا المجمع.

إذ مات البطريرك أناطوليوس سيم هذا الأب بطريركًا على القسطنطينية، وقد بذل كل الجهد لإزالة ما قد سببه مجمع خلقيدونية من انشقاقات ومتاعب في الشرق، خاصة في مصر حيث كان الملوك يبعثون أسقفا على الإسكندرية معينًا من قبلهم لا عمل له إلا تحطيم الكنيسة المصرية.

أرسل البطريرك أكاكيوس رسالة إلى القديس بطرس بابا الإسكندرية يعلن شركة إيمانهما، تبعها عدة رسائل مملوءة محبة، وكان يعمل في الخفاء بعد أن أدرك فشله في إصلاح الموقف.

أرسل البابا بطرس رسالة إليه مع ثلاثة من الأساقفة دخلوا القسطنطينية متنكرين، فأكرمهم البطريرك، وقرأ الرسالة على خاصته من متقدمي المدينة المستقيمي الإيمان، فصادقوا عليها، وكتب أمامهم رسالة للبابا بطرس.

صحب الأساقفة الثلاثة إلى بعض الأديرة واشترك معهم في خدمة القداس الإلهي، وتبارك الفريقان من بعضهما البعض.

قبل البابا بطرس الرسالة بفرح، وأمر بذكر اسم البطريرك أكاكيوس في الليتورجيات العامة، وإذ عرف أساقفة الروم نفوا القديس أكاكيوس، وبقى في منفاه حتى تنيح في الثلاثين من هاتور.

اكاكيوس البار

من رجال القرن السادس، لا نعرف عنه إلا ما ورد في كتاب "سلم السماء ودرجات الفضائل" للقديس يوحنا كليماكوس، جاء فيه:

روى القديس يوحنا سابا أن شيخًا كان في أحد الأديرة بآسيا الصغرى يعرفه معرفة شخصية، اتسم بسرعة الغضب، فكان فظًا في أخلاقه، كان يخدمه شاب لطيف يدعى أكاكيوس Acace، كان تقيًا وورعًا محبًا للخدمة، محتملاً للآلام بصبر، فكان الشيخ يهينه ويسيء إليه بل ويضربه، والأخ يحتمله بصبر، بل يقبّل يديه ويسأله المغفرة.

كان الأب يوحنا يلتقي بالأخ أكاكيوس ويعزيه ويسنده على الاحتمال، وبقى على هذا الحال حتى تنيح بعد خدمة تسع سنوات للشيخ الفظ. وبعد نياحته بخمسة أيام ذهب الشيخ إلى أحد الرهبان - غالبًا القديس يوحنا سابا نفسه - وقال له: يا أبانا لقد مات الأخ أكاكيوس فأجاب الراهب: "في الحقيقة أيها الشيخ لا أصدق". فقال له: "تعال وأنظر"، فنهض مسرعًا حتى بلغ القبر. هناك وقف الراهب أمام القبر يحدث الأخ كأنه حّي، قائلاً: "يا أخانا أكاكي هل مت؟" فإذا بهما يسمعان الصوت: "يا أبتِ كيف يمكن أن يموت إنسان حفظ الطاعة؟!" فانهار معلمه الشيخ الفظ، وصار يبكي بمرارة، وقرر أن يعيش في قلاية بجوار القبر لا يفارق تلميذه. وكان كلما سأله أحد عن حاله يقول: "اغفر لي يا أخي من أجل المسيح، لأني أنا قتلت الأخ أكاكيوس بشراسة طبعي".

تعيد الكنيسة اليونانية لهذا البار أكاكيوس في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر.

St. John Climacos: The Ladder, Step 4.

اكاكيوس أسقف أورشليم

تعيد الكنيسة بنياحة هذا القديس في 29 من برمودة.

نشأ في حياة تقوية وعرف ببره في الرب، وقد احتمل آلامًا كثيرة واضطهادات. وأجرى الله على يديه آيات وعجائب حتى تنيح بسلام.

اكاكيوس أسقف بيروا بسوريا

كان صديقا حميمًا للقديس يوحنا الذهبي الفم لفترة، لكنه صار فيما بعد من ألد مقاوميه. وُلد حوالي عام 322م، وترهب وهو صغير السن وتمتع بسمعة طيبة خلال حياته النقية ونسكه. في هذه الفترة صار يكتب للقديسين باسيليوس الكبير وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص.

في سنة 378 م سيم أسقفًا بواسطة ميليتس أسقف إنطاكيا. اشترك في مجمع القسطنطينية عام 381، لكنه لم يستطع الاشتراك في مجمع أفسس المسكوني بسبب شيخوخته، ولكن قد كان له أثره في أعمال المجمع بطريقة غير مباشرة.

اشترك مع الأساقفة ثاوفيلس الإسكندري، وأنطوخيوس أسقف بتوليمايس وسرفيان أسقف جبالة كأربعة أساقفة رئيسيين في مجمع أوك "السنديان" الذي نفى القديس يوحنا الذهبي الفم. وبالرغم من هذا الخطأ الذي ارتكبه لكن معاصريه لا ينكرون تقواه ولطفه، وقد مدح الخوري أبسكوبوس بالايس Balaeus فضائله في خمسة ألحان سريانية.

لم يبق من رسائله سوى ست رسائل.

Quasten: Patrology, vol 3, P 481 - 2.

اكاكيوس أسقف قيصرية

يعتبر لاهوتي آريوسي، خلف يوسابيوس القيصري بقيصرية فلسطين عام 340م.

كان له دوره الخطير في النزاعات الأريوسية؛ إذ كان ممثلاً رئيسيًا للقائلين "بالشبه Homoeans" أي أن السيد المسيح يشبه الآب في كل شيء، لكن ليس واحدًا معه في اللاهوت.

استبعد من كرسيه بواسطة مجمع سارديكا عام 343م، وفي عام 363م وقع على القانون النيقاوي في إنطاكية، ثم عاد إلى أريوسيته من جديد. وفي عام 365م استبعده مجمع Lampsacus.

أشار القديس جيروم إلى عملين من وضعه لم يبق منهما إلا مقتطفات، هذان العملان هما:

1. عن الكنسيات في 17 مجلد.

2. أسئلة متفرقة، غالبًا أسئلة في الكتاب المقدس.

مات في حوالي عام 366م.

أتباعه "Acacians" كانوا يمثلون جماعة هامة لم تدم كثيرًا، إنما بدأت حوالي عام 357 حتى عام 361 م.

Cross: Dict. Of Christian Church, P 8, 9.

اكبسيما الشهيد

تعرض مسيحيو بلاد فارس لموجة مرة من الاضطهاد في عهد سابور الثاني، في منتصف القرن الرابع. وكان سّر كراهية الوثنيين ببلاد فارس للمسيحيين هو:

1. عدم سجود المسيحيين للشمس والنار وسائر الآلهة الوثنية.

2. حب بعض المسيحيين لحياة البتولية، مما يقلل الشعب الفارسي.

3. اتهامهم أنهم خائنون للملك إذ يرفضون القتل في المعارك.

4. ذبحهم الحيوانات بكل نوع (إذ يوجد حيوانات كان الفارسيون يمنعون ذبحها)، ودفنهم لأجساد الموتى.

5. إنكارهم أن العقارب والحيات والحيوانات المفترسة من صنع الشيطان كخالق لها. هذه الاتهامات أثارت اضطهاد سابور ضد المسيحيين الذي وضع في قلبه إبادتهم تمامًا.

إذ صدر منشوره قبض الجند على أكبسيما Acepsima أسقف مدينة أونيتي ببلاد أشور وكان قد بلغ الثمانين من عمره، وكان مملوء بشاشة وعذوبة، اجتذب الكثيرين خلال غيرته المتقدة وأبوته الحانية وصلواته التي تطول أحيانًا ليقضي الليل كله يبلل الأرض بدموعه.

قيل أن أحد مؤمنيه زاره قبل القبض عليه، وقبّل هامته، وهو يقول: "ياله من رأس مطّوب مُعد للشهادة من أجل صدق الإيمان بالمسيح". فعانقه الأسقف، وصرخ: "ليت الله يقبل يا بني أن يتحقق ما قد سبق فأعلنه لك، ويتنازل فيهبني هذا الحظ السعيد الذي بشرتني به". هكذا كان يشتاق الأسقف للاستشهاد كعطية إلهية لا يستحقها!

سيق القديس أكبسيما إلى مدينة أربيلا، وكان معه يوسف الكاهن الشيخ وإيتالا Aitala الشماس ابن ستين عامًا، وإذ وقف الثلاثة في حضرة الحاكم، صار يجادل الأسقف ظانًا أنه يقدر أن يقنعه بالعدول عن الإيمان. وأخيرًا هددهم بالموت إن لم يسجدوا للشمس، فلما رفضوا صار يعذبهم ويمزق أجسادهم، وأخيرًا تركهم في السجن مجروحين في جوع وعري يفترشون التراب حتى تنيح الواحد يلي الآخر خلال ثلاث سنوات.

اكساني القديسة

ابنة وحيدة لأحد أشراف روما، نشأت محبة للعبادة وافتقاد المسجونين والعطاء بسخاء للمحتاجين، تسمى أكساني Xene.

كانت تزور بيوت العذارى وتمتثل بهن، كما كانت محبة لقراءة سير القديسين.

خطبها أحد وزراء روما لابنه، فاهتم والدها بالأمر وأعد كل ما هو نفيس ليوم العرس. أما هي فسألت والدتها أن تسمح لها بزيارة بعض الراهبات تودعهن قبل زواجها، وإذ سمحت لها أخذت اثنتين من جواريها وكل حليها، وأبحرت إلى قبرص حيث التقت بالقديس أبيفانيوس أسقف سلاميس، وأعلمته باشتياقها لممارسة الحياة الرهبانية. أشار عليها القديس أن تذهب إلى الإسكندرية، فأطاعت والتقت بالبابا ثاوفيلس (23) الذي ضمها إلى بيت للعذارى، وقد سلمته حليّها التي باعها وبنى بها كنيسة باسم القديس إسطفانوس أول الشمامسة.

استمرت تمارس الحياة النسكية أكثر من عشرين عامًا.

عند نياحتها ظهر في السماء صليب من نور حوله دائرة من النجوم مضيئة على شكل إكليل، وكان ذلك في منتصف النهار، وقد بقى حتى دفن جسدها، فشعر أهل الإسكندرية أنها علامة سماوية تدل على سمو حياتها الروحية.

كشفت الجاريتان عن حقيقة شخصية أكساني للبابا البطريرك وأعلماه أنهما جاريتان لها وليس كما كانت تدعوهما أختين لها، فمجّد البابا البطريرك الله، وكتب سيرة القديسة.

تحتفل الكنيسة بعيد نياحتها في 29 طوبة.

اكسوا الشهيدة

كان سابور Shapur ملك الفرس يعبد النار والشمس، لا يطيق أن يسمع اسم السيد المسيح، مضطهدًا كل من يحمل اسمه.

سمع أن صديق ابنه، طاطس Tatas رئيس كورة المبدسيين قد صار مسيحيا فأرسل إليه الوالي طوماخر Tumansar ليتحقق الأمر. وإذ سمع ابن سابور "كوتيلاس" Cotylas انطلق هو أيضًا إلى صديقه طاطس.

اعترف طاطس بالسيد المسيح أمام طوماخر، فأعد الأخير له أتونًا من النار ليلقيه فيه، وإذا بطاطس يرشم علامة الصليب فتنطفئ النيران. حسب كوتيلاس بن سابور أن ذلك بفعل السحر، لكن صديقه طاطس بدأ يحدثه عن قوة الإيمان بالسيد المسيح وفاعليته حتى قبل كوتيلاس الإيمان.

استدعاهما الملك، وأمر بقطع رأس طاطس ليرهب ابنه كوتيلاس، لكن الأخير كان يزداد ثباتًا في الإيمان. ألقاه والده في السجن وأرسل إليه أخته أكسوا Axooua لعلها تستميل قلب أخيها وترده إلى عقيدة والده، فصار يحدثها عن السيد المسيح وأمال قلبها له، ثم أرسلها إلى كاهن عمدها سرًا.

عادت الابنة اكسوا لا لتعلن رجوع أخيها عن المسيحية، إنما لتكرز لوالدها بالمسيحية، الأمر الذي أثار سابور، وأمر بتعذيبهما، فأسلمت ابنته الروح، أما ابنه فقد رُبط في أذيال الخيول وانطلقوا بها في الجبال حتى تحطمت عظامه، وإذ أسلم الروح طرح جسمه لتأكله الطيور لكن الرب أرسل بعض الكهنة وشماسًا ليحملوه في الليل خفيه. وقد استشهد في 22 من شهر توت.

O’Leary: The Saints of Egypt, P 113, 114.

اكسيوبرانتيوس الأسقف

الأسقف أكسيوبرانتيوس أو سيوبرانتوس Exsuperantius, Superantius هو خليفة القديس Ursus كمطران لرافينا.

عاش حياة مقدسة واهتم باحتياجات شعب الله الروحية والزمنية أيضًا.

عاش في أيام الإمبراطور هونوريوس، وعندما دخل ستيلخو مدينة رافينا بجيشه، أقنعه ألا يدخل الجند الكاتدرائية ويعبثوا بها.

عاش قرابة عشرين عامًا في أسقفيته في فترة هادئة حتى تنيح عام 418م، ودفن بكنيسة القديسة أجنس، ولا تزال رفاته بكاتدرائية رافينا.

Butler’s Lives of Saints, May 30.

اكسيوبريوس وزوجته زوئي الشهيدان

كان هذا الرجل وامرأته عبدين لرجل ثري وثني يدعى كاتالوس Catalus في أيام الإمبراطور هادريان، وكان لهما ولدان يدعيان سريكوس وثيؤدولس. في عيد ميلاد ابن سيدهما قُدم لهم طعام مما ذبح للأوثان، فرفض الكل أخذه. أُلقيّ القبض عليهم وقدموا للمحاكمة، فقدموا اعترافًا شجاعًا أمام القاضي. عُذب الولدان أمام والديهما، وأخيرًا ألقي الأربعة في أتون نار وهم أحياء.

بنى جستنيان كنيسة في القسطنطينية تكريمًا للشهيدة زوئي، تحوي رفاتها.

Butler’s Lives of Saints, may 2.

اكسيوبريوس أسقف تولوز

أشار إليه القديس بولينوس أسقف نولا كأحد أساقفة بلاد الغال المشهورين.

غالبا ولد في Arreau، وسيم أسقفًا على تولوز Toulouse حوالي سنة 405م بعد نياحة القديس سيلفيوس.

قام بتكملة بناء كنيسة القديس ساتيورنينوس (سيرنين) التي بدأ فيها سلفه.

عرف بكرمه الشديد كأبرز سمة في حياته. قدم عطايا لرهبان مصر وفلسطين، فبعث إليه القديس جيروم يشكره، هذا الذي قدم له تفسيره لسفر زكريا، جاء في حديثه عنه:

[لكي يطعم الجائع احتمل هو الجوع!

وجهه الشاحب يظهر غيرته في الصوم، لكنه يحزن لجوع الآخرين.

أعطى كل ماله لفقراء المسيح، لكنه بقى غنيًا إذ يحمل جسد الرب في سلة قديمة ودمه في كأس زجاجي.

محبته لا تعرف الحدود، تبحث عن أشخاص في أماكن بعيدة، ومتوحدو مصر تأثروا بها].

في أيامه غلب الوندال (قبائل همجية) بلاد الغال.

Butler’s Lives of Saints، Sept. 28.

اكليمنضس أسقف أنقرة الشهيد

نشأته

ولد في نهاية القرن الثاني أو بداية الثالث، بمدينة انقرة بغلاطية، ومات أبوه الوثني وهو رضيع، فربته أمه المسيحية صوفيا، وأرضعته لبن الإيمان والحياة التقوية.

إذ بلغ من العمر 12 سنة مرضت والدته، فاستدعت ابنها وصارت تخاطبه والدموع تنهمر من عينيها، إذ قالت أنها ترى موجة عنيفة من الاضطهاد ستحل بالكنيسة، سائلة إياه ألا يخاف الموت من أجل من صُلب لأجله ولا يرهب الألم، ثم روت له كيف قدمت امرأة عبرانية أولادها السبعة شهداء؛ وأخيرًا قبلته وهي تقول: "يا لمزيد غبطتي أنا التي أقبّل من هو مزمع أن يموت شهيدًا".

إذ رقدت الأم صوفيا قامت سيدة تقية تدعى أيضا "صوفيا" بالاهتمام به.

سيامته

حدث غلاء في غلاطية، فكان الشاب اكليمنضس يجمع الفقراء والمساكين ويعولهم ماديًا كما يهتم بهم روحيًا، وقد صار منهم شهداء كثيرون فيما بعد.

إذ لمس الشعب محبة هذا الشاب للفقراء وتقواه ونسكه سيم كاهنًا، وبعد عامين سيم أسقفًا على أنقرة وهو في سن الثانية والعشرين.

استشهاده

أرسل دقلديانوس دومسيانوس لاضطهاد المسيحيين بغلاطية، فحاول أن يستميله لعبادة الأوثان، وإذ رفض صار يعذبه بعذابات كثيرة بتمزيق جسده بمخالب حديدية ورشقه بالحجارة وإلقائه في السجن.

أُرسل إلى روما حيث حاول الإمبراطور نفسه أن يغريه فلم يستطع، عندئذ أمر بتمزيق جسده في دولاب حديدي به أسنان كالسكاكين، وكان الرب ينقذه حتى آمن كثير من الوثنيين، عمدهم بنفسه وسط آلامه في السجن.

قيل إنه إذ التفت الجموع حوله في السجن، وفجأة ظهر له شخص بهي بثياب لامعة وكان باشًا قدم له خبزًا وكأسًا فناول منهما الشعب. ومنذ تلك اللحظة تحول السجن إلى كنيسة، الأمر الذي أثار غضب الإمبراطور فقتل كثيرين منهم.

صار الإمبراطور يعذبه كثيرًا، وأخيرًا أرسله إلى شريكه مكسيميانوس الذي اصطحبه معه ليعذبه في نيقوميديا فركب معه أغاثانجلوس السفينة الذي كان يود الاستشهاد مع الأسقف. أقلعت المركب حتى بلغت جزيرة رودس، وهناك جاءه المؤمنون يتمتعون ببركته، وإذ كان يصلي معهم أبصروا نارًا ملتهبة على المذبح، فشاع الخبر في الجزيرة، وجاء الوثنيون أيضًا يحملون مرضاهم ليصلي عليهم، واعتمد كثيرون.

في نيقوميديا سلمه مكسيميانوس للوالي أغريبينوس الذي عذبه هو وصديقه أغاثانجلوس، وألقاهما للوحوش المفترسة الجائعة فأنست لهما، فتأثر كثير من الوثنيين بذلك وآمنوا بالسيد المسيح.

أُرسلا إلى أنقرة حيث حقق الله عجائبه فيهما ليكونا بركة لكثيرين، واحتملا آلامات كثيرة حتى استشهدا.

تعيد له الكنيسة اليونانية في 24 من يناير، واللاتينية في 23 يناير، وكنيستنا في 28 طوبه.

الأب بطرس فرماج اليسوعي: مروج الأخيار في تراجم الأبرار، 1877، ص 71

اكليمنضس الروماني القديس

يقول عنه القديس أيريناؤس من رجال القرن الثاني: "رأى الرسل الطوباويين وتحدث معهم، كانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنيه، وتقليدهم ماثلاً قدام عينه".

اختلفت الآراء في شخصه، فالبعض يراه أحد معاوني الرسول بولس في الخدمة (في 4: 3)، والبعض يراه أنه القنصل فلافيوس كليمنس العضو في العائلة الملكية، حفيد الإمبراطور فسباسيان وابن عم الإمبراطور دومتيان، ورأى البعض أنه مجرد قريب للقنصل، أو عبد يهودي له حرره فحمل اسمه.

على أي الأحوال يعتبر الأسقف الثالث على روما بعد لينوس وأناكليتوس، سيم أسقفًا في السنة الثانية عشرة لحكم دومتيانوس، وتنيح في السنة الثالثة من حكم تراجان.

يرى البعض أن مجلس السانتو بروما لم يحتمل أن يرى من بينهم شريفًا صار أسقفًا مسيحيًا، يجذب الأشراف إلى المسيحية، فاجتمع ودعوه ونصحوه بالعدول عن مسيحيته، وإذ لم يقبل عرضوا عنه لتراجان تقريرًا، الذي أمر بنفيه في شبه جزيرة القرم، وتكليفه بقطع الأحجار. هناك في المنفى التقى بحوالي ألفين من المسيحيين المنفيين فكان أبًا حنونًا لهم، وإذ كانوا في حاجة إلى ماء اجتمع مع بعض المؤمنين وصار يصلي فأرشده الرب إلى صخرة بها نبع ماء يستقون بها.

وقد آمن على يديه كثير من الوثنيين، وتحوّل المنفى إلى مركز للعبادة والكرازة، الأمر الذي ملأ الولاة غضبًا، فوضعوا في عنقه مرساة وطرحوه في البحر ومات غرقًا عام 101م (29 هاتور). وقد قيل أن جسده بقى عامًا بأكمله في البحر دون أن يفسد حتى أظهره الرب.

هكذا تقدم لنا سيرته صورة للحياة الإيمانية التي حولت المنفى إلى أشبه بقدس للرب، والضيق إلى مصدر للفرح، فيحيا المؤمن وسط الآلام متهللاً بعمل الله معه.

رسالته

كان لرسالته التي وجهها إلى أهل كورنثوس وزنها، تقرأ في الكنائس... وهي تحمل طابع صديقه معلمنا بولس الرسول وطريقة تفكيره. وتعتبر أول الكتابات الآبائية التي احتلت مركزًا خاصًا في الكنيسة، وقد قمت بترجمتها إلى العربية.

القمص تادرس يعقوب ملطي: القديس إكليمنضس الروماني، 1974م.

اكليمنضس الإسكندري القديس

حياته:

يعتبر القديس إكليمنضس أب الفلسفة المسيحية الإسكندرانية، وصفه المؤرخ يوسابيوس أنه "كان متمرنًا في الكتب المقدسة" ودعاه القديس كيرلس أنه "كان شغوفًا في التعلم"، "خبيرًا في التاريخ اليوناني". قال عنه القديس جيروم: "مجلداته المعروفة مملوءة علمًا وفصاحة، يستخدم الكتب المقدسة والأدب الدنيوي، في رأيي أنه أكثر الجميع علمًا". كما وصفه المؤرخ سقراط: "كان مملوءًا من كل حكمة".

ومع هذا فقد أهملت شخصية هذا القديس وذلك لسببين:

1. الخلط بينه وبين القديس إكليمنضس الروماني.

2. ارتباط شخصيته بأوريجينوس الذي نُظر إليه كهرطوقي وأبيدت أكثر كتاباته خاصة النسخ التي كتبت باللغة الأصلية اليونانية. هذا مع غموض نظام القديس إكليمنضس.

مسيحيته

ولد تيطس فلافيوس إكليمنضس Titus Flavius Clemens حوالي عام 150م من أبوين وثنيين. اسمه الروماني حمل بعض المؤرخين إلى القول بأن له صلة بالعائلة الإمبراطورية، وأنه من سلالة عبد أعتقه فاسيانوس أو ابنه.

أما عن مولده، فوجد تقليدان في أيام أبيفانوس (القرن الرابع)، أحدهما يرجع مولده للإسكندرية والآخر لأثينا. اعتمد التقليد الأول على طول بقائه في الإسكندرية، بينما يتفق التقليد الثاني بالأكثر على ما ورد في كتابه: "المتفرقاتStromata 1: 11".

لا نعرف شيئًا عن تاريخ تحوله إلى المسيحية، ولا الظروف المحيطة أو الدوافع التي أدت إلى ذلك، لكن المعروف عنه أنه قد اتسم بفكر متدين، فكان دائم البحث عن الله الذي يشبعه روحيًا وفكريًا وأخلاقيًا، وقد وجد في المسيحية تحقيقًا لهدفه. حتى بعد اعتناقه المسيحية قام برحلات باهظة يبحث عن المعلم الحقيقي الذي يتتلمذ عليه، فذهب إلى جنوب إيطاليا وسوريا وفلسطين، وأخيرًا استقر في الإسكندرية حيث جذبته محاضرات القديس بنتينوس (الفيلسوف الذي قبِل المسيحية)، عاش فيها أكثر من عشرين عامًا (ربما من عام 175 إلى 202م) فصارت وطنه الثاني.

رئيس المدرسة

تتلمذ على يدي القديس بنتينوس رئيس مدرسة الإسكندرية، وصار مساعدًا له. سيم كاهنًا في الإسكندرية، وقام بعمله الوعظي بكل نجاح، وإذ سافر أستاذه بنتينوس إلى الهند حوالي عام 190م تسلم رئاسة المدرسة إلى حين عودته. إذ تنيح بنتينوس تسلم القديس إكليمنضس الرئاسة من جديد، وقد تتلمذ على يديه العلامة أوريجينوس والقديس الكسندروس أسقف أورشليم.

هروبه من الإسكندرية

في أيام الاضطهاد القاسي الذي أثاره سبتيموس سويرس حوالي عام 202م، اضطر القديس إلى مغادرة الإسكندرية والالتجاء ربما إلى فلسطين وسوريا.

على أي الأحوال كان هروب القديس إكليمنضس من الإسكندرية نافعًا للكنيسة، كما يظهر من الرسالة التي بعث بها القديس ألكسندروس أسقف أورشليم إلى كنيسة إنطاكية حوالي عام 211م، إذ جاء فيها: "هذه الرسالة أبعث بها إليكم يا أخوتي الأعزاء، على يد إكليمنضس الكاهن الطوباوي، الرجل الفاضل المبارك، الذي سمعتم عنه وستعرفونه أيضًا، والذي بحضوره إلى هنا بفضل عناية الله وتدبيره قد ثبت كنيسة الرب وأنماها".

تنيح حوالي عام 215م.

نظرة الغرب إليه

كان الغربيون يعتبرون إكليمنضس الإسكندري من قديسي الكنيسة، يحتفلون بعيده في الرابع من شهر ديسمبر. وفي القرن السادس عشر حذف اسمه من تراجم الشهداء Martyrology بواسطة إكليمنضس الثامن (1592–1600م)، حسب تصحيحات بارونيوس Baronius. وفي عام 1748م كتب البابا بندكت الرابع عشر رسالة إلى يوحنا الخامس ملك البرتغال، يبرر فيها سر هذا الحذف بحماس، مستندًا إلى وجود بعض التعاليم الفاسدة في كتاباته.

لكن لم يشر أحد المؤرخين الأول أمثال يوسابيوس وجيروم إلى هذه الأخطاء. لهذا فالأرجح أن هذه الأخطاء دخيلة على كتبه، فمن دأب الهراطقة أن يفسدوا كتابات الآباء المشهورين لتأييد مذهبهم ونشره.

كتاباته

لعل أهم كتاباته ثلاثة كتب دعيت "ثالوث إكليمنضس" تمثل منهج مدرسة إسكندرية، وهي:

1. نصائح لليونانيين Protrepticus، دعوة لترك الوثنية وقبول الإيمان المسيحي بواسطة المسيح.

2. المعلم Paedagogas، دعوة لتحويل الإيمان إلى عمل لنكون مشابهين لابن الله، وتحت قيادته إذ هو المعلم.

3. المتفرقاتStromata، غايته التمتع بالمعرفة الروحية الفائقة، وهو غاية المسيحي؛ وذلك خلال اتحاده بالمسيح كعريس للنفس.

له كتب أخرى مثل: من هو الغني الذي يخلص؟ والمجمل، ورسالة عيد الفصح.

أهم ما اتسم به هذا القديس هو نظرته للفلسفة والمعرفة. فالفلسفة في ذهنه ليست شرًا لكنها هبة إلهية، يفسدها البشر بخلط الحق بالباطل، لهذا فالفلاسفة أطفال صغار ينضجون خلال الإيمان. بهذا قدم تزاوجًا بين الفلسفة والإيمان عوض العداوة. أما المعرفة أو الغنوسية فهي ليست هرطقة بل تمتع بإعلانات الله خلال السيد المسيح المعلم، بروحه القدوس، ينعم بها المسيحي خلال الحياة المقدسة في الرب. بهذا فكلمة غنوسي لم تعد تعني هرطوقيًا، بل مسيحيًا مؤمنًا يسلك بروح الرب ينعم بمعرفة الله.

القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة إسكندرية الأولى، ص 53 – 125.

اكندينوس ورفقاؤه الشهداء

اهتم أكندينوس Acyndinius وبيفاسيوس والبيدفورس بالكرازة بالإنجيل في بلاد فارس في أواسط القرن الرابع، وقد آمن علي أيديهم جمع كبير. قبض عليهم سابور الملك وعذبهم كثيرًا، منها أنه طرحهم في خلقين كبير مملوء بالرصاص المذاب بالنار فلم يصبهم آذى. ولمل رأي أحد الجند ذلك، وكان يدعي أفطونيوس، آمن بالسيد المسيح، وضُرب عنقه ونال إكليل الاستشهاد.

وضع الثلاثة في أكياس من جلد البقر وطُرحوا في البحر، وإِذ كان البيديغورس المستشار الأول في المملكة واقفًا علي الشاطئ ومعه آلاف من الوثنيين يتطلعون إلي الشهداء الثلاثة وقد غرقوا في وسط البحر، رأوا الجندي الشهيد أفطونيوس ظهر ومعه جوقة من الملائكة، رفعوا الأجساد من العمق، فآمن الكل بالسيد المسيح، وذهب البيديغورس إلي الملك يروي له ما حدث، وأخذ ينصحه أن يكف عن قتل المسيحيين، لكن الملك في غلاطة قلبه أمر الجند فقتلوه مع عدد كبير من المشاهدين للمنظر الذين آمنوا به، وأيضًا والدة الملك نفسه استشهدت.

البطريرك مكسيموس مظلوم: الكنز الثمين في أخبار القديسين: تشرين الثاني (نوفمبر) 2.

اكويلينا الشهيدة

قصة فتاة في الثانية عشرة من عمرها نشأت في بيبليس Byblus بفلسطين، تقدمت في عهد الإمبراطور دقلديانوس للاستشهاد بشجاعة فائقة، وكان السيد المسيح يسندها وسط العذابات، وقد نالت شهرة فائقة في العصور الأولي خاصة في الشرق.

تقدمت أمام القاضي Volusian ثابتة في إيمانها، فأمر بتسخين مثاقب حديدية توضع في أذنيها.

كانت صلاتها أثناء تسخين المثاقب: "أيها الرب يسوع المسيح الذي أهتم بي منذ طفولتي، وأنار أفكاري الداخلية ببهاء عدلك، يا من تقويني بعونك القوي فأحارب العدو المقاوم إبليس، يا من تهب كل مؤمنيك الحكمة الحقيقة العالية، كمّل جهادي واحفظ سراج بتوليتي لكي أدخل الحجال مع الخمس عذارى الحكيمات وأسبحك يا من تسمع كل طلباتي".

إذ وُضعت المثاقب في أذنيها تألمت جدًا حتى صارت أشبه بميتة، فأُلقيت خارج ساحة القضاء، لكن ملاك الرب شفاها لتظهر ثانية أمام القاضي في اليوم التالي الذي دُهش لرؤيتها فأمر بإلقائها في السجن وضرب رقبتها بالسيف.

Baring - Gould: Lives of Saints, June 13.

الأحزم الشيخ

كان كاتب ديوان النظر، أي ديوان المراجعة على مختلف الدواوين والأموال. وكان لمن يتولى هذا الديوان حق الولاية والعزل (من رجال القرن 11).

يعقوب نخلة رفلة: تاريخ الأمة القبطية، ص 163 - 168.

الأحزم بن زكريا

امير الدواوين في عصر الحافظ، في القرن الحادي عشر.

الأسعد أبو الخير

من رجال القرن الثاني عشر.

هو جرجة بن أبي دهب الشهير بابن الميقاط، اشتهر بين عظماء الأقباط في عهد خلافة العاضد. وهو رأس عائلة اشتهر أمرها فيما بعد، منها الفتوح بن الميقاط الذي ترأس ديوان الجيوش في أيام الملك العادل.

تعرض له الوزير شاور الذي أحرق مصر القديمة وادعى عليه بأن له علاقة بعساكر الصليبيين، وأنه يخابرهم سرًا، فقبض عليه وعذبه حتى مات.

القس منسى يوحنا: ناريخ الكنيسة القبطية، 1983 م، ص 412.

البان الشهيد1

يُكرم الشهيد ألبان St. Alban كأول شهيد في جزيرة بريطانيا، يحتفل بعيده في إنجلترا وويلز يوم 22 من شهر يونيو، ماعدا في إيبارشية Brentwood فتحتفل به في اليوم التالي.

نشأته

كان وثنيًا، نشأ في مدينة Verulamium، حاليًا مدينة سان ألبان، في هيرتفوردشير.

مع أنه كان وثنيًا لكن إذ اشتعلت نيران الاضطهاد في عهد الإمبراطور دقلديانوس وشريكه مكسيميانوس، فتح بيته لكاهن مسيحي يأويه فيه. وإن كان بعض الدراسيين يري أن ذلك تم في وقت سابق لدقلديانوس.

التقي ألبان بالكاهن وتأثر به جدًا، وتقبل منه التعليم واعتمد.

استشهاده

سمع الوالي أن الكارز بالديانة المسيحية المطلوب القبض عليه مختبئ في بيت ألبان، فأرسل بعضًا من الجنود. إذ رآهم ألبان من بعيد تبادل الملابس مع الكاهن ليهرب الأخير ويفلت من أيديهم. أما هو فسلم نفسه للجند الذين أتوا به أمام الوالي ليجده واقفًا أمام مذبح وثني يقدم ذبيحة.

نزع ألبان ثياب الكهنوت فظهرت حقيقته، الأمر الذي أثار الوالي جدًا، فطلب منه أن يقدم ذبيحة للأوثان أو يُقتل، قائلاً له: "إذ اخترت أن تخفي إنسانا يدنس المقدسات ومجدفًا، هذا الذي كان يجب أن تسلمه للحارس الذي بعثته، فإنك ستنال العقوبة ما لم تشترك معنا في عبادتنا". وإذ رفض الرجل الاشتراك سأله عن اسمه، فأجاب: "لماذا تسأل عن عائلتي، إن أردت أن تعرف ديانتي فأنا مسيحي". وإذ سأله مرة أخري عن اسمه، "لقد دعاني والدي ألبان".

طلب منه القاضي ألا يضيع وقته ويقدم للأوثان، فرفض، ودخلا معًا في حوار.

أمر الحاكم بجلده لعله يرتدع، وإذ رآه يواجه الجلدات بفرح أمر بقتله.

سمعت الجماهير يذلك فانطلق الكل، من الجنسين، ومن جميع الأعمار ليعبروا علي جسر إلي الجانب الآخر حيث يستشهد هناك. وإذ كانت الأعداد ضخمة لم يجد الشهيد فرصة للعبور مع الجند. كان القديس مشتاقًا أن يتم ذلك سريعًا فطلب من الجند أن ينطلقوا تجاه النهر (مجري مائي يسمي Ver لا يزال يجري بين كنيسته الحالية ومنطقة Verulam)، وجاء في سيرته أنه رفع نظره إلي السماء ليجفف لهم طريقًا حتى يعبر ومعه آلاف من الجماهير ينطلقون نحو تل مواجه للمدينة، وهناك ألقى السياف بسيفه علي الأرض معلنًا أنه مسيحي، فقام أحد الجند بضرب الاثنين بالسيف لينالا إكليل الشهادة.

البان الشهيد2

جاء في أعمال الشهداء (21 يونيو) الألمان عن القديس ألبان الذي استشهد في Mainz في القرن الخامس.

يري البعض أنه من أصل Mauritanian والآخرون أنه مغربي، طرده هنريك ملك قبائل الواندال الهمجمية عام 483 من أفريقيا فاستقر في قرية Hunum بسبب مقاومته الشديدة للأريوسية.

البيدوس القديس

يروي لنا القديس بالاديوس عن كاهن ناسك يدعي إلبيدوس Elpidius.

كان كبادوكيًا، تأهل للكهنوت، ثم صار خوري أبسكوبوس بدير تيموثاوس الكبادوكي، وإذ أحب حياة الوحدة جاء ليسكن في إحدى المغائر القريبة من أريحا. وعاش هناك خمسة وعشرين عامًا، فاق خلالها كل النساك في التهاب قلبه بحب الله، وعدم انشغاله بشيء غير الله نفسه. وقد عاش القديس بالاديوس هناك بين الأخوة، وقد وصف لنا في إيجاز ما بلغه هذا الناسك الذي في شوقه الداخلي لله كان يقف الليل كله يسبح بالمزامير بفرح وبهجة. ارتفع فوق احتياجات الجسد إلي درجة كبيرة فكان لا يأكل قط إلا في السبوت والأحاد.

في ليلة كان متهللاً وهو يسبح بالمزامير لدغته عقرب، وكان بعض الأخوة معه يسبحون، فلم يشغل نفسه ولا حرك حتى قدمه غير مبالٍ بلدغة العقرب.

قال عنه تلاميذه إنه لم يكن يشغل نفسه بشيء إذ امُتّص بكل مشاعره وأحاسيسه في الرب؛ دخل مغارته وبقي فيها مدي خمسة وعشرين عامًا لم يخرج منها إلا إلي القبر. لم ينظر قط غروب الشمس لأن الجبل الذي يقابل باب مغارته يحجب عنه هذا المنظر.

Palladius; The Lausiac History, ch 48.

البينوس الطوباوي

روي لنا القديس بالاديوس سيرة ألبينوس الطوباوي الذي بسبب عدم الإفراز والحكمة سقط من علو شامخ وكاد أن يهلك لولا عناية الله التي ترفقت به وأنقذته ليرجع إلي السيرة المقدسة خلال الضيق، إذ قال:

[الآن أنا نفسي تقبلت خبرة عن الطوباوي ألبينوسAlbinus عندما مضينا إلي الإسقيط، وكان بيننا وبين الإسقيط أربعون ميلاً، أكلنا فيها دفعتين وشربنا ماءً ثلاث مرات (في الطريق)، أما هو فلم يذق شيئًا طوال الرحلة معنا. كان يسير علي قدميه وهو يردد عبارات من الكتاب المقدس عن ظهر قلبه، ويرنم 15 مزمورًا مع التطوبيات والرسالة إلي العبرانيين وسفر إشعياء النبي، وجزءًا من سفر إرميا ثم إنجيل لوقا والأمثال، ومع هذا لم نكن نقدر أن نلحق به.

هذا الرجل جُرب بالشهوة كما بنار، ولم يعد قادرًا علي السكني في قلايته، بل ذهب إلي الإِسكندرية، وقد حدث له ذلك بسبب كبريائه، وبتدبير إلهي كما قيل: "دُفع مسمار بمسمار"، لأنه أسلم ذاته باختياره لعدم الإِفراز، فوجد فيما بعد خلاصًا غير طوعي، فصار يحضر المسارح والألعاب، ولم يكف عن الشرب في الحانات، وإذ صار في حياة الضلال والسكر سقط في محبة النساء. أخيرًا ذهب إلي إحدى الزانيات المشهورات ودخل معها في حوار، لكنه (بعناية إلهية) أُصيب في أعضائه بمرض دام ستة شهور... وفيما بعد بريء، فانتبه وذكر السيرة الإِلهية، واعترف بكل هذه الأمور للآباء، ومع أنه لم يدم طويلاً لكنه عاد إلي السيرة النسكية دون أن يكف عن البكاء علي ما حدث له مقدمًا توبة. ولم يبق سوي أيامًا ورحل من العالم].

Budge; Paradise of Fathers, vI, p 134 - 5.

السعيد بركة بن وجه المهر

من رجال القرن الثالث عشر، كان غنيًا وتقيًا. التقي بالبابا متاؤس الأول، فقال له: "أرجوك يا أبي أن تصلي من أجلي لكي يحنن المسيح قلبي فأوزع أموالي علي المحتاجين، كما أرجو أن تطلب لكي تكون ساعة انتقالي في حضرتك".

أجابه الباب: "بحسب إيمانك يكون لك"

وهب الله هذا الرجل قلبًا حنونًا، فقام يوزع أمواله علي كل من يسأله. وحدث بعد فترة أن ذهب لزيارة البابا، وفيما هو جالس في حضرته فاضت نفسه إلي خالقها. فقام البابا يكفنه بيديه، وهو يقول: "سألت فأُعطيت، طلبت فوجدت، قرعت ففتح لك".

إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، جـ3، 1981، ص 336، 337.

الفان وميديون

بحسب تقلَيد الكنيسة الغربية فإن ألفان الذي من أفالون أو جلاستنبري Elvan of Avalon نشأ في المدرسة التي قيل خطأ أن مؤسسها القديس يوسف الرامي، وكان يكرز بالحق بقلب ملتهب يعاونه ميدوين الذي من ويلزMydwyn of Wales وكان رجلاً عالمًا ذا ثقافة عالية.

يبدو أن ليسيوس الملك البريطاني تأثر بهما جدًا وأحبهما، فأرسلهما إلي أليثروس أسقف روما عام 179م، فسيم الأول أسقفًا، وبعث معهما للملك رجلين علي ما يظن أنهما من أصل بريطاني كانا مقيمين في روما هما فيجاتيوس أو فيجانيوس ودميانوس أو ديروفيانوس ربما نالا القسوسية، فسُر الملك بهذه الإرسالية، وقبل سّر العماد مع عدد كبير من رجال قصره.

وكان للأسقف ألفان ومعاونه ميدوين عمل كرازى كبير حتى رقدا في الرب ودفنا في أفالون.

ويري البعض أن الملك ليسيوس، كان اسمه Lleurwg أو Lleufer Mawr، وتعني "المستنير العظيم" وأنها ترجمت باللاتينية "ليسيوس" مشتقة من كلمة لوكسLux التي تعني "النور".

وجدت في منطقة لاندورف أربع كنائس تحمل اسم الملك والأسقف ومعاونه وأحد المبعوثين أي ليسيوس (Lleurwg) وديفان وإيفجان وميدوي، هذا ما جعل بعض الدراسين يؤكدون حقيقة هذه الإرسالية.

Rev. Baring - Gould; Lives of the Saints, Jan 1.

الفيؤس الشهيد

راجع الشهيد حلفا.

الكسندر الأب

كان الكسندروس تلميذًا للقديس أنبا أغاثون، ثم صار تلميذًا للقديس أنبا أرسانيوس.

جاء من فاران، مدينة تابعة لشبه جزيرة سيناء، علي الشاطئ الشرقي لخليج السويس، تبعد حوالي 50 كيلو مترًا شمال الطور. وكانت هذه المدينة أسقفية، بجوارها بعض الأديرة ما بين القرنين الخامس والسابع، كما وُجد مجموعة من النساك يعيشون في قلالي منفردة.

وقد حفظ لنا "أقوال آباء البرية" بعض التداريب التي قدمها القديس أرسانيوس لتلميذه تكشف لنا عن جوانب حية لمفهومه الرهباني.

لقد أراد أن يدرب تلميذيه الكسندروس وزويل علي حياة السهر بلطف، فلم يأمرهما بذلك وإنما في وداعة سألهما إن كانا يسهران معه الليلة لأن الشياطين تقاتله، ويخشى أن تحمله خارجًا إن نعس، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، من غروب الشمس حتى شروقها، وقد قالا إنهما ناما واستيقظا ولم يلاحظا عليه أنه غفي، ولكن لما بدأ النهار يلوح نفخ ثلاث نفخات كأنه نائم، لعله بهذا قدم لهما بطريقة هادئة نفسه مثلاً لحياة السهر والحذر من حروب العدو، وكيف يقضي الراهب ليلته أثناء سهره.

في أحد الأيام إذ طلب الأب أرسانيوس من تلميذه أنه يأتي إليه ليأكل معه بعد الانتهاء من قطع السعف، تأخر الكسندر حتى المساء، فظن أرسانيوس أن تلميذه انشغل ببعض الضيوف فقام وأكل. وإذ جاء تلميذه سأله عن سبب تأخيره، فقال له: "لأنك قلت لي أن آتي إليك حال انتهائي من عمل السعف، ها قد آتيت إليك الآن بعد إتمام عملي". فرح القديس أرسانيوس من أجل طاعة تلميذه وتدقيقه، لكنه بحكمة خشي لئلا يبالغ في الصوم كل يوم فيتأخر عن الطعام حتى المساء، لذا قال: "حلّ صومك اليومي في وقت أبكر لكي تتلو صلاتك، وتشرب ماءك، وإلا فإن المرض سيدب إلي جسدك سريعًا".

مرة أخري أعطي لتلميذه درسًا عمليًا في التدقيق في العمل النافع، إذ قال أنبا دانيال إن بعض الأخوة كانوا منطلقين إلي الإسكندرية ثم طيبة لشراء كتان، فاشتاقوا أن يروا الأب أرسانيوس، وأذ التقوا بالأب اسكندر وأخبروه بأمرهم، قال لمعلمه، فأجابه: "إنه لمن الطبيعي أن لا يروا وجه أرساني، لأنهم لم يأتوا من أجلي إنما من أجل أعمالهم؛ أرحهم قليلاً ثم أطلقهم بسلام، قائلاً لهم أن الشيخ لا يستطيع أن يقابلكم". هكذا لا يريد القديس أرسانيوس أن يلتقي إلا بمن جاء في جدية للانتفاع روحيًا!

لعل في تصرف القديس أرسانيوس هنا ما يكشف لنا عن فهم اللقاء مع الآباء الرهبان أو زيارة الأديرة، فإن لهذا العمل - في عيني القديس أرسانيوس - قدسيته. نحن نلتقي بهم لنمتثل بهم ونقبل كلمة منفعة نعيشها، وليس كما لقوم عادة، أو مجرد نوال بركة.

الكسندر الروماني الأسقف الشهيد

كان شريف النسب، محبًا للعبادة، سيم أسقفًا علي روما وهو بعد في الثلاثين من عمره بعد نياحة القديس أفارستوس في عهد تراجان.

مع هرمس والي روما

تنصر علي يديه كثيرين من بينهم هرمس والي روما وزوجته، فقد قيل إنه كان له ابن وحيد عزيز لديه مرضًا شديدًا احتار في أمره الأطباء، فالتجاء الوالي إلي الآلهة، يحمل ابنه من صنم إلي صنم بلا جدوى، وأخيرًا مات. واذ رأت المرضعة شدة حزن والدته عليه قالت لها: "لو أنكما قدمتاه للأسقف اسكندر لصلي من أجله وشفي. فتطلعت إليها الأم بنظرة قاسية وهي تقول لها إنه لو كان هذا حق فلما لم يفتح لكِ عينيكِ، اذهبي واطلبي منه فإن فتح عينيك أحمل الصبي إليه".

بإيمان انطلقت المرضعة إلي حيث يوجد الأسقف، وسألته أن يصلي من أجلها ليفتح الرب عينيها، وإذ صلي عليها ورشمها بعلامة الصليب فتح عينيها باسم ربنا يسوع المسيح. للحال أسرعت إلي بيت سيدها وحملت الصبي وجاءت مسرعة إلي الأسقف تقول له: "صلِ لكي يهب الله الحياة لهذا الصبي وينزع عني البصر فأكون عمياء كما كنت". أما هو فقال لها: "آمني أن سيدنا يسوع المسيح الإله ضابط الكل يقيم الصبي من الموت دون أن تفقدي البصر الذي نلته بكرم الرب". صلي الأسقف للرب وأمسك بيد الصبي فقام. انطلق الصبي إلي والده الذي أخذته الحيرة بينما احتضنته الأم بفرح لا يوصف... واعتمد الوالي وعائلته وكل خدمه.

مارس الوالي وزوجته الحياة الفاضلة في الرب زاهدين في كل شيء؛ فحررا العبيد، ووزعا أموالهما علي الفقراء، وانصرفا للعبادة لله، وصارا بركة لكثيرين في روما.

سمع تراجان بالخبر فأقام أوريليانوس واليًا عوض هرمس، وكان الوالي الجديد عنيفًا جدًا في اضطهاده للمسيحيين؛ فأمر بسجن الأسقف ومعه الكاهنان أفانتيوس Eventius وثيؤدولسTheodulus، أما هرمس الوالي السابق فسلمه إلي صديقه كيرينوس ليرده عن الإِيمان باللطف والحوار.

بدأ هرمس يكشف لصديقه عن صدق الإِيمان المسيحي وسمو عمل الله معهما، فقال له كيرينوس: "أريد آية أشاهدها بنفسي، إِني أغلق عليك في السجن وأري إن كان يمكن الكسندر أن يأتي إليك دون أن تُفتح الأبواب". وبالفعل اتفق مع الوالي الجديد وأحكم إغلاق أبواب السجن الذي به الأسقف وذاك الذي به هرمس وشدّد الحراسة، وبالليل صلي الأسقف إلي الله الذي أرسل ملاكه في شكل طفل قاده والأبواب مغلقة ودخل به إلي حيث يوجد هرمس. وفي الصباح إذ رأي كيرينوس ذاك الأمر دهش فآمن بالسيد المسيح هو وابنته وكثيرون معه.

قام أوريليانوس الوالي بتعذيب كيرينوس وهرمس حتى استشهدا، ثم قام بتعذيب الأسقف والكاهنين وقطع روؤسهم.

تعيد الكنيسة اليونانية لاستشهاد الأسقف والكاهنين في 3 مايو، واللاتينية في 4 مايو.

الكسندر الشهيد1

جندي وثني استشهد علي اسم السيد المسيح متأثرًا باستشهاد الناسكين باتيرموث Patermuth وتلميذه كوبريه Copres، حوالي عام 363م.

الشهيدان باتيرموث وكوبريه

في أيام يوليانوس الجاحد اُتهم الناسكان باتيرموث وتلميذه كوبريه أنهما جليليان، يفسدان عقول الناس عن عبادة الآلهة وتقديم الذبائح.

التقي الناسكان بالإِمبراطور بعد أن أوصي باتيرموث تلميذه بالمثابرة علي احتمال الآلام من أجل الأيمان، وكان الأب قد بلغ الخامسة والسبعين من عمره، وتلميذه الخامسة والأربعون، ثم انفرد الإمبراطور بالتلميذ مستبعدًا معلمه لكي لا يؤثر عليه.

تظاهر يوليانوس باللطف والوداعة مع كوبريه، وتحدث معه كصديق له بلا كلفه، قائلاً له: "أنظر يا صديقي العزيز، فإنك وإن كنت تكبرني في السن لكن لي خبرة أكثر منك. فقد كنت في شبابي تلميذًا لذاك الجليلي مثلك. هل كنت تعلم ماذا كان حالي؟ كنت أعيش في حال وضيع، بلا مكسب، بغير كرامات؛ لكنني إذ تعلقت بعبادة الآلهة التي لا تموت، لا توجد خيرات لم أنلها. كانت الخيرات تجري إليّ كما من تلقاء نفسها من غني ومجد وكرامة فائقة. لذا أقدم لك نصيحة كصديق مخلص أن تذبح للآلهة الإمبراطورية، فأهبك مركزًا ساميًا، وتعيش معي في قصري الخاص".

بهذا الأسلوب المخادع انجذب قلب كوبريه لإِغراءات العالم وسقط في خزي عدم الإيمان، معلنًا قبوله هذه النصيحة، وطلبه أن يكون الإمبراطور مرشدًا له، حاسبًا هذا اليوم هو أسعد أيامه. وبالفعل انطلق إلي معبد أبولون ليختم خيانته لسيده بتقديم ذبائح للأوثان.

أراد الإمبراطور أن يحطم نفسية باتيرموث فبعث إليه بخبر خضوع تلميذه لنصيحة الإمبراطور كعمل انتصاري عظيم؛ فاستقبل الشيخ الخبر بمرارة لم يذق مثلها قط، وانحني علي ركبتيه ليصرخ لإلهه بدموع ونحيب:

"إلهي، إلهي لا تترك هذا المسكين يهلك!

أذكر أتعابه في شبابه، ولا تترك ذاك الذي لعبت به كلمات الإمبراطور اللينة.

عملك يا سيدي أن تغفر، متحننًا علي صنعة يديك ".

في اليوم التالي إذ جلس الإمبراطور علي عرشه متهللاً بالغنيمة التي كسبها أُدخل الناسك الشيخ، يسير في حركات هادئة وبروح متضع. وإذ رآه كوبريه مال نحو الإمبراطور ليهمس متهكمًا: "إنه معلمي القديم الذي أضلنّي"؛ ثم نظر إلي باتيرموث ليقول: "أنظر فإنني أسبح في بحر من الخيرات، وأنت تذرف الدموع. إنني أمارس ديانة عظيمنا يوليانوس. إنني لست مسيحيًا!".

- سعادتك هذه يا كوبريه هي التي تجعلني أبكي.

- أترك البكاء أيها الشيخ وافعل مثلي.

هنا تدخل الإِمبراطور يعلن للشيخ أنه إن امتثل بتلميذه يجعله شريكًا معه في خيراته، أما باتيرموث فقاطع الإمبراطور بشجاعة وأدب ليعلن له أن الخيرات الزمنية إنما هي لأيام قليلة علي الأرض، أما هو فيبكي هنا لينال خيرات أبدية. عاد الشيخ يوجه حديثه لتلميذه، قائلاً له:

"يا كوبريه، ملابسك الثمينة ستتحول إلي خرق مخزية، أما جسدي الذي يستره ثوبي الممزق فسيمتلئ بهاءً إلي الأبد.

أنت الآن تشبع لكنك ستموت جوعًا، أما أنا فأعاني من العوز اليوم ليصبح الشبع شريكي الدائم.

كوبريه صار مجالسًا لسلطان سيحاكمه الملك الرب. إنه سيكون مع جماعة نصيبها صرير الأسنان في النار الأبدية.

من أجل بعض التملقات من مخلوق يجلب علي نفسه عقابات الخالق!.

يا لتعاستك يا كوبريه، يا من تفرح إبليس في هذه الساعة! هوذا الملائكة القديسون قد تركوك، ولم تعد إلا إنسانًا مربوطًا بالجحيم. لقد رذلت الحق لتلتصق بالكذب.

أيها البائس، أذكر أعمالك المقدسة في حياتك الماضية من فرح وسط الزهد ونقاوة يديك، وممارسة الفضائل، وتمتعك بالسلام الذي لا يضمحل...

ارجع يا كوبريه يا ابني، وتعال معي! لا تتشكك لحظة واحدة في مراحم الله الذي جحدته تحت وطأة الوصايا المسممة. كن لطيفًا مع المسيح الذي أحببته كثيرًا، الذي يخلصك علي الدوام! ".

بهذا الحديث الروحي الذي فيه كشف الشيخ جراحات ابنه بصراحة ووضوح دون أن يفقده الرجاء تحرك قلب كوبريه، ولم يحتمل مرارة الخيانة والجحود لسيده. وكأنه قد شعر بقيود قد ربطت أعماقه خلال هذا اليوم الكئيب الذي فيه أنكر المخلص... وللحال سحب يده من يد الإمبراطور ليصرخ:

"آه يا أبي... ها أنا أنقض عهدي مع سحر يوليانوس.

أنا هو كما كنت، أنا تلميذ المسيح!

لقد أخطأت وأذنبت كثيرًا!

لِتنسَ يا سيدي قسمي الكاذب، وإني أعترف لك أمام السماء والأرض أني أمجدك يا ملكي وإلهي! ".

لا يستطيع أحد أن يعبر عن بهجة قلب الشيخ الذي يري نفسًا جحدت مخلصها قد عادت بالتوبة إليه، تشهد له في حضرة الإمبراطور. وقد شارك المسيحيون الحاضرون فرحة الشيخ وأحسوا بعمل روح الله العجيب. أما الإمبراطور فحاول أن يتصنع الهدوء، لكي يعاتب كوبريه ويسحبه إلي إنكار مسيحه، لكن كوبريه كان يزداد قوة وشجاعة، شاهدًا للحق.

أدرك يوليانوس أن حيلته قد فشلت تمامًا فعوض استمالة الشيخ بما ناله تلميذه من أمجاد زمنية، سحب روح الله قلب التلميذ لينعم مع معلمه بالإِيمان الحق... وعندئذ لم يجد الإمبراطور وسيلة أمامه إلا استخدام العنف بكل وحشيته.

أدرك كوبريه أن الأوامر قد صدرت بتعذبيه، وفي شجاعة تحدث مع الإِمبراطور موضحًا له أنه لا يخاف الآلام، إنما يحسبها قليلة للغاية مقابل ما ارتكبه من جحود، وأنه ليحسب نفسه سعيدًا أن يؤدب علي هذا الجحود.

أمر يوليانوس بقطع لسان كوبريه بعنف، حتى سقط كوبريه مغشيًا عليه من الآلام، وكان معلمه يسنده ويعزيه.

أُعد الأتون، فصار المعلم يسند تلميذه، طالبًا منه أن يصرخ في أعماقه لذاك الذي أنقذ الثلاثة فتية من أتون النار. وبالفعل إذ أُلقي الاثنان معًا، وكانا يصليان لم تمسهما النار، الأمر الذي أذهل يوليانوس، لكنه لم يتراجع عن شره... بل طلب مضاعفة النيران.

إيمان الكسندر

أمام هذا المنظر تأثر أحد الحراس، يدعي الكسندر، فبدافع الشفقة البشرية اقترب من كوبريه، وصار يطلب إليه أن يذبح للآلهة الوثنية ويخلص نفسه من هذه العذابات.

إذ شعر كوبريه أن الكسندر يتحدث معه بدافع المحبة الصادقة شكره علي مشاعره الطيبة وأوضح له أنه سيتقبل كل عذاب برضي من أجل الجحود الذي ارتكبه، وإذ دخل الاثنان معًا في حوار قصير قبل الكسندر الإيمان بالسيد المسيح، وانضم إليه.

اغتاظ الإمبراطور، وأمر أن يُلقي الثلاثة معًا في الأتون بعد أن اشتد اللهيب جدًا، وكان الكسندر يطلب معونة الله ليحتمل العذاب، وبالفعل إذ أُلقي الكسندر في النار نام كمن هو راقد، وقد بقي جسده سليمًا، الأمر الذي أثار الإمبراطور فطلب تأجيل تعذيب الناسكين.

بعد بضعة أيام التقي الإمبراطور بالناسكين، وإذ حاول إغراءهما للذبح للأوثان رفضا بقوة، بل وأعلن باتيرموث للإمبراطور أنه سيخوض حربًا في بلاد فارس ولن يعود منها.

تضايق الإمبراطور لهذه النبوة البائسة، وحكم علي الناسكين بقطع رأسيهما، لينالا إكليل الاستشهاد.

Cheneau: Les Saints D'Egypt, t2 ,p 188 - 194 July 9.

الكسندر الشهيد2

راجع الشهيد أبيماخوس.

الكسندر الطيبي الشهيد

كان الكسندر جنديًا يتبع كتيبة من منطقة طيبة (بصعيد مصر).

سمع عنه الإمبراطور مكسيميانوس أنه صار مسيحيًا فاستدعاه، وإذ أمره بتقديم بخور وذبائح وثنية، رفض الكسندر. ولما أصّر الإمبراطور مستخدمًا سلطانه، أجابه الجندي بشجاعة مملوءة أدبًا: "إنك صاحب سلطان أيها الإمبراطور، لك أن تفرضه عليّ وأنا سعيد. إني أهابك كإمبراطور لكنني أحب إلهي أكثر منك".

هكذا في أدب أعلن طاعته وخضوعه للإمبراطور، لكن ليس علي حساب إيمانه وأبديته... إنه يخضع له في كل أمر زمني في الرب، أما الإيمان فحياته الخاصة التي ليس للإمبراطور أن يمسها.

هدده الإمبراطور بالموت ما لم يذبح للأوثان، فأجابه: "الموت الذي تظن أنك تهددني به هو في نظر المسيحيين الحياة!".

وإذ أصر الإمبراطور علي ذلك، تشدد الكسندر ليضرب المائدة التي أمامه بكل قوته ويلقي بكل أدوات العبادة الوثنية... فاغتاظ مكسيميانوس وأمر السياف أن يضرب عنقه فورًا، وإذ رفع الرجل يده بقوة يبست في الحال، وامتلأ رعبًا.

أُلقي الكسندر في السجن، لكنه هرب إلي مزرعة بجانب برغم Bergame تسمي Pretoire حيث اختبأ هناك عدة أيام. وإذ بحثوا عنه ووجدوه، حاولوا إلزامه بتقديم ذبائح للأوثان فرفض مسلمًا عنقه للاستشهاد، وكان ذلك في عام 297م. وقد قامت سيدة تقية تدعي Grata بتكفينه.

Cheneau: Les Saints D' Egypt, II, 242 - 243

الكسندر الفحّام الأسقف الشهيد

في عرضنا لسيرة القديس إغريغوريوس العجائبي أسقف قيصرية الجديدة، رأينا شعب كومانا ببنطس وقد أحبوا هذا القديس ووثقوا فيه، جاءوا إليه يطلبون منه أن يختار لهم أسقفًا. وقد تقدم الكهنة والشعب ببعض الأسماء كمرشحين لهذا العمل فرفضهم القديس إذ كانوا يعتمدون علي نسبهم او مراكزهم الاجتماعية أو غناهم. وإذ اقترح أحدهم رجلاً فحامًا استدعاه، فجاء وكل ثيابه ووجهه ويداه ملوثة بسواد الفحم حتى ضحك الحاضرون، أما هو فبحكمة روحية جلس معه واختاره لهم.

اكتشف الشعب بعد ذلك أن هذا الرجل الغريب عن بلدهم إنما هو من عائلة غنية، متعلم، وقد تغرب متخفيًا وراء هذا العمل هربًا من المجد الباطل.

تحدث القديس غريغوريوس أسقف نيصص عن هذا القديس كأسقف ومعلم روحي حيّ، ختم حياته بنواله إكليل الاستشهاد حوالي عام 275م.

يحسبه الفحامون في أوربا شفيعًا لهم.

الكسندر الكبادوكي الشهيد

من بين غرباء كثيرين جاءوا إلي ميلان في عهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير ثلاثة من كبادوكية هم سيسينيوس ومارتيروس وأخوه الكسندر. وكان القديس أمبروسيوس يقدرهم حتى رشحهم لدي القديس فيجيليوس أسقف ترنت لممارسة أعمال إرسالية، وقد قام الثلاثة بعمل كرازي في Tyrolese Alps. وقد واجهوا متاعب كثيرة في الخدمة لكنهم ربحوا نفوسًا كثيرة للسيد المسيح.

إذ شعر الوثنيون بنجاح خدمة هؤلاء الرجال، هاجموهم في الكنيسة وأخذوا يضربونهم فتنيح الأول - وكان شماسًا - في ساعات قليلة، أما الثاني وكان قارئًا فتسلل إلي حديقة فعثر عليه الوثنيون في اليوم التالي وصاروا يسحبونه من قدميه علي الأحجار حتى ترضض جسمه كله وتنيح.

سقط الكسندر بين أيديهم فصاروا يضغطون عليه ليجحد الإيمان، فحرقوا جسدي زميليه أمامه، وإذ لم يُجِد ذلك نفعًا ألقوه حيًا في النار.

جمع المؤمنون رفاتهم بعد حرقها ونقلوها إلي ترنت. وقد بني القديس فيجيلوس كنيسة في الموضع الذي احتملوا فيه العذابات، كما كتب عنهم القديسين امبروسيوس وذهبي الفم. كما تحدث عنهم القديس أغسطينوس.

Butlers Lives of Saints, May 29.

الكسندرا العذراء

تبقي حياة الكثير من النساك والناسكات سرًا، كل ما نعرفه عنهم هو تصرفاتهم الظاهرة، أما أعماقهم فيندر جدًا أن يكشفوا عنها لكونها علاقة سرية بين النفس وعريسها السماوي، وقد سمحت العناية الإلهية أن تلتقي القديسة ميلانية بعذراء الإسكندرية - كما يسميها القديس بالاديوس في كتابه عن تاريخ الرهبان - من وراء الشباك لتكشف بعض جوانب حياتها، فتعلن بهجتها وشبعها الداخلي.

لقاء مع القديس ديديموس الضرير

إذ التقي القديس بالاديوس بالقديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الإسكندرية روي له عن هذه العذراء المعاصرة له، التي تركت الإسكندرية وعاشت في قبر (نحن نعلم أن القبور قديمًا كانت متسعة جدًا كما في كثير من بلاد الصعيد إلي يومنا هذا مثل قبور المسيحيين بدير الشهداء خارج مدينة إسنا).

أغلقت هذه العذراء الكسندرا باب القبر عليها ولم تسمح لنفسها أن تري وجه إنسان عشر سنوات، إنما كانت تتعامل مع أخت تخدمها خلال نافذة. وقد بقيت هكذا حتى جاءتها الخادمة يومًا ما تتحدث معها فلم تجد إجابة، ولما أخبرت الكنيسة بذلك كسروا الباب ليجدوها راقدة في الرب.

التقت بها القديسة ميلانية من خلف النافذة، وإذ سألتها عن السبب، لماذا دفنت نفسها هكذا، أجابتها بأن شابًا تعثر بسببها، وإذ رأت أنها ستكون علة هلاك نفس علي صورة الله ومثاله فضّلت أن تأتي إلي القبر طوعًا عوض أن تعثره.

سألتها القديسة ميلانية كيف تحتمل هذه الحياة دون أن تري وجه إنسان ولا تتحطم باليأس، فأجابتها بكل وضوح إنها لا تعيش في قنوط أو حزن أو حرمان بل هي متهللة فرحة تعمل بلا خمول، إذ قالت:

"أشغل نفسي بصلواتي وعمل يدَيّ، ولا أجد لحظات بلا عمل.

منذ الصباح حتى التاسعة (3 بعد الظهر) أنسج كتانًا وأنا أتلو المزامير وأصلي. وفي بقية اليوم أذكر في قلبي الآباء القديسين، وأتأمل بأفكاري في سير كل الأنبياء والرسل والشهداء.

في بقية الساعات أعمل بيدي وآكل خبزي، بهذا أنا مستريحة أنتظر برجاء صالح نهاية حياتي ".

هذا ما سمعه القديس بالاديوس من القديسة ميلانية نفسها!

ما نؤكده هنا أن الرهبنة - أيا كانت صورتها أو مظهرها الخارجي - فهي حياة مفرحة مبهجة مملوءة رجاءً صالحًا خلال تذوق عربون الحياة الأبدية، وليس كما حاول البعض تصويرها كضيق وتبرم وحرمان.

Budge: Paradise of Frs, V1, p 95 - 96.

الكسندرا الملكة

إذ ظن الملك دقلديانوس أن مارجرجس قد وافق علي السجود للأصنام، قبلّ الملك رأسه، وأدخله قصره، فالتقي بالملكة وصار يحدثها عن خلاصها، فآمنت بالسيد المسيح سرًا.

إذ وقف جاورجيوس أمام الأصنام نادي اسم السيد المسيح فسقطت الأصنام وتحطمت، وتحطم معها قلب دقلديانوس الذي انطلق إلي قصره في ثورة عارمة، شاعرًا بأن الخزى قد ملأ وجهه.

أخبر الملك زوجته بما حدث، فقالت له: "أما قلت لك لا تعاند الجليليين فإن إلههم قوي"، فغضب الملك جدًا وعذبها كثيرًا ثم ألقاها في السجن حيث تنحيت بسلام في 15 برموده.

الكسندروس الأول البابا التاسع عشر

سيامته

وُلد بالإسكندرية، وسيم بها قسًا، ثم سيم بابا للإسكندرية كما تنبأ البابا بطرس خاتم الشهداء (17)، وكان قد بلغ سن الشيخوخة، ومع هذا فكان يخدم الله بنشاط تقوي.

قال عنه المؤرخ الأنبا ساويرس بأن القديس أثناسيوس (البابا 20) روي بأن البابا الكسندروس ما كان يقرأ الكتاب المقدس جالسًا قط، وإنما كان يقف والضوء أمامه. في تقواه دعاه الشعب بالقديس، وفي حبه للفقراء والمساكين كانوا يلقبونه "أب المساكين".

مقاومته للميلانية والأريوسية

حاول أتباعا ميليتس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) بكل طاقتهم عرقلة سيامة الكسندروس مرشحين أريوس ليكون هو البابا البطريرك.

ميليتس هذا كان قد أنكر الإيمان في اضطهاد دقلديانوس بالرغم من النصيحة التي قدمها له أربعة أساقفة بالسجن، ولم يكتفِ بهذا وإنما استغل سجن البابا ليجلس علي كرسيه ويرسم كهنة بالإسكندرية ويسلم أساقفة إيبارشيات غير إيبارشياتهم، وبهذا كوّن لنفسه حزبًا يتكون من ثلاثين أسقفًا يعلنون استقلالهم عن البابا، ويدخلون بعض الأنظمة اليهودية في عبادتهم. عقد البابا بطرس خاتم الشهداء مجمعًا حكم فيه بتجريد ميليتس من درجته فلم يعبأ بذلك. وقد أصدر مجمع نيقية حكمه بشأن انشقاق ميليتس، فخضع لحكم المجمع وخضع للبابا الكسندروس حتى مات عام 330م.

أما أريوس فكان في البداية منتميًا لأتباع ميليتس، يشجع ملاتيوس علي الانشقاق ضد البابا بطرس. وعندما سيم البابا الكسندروس حاول أن يجتمع به فرفض، معلنًا لرسله أن البابا بطرس قد منعه في السجن من قبوله في شركة الكنيسة كأمر السيد المسيح نفسه الذي ظهر له بثوب ممزق قائلاً بأن أريوس هو والذي مزقه. وقد طلب منهم أن يقدم توبة للسيد المسيح، فإن قبلها يعلن له الرب ذلك فيقبله. ثار أريوس وصار يهاجم ألوهية المسيح علانية، مستخدمًا مواهبه من فصاحة وخداع مع وضع ترانيم لها نغمات عذبة تجذب البسطاء، كما تظاهر بروح النسك والعبادة، وقد اجتذب كثيرًا من الراهبات والعذارى والنساء، استخدمهن في نشر بدعته.

عقد البابا مجمعًا محليًا عام 319م يطالبه بترك بدعته، وإذ رفض عقد مجمعًا آخر بالإسكندرية يضم 100 أسقف من مصر وليبيا حرم أريوس وبدعته، مصدقًا علي قرار المجمع السابق. كتب أريوس إلى أوسابيوس أسقف نيقوميديا يستعطفه في خبث كمن هو مُضطهد من أجل الحقن وبقي في عناده يعظ ويبث سمومه، فطرده البابا.

حاول أريوس استمالة بعض الأساقفة في إيبارشيات خارج مصر، فكتب البابا الكسندروس إلي سمية الكسندروس بطريرك القسطنطينية، كما إلي بقية الكنائس يشرح لهم بدعة أريوس ومعتقداته الخاطئة.

عقد أتباع أريوس مجمعين الأول في بيثينية عام 322م، والثاني في فلسطين عام 323م قررا بأن الحكم الصادر ضد أريوس من بطريرك الإسكندرية باطل، وطالبا بعودة أريوس إلي الإسكندرية، وعاد أريوس إلي الإسكندرية ليقاوم الحق.

اضطر البابا أن يشهر حرمان أريوس ويطرده للمرة الثانية، وقام الشماس أثناسيوس بكتابة منشور ضد بدعة أريوس وقعه 36 كاهنًا و44 شماسًا.

استطاع أوسابيوس أسقف نيقوميديا بدالته أن يستميل قسطنطين الإمبراطور إلي أريوس، إذ كانت أخت الامبراطور أي كونسطاسيا تكرم الأسقف أوسابيوس. أرسل الإمبراطور قسطنطين أوسيوس أسقف قرطبة من أسبانيا وهو من المعترفين الذين احتملوا العذابات في عهد مكسيميانوس، إلي الإسكندرية ليتوسط لدي البابا فيقبل أريوس، وبعث معه خطابًا رقيقًا متطلعًا إلي أريوس ككاهن تقي غيور. وبوصول الأسقف إلي الإسكندرية لمس بنفسه ما يفعله أتباع أريوس، فانضم إلي البابا وطلب من الإمبراطور أن يأمر بعقد مجمع مسكوني لينظر في أمر الأريوسيين.

عُقد مجمع نيقية عام 325م، وكان للقديس أثناسيوس الرسولي دوره الكبير في كشف أباطيل الأريوسيين، فقطع أريوس وأتباعه، ونُفي إلي الليريكون.

تنيح البابا الكسندروس حوالي عام 328. تعيد له الكنيسة الغربية في 26 فبراير، واليونانية في 29 مايو، والقبطية في 22 برمودة.

لاهويتاته وكتاباته

كان يبذل كل الجهد لمقاومة فكر أريوس منكر لاهوت السيد المسيح، والذي كان ينظر إليه باعتباره صنيعة بولس السومسطائي ولوقيانوس الإنطاكي، مقدمًا تعليمه الذي هو "التعليم الرسولي الذي من أجله نموت"، مؤكدًا أزلية الابن ووحدته مع الأب في الجوهر، موضحًا أن بنوته للآب طبيعية وفريدة وليست بالتبني، لذا دعي القديسة مريم "والدة الإله".

من كلماته: [إن كان الابن هو كلمة الله وحكمته وعقله، فكيف وُجد زمن لم يوجد فيه؟! هذا كمن يقول بأنه وُجد زمن كان فيه الله بلا عقل وحكمة].

أهم كتاباته هي:

1. يعلن القديس أبيفانيوس في كتابه ضد الهراطقات (69: 4) عن وجود سبعين رسالة له، فُقدت جميعها ما عدا رسالتين في غاية الأهمية بخصوص الصراع الأريوسي.

2. له عظات من بينها وجدت عظة بالقبطية والسريانية عن النفس والجسد وعلاقتهما ببعضهما البعض.

الكسندروس الثاني البابا الثالث والأربعون

بعد نياحة البابا سيمون لم يتمكن الأساقفة من إقامة خلف له، فخلا الكرسي ثلاث سنوات، بعد ذلك طلب أثناسيوس رئيس ديوان الأمير عبد العزيز من الأمير أن يسمح للأنبا غريغوريوس أسقف القيس أن يتولى شئون الكنيسة، فكتب له أمرًا بذلك. وكان الأنبا غريغوريوس إنسانًا تقيًا محبوبًا حتى لم يفكر الكل في سيامة بطريرك لمدة أربع سنوات، وأخيرًا أجمع الرأي علي سيامة الكسندروس بطريركًا، وكان راهبًا بدير الزجاج وديعًا حكيمًا عالمًا بالكتب المقدسة، ما أن رآه الأمير حتى أحبه.

سيامته

بعد استئذان الوالي أُقيم الكسندروس بطريركًا في 30 برمودة من عام 695م، في عيد القديس مارمرقس، وكانت أيامه الأولي كلها صفاء وشمل الجميع سرور عظيم، وساد الكنيسة السلام.

متاعبه

مات الأمير عبد العزيز فحزن عليه جميع المصريين من مسلمين ومسيحيين، إذ عرف بعدالته وحكمته، وجاء من بعده عدة ولاة هم عبد الله وقرة وأسامة وعبيد الله كانت أسماؤهم رمزًا للعنف والقسوة علي الجميع، حيث ضاعفوا الضرائب بصورة صارخة، فلم يسمحوا بدفن ميت دون دفع ضريبة عنه، وكان الكل ساخطًا عليهم، وبلا شك كانت الضرائب أضعافًا مضاعفة علي المسيحيين.

إذ تولي عبد الله الولاية وجاء إلي الفسطاط جاء البابا يحييه، فسأل عنه فقيل إنه أبو الأقباط، فقبض عليه وسلمه لأحد حجابه وطلب منه أن يهينه حتى يدفع ثلاثة آلاف دينار. تقدم شماس يدعي جرجس إلي الأمير يسأله: "أيهدف مولاي إلي اعتقال البابا أم إلي الحصول علي المال؟"، وإذ أظهر الأمير رغبته في المال طلب منه أن يخلي سبيل البابا حتى يقدر أن يطوف معه وسط الشعب ويجمع له المال، وبالفعل طاف معه في الوجه البحري حتى جمع المبلغ وسلمه للوالي. هذا وقد بذل عبد الله كل طاقاته للإبطال اللغة القبطية في الدواوين والمدارس ومحاكمة من يستخدمها.

بعد عبد الله تولي الأمير قرة الولاية عام 701، وتكررت نفس المأساة وقام البابا بزيارة الوجه القبلي، ففرح به الشعب جدًا إذ لم يكن قد زراهم البطريرك قط منذ أيام الأنبا بنيامين (البابا 38) حين كان مختفيًا بينهم، وأخيرًا قام بسداد المبلغ.

ارتفعت الضرائب جدًا خاصة علي الأقباط، حتى اضطروا إلي بيع أواني المذبح الفضية، واستبدالها بأوانٍ خشبية أو زجاجية لتسديد الجزية، وكان هناك سخط من المسلمين أيضًا علي الأمير.

مرة سعي بعض الأشرار لدي الوالي متهمين البابا بأن قومًا لديه يضربون الدنانير، فأرسل جماعة من الجند أهانوا البابا وصاروا يضربون أصحابه حتى قاربوا الموت، وإذ ظهر بطلان هذه الوشاية تركوا الدار البطريركية.

بجانب هذه المتاعب الخارجية سقط البابا تحت متاعب من كنائس الإسكندرية وكهنتها إذ اعتادت منذ عهد قسطنطين أن تقدم لها البطريركية معونات، لكن بسبب الغرامات التي حلت بالبابا والضيق الخارجي لم يستطع البابا أن يقدم شيئًا فثار بعض الكهنة والأراخنة ضده، وكان يتوسل إليهم موضحًا لهم كيف صارت الكاسات التي تقدم فيها الأسرار المقدسة من زجاج بسبب ما حلّ بالكنيسة من ضيق، وإذ يقبلوا كلماته اضطر إلي انتهارهم وطردهم فخرجوا يشنعون عليه.

بجانب هذه المتاعب حلّ بالبلاد قحط شديد ووباء، فمات كثيرون بسبب الجوع والمرض، وكان البابا مع الأساقفة يجولون في البلاد ليسندوا الشعب بسبب ما حلّ بهم من كوارث.

ومن متاعبه أيضًا ما أثاره طبيب بيزنطي اسمه أنوبيس نجح في استمالة والي الإسكندرية بسبب مهنته، مقنعًا إياه أن يقيمه أسقفًا علي الإسكندرية، وإذ تحقق له لك صار يقاوم البابا بكل طاقاته مستغلاً صداقته مع الوالي، فثار الشعب عليه جدًا، واضطر من الخوف أن يلجأ إلي البابا الذي استقبله بمحبة، فخجل جدًا وأعلن ولاءه للبابا، وبقي هكذا علي ولائه مدي حياته.

لما صار حنظله بن صفوان واليًا عام 713 أراد أن يرسم علي يدي كل مسيحي صورة الأسد (الوحش)، ثم قبض علي البابا البطريرك وأمره بذلك، فطلب منه مهلة ثلاثة أيام، فدخل إلي مخدعه واشتهي الانطلاق من هذا العالم ولا يري ما يحل بشعب الله. وإذ تزايد المرض به جدًا سأل قوم الوالي أن يسمح له بالانطلاق إلي كرسيه بالإسكندرية فحسبه يتمارض، لكنه أخذ مركبًا وانطلق سرًا إلي الإسكندرية، وإذ علم الوالي أرسل وراءه قومًا ليقبضوا عليه فوجدوه قد تنيح، فقاموا بتعذيب تلاميذه.

كانت مدة إقامته علي الكرسي 34 سنة ونصف، وقد تنيح في 7 أمشير (سنة726م).

القس منسي يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، 1983، ص 313 - 315.

الكسندروس أسقف القسطنطينية

سيم القديس الكسندروس بطريركًا علي القسطنطينية وهو شيخ يبلغ الثالثة والسبعين من عمره، وبقي يمارس هذا العمل الأبوي 23عامًا كلها متاعب وآلام بسبب الأريوسية (تعيد له الكنيسة الغربية في 28 أغسطس، والقبطية في 18 مسري).

رأينا أن البابا الكسندروس الإسكندري إذ رأي خطر أريوس بدا يتسرب إلي العالم المسيحي خارج مصر بعث برسالة إلي سميه البطريرك الكسندروس أسقف القسطنطينية يوضح له تفاصيل بدعة أريوس منكر لاهوت السيد المسيح.

طُرد أريوس من الإسكندرية بعد حرمانه هو ومن يتمسك بتعاليمه، وإذ عاد إلي الإسكندرية وجد أبوابها مغلقة في وجهه، فألزمه الوالي بالعودة إلي القسطنطينية خشية حدوث ثورة عارمة.

وفي سنة 336م عقد الأريوسيون مجمعًا بالقسطنطينية حكم بأرثوذكسية أريوس وعزل الأساقفة الذين يخالفون هذا الحكم. ولما رأي الكسندروس، تحت ضغط الإمبراطور، مضطرًا أن يشترك في الصلاة معه، اجتمع مع القديس يعقوب أسقف نصيبين في كنيسة القديسة أيريني، وأخذا يصليان أن يخرج كنيسته من هذا المأزق. وكان أتباع أريوس قد انطلقوا في شوارع القسطنطينية بموكب وتهليل يعلنون صلاة أريوس مع البطريرك في اليوم التالي، وجاء الأحد وانطلق أريوس كغالب ومنتصر إلي الكنيسة ليشترك في الصلاة لكنه شعر بألم في أحشائه فدخل مرحاضًا عامًا وهناك مات، وهكذا صار الأريوسيون في خزي شديد.

الكسندروس أسقف أورشليم

سيامته أسقفًا

كان القديس الكسندروس رفيقًا للعلامة أوريجينوس في التلمذة في مدرسة الإسكندرية درس غالبًا علي يدي القديس بنتينوس ثم خلفه القديس اكليمنضس الإسكندري.

أُختبر أسقفًا علي كبادوكية، جاء إلي أورشليم بعد ذلك لنوال بركة الأماكن المقدسة، وكان القديس نركيسوس St. Narcissus أسقف أورشليم قد جاوز المائة وعشر سنوات وقد عرض علي شعبه إعفاءه من العمل الرعوي بسبب شيخوخته وعجزه عن العمل لكن الشعب رفض لتعلقهم بأبيهم الأسقف.

إذ كان القديس الكسندروس منطلقًا من أورشليم ليعود إلي كرسيه سمع الشعب صوتًا من السماء أن يمسكوه ويقيموه أسقفًا، وإذ رفض بشدة لارتباطه الأبوي بشعب كبادوكية اضطر أن يقبل من أجل الصوت الذي سُمع من السماء، وبقي يساعد الأسقف نركيسوس خمس سنوات. وقد جاء في إحدى رسائل القديس الكسندروس: "اسلم عليكم باسم نركيسوس هنا في عامة المائة والسادس عشر، يطلب إليكم معي أن تعيشوا في سلام ووحدة ثابتين". وبعد نياحة الأسقف نركيسوس صار أسقفًا علي أورشليم.

علاقته بأوريجينوس

حوالي عام 216م إذ نهب الإمبراطور كاركلا مدينة الإسكندرية، وأغلق مدارسها، واضطهد معلميها وذبحهم، قرر العلامة أوريجينوس أن يذهب إلي فلسطين، وهناك رحب به صديقه القديم الكسندروس أسقف أورشليم وثيؤكتستوس أسقف فلسطين، ودعاه ليشرح الكتاب المقدس للشعب في حضرتهما.

غضب البابا ديمتريوس الكرام الإسكندري، إذ حسب ذلك مخالفًا لقوانين الكنيسة أن يعظ شخص علماني (غير كاهن) في حضرة الأسقف، فاضطر أوريجينوس أن يعود إلي الإسكندرية، والأسقف الكسندروس يعتذر بأن هذا القانون لا يعرف عنه شيئًا.

مرة أخري إذ كان أوريجينوس عائدًا من اليونان في مهمة كنسية عبر بفلسطين فقام الأسقفان الكسندروس وثيؤكتستوس بسيامته كاهنًا، حتى يتحاشيا ما حدث قبلاً. حاسبين أن هذا يرضي بابا الإسكندرية. لكن هذا العمل أثار البابا لأسباب كثيرة نعرضها عند حديثنا عن هذا العلامة.

علي أي الأحوال هذا أدي في النهاية إلي ترك العلامة أوريجينوس الإسكندرية لينشئ مدرسة بفلسطين دامت قرابة 20 عامًا، فيها تتلمذ القديس غريغوريوس العجائبي وأخوه.

ولعل أوريجينوس ساعده في إقامة مكتبة لاهوتية ضخمة كانت قائمة حتى أيام المؤرخ يوسابيوس القيصري الذي كتب لنا أنه انتفع بها كثيرًا.

آلامه

قبل رحيله إلي أورشليم، إذ كان أسقفًا علي الكبادوك، أُلقي القبض عليه في اضطهاد الإمبراطور سويرس للمسيحيين، وقدم شهادة حق أدت به إلي السجن عدة سنوات حتى بداية ملك كاركالا. وقد كتب معلمه السابق القديس اكليمنضس الإسكندري الذي اضطر إلي ترك الإسكندرية رسالة إلي كنيسة إنطاكية.

في اضطهاد ديسيوس قُبِضَ علي الأسقف ثانية وأُلقي للوحوش التي عوض مهاجمتها أنست به بالرغم من محاولة البعض إثارتها، فاقتيد إلي السجن في قيصرية ليتنيح هناك في قيوده داخل السجن.

الكسندروس الأكيميتي

ولد القديس الكسندروس الأكيميتي St. Alexander Akimetes في آسيا، وفي صباه تثقف في القسطنطينية حيث قبل الإيمان خلال شغفه في قراءة الأناجيل، ثم عاد إلي سوريا يمارس الحياة النسكية.

مارس حياة الشركة ثم التوحد وبعد 11 سنة من رهبنته كرس نفسه للعمل الكرازي في بلاد ما بين النهرين (الميصة)، وقيل إنه هو الذي جذب رابيولاس Rabulas الذي صار فيما بعد أسقفا للرها.

أنشأ ديرًا ضخمًا بجوار الفرات، لكنه لم يدم كثيرًا فيه إذ أخذ جماعة كبيرة من رهبانه وأقام في إنطاكية إلي حين، حيث أثارت زيارته هذه متاعب كبيرة، فأنشأ في النهاية ديرًا جديدًا بالقسطنطينية. مرة أخري قام ضده جماعة من الحاقدين وُطرد، فأنشأ ديرًا آخر في Gommon علي الشاطئ الأسيوي للبسفور حيث تنيح فيه عام 430.

حمل شهرته بسبب إنشائه خورس يقسمون أنفسهم ليلاً ونهارًا للخدمة دون توقف. لهذا دعي باليونانية "اكوميتي" أو "اكيميتي" أي "الذين بلا نوم".

Butler's Lives of Saints, Feb. 23.

الكسندروس الجندي الشهيد

كان من مدينة رومية في أيام الملك الوثني مكسيميانوس. ولما امتنع هذا القديس عن التضحية للأصنام عاقبه الملك بأن علقه من يديه، وربط في رجليه حجرًا ثقيلاً وأمر بضربه وحرق جنبيه وجعل مشاعل نار على وجهه. وإذ لم تثنه هذه العذابات أمر الملك بضرب رقبته فنال إكليل الشهادة.

السنكسار، 1 برمهات.

الكسندروس من ليكوبوليس

من رجال القرن الثالث، كان في الغالب وثنيًا، بهرته المانية فاعتنقها لكنه اكتشف رذائلها وأخطاءها فاعتنق المسيحية. وقد نال شهرة خاصة بسبب مقالة ضد المانيين، حيث امتدح بساطة الفلسفة المسيحية وفاعليتها، وقارن بينها وبين تعاليم المانية المتناقضة غير المنطقية. ويعتبر عمله مصدرًا هامًا في دراسة المانية.

يري المؤرخ فوتس Photivs أن الكسندروس كان أسقفًا.

الكسيوس القديس

نال القديس الكسيوس Alexis شهرة عظيمة في منطقة الرها (أديسا) بمنطقة ما بين النهرين، وقد دعي برجل الله، كما عرفه الغرب، ففي القرن الرابع عشر اختير ليكون شفيعًا لجماعة تهتم بالتمريض دعيت "إخوة الكسيوس".

وهو يمثل حياة الإنسان الذي يختار حياة الفقر بإرادته فيكون بركة لكثيرين خلال فقره وتقواه.

نشأته

ولد في النصف الثاني من القرن الرابع من أبوين تقيين محبين للفقراء، كان والده أفيميانوس Euphemian سيناتور بروما، ووالدته اغلايس Aglae عاقرًا، رزقا بهذا الطفل بعد زواجهما بفترة طويلة فربياه بروح التقوى والعبادة.

كان مشتاقًا لتكريس حياته للعبادة في بتوليه الروح والجسد، لكن والديه اختارا له فتاه جميلة غنية وتقية، وبسبب حيائه لم يستطيع مقاومة والديه، لكن في أول يوم لعرسه قدم لعروسه خاتمًا ثمينًا وزنارًا قيّمًا (ربما قبل إتمام سر الزواج، في الليلة السابقة)، ثم تخفي في زي بسيط وهرب إلي اللاذيقية. فحزن عليه والداه وزوجته وصاروا في مرارة شديدة يبحثون عنه.

خشي لئلا يتعرف عليه أحد فانطلق من اللاذيقية إلي أورفا بسوريا، وكان هناك يبكر كل يوم إلي الكنيسة يقضي نهاره متعبدًا لله، ثم يخرج ليجد كسرة خبز كأحد الفقراء ويعود إلي الكنيسة يقضي غالبية الليل في العبادة.

إن كان قد عاش كفقير وحقير، لكن لم يكن ممكنًا له أن يخفي غناه الداخلي، فكان سبب تعزية للفقراء الذين خالطهم وشاركهم فقرهم. أما الأغنياء ومتوسطو الحال فأدركوا من رقته ووداعته وبشاشته أنه ليس بفقير عادي، إنما هو رجل الله المتخفي!

قيل إن كاهن الكنيسة إذ كان واقفًا أمام أيقونة العذراء سمع صوتًا يؤكد له أن هذا الفقير الذي ينام كل ليلة عند الباب هو رجل بار، وتكرر الأمر مرة أخري، فطلب الكاهن من الكسيوس أن يذهب معه لبيته، وإذ شاع الأمر في المدينة لم يحتمل كلمة كرامة، فانطلق إلي اللاذيقية وقصد سفينة ليذهب إلي طرسوس، لكن شدة الريح غيرت اتجاه السفينة فاتجه إلي إيطاليا، وعاد إلي بلده وقد اختفت عنه ملامحه.

انطلق إلي قصر والده الذي عرف بحبه للفقراء، فطلب من الخدم أن يقبلوه عندهم، فقدموا له أحقر موضع، وللأسف كان يعامل منهم بقسوة واحتقار واشمئزاز بسبب ثيابه الرثة وفقره الشديد.

كان كل ما يملكه هو أيقونة للصلبوت، يقضي كل وقته في العبادة والصلاة، لا يخرج إلا إلي الكنيسة مرة في الأسبوع لتناول الأسرار المقدسة.

بقيّ علي هذا الحال 17عامًا، يرى والديه دون أن يعرفاه. وإذ عرف أن ساعة انتقاله قد جاءت كتب كل ما حدث له في قرطاس وأمسك به ليصلي، وينتقل وهو ممسك بالقرطاس. قيل إن والده كان يصلي في ذلك الوقت، وكان الأسقف أينوشنسيوس الأول هو الذي يرأس الصلاة، وقد سمع كل الحاضرين صوتًا من السماء يقول إن بارًا قد انتقل الآن في بيت أوفيمانوس.

بعد القداس انتقل الأسقف مع السيناتور إلي البيت ليجدا الكسيوس منتقلاً وممسكًا بالقرطاس. عرف السيناتور وزوجته ابنهما فبكيا بمرارة وصارا يقبلانه ثم دفناه وكان ذلك عام 436م، وقد أظهر الله عجائب كثيرة.

جاء في بعض المخطوطات اليونانية أنه انتقل في مستشفي بالرها وأنه بعد دفنه في المقابر العامة عرف أسقف الرها قصته فأخرج جثمانه ودفنه في مقبرة خاصة.

الماخوس الشهيد

يقدم لنا الشهيد ألماخوس أو تلماخوس Almachus, Telemachus صورة حية للنفس الباذلة التي لا تطيق الشر ولا تقبل القسوة، تقدم حياتها لتفتدي بالرب المتألمين.

عاش هذا القديس حياته الديرية في الشرق، وإذ جاء إلي روما وكان وقت عرض ألعاب المجالدين، حيث تحتشد الآلاف في المسرح لتنظر الأسري أو العبيد ينزلون الساحة ويمسكون بعض الأسلحة يتقاتلون بلا هدف إلا لبهجة النفوس المتعطشة لسفك الدماء، فتتحول الساحة إلي مجزرة بشرية. تسمي هذه الألعاب باستعراضات المجالدين The gladiatorial shows.

تحولت هذه الاستعراضات إلي نوع من الفن، فصار ينزلها أحيانًا بعض الأحرار مقابل مبلغ من المال ليعرضوا حياتهم للموت، بل وأحيانًا يشعر بعض النسوة بالبهجة أن ينزلن الساحة يتقاتلن، وكان البعض يُقاتل وهو معصوب العينين، وأحيانًا كان يُقتل الآلاف في يوم واحد لمجرد الابتهاج بالاحتفال بعيد روماني.

رأي الراهب الشرقي هذا المنظر البشع ولم يعرف ماذا يفعل سوي أنه في محبة نزل إلي الميدان، وعبثًا حاول التفاهم، فدخل وسط المصارعين معرضًا حياته للخطر، فاغتاظ المصارعون إذ أفقدهم بهجة القتال فقام الكل عليه يرجموه.

في الحال أحس الإمبراطور هونريوس بهذا القلب المحب، واعتبره شهيدًا للحب، وأعلن إلغاء هذا النوع من الرياضة حوالي سنة 400م (يعيد له الغرب في أول يناير).

Theodoret: Eccles. History 5: 26.

المفضل المصري بن أبي الفضائل

من كتاب القرن الرابع عشر. وضع "كتاب النهج السديد والدر الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد"، روي فيه أخبار مماليك مصر من عهد الملك الظاهر بيبرس (سنة 1260م) إلي الملك الناصر بن قلاوون (سنة 1340م).

ذُكر اسمه بالكتاب "الفضل" بدلاً من "المفضل".

كامل صالح نخلة: سلسلة تاريخ البابوات، حلقة 2، ص 67.

الوتاريوس وأمه أنثيا

أسقفيته

ولد حوالي عام 98 م، وكان والده أوغانيوس قاضيًا يحتمل أن يكون مسيحيًا، ووالدته أنثيا Anthia إنسانة مسيحية تقية قامت بتربية ابنها خاصة بعد وفاة والده.

قدمته للأب أناكليتوس أسقف روما الذي اهتم به روحيًا ثم عهد به في يدي أسقف بمدينة إيكانية يدعي ديناميوس. وقد ظهرت مواهب إلوتاريوس Eleutherius وعلمه مع حياته الفاضلة وشجاعته أثناء الاضطهادات خاصة بعد سيامته كاهنًا في سن الثامنة عشرة.

إذ بلغ العشرين من عمره سيم أسقفا علي بلاد إيليريا (إسكلافونيا) Illyrium فآمن علي يديه كثيرون الأمر الذي أثار بعض الأشراف الوثنين فبعثوا إلي الإمبراطور يخبرونه بخطورة هذا الأسقف علي العبادة الرسمية للإمبراطور.

القبض عليه

أرسل الإمبراطور هادريان أحد الولاة يدعي فيلكس للقبض عليه وإحضاره إلي روما، وإذ التقي فيلكس به دخلا في حديث مشترك فيه انجذب فيلكس نفسه للإيمان المسيحي، وصار الأسقف أبًا روحيًا له.

صار موقف فيلكس محرجًا مع الأسقف، غير أن الأسقف طلب منه أن يذهبا مع الجنود إلي روما، وهناك تقدم الأسقف بنفسه للإمبراطور الذي قام بتعذيبه، تارة في أتون نار أخري بربطه في أقدام الخيل لتجري به علي الجبال وبإلقائه للوحوش الجائعة وكان الرب يخلصه، وأخيرًا أمر بقطع رأسه.

أسرعت أمه أنثيا إليه، وانطرحت علي جسده الطاهر وهي تشكر الله من أجل عطية الاستشهاد التي نالها ابنها مع أحد عشر شهيدًا، فجاء الجند وقطعوا رأسها هي أيضًا (يحتفل الغرب بعيدها في 18 أبريل).

اليتاريوس عديدين بنفس الاسم

قدمت أعمال الشهداء والقديسين في الغرب أسماء كثيرين بهذا الاسم "اليتاريوس" أو "اليثيريوس" Eleutherius، منها القديس أسقف روما الذي تنيح حوالي عام 189م (مايو30)، والشهيد اليتاريوس النيقوميدي في الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطور دقلديانوس (2 أكتوبر)، وآخر بذات الاسم حوالي سنة 258 (9 أكتوبر) كان علي ما يظن شماسًا مع القديس ديونيسيوس أسقف باريس.

الونيس الأب

لا نعرف شيئًا عن أبا ألينوس أو ألونيس Abba Alonis سوي بعض أحاديث قليلة وردت بين أقوال آباء البرية، منها:

من لم يقل: "لا يوجد في الكون كله إلا الله وأنا" لن يجد راحة (بمعني أنه لا يصنع أمرًا مراضاة لإنسان علي حساب الحق).

قيل عن الأب ألونيس إنه كان مرة يخدم والأخوة جالسون عنده يمدحونه، وهو لا يجيبهم البتة، فقال له إنسان منهم: "لماذا لا تجيب الآباء وهم يسألونك؟" فقال: "لو أجبتهم لصرت مثل من يقبل المديح".

قال أيضًا: "لو لم أهدم نفسي تمامًا لما قدرت أن أعيد بنائي من جديد".

إن أراد الإنسان يقدر في يوم واحد من الصباح إلي المساء يبلغ القامة الإلهية (يحمل السمات الإلهية).

سأل أخ أبا ألونيس: "ما معني أن الإنسان يحتقر ذاته؟" فقال له الشيخ: "هذا يعني أنه يري نفسه أقل من الوحوش متذكرًا أنها لا تُدان".

لو لم أخف نفسي تمامًا لما كنت أبنيها.

أخيرًا فقد ورد حديث بينه وبين الأنبا أغاثون، إذ سأله الأخير كيف يمكنه أن يمتنع عن النطق بأي كذب، فأجابه لو امتنع تمامًا قد يتعرض لخطايا كثيرة معطيًا مثالاً أنه لو شاهد اثنين ذاهبين ليرتكبا جريمة، لكن أحدهما اختفي عنده، فإن سُئل عنه وأظهره يعرضه للقتل. [لعله يقصد بذلك أنه لا يليق بنا في غير حكمة أن نخبر ما يأتمننا الآخرون عليه من أسرارهم بحجة أننا لا نكذب، مثال ذلك لو سئُل كاهن عن اعتراف معين، ليس له الحق في إفشائه].

اللاديوس الأسقف الشهيد

أسقف أحد بلاد المشرق، كان يوبخ الوالي يوليكوس علي عبادته للأوثان، فأجابه: "إن كنت في نظرك كافرًا لأني لا أعبد المصلوب، فإنني أجعلك تترك عبادته". ثم سلمه لأحد نوابه الذي قام بتعذيبه سنة كاملة، وإذ لم ينثن عن إيمانه أوقد نارًا وطرحه فيها فلم يمسه آذى، فآمن جمع كبير من المشاهدين.

قطعت رؤوس هؤلاء المؤمنين مع رأس هذا الشهيد لينالوا إكليل الاستشهاد، وكان ذلك في الثالث من بؤونة.

اليبوس القديس

تعرفنا على حياة هذا القديس خلال ثلاث رسائل لصديقه الحميم القديس أغسطينوس واعترافاته، وخلال رسالة وجهها القديس أليبوس St. Alypius (Alipius) للقديس يولينوس أسقف نولا.

نشأته

ولد في تاجست بنوميديا شمال أفريقيا، ذات موطن صديقه القديس أغسطينوس الذي كان يكبر أليبوس بسنوات قليلة. درس مع أغسطينوس النحو في تاجست وعندما رحل أغسطينوس إلى قرطاجنة وفتح مدرسة للنحو تبعه أليبوس، غير أن خلافًا دب بين أغسطينوس ووالد أليبوس، أدى إلى منع أليبوس من الحضور في مدرسة أغسطينوس، وإن كان أليبوس بقى يحمل حبًا عظيمًا وتقديرًا له، الأخير كان يبادله ذات الحب.

على أي الأحوال استغرق أليبوس في قرطاجنة في مشاهدة الملاعب والمسارح كعادة سكان هذه المدينة، وكان يشتاق أغسطينوس أن يحذره لكنه لم يجد الفرصة المناسبة. وإذ حضر أليبوس إحدى محاضرات أغسطينوس خلسة من وراء والده كان أغسطينوس مستغرقًا في شرح الموضوع الذي أمامه مقدمًا تشبيهًا في عروض المسارح، موبخًا بطريقة لطيفة المنهمكين فيها، ولم يكن يقصد أليبوس في ذلك الحين، لكن الأخير حسب الكلمات موجهة إليه فغضب على نفسه كيف يعيش تحت هذا الضعف، وقرر أن يتغلب على هذه العادة. وإذ بدأ بالتنفيذ فرح به والده، وسمح له بالانضمام إلى مدرسة أغسطينوس لما عرف أنه هو السبب في تغير سلوك ابنه.

لقد انجذب الشابان في ذلك الوقت إلى المانية (بدعة أتباع ماني) التي تقوم على إيجاد ثنائية بين الروح من جانب والمادة من جانب آخر، وحسبما أنهما يجدان العفة والطهارة فيها، وإن كانت المانية لم تشبعهما في الداخل!

في روما

إذ أراد أليبوس كنصيحة والديه أن يبلغ مركزًا مرموقًا في العالم ذهب إلى روما ليدرس القانون. وكان قد بدأ خطوات جادة نحو التحول إلى المسيحية، لكنه وجد ما قد عاقه عن ذلك. لقد قابله أصدقاؤه يومًا وصاروا يضغطون عليه لكي يذهب معهم المسرح فاعتذر لهم، رافضًا تمامًا الذهاب، وإذ كان قد امتنع عنها وهو في قرطاجنة كما رأينا. وإذ ألحوا عليه قال لهم إنه وإن ذهب بجسده فسيبقى غائبًا بفكره، لكنهم لم يتوقفوا حتى حملوه معهم.

إذ أخذ الكل أماكنهم أغلق أليبوس عينيه كي لا يرى ولا يفكر فيما هو أمامه. فجأة سمع صرخة دوت بين كل المشاهدين ففتح عينيه بدافع حب الاستطلاع ليرى أحد المصارعين قد جُرح والدماء تنزف منه. لم يستطع أن يغلق عينيه بل صار يتابع ذلك الصراع العنيف بكل مشاعره، وعاد أليبوس إلى حياته الأولى منغمسًا في حضور المسارح والصراعات العنيفة الرومانية، جاذبًا الآخرين معه.

هذا الدرس لم ينسه أليبوس حتى بعد قبوله الإيمان المسيحي ونواله سرّ العماد، إذ كان يشعر دائمًا بالخوف من ضعفه الذاتي، ولا يثق إلا في الله وحده الذي يخلص بذراعه القوية الرحيمة.

بالرغم من انغماسه في حضور المشاهد الوحشية التي فيها يصارع البشر مع وحوش مفترسة أو مع بعضهم البعض بعنف شديد وقسوة، فكثيرًا ما تترمل النساء ويصير الأولاد أيتامًا لمتعة وقتية ينعم بها المشاهدون محبو سفك الدماء وعذابات الآخرين، بقى أليبوس محبًا لحياة الطهارة، سالكًا بوقار واتزان حتى أكمل دراسته، ونال مركزًا قضائيًا.

إذ جاء أغسطينوس إلى روما صار أليبوس ملاصقًا له، وذهب معه إلى ميلان عام 384م، وشاركه تحوله إلى المسيحية، وسُجل اسماهما معًا في سجلات الموعوظين في الصوم الكبير لعام 387م، ونالا سر المعمودية.

في أفريقيا

بعد فترة قصيرة سافرا إلى أفريقيا، ليعيشا معًا في تاجست موطنهما مع جماعة قليلة مكرسة للرب تمارس حياة التوبة والعبادة بغيرة متقدة. عاشا هكذا ثلاث سنوات حتى سيم أغسطينوس كاهنًا على مدينة هيبو، وانتقلت هذه الجماعة معه، ثم سيم أليبوس كاهنًا، وقام برحلة تقوية إلى فلسطين التقى فيها بالقديس جيروم. وعند عودته إلى أفريقيا سيم أسقفًا على تاجست حوالي عام 393م.

كان يعاون القديس أغسطينوس في أعماله العامة، وكان مملوءًا غيرة في حبه وخدمته لله وكنيسته.

في سنة 429 تحدث عنه أغسطينوس كشيخ، وربما تنيح بعد ذلك بقليل.

اليدورس أسقف ألتينو

التقى الجندي أليدورس أو هيليدورس أو أليدور St. Helidorus of Altino بالقديس جيروم في أكويليا بإيطاليا حوالي عام 372م حيث تتلمذ على يديه. كان محبًا للصلاة ودراسة الكتاب المقدس، يقضي أيامًا بلياليها في الصلاة والدراسة، وإن كان لم يدخل ديرًا ولا التزم بالسكنى في البرية.

إذ عزم القديس جيروم على السفر إلى الشرق مع الأبوين أوغريس وإينوشنسيوس ارتبط بهم أليدور وزاروا بلادًا كثيرة بسوريا. وفي إنطاكيا تعرفوا على أبوليناريوس الذي لم يكن بعد قد كشف عن بدعته، فكان أليدور يستمع لتفاسيره للكتاب المقدس، وبعد فترة قصيرة استطاع أن يتحسس ما في كلمات أبوليناريوس من سموم الهرطقة.

اعتكف القديس جيروم في برية بإقليم كلشيدا نحو تخوم سوريا والعربية وتبعه اليدور إلى حين، لكنه اشتاق إلى وطنه فعاد إلى دلماسيا، واعدًا صديقه ومعلمه أن يعود إليه في القريب العاجل، غير أنه بقى زمانًا بجانب والديه فأرسل إليه القديس جيروم يحثه على التمتع بحياة البرية، محدثًا إياه عن الدموع التي ودعه بها والتي لم تنقطع بعد، طالبًا منه ألا يستكين هناك بسبب دموع أمه أو توسلات أبيه، كاشفًا له عن أهمية حياة الوحدة في البرية.

تأثر أليدور بالرسالة جدًا، وإن كنا لا نعرف ما هي العوامل التي عاقته عن الانطلاق إلى معلمه جيروم ليحيا معه في البرية، لكنه كان يمارس الحياة النسكية التقوية بقوة منطلقًا إلى أكويليا، وهناك سيم أسقفًا على مدينة الثينو بالرغم من رفضه الشديد لقبول هذه الوظيفة.

بجانب حياته النسكية التي عاشها خلال عمله الأسقفي اهتم بخلاص شعب الله ومقاومة البدع مثل الأبولينارية والأريوسية، كما حضر مجمع أكويليا عام 381م.

عندما سيم ابن اخته نيبوتيان كاهنًا كتب إليه القديس جيروم الذي لم يفقد قط حبه لصديقه أليدور سائلاً إياه أن يقتدي بخاله كمثل حيّ للراعي المسيحي.

كان أليدور يسند القديس جيروم ماليًا في الإنفاق على ترجمته للكتاب المقدس إلى اللاتينية. غالبًا تنيح حوالي عام 400م.

اليدوس الأسقف

راجع اللاديوس الأسقف.

اليعازر الشهيد

كان أليعازر أحد معلمي الشريعة الموسوية، وكان أبوه أحد السبعين شيخًا الذين ترجموا العهد القديم من العبرية إلى اليونانية (الترجمة السبعينية) كأمر بطليموس ملك مصر.

إذ ملك أنطيوخس ملك الروم بلاد الشام، وحاصر أورشليم استعمل العنف مع اليهود، مطالبًا إياهم بكسر الشريعة، بأكل اللحوم المحرمة وما إلى ذلك، فخاف كثيرون وأطاعوه، أما أليعازر وزوجته سالومي وأولادهما السبعة فاحتملوا عذابات كثيرة حتى علقوا ومُشطت أجسادهم بأمشاط حديدية وتعرضوا للحرق حتى نالوا إكليل الاستشهاد (8 مسرى).

اماتاس القديس

يذكر القديس جيروم في عرضه لسيرة القديس أنبا بولا أن أماتاس (أماتوس) Amatus كان تلميذًا للقديس أنبا أنطونيوس.

ويروي لنا القديس بالاديوس أنه مع القديس مكاريوس (الصعيدي) كانا يدبران الدير الذي كان عبارة عن كينوبيون يضم جماعة المتوحدين المتتلمذين للقديس أنبا أنطونيوس، وأنهما هما التلميذان اللذان دفنا القديس أنطونيوس بعد نياحته.

اماتور الأسقف

حدثنا عنه إسطفانوس الكاهن الإفريقي بعد نياحة القديس أماتورAmator, Amatre بحوالي 160 عامًا.

كان أماتور ابنًا وحيدًا لأحد أشراف مدينة Auxerre، اختار له فتاة غنية وجميلة تدعى مرثا زوجة له، بالرغم من صراحة الابن مع أبيه عن شوقه للحياة البتولية.

جاء الأسقف يتمم له سرّ الزواج في البيت، وكان شيخًا مسنًا يدعى فاليريان، يصعب فهم كلماته بسبب شيخوخته المتأخرة جدًا، وإذ أمسك بكتاب الخدمات يصلي بدأ يصلي بصلوات سيامة الشماس، ولم يدرك أحد من الحاضرين شيئًا سوى العريس وحده.

التقى العريس بعروسه، وإذ سألها إن كانت قد لاحظت شيئًا فأجابت "لا"، عندئذ أخبرها بما فعله الأسقف، إنه لم يصل صلاة سرّ الزيجة بل صلاة سيامة شماس فدهشت جدًا، وعندئذ سألته عن تفسيره الأمر. أجابها أماتور إن هذه علامة من الله عن رغبته في تكريسهما لحسابه، فارتمت الفتاة بين ذراعي أماتور لتلعن بفرح وشوق أنها عن طيب خاطر تقدم حياتها لله معه.

ركع الاثنان ليصليا معًا، وإذ برائحة عجيبة تملأ غرفتهما، ولما سألت العروس عريسها إن كان يشم شيئًا، أجابها: "إنها رائحة الفردوس".

قضيا فترة طويلة في الصلاة والحديث معًا في الرب، وإذ اطفي السراج ليناما، أشرق عليهم نور بهي، ثم ظهر لهما ملاك يحمل اكليلين وضعهما على رأسيهما.

كانت عادة الأفراح تمتد لمدة أيام، وقبل أن تنقضي أيام فرحهما تنيح الأسقف الشيخ وسيم القديس هيلاديوس خلفًا له، وانطلق العروسان إليه يطلبان بركته ويخبرانه بما حدث معهما، ففرح بهما جدًا، وسمح لمرثا أن تدخل أحد أديرة الراهبات، وسام أماتور شماسًا ثم كاهنًا يساعده.

إذ تنيح الأسقف أختير أماتور أسقفًا، وفي فترة أسقفيته الطويلة كسب كل بقية الوثنيين في المنطقة للإيمان المسيحي، وبنى كنائس، وصنع عجائب باسم الرب.

مع الوالي جرمانيوس

في السنوات الأخيرة لأسقفيته كان والي المدينة شابًا يدعى جرمانيوس، بالرغم من كونه مسيحيًا لكنه كان يمارس هواية صيد الحيوانات ويأتي برؤوسها ويعلقها على شجرة كمثرى كبيرة في وسط المدينة كتقدمة للإله Woden، الأمر الذي أعثر كثيرين.

تحدث معه الأسقف وأخذ يحذره مرات وإذ لم يرتدع قام إلى الشجرة في غياب الوالي وألقى برؤوس الحيوانات على الأرض وحطم الشجرة تمامًا. وإذ جاء الوالي ثار وقرر أن يقتل الأسقف. وبمشورة بعض المؤمنين ترك الأسقف المدينة حتى يُصرف غضب الوالي، فجاء إلى مدينة Autun، وهناك كان يصلي من أجل الوالي كما كان يصلي إلى الله أن يرشده إلى من يصلح للأسقفية بعده بسبب شيخوخته، فأُعلن له أنه لا يصلح أحد إلا جرمانيوس الوالي. وبالفعل عاد إلى مدينته لينطلق الكل إليه في الكنيسة يعلن فرحه بأبيه الأسقف، وكان من بينهم الوالي الذي أظهر مودة وتوبة، عندئذ أمر الأسقف بإغلاق الأبواب وأعلن اختياره جرمانيوس أسقفًا. وقد فرح به الشعب وكان سبب بركة لكثيرين.

تنيح الأب أماتور غالبًا في أول مايو 418م.

Rev. Baring – Gould: Lives of saints, May 1.

امانديوس الأسقف

تعرفنا على شخصية القديس أمانديوس St. Amandus of Bordeaux من رسائل القديس بولينوس أسقف نولا، الذي لم يخبرنا عن والديه أو نشأته، إنما قال إنه تربى منذ طفولته المبكرة ينتعش بمعرفة الكتب الإلهية. عاش عفيفًا في جسده، ضابطًا لسانه فلا ينطق بكلمة باطلة.

سامه الأسقف ديلفينوس St. Delphinus of Bordeaux كاهنًا، يعمل معه في الكنيسة، فأظهر غيرة شديدة على مجد الله.

هو الذي كان يعلم بولينوس أسقف نولا في فترة ما قبل العماد، حين كان من الموعوظين، لذا ارتبطا معًا بصداقة دامت مدى الحياة. وقد كتب له بولينوس عدة رسائل يظهر منها مدى ما بلغه أمانديوس من تقوى وورع وحكمة.

في سنة 400م تنيح القديس ديلفينوس وأُختير أمانديوس خلفًا له.

نقل الأب غريغوريوس أسقف تورز Tours عن الأنبا بولينوس هذه الكلمات: [إن أردت أن تشاهد أساقفة يستحقون الله، تطلع فقط إلى اكسيبيروس أسقف تولوز، وسمبليكوس أسقف رافينا، وأمانديوس أسقف بوردو].

تنيح هذا الأسقف غالبًا في 18 يونيو عام 431م.

امبروسيوس القديس

تبقى سيرة القديس إمبروسيوس لأسقف ميلان صورة رائعة تشهد للرعاية الروحية الصادقة، وتكشف عن حياة المؤمن الرافض لمجد العالم مكرسًا كل علمه وطاقاته لبنيان النفوس في الرب، كما تعلن عن كنيسة البيت التي تثمر بركات بلا حصر!

نشأته

ولد عام 340 ميلادية من أسرة تقية، فقد كان والده حاكما لبلاد الغال (فرنسا) في عهد قسطنطين الصغير، مقره تريف. وكانت أخته مارسيلينا التي تكبره بحوالي 10 سنوات إنسانة تقية قامت بدور فعّال في حياته كأم أكثر منها أختًا، أما أخوه ساتيروس الأكبر منه فمتقارب معه في السن.

يروي لنا سكرتير إمبروسيوس أنه لما كان طفلاً مضطجعًا في مهده في بهو القصر رأت المربية أسراب نحل يدخل فم الطفل إمبروسيوس وتخرج فاضطربت، لكن والديه وأخته اقتربوا منه ولم يزعجوه، وبعد برهة طار النحل وارتفع عاليًا حتى غاب عن الأنظار، وعندئذ قال الأب: "هذا الطفل سيكون عظيمًا".

وإذ كان في الثالثة عشرة من عمره أقام ليبريوس أسقف روما مارسيلينا مكرسة للعبادة والخدمة. وإذ تنيح الوالد انتقلت الوالدة والولدان إلى قصرهم بروما حيث عاشت معهم العذراء المكرسة مارسيلينا وصديقة لها عذراء، فكان القصر ديرًا يضم أسرة تتسم بالوداعة والبساطة مع الحب المتبادل في الرب.

كان إمبروسيوس وأخوه يدرسان معًا اللغة اليونانية والقانون الروماني والبيان والبلاغة.

إمبروسيوس حاكم ميلان

إذ كان إمبروسيوس منطلقًا من روما إلى ميلان ليتسلم عمله كحاكم ميلان، أوصاه صديقه بترونيوس بروباس: "لاتعمل كقاض بل كأسقف"، وكان يقصد ألا يطلب السلطة بل يقدم أبوة حانية وحبًا لكل إنسان، وكان ذلك الصوت نبوة وهو لا يدري.

جاء إمبروسيوس إلى ميلان ليجدها ميدانًا مضربًا بالمجادلات الأريوسية، إذ كانت تابعة للأسقف الأريوسي أوكسنيتوس، الذي لم يمضِ عام على مجيء إمبروسيوس لينتقل الأسقف، فتحولت المدينة إلى صراعات مرة حول اختيار الأسقف الجديد.

علت المجادلات حول اختيار الأسقف في وسط الكاتدرائية فاضطر إمبروسيوس أن يحضر بصفته حاكم المدينة. وعند دخوله سمع الكل صوتًا واضحًا يقول: "إمبروسيوس هو الأسقف"، وتكرر الصوت، فاندفع الكل يطلب سيامته، أما هو فقاوم وهرب لكنه تحت إلحاح الشعب رضخ أخيرًا.

إمبروسيوس الأسقف

اعتمد إمبروسيوس على يَدي صديقه القديم الكاهن سمبليكيان الذي قال: "قد تكون لي صداقة مع كثيرين، وأما صداقتي مع إمبروسيوس فهي صداقة الأب مع ابنه". هو ذاك الكاهن الذي استطاع أن يجتذب فيكتريانوس الأستاذ الوثني الذي ترجم كتابات أفلاطون وعلّم شباب أشراف روما المسيحيين، الأمر الذي كان له أثرة في رجوع أغسطينوس وتوبته.

أرسل إليه القديس باسيليوس الكبير يهنئه على قبوله مسئولية الرعاية. وجاءت إليه أخته مارسيلينا من روما لتعيش معه، وحتى حين كانت تتركه للخلوة في منزل بريف ميلان، كانت على اتصال به خلال الرسائل. كانت تشاركه صلواته ودراساته وخدمته للفقراء. كما جاء إليه أخوه ساتيروس الذي تولى إدارة شئون الأسقفية وتدبير الأمور المادية، بقلب نقي ونفس زاهدة ولم يكن بعد قد نال سرّ العماد (وهذه نقطة ضعف في حياته أي تأخره في العماد).

في عام 378 سافر ساتيروس إلى أفريقيا فغرقت السفينة وأنقذه الرب بأعجوبة حتى نال سرّ المعمودية وتنيح في ميلان بين يدي أخيه وأخته، فرثاه القديس إمبروسيوس، قائلاً: "لماذا أبكيك يا أخي الحبيب؟... لقد تغير المكان فقط، ومن الآن ستكون أرواحنا معًا"... وبعد ثمانية أيام ألقى القديس عظته المشهورة عن "الإيمان بالقيامة".

جهاده

كان جهاد القديس إمبروسيوس لا يتوقف، فمن الداخل كانت الأريوسية قد بثت بعض التفاسير المتحررة والغريبة، كما كانت الوثنية لا تزال تحارب المسيحية وتدس فيها بعض المفاهيم الخاطئة كتحويل أعياد القديسين إلى مهرجانات عالمية، وأيضًا كان عليه وأيضًا كان عليه إصلاح ما يعم المجتمع من فساد وظلم.

دخل الأسقف مع الشعب في صراع ضد الإمبراطورة يوستينة الأريوسية التي استسلمت أخيرًا للواقع حينما وجدت حتى الجند لا يقبلون الأريوسية.

توبة الإمبراطور ثيؤدوسيوس

كان موقف القديس إمبروسيوس لا يُحسد عليه حينما استشاط الإمبراطور غضبًا على أهل تسالونيكي لأن عامة الشعب قتلوا أحد ضباطه، فدعي الشعب لمشاهدة المباريات في الساحة، وإذ جمعهم أصدر أمره للجنود بقتلهم فهلك الألوف وصار فزع في كل المملكة.

كان ثيؤدوسيوس مقتنعًا أن ما فعله كان من قبيل العدالة، وإذ أراد دخول الكنيسة منعه القديس إمبروسيوس حتى يقدم توبة عملية وعلنية ويصلح ما أمكن من آثار هذه المذبحة. هنا يقف الأسقف لا موقف صاحب سلطان أو منازع للسلطة وإنما كأب روحي، كان حازمًا كل الجزم مع الإمبراطور وكان أيضًا يفتح له أبواب الرجاء بكل حب وحنو، لذلك حينما حاول المحيطون بالإمبراطور أن يصوروا الأسقف بالشخص المتسلط العنيف لم يقبل الإمبراطور، وإنما بعد فترة قدم دموع توبة وانسحاقًا حقيقيًا وسجد حتى الأرض ليقبل الله توبته. هنا طالبه الأسقف بسن شرائع لحماية الضعفاء، منها عتق الأبناء الذين باعهم الآباء بسبب الفقر، وإصدار قانون يحمي الشعب من قسوة بعض الرجال الرسميين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، وألا ينفذ حكم الإعدام على أحد إلا بعد 30 يومًا من صدور الحكم. حتى تُعطى فرصة للحاكم أن يراجع نفسه.

انتهت القصة بصداقة حميمة بين الإمبراطور والأسقف لم تنفصم عراها حتى الموت، حتى إنه عندما انتصر الإمبراطور في موقعة أكويلا أرسل إلى الأسقف رسالة يقول له فيها إنه مدين له بانتصاره، فحمل الأسقف الرسالة إلى المذبح، وكتب إلى الإمبراطور يقول له: "لقد وضعت رسالتك مع الذبيحة حتى يتكلم إيمانك أمام الله في نفس الوقت الذي أنطلق فيه أنا بالصلاة".

ظهرت أبوة إمبروسيوس حين شفع في المأسورين من الوثنيين بأكويلا حتى لا ترتاع جماهير الوثنيين بميلان أو غيرها من البلاد، وقد قبل الإمبراطور الأمر الذي كان له أثره في حياة الوثنيين.

وفي 19 يناير سنة 395، أي بعد خمس سنوات من توبة الإمبراطور، وبعد بضعة أسابيع من نصرته في أكويلا رقد الإمبراطور وهو مستند على صدر الأسقف، وكان يناديه باسمه في اللحظة الأخيرة.

مع أغسطينوس

لقد أُعجب أغسطينوس وهو بعد مانيًا بالأسقف من أجل البلاغة والبيان، ولكن الأسقف استطاع أن يسحبه للإيمان. وكان الأسقف يعزي القديسة مونيكا، كما كان معجبًا بإيمانها ودموعها التي لا تجف بسبب أغسطينوس، وقد تم عماد أغسطينوس على يديه في أبريل عام 387م.

نياحته

بعد عامين من وفاة الإمبراطور توقف إمبروسيوس عن الكتابة بسبب المرض، وقد استمر في قراءاته وتأملاته، حتى قال عنه سكرتيره بولينوس إنه إذ كان يتأمل دفعة توهج وجهه كالنور.

حدث أنه في أحد الأيام بينما كان يصلي مع صديقه سمبليكيان الذي كان يلازمه ملازمة الظل أن رأى إمبروسيوس السيد المسيح يقترب منه بابتسامة إلهية ويدعوه لمرافقته في السماء، فعلم أن وقت رحيله قد أزف.

في يوم الجمعة الكبيرة، في 4 أبريل عام 397، مّد القديس ذراعيه على هيئة صليب ولم يغير هذا الوضع لمدة ساعات حتى أسلم روحه.

في اللحظات الأخيرة إذ تجمع الكل حول الراعي الأمين وقف جماعة من الشمامسة في ركن من الغرفة يتهامسون عمن يخلف القديس إمبروسيوس. اقترح البعض سمبليكيان، وأجاب البعض إنه كبير السن، وإذا بالقديس يفتح شفتيه ليقول: "إنه كبير السن لكنه فاضل!". ارتاع الشمامسة وخجلوا حتى تركوا الحجرة وتحققت كلمات الأسقف.

أعماله وكتاباته

بالرغم من اهتمامه الشديد بعمله الرعوي والمتاعب التي لاحقته، فقد ترك القديس إمبروسيوس تراثًا ثمينًا. فمن جانب اهتم بتنظيم العبادة الليتورجية العامة في إيبارشيته، فقدم تدبيرًا ليتورجيًا جميلاً يعتز به أهل ميلان، كما أدخل نوعًا من الموسيقى الكنسية دُعيت بالإمبروسيةAmbrosian، أما كتاباته وعظاته فتضم كتابات عقيدية، وتفسيرية، ونسكية - أخلاقية، وعظات، ورسائل.

1. من كتاباته العقيديه كتاب عن الثالوث القدوس يشرح فيه عقيدة التثليث، ويؤكد لاهوت السيد للرد على الأريوسيين، وآخر عن الروح القدس، وعن سر التجسد الإلهي ضد الأريوسيين والأبوليناريين، وعن الأسرار، وعن التوبة ضد أتباع نوفاتيان ليؤكد سلطان الكنيسة في حل الخطايا وضرورة الاعتراف وأهمية الأعمال الصالحة، وكتاب يرثي فيه أخاه يحوي حديثًا عن عقيدة القيامة.

2. من كتاباته التفسيرية 6 كتب عن أيام الخلقة الستة "هكساميرون"، وتعليقات على "قايين وهابيل"، "فلك نوح"، "إبراهيم" الخ...

3. من كتاباته النسكية والسلوكية كتابه عن شرف البتوليه، وآخر عن الترمل الخ...

4. عظاته.

5. رسائله، توجد منها 91 رسالة تعالج مواضيع تاريخية وعقيدية وأخلاقية وكتابية، كما تحوي رسائل عن الصداقة. هذه الرسائل تكشف عن سمو شخصيته، وغيرته المتقدة، وورعه، وثقافته العالية، وسلطانه المملوء حبًا.

Schmid: Manuel of Patrology, 1903, p 229 - 234

امبروسيوس الإسكندري الشهيد

ثري اسكندري، استشهد بعد اعتناقه المسيحية على يدي أوريجينوس. كان متعلقًا بمعلمه أوريجينوس ومحبًا لكتاباته ومقالاته، فكان يمده بالمال لنسخ كتبه ونشرها.

امبيرة الشهيدة

استشهدت أمبيرة مع ابنيها القديسين أبا هور ويبسوري في أيام الحاكم الروماني، ووضعت رفاتهم في كنيسة بلدهم شباس مركز دسوق (محافظة كفر الشيخ).

إذ هاجم بعض الأجانب مصر، واستولوا على دمياط وبعض البلاد المحيطة بها، خرج الملك الكامل بجيوشه يحاربهم، وكان الجند في أثناء مرورهم على البلاد يخربون بعض الكنائس ويهدمونها ويستولون على ما بها.

تعرضت الكنيسة التي في شباس للهدم، وإذ رأى أحد الجند التابوت الذي به رفات هؤلاء القديسين ظن أن به مالاً أو أشياء ينتفع بها، فأخذه، وإذ فتحه ولم يجد به سوى الرفات ألقى بالرفات المقدسة على الأرض وأخذ التابوت. رأته زوجة كاهن وكانت تنظره من بعيد، فلما غادر الجند المكان أخذت الرفات المقدسة ولفتها في طرف إزارها، وأخفتها في الأرض، وغطت عليها بالحجارة.

انشغل المؤمنون بإصلاح ما تهدم، ونسيت المرأة أن تخبرهم بما فعلته، وبعد عشرين سنة أخبرتهم، فجاء الكل بفرح يحملون الرفات، وقد أظهر الله عجائب عظيمة في ذلك اليوم بصلوات هؤلاء الشهداء، منها أن فتاة مؤمنة كانت قد فقدت بصرها تمامًا وانقطع الرجاء في شفائها، طلبت صلوات هؤلاء الشهداء وتباركت بالرفات، فعاد إليها بصرها في الحال، فمجدت السيد المسيح.

تحتفل الكنيسة بوجود هذه الرفات في التاسع من طوبة.

امبيكوس الأب

حياة أبا أمبيكوس Ampikos مع أبا بترا Patra تمثل الصداقة الحقة والشركة التي لا تنفصل، فإننا كثيرًا ما نجد في وسط نظام الجماعات بعضًا أحب الشركة على مستوى ثنائي أو في حدود عدد صغير مثل القديسين أنبا أبرام وأنبا جورجي، والأخوين القديسين مكسيموس ودوماديوس، وأنبا أيوب وأخوته الخ...

عاش هذان القديسان كصديقين حميمين، وكان الرهبان يحثونهما على الذهاب إلى مائدة الآباء، وبالكاد وافق أبا بترا أن يذهب إلى هذه المائدة بمفرده. وبعد أن أكل قال له أمبيكوس: "كيف تجاسرت وذهبت إلى مائدة الشيوخ؟" أجاب أمبيكوس: "لو إنني جلست بينكم لكان الإخوة يكرمونني كشيخ مسن ويطلبون مني أن أكون الأول في إعطاء البركة، فأظن في نفسي أنني أفضل منكم جميعًا، لكنني إذ ذهبت مع الآباء فإنني أقل الجميع، إنني أنسحق وأحسب نفسي كلا شيء".

Budge: The Paradise of the Fathers, v. 2, p 115.

امساح القفطي الشهيد

في قفط

إذ أصدر الإمبراطور دقلديانوس أوامره باضطهاد المسيحيين، صار أريانا والي أنصنا يجول في كل صعيد مصر لا عمل له سوى تعذيب المؤمنين. ولما بلغ بالسفينة إلى ساحل مدينة قفط (على النيل) في رياء خرج إليه كهنة الأصنام لمقابلته يفتخرون أمامه قائلين: "عش يا مولانا إلى الأبد، فإنه لا يوجد في مدينتنا من يذكر اسم المسيح"، ففرح أريانا جدًا وأجزل لهم الهدايا، وقدم ذبائح للآلهة وانطلق بسفينته.

سمع بذلك صبي مسيحي اسمه "إمساك" أو "بويمساح"، يسكن في شمال المدينة مع أخته ثيؤدورا "تاوضورا" في بستان يُعرف بحقل النسوة، يعملان معًا فيه ليعيشا على القوت الضروري، ويقدمان ما تبقى للمساكين.

حزن الصبي لما علم بما فعله هؤلاء الكهنة، ولعل حزنه يرجع إلى ما حمله هؤلاء الوثنيون من رياء وكذب لجلب هدايا كثيرة من أريانا، أو لعله شعر أنه بهذا حُرم هو من نوال إكليل الاستشهاد، وربما حسب صمته على ما قاله هؤلاء الكهنة الوثنيون فيه إنكار ضمني لإيمانه ولم يعرف ماذا يفعل، وإنما صلى طالبًا إرشاد الله ومعونته.

في ذات ليلة ظهر له ملاك الرب يسأله أن ينطلق إلى قاو ليجد هناك الوالي ويعترف باسم السيد المسيح، وأخبره مقدمًا بكل ما يحدث له لكي يسنده ويعزيه.

إلى قاو

في الصباح إذ استيقظ من نومه رفع صلاة حارة لله، وخرج إلى ساحل المدينة وركب السفينة منطلقًا إلى قاو كوصية الملاك، دون أن يخبر أخته بشيء. وهناك وجد أريانا يعذب المسيحيين، فصرخ إنه مسيحي، فأمر الوالي بجلده بقسوة حتى امتلأ جسمه بالجراحات وكان ينزف دمًان فأرسل الله ملاكه وشفاه داخل السجن الذي أُلقي فيه.

في اليوم التالي عاود الجند جلده ثم لفوه في حصير وألقوه في النيل، فأسلم الروح بيد الله ونال إكليل الشهادة في 16 من شهر كيهك (حسب السنكسار القبطي لرينيه باسيه 15 كيهك).

أعد الله تمساحًا في النيل جذب الحصير وبه جسد القديس وانطلق به حتى بلغ مدينة قفط فألقاه على الساحل.

ظهر ملاك الرب لأخته في الليل وأعلمها بما ناله أخوها من مجد، وفي الصباح أخبرت الكهنة فانطلقوا ومعهم المؤمنين إلى الساحل وحملوا جسده بإكرام عظيم، ودفنوه في بستانه. وبعد انقضاء فترة الاضطهاد بنى المؤمنون كنيسة باسمه، وقد أظهر الله عجائب كثيرة في الكنيسة بصلواته.

قيل إنه في أيام أنسطاسيوس إمبراطور الشرق أرسل قائدًا إلى ديار مصر ليجمع الخراج، وإذ بلغ إلى مدينة قفط سمع المؤمنون عنه أنه ظالم وعنيف وقاسي القلب، فاجتمعوا في الكنيسة يطلبون رحمة الله بصلوات الشهيد إمساح. وإذ عرف القائد ذلك انطلق إلى الكنيسة ووجد أبوابها مغلقة، فمدّ يده ليشعل النار في الباب، وإذ بيده تيبس، ويُصاب بشلل، فيحمله رجاله إلى السفينة، وفي الطريق مات. ولما سمع أنسطاسيوس بذلك مجد الله وأمر أن يترفق جامعو الخراج بالناس.

نبيل سليم: أبطال مجهولون، ديسمبر 1970.

امفيلوشيوس أسقف أيقونية

القديس أمفيلوشيوس Amphilochius من رجال القرن الرابع، كان صديقًا حميمًا للقديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس الناطق بالإلهيات وغريغوريوس أسقف نيصص.

ولد في قيصرية الكبادوك ما بين سنة 340 – 350م، وقد نشأ محبًا للعلم والثقافة كما اتسم بالعدل والحكمة مع شرف نسبه، لذلك نجح في عمله كمحام حين بدأه بالقسطنطينية عام 364، وتدرج حتى صار قاضيًا. وقد عُرف بنزاهته ونظافة يده. وكان القديس غريغوريوس يحثه على تكريس وقت أكبر لدراسة الكتاب المقدس والعبادة والخدمة، لكنه كان يشعر أنه يخدم الله خلال تقواه في عمله كقاضٍ.

مرّت به تجربة قاسية على نفسه، إذ اتُّهم ظلمًا بأنه قد برّأ رجلاً مذنبًا بنواله رشوة، وبلغ ذلك القصر الإمبراطوري بالقسطنطينية، فأسرع القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس يكتب إلى القصر ليعلن براءة صديقه، وبالفعل خرج من التجربة أكثر كرامة. أما ما انتفع به فهو إدراك أهمية نصيحة صديقه القديم الذي طالما كان يحثه على التفرغ للخدمة، فقرر ترك عمله عام 367 والانفراد في بيته يثابر على دراسة الكتاب المقدس والحياة التأملية مع عبادات روحية ونسك، كما كان يعين والده في شيخوخته المتأخرة وأمراضه الكثيرة.

اتخذ أمفيلوشيوس القديس باسيليوس الكبير صديقًا له وأبًا روحيًا ومدبرًا لحياته، وقد وجدت بينهما رسائل متبادلة كثيرة، وإن كان قد اتبع (أمفيلوشيوس) أسلوب الحذر لئلا يُرشح لعمل كهنوتي. غير أن الله دعاه للعمل الأسقفي عام 374 لمدينة أيقونية بليكاؤنية والتي كانت تُدعى بيسيدية الثانية، ويبدو أنه قبل الأسقفية خلال ضغط القديس باسيليوس، كما يظهر من رسالة الأخير له، إذ جاء فيها:

"الطوباوي في الله الذي يختار في كل جيل من يسره، مظهرًا آنية اختياره، مستخدمًا إياهم في خدمة القديسين، هذا الذي يصطادك في شباك نعمته التي لا يمكنك الانفلات منها، بالرغم من محاولتك للهروب لا منا وإنما من الدعوة التي وجهها الله خلالنا، فجاء بك إلى منتصف بيسيدية، حتى تأسروا للرب الذين سبق فأسرهم الشيطان، وتخرجوهم من الأعماق إلى النور حسب مشيئته" رسالة 161.

التقى أمفيلوشيوس بعد سيامته بالقديس باسيليوس في قيصرية الكبادوك يسأله الإرشاد في بدء عمله الأسقفي شفاهة، ثم رجع إلى كرسيه، ولم يخجل من استشارته بعد ذلك بالرسائل، بل سجل القديس باسيليوس لنا كتابه عن الروح القدس بناء على طلب هذا الأب.

يصعب الحديث عن هذا الأب فقد مدحه كثيرون من الآباء المعاصرين له. دعاه القديس غريغوريوس الثيؤلوغس ملاكًا سمائيًا وعمود الحق والاستقامة والحبر البريء من العيب.

هذا وقد اتسم الأب بغيرته المتقدة على الإيمان المستقيم، مناضلاً ضد الهراطقة بعظاته وكتاباته ضد الأريوسيين منكري لاهوت السيد المسيح، والميساليون Messalians (كلمة سريانية تعني رجال الصلاة) الذين نادوا بأن الشيطان أتحد بنفس كل إنسان نتيجة خطية آدم، لا يخرج في المعمودية وإنما بالصلاة الدائمة غير المشتتة، مركزين على الحياة النسكية بطريقة مبالغ فيها من جهة فاعليتها في خلاص الإنسان.

اشترك في مجمع القسطنطينية المسكوني عام 381 كأحد الأعضاء البارزين، ومُدح على أرثوذكسيته في قانون الإمبراطور ثيؤدوسيوس في 30 يوليو 381.

رأس مجمع Side على خليج أداليا عاك 390 الذي أدان الميساليين (باليونانية ايوخيت Euchites) كهراطقة. وفي سنة 394 حضر مجمعًا بالقسطنطينية الذي أقر الخلافة الأسقفية لإبيارشية Bostra.

كتاباته

أغلب كتاباته مفقودة، منها كتابه "عن الروح القدس" الذي أشار إليه القديس جيروم، كما لدينا بعض مقتطفات من كتابات أخرى له مفقودة. أما الكتابات التي وصلت إلينا كاملة فهي رسالته المجمعية التي كتبها كطلب مجمع أيقونية المنعقد عام 376، فيها يدافع عن لاهوت الروح القدس ضد Pneumatomachoi، ومقال بالقبطية ضد The Apotacties, Gemellites، ثمان عظات على نصوص من الكتاب المقدس.

آمون الشهيد1

يذكر لنا التاريخ أكثر من شهيد باسم آمون في عصور مختلفة، فإن اسم آمون كان مشهورًا بين الأقباط حتى لنجد أيضًا أكثر من شخص يحمل هذا الاسم بين رهبان الشركة، وأيضًا في نظام الجماعات ونظام المتوحدين، الأمر الذي يسبب لبسًا بين هؤلاء الآباء.

من بين الشهداء الذين حملوا هذا الاسم، القائمة التي ذكرها القديس البابا ديونسيوس الإسكندري في أيام الإمبراطور دقلديانوس (ديسيوس).

أصدر الإمبراطور منشورًا يحث على اضطهاد المسيحيين، فذهب آمون ورفقاؤه إلى قاضي الإسكندرية الوثني، وجاهروا بإيمانهم بالسيد المسيح. حاول القاضي استمالتهم كالعادة لكنهم لم ينثنوا فصار يهددهم ويعذبهم، وأخيرًا قطع رؤوسهم.

آمون الشهيد2

ابن الشهيدة رفقة التي من قوص (7 توت).

انبا آمون

آمون تلميذ الأنبا بامو، جاء مرة ليزور شيشوي، وكان موسم شتاء، ولاحظ أن الأنبا شيشوي كان متأثرًا جدًا وحزينًا بسبب تركه الوحدة في الصحراء، فقال له: "لماذا أنت حزين هكذا يا أبانا؟ ماذا كنت تستطيع أن تعمله في البرية وحدك في شيخوختك هذه وأنت مسن؟" فإذا بالأنبا شيشوي يتطلع إليه بنظرة عتاب، ثم أجابه: "ما هذا الذي تقول يا آمون؟ أليس مجرد الإحساس بالحرية في الصحراء أفضل لنا من كل شيء؟".

الأب آمون الريثي

دُعي بالريثي لأنه عاش في منطقة ريثيو، مدينة الطور بسيناء.

راهب مصري توجد في منطقة كانوب (أبو قير) في أوائل القرن الرابع. وعندما أُثير اضطهاد فالنس نفى إلى فلسطين، ومنها عاد إلى برية سيناء، وشاهد بنفسه غارة العرب الوثنيين على أديرة سيناء حيث خرَّبوا جميع الأديرة وشتتوا الرهبان، فأنطلق آمون إلى ريثيو، وكانت مركزًا لرهبان سيناء. عاش هناك فترة طويلة، حتى حدثت غارة على ريثيو، فتركها وانطلق إلى منف ومنها إلى شيهيت ليعيش بين نساكها متتلمذًا على يدَي الأنبا بيمين.

قيل إنه سأل أباه الأنبا بيمين عن الأفكار الشريرة، فأجابه بأن العدو في سلطانه أن يسوقها علينا ونحن في سلطاننا ألا نقبلها.

آمون أسقف هرموبوليس

في الإسكندرية

وُلد حوالي عام 336م، وكما كتب في رسالة وجهها إلى الأب ثاوفيلس (غالبًا البابا البطريرك) قال فيها إنه في السابعة عشر من عمره إذ صار مسيحيًا تأثر بعظة سمعها في الكنيسة للطوباوي البابا أثناسيوس يروي فيها عن الحياة الرهبانية والبتولية. اعتمد آمون وقرر أن يمارس الحياة الرهبانية فرأى أولاً أن يضع نفسه تحت قيادة راهب من طيبة قدم إلى الإسكندرية، لكن أحد الكهنة يدعى بيرو Pereou حذره من الراهب لأنه كان هرطوقيًا، ونصحه أن يذهب إلى القديس تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس.

في دير بابو

في رسالة مطولة كتبها بعد نياحة القديس تادرس، يروي لنا في شيء من التفصيل لقاءه مع الأب تادرس، إذ يقول إنه إذ وصل إلى الدير استقبله الأب تادرس وسأله بعض الأسئلة ثم ألبسه ثوب الرهبنة، وأخذه معه ليجلس بجواره تحت نخلة في وسط الدير وقد التف حولهما حوالي 600 راهبًا. ورأى كثيرين يقتربون من الأب يسألونه أن يكشف لهم ضعفاتهم علانية، فكان يحدثهم من الكتاب المقدس ويؤنبهم، وكانوا يذرفون الدموع تائبين.

روى لنا كيف كان يعرف الأب تادرس بعض سرائر الناس ويرشدهم للتوبة كما أنبأهم عن اقتراب موجة اضطهاد ضد الكنيسة. تشكك آمون في البداية من جهة معرفة الأب تادرس لبعض السرائر، وإن كان قد شعر بمهابة تجاهه، لكنه لمس بنفسه هذا الأمر، كما روى العجائب الإلهية التي تمت على يدَيّ القديس تادرس.

إذ انتهى الاجتماع الروحي بعد الصلاة صرف الأب تادرس الإخوة، وسلم آمون لتادرس الإسكندري، وهو ذاك الذي سلمه القديس باخوميوس حوالي عشرين متوحدًا يونانيًا. أوصاه الأب قائلاً له أن يجتهد في تعليمه الكتاب المقدس لأنه يلزم ألا يبقى طويلاً في الدير، وأنه معّين لخدمة الكنيسة في الكهنوت. هكذا تنبأ القديس تادرس عن سيامة آمون أسقفًا مع أنه لم يكن بعد قد مرّ سوى شهور على عماده.

في نتريا

في السنة الثالثة، حوالي عام 355، سمع آمون أن والديه صارا يبحثان عنه في كل موضع، وأن والدته صارت في حزن شديد عليه، فاستأذن آمون القديس تادرس أن يسمح له أن يرافقه راهبان ليذهب إلى والدته ويعزيها لئلا تموت من فرط الحزن. أجابه القديس تادرس بأن والدته قد صارت مسيحية، وأنه يمكنه ترك الدير والذهاب إلى نتريا ليلتقي هناك برجال قديسين يرضون الله، يقدس بذلك القديس آمون الذي كان لا يزال حيًا، واليريون وأمونيوس اللذين تنيحا بعد زمان ليس بطويل، والقديس بامبو، وخادم الله بيرو؛ ثم قبّلا بعضهما بعضًا، وبكى آمون بمرارة منطلقًا إلى والديه، ومن هناك إلى نتريا.

عاش في نتريا 14 سنة رسمه بعدها القديس أثناسيوس أسقفًا على مدينة هرموبوليس ماجنا (الأشمونين) وقد نفاه الأسقف الدخيل جورج الكبادوكي عام 373م.

قيل إنه كان متظاهرًا بالجهل في الأسقفية، قالت عنه امرأة جالسة: "هذا الشيخ موسوس". فلما سمعها قال لها: "أتعلمين مقدار التعب الذي تعبته في البرية حتى اقتنيت هذا الوسواس؟" قالت: "لا" قال لها: "لقد كابدت خمسين عامًا لأقتني هذا الوسواس، فهل أفقده من أجلك في هذه الساعة؟" وفي الحال تركها القديس في القلاية وترك الأسقفية، ومضى ليعيش مع الرهبان في برية شيهيت.

غالبًا ما تنيح عن 94 عامًا، إذ أحضره الإخوة في أيامه الأخيرة من الجبل ليعيش مع الإخوة في المجمع عام 430 ولم يبقى كثيرًا بل تنيح.

عاش فترة توحده الأخيرة بعد تركه الأسقفية قائدًا ومرشدًا لكثير من الرهبان والمتوحدين، وكان قدوة لكل راهب كي لا يشتهي الأسقفية كعمل رئاسة أو سلطة.

Armand Veilleux: Pachmian Koinonia, Vol 2, p 71 - 109.

آمون بهرموبوليس

تحدثنا قبلاً عن القديس أمون أسقف هرموبوليس ماجنا (الأشمونين)، وهو غالبًا غير الراهب أمون الذي ذكره القديس جيروم في كتابه "تاريخ الرهبان: 9"، وإن كان يحمل ذات الاسم في نفس المنطقة، وربما كان معاصرًا له.

القديس جيروم والثعبان

في عرض القديس جيروم لتاريخ القديس أبوللو الذي بديره بالأشمونين، قال بأنه إذ باركه الطوباوي أبوللو هو ورفيقه، انطلق الثلاثة ومعهم بعض الإخوة تاركين الدير. في الطريق رأوا آثار ثعبان ضخم على الرمل فخاف الثلاثة، لكن شجعهم الإخوة، قائلين: "لا تخافوا، تعالوا انظروا فإننا بالإيمان نقتله، فقد قتلنا بأيدينا حيات سامة وثعابين وتحقق المكتوب:" قد أعطيتكم السلطان أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو "(لو 10: 19).

طلب الإخوة منهم أن يأتوا وينظروا قتله، غير أن القديس جيروم طلب منهم أن يعفوهم من هذا إذ كان خائفًا، لكن واحدًا من الإخوة ترك الجماعة واقتفى أثر الثعبان حتى بلغ جحره، ثم سألهم أن يذهبوا ويروا، وإذ شجعهم الإخوة ذهب الكل لكن جيروم وزملائه كانوا خائفين، فصار الأخ الذي ذهب وراء أثر الثعبان يلومهم على قلة إيمانهم، ثم أخذهم إلى دير قريب ليروي لهم قصة القديس آمون الذي كان مقيمًا في هذا الدير (بمنطقة الأشمونين)، والذي كان سببًا في قبول هذا الأخ الإيمان.

أمون واللصوص

اعتاد بعض اللصوص أن يقتحموا قلايته باستمرار ويسرقوا رداءه وطعامه، أما هو فلم يكن يبالي بما يسرق منه، لكن إذ تكرر الأمر ترك موضعه وانطلق إلى الصحراء حتى لا يزعجه هذا الأمر. أحضر ثعبانيين وطلب منهما حراسة باب مسكنه، وإذ جاء اللصوص كالعادة فجأة ظهر الثعبانان فاضطربوا وولوا هاربين، لكنهم من الخوف سقطوا على وجوههم. التقى بهم الطوباوي أمون، وفي محبة حازمة قال لهم: "انظروا كيف صرتم أشر من الثعابين، فإن هذه المخلوقات تطيع أوامرنا من أجل الله، أما أنتم فلا تخافون الله ولا توقرون عبيده".

في محبة اقتادهم إلى مسكنه، وقدم لهم طعامًا ووعظهم، طالبًا منهم أن يقدموا توبة ويتركوا هذا المسلك، للحال تابوا والتصقوا به، وصاروا رهبانًا في الدير، وقد فاقوا الكثيرين في أعمالهم الروحية، حتى صاروا قادرين على عمل المعجزات.

أمون والثعبان

مرة أخرى، جاء أهل القرية إلى الطوباوي أمون يشكون إليه من ثعبان يفتك بأغنامهم ومواشيهم، طالبين منه أن يقتله، أما هو فصرفهم، وجاء في الصباح إلى الموضع الذي اعتاد الثعبان أن يظهر فيه. ركع الطوباوي وصار يصلي، وإذا بالثعبان يعبر به ويحاول القفز على الطوباوي، وهو يهس ثلاث مرات ليقتله. بجرأة قال له الطوباوي: "المسيح ابن الله الذي قتل الحية العظيمة يحطمك أنت أيضًا"، وللحال سقط ميتًا وانشقت بطنه.

إذ كان صبي يرعى الغنم رأى الثعبان فاضطرب وسقط على الأرض فاقدًا النطق من الخوف، فأخذه أقربائه إلى الطوباوي الذي صلى عليه ودهنه بزيت فشفى الصبي (من المرض النفسي) وروى ما حدث له.

Budge: The Paradise, vol I, P 352 - 3.

آمون الطوخي الشهيد

قيل إن هذا الشهيد كان من طوخ (التابعة لكرسي بنها)، يعيش حياة تقوية بفكر إنجيلي حيّ، مات عن محبة العالم، والتهب قلبه بالسماويات.

جاءته الدعوة للاستشهاد خلال رؤيا شاهد فيها رئيس الملائكة ميخائيل يدعوه للذهاب إلى أنصنا، ليشهد للسيد المسيح أمام واليها، فيقبل إكليل الشهادة ويؤمن كثير من الوثنيين بالمسيح.

في أنصنا

انطلق آمون إلى أنصنا بفرح كمن يركض نحو العرس، وهناك التقى بالوالي الذي أمر بتعذيبه، تارة بالجلد، وأخرى بحرق جسده بأسياخ حديدية محماة، وعصره في الهمبازين (دولاب يتحرك نصفه الأعلى في اتجاه آخر بينهما مجموعة من السكاكين الحادة) فيتهرأ جسمه تمامًا.

قيل إنه إذ بلغ هذه الحال من الألم لم يتركه السيد المسيح بل ظهر له علانية وحوله جوقة من الملائكة، لمس قديسه فبرأ في الحال، وآمن عدد كبير من الوثنيين بالسيد المسيح.

أمر الوالي بقطع رأسه، فنال القديس آمون إكليل الشهادة.

كان يوليوس الأقفهصي كاتب سير الشهداء حاضرًا، فأخذ الجسد وكفنه بلفائف فاخرة وأرسله إلى بلده.

انبا آمون الطيبي

يروي لنا القديس جيروم عن "أبا آمون" الذي رآه في منطقة طيبة، وكان رئيسًا لثلاثة آلاف راهب يعيشون معًا في حياة شركة أقرب إلى حياة التوحد في نسكهم منها إلى نظام الشركة، يدعون "رجال طبانسيين men of Tabenna". ولعلهم كانوا يعيشون في دير باخومي بطبانسين.

يروي عنهم القديس جيروم أنهم كانوا يغطون وجوههم أثناء الطعام (بالقلنسوه) التي على رؤوسهم، وأنهم كانوا دائمًا ينظرون إلى الأرض فلا يرى الشخص أخاه. يعيشون في سكون تام كمن هم في برية. كل منهم يخفي حياته النسكية السامية عن زملائه.

عندما يجلسون على المائدة، كان ذلك مجرد شكل، كل منهم يحاول أن يخدع غيره ليظن أنه يأكل. البعض يغمس يده في الطبق ويرجعها فارغة، بينما هم في الواقع لا يتناولون سوى كسر خبز أو زيتونة واحدة أو جزءًا قليلاً جدًا من الطعام الموضوع أمامهم، مع أن الطعام الذي أمامهم يكفيهم.

نفوسهم قد زهدت كل شيء.

يختم القديس جيروم حديثه عنهم بالقول: "لقد دهشنا من أجل كل أعمالهم المجيدة وانتفعنا من الكل".

Budge: The Paradise, vol. I, P 336.

الأنبا آمون الكبير القديس

مؤسس الحركة الرهبانية بنتريا أو برنوج، وهنا يلزمنا أن نميز بين ثلاث مناطق رهبانية بوادي النطرون، كثيرًا ما يحدث لبس بينهما:

1. منطقة نتريا أو برنوج، قبلت الشرارة الأولى للحركة الرهبانية في المنطقة بواسطة الأب أمون.

2. منطقة سيليا أو القلالي جنوب المنطقة السابقة بحوالي عشرة أميال.

3. منطقة شيهيت أو الإسقيط جنوب المنطقتين السابقتين.

رهبنته

ولد حوالي عام 275م، بجوار مريوط ونشأ يتيمًا، وإذ بلغ الثانية والعشرين من عمره ألزمه عمه أن يتزوج بالرغم من رفضه، وإذ تم الزواج اتفقا أن يعيشا بتوليين. وبعد ثمانية عشر عامًا ذهب القديس إلى صحراء نتريا (مدينة نتريا أو البرنوج تبعد حوالي 14 كيلو مترًا جنوب غربي دمنهور)، كأول راهب يطرق هذه المنطقة. هناك بنى لنفسه قلاية مكث فيها 22 عامًا، وقد تعود أن يتفقد زوجته مرتين في العام، التي سكن معها عذارى تقيات.

كانت منطقة نتريا تصلح كبداية للحركة الرهبانية لقربها من الريف ومن الصحراء في نفس الوقت، فكان الرهبان في البداية يعملون في حصاد القمح، كما يسهل عليهم اقتناء الكتان لنسجه بدل الخوص، ويمكنهم استخراج النطرون من البحيرة ونقله إلى القرى المجاورة وبيعه. غير أن المنطقة كانت مليئة بالبعوض بسبب المستنقعات.

بدأت جماعات النساك تلتف حوله، ليعيش الكل في حياة وسطى بين نظام الوحدة والشركة، وكان الأب أمون أبًا لأول جماعة ديرية في نتريا تتلمذ على يديه آباء عظام. كان القديس أمون يزور القديس أنبا أنطونيوس يطلب بركته وإرشاده، وإذ زاره الأخير سأله إرشادًا من جهة بعض الاخوة الرهبان، إذ كانوا يطلبون أن يبنوا لأنفسهم قلالي منفردة لممارسة حياة الوحدة بحكمة، بعدما تناولا الطعام في الساعة التاسعة سارا معًا في الصحراء نحو الجنوب حتى بلغا الغروب، وهنا توقف القديس أنبا أنطونيوس وطلب أن يصليا ويرفعا صليبًا ليكون علامة لبناء القلالي. وكانت الحكمة من ذلك أنه أراد أحد الرهبان زيارة متوحد يمكنه أن يحقق ذلك بعد أن يتناول طعامه في التاسعة ليسير إلى المنطقة ويبلغها قبل الليل. وبالفعل بدأ المتوحدون يبنون القلالي وسميت "منطقة القلالي".

شخصيته ودور نتريا

لم ينل القديس أنبا أمون شهرة فائقة كالقديس أنبا أنطونيوس أو القديس مقاريوس الذي جاء بعده. بل وكان ينطلق إلى نتريا ليصلي في الكنيسة هناك، وذلك ربما بسبب ما اتسم به من الخجل والحياء الشديد، هذا بجانب هروبه من الجماهير ورفضه عمل المعجزات، بدعوى أنه لم ينل هذه الموهبة. لكن هذا لا يقلل من دوره الحيّ في الحركة الرهبانية، كأول مؤسس لها في هذه المنطقة، بل وتتلمذ على يديه آباء عظماء، وإن كان قرب منطقة نتريا من العمران مع شهرة آبائها سبب الكثير من المشاكل الكنسية، فكانت مطمع الأريوسيين والخلقيدونيين لمحاولة فرض سلطانهم على الكنيسة بإخضاع هؤلاء الآباء لهم، لهذا بعدما ازدهرت منطقتا نتريا والقلالي حتى بعد نياحة الأنبا أمون بدأت حركة هجرة للرهبان منهما.

زار القديس بالاديوس نتريا بعد نياحة أمون بنصف قرن، حيث قدر عدد رهبان جبل نتريا بخمسة آلاف من بينهم 600 متوحدًا، ويوجد كنيسة ضخمة بجوارها بيت خلوة للضيوف، وكان الكل يمارس العمل اليدوي. كان من بينهم ثمانية كهنة يخدمون الكنيسة.

معجزاته

قيل أن بعض الفلاحين أحضروا له طفلاً عقره كلب وكان يعاني آلامًا مبرحة، فلما رآهم القديس أمون، قال لهم: "لماذا حضرتم لتطلبوا مني عملاً فوق استحقاقي، وفي أيديكم الدواء الشافي لهذا الطفل؟! أعيدوا البقرة المسروقة سرًا إلى صاحباتها الأرملة فيشفى الطفل". وإذ أدركوا أنه كشف عن خطيتهم قدموا توبة وردوا البقرة لصاحبتها، فصلى القديس وشفى الرب الطفل.

يروى لنا القديس أثناسيوس أن القديس أمون كان مع تلميذه تادرس يريدان عبور نهر، وإذ عُرف القديس بخجله الشديد طلب أن يبتعد كل منهما لكي يخلع ثيابه ويسبح، وإذ ابتعدا خجل الأنبا أمون أن يخلع ثيابه حتى في غير وجود تلميذه، وإذ هو متألم في نفسه وجد نفسه على الشاطئ الآخر. جاء تلميذه فوجده واقفًا على البر وثيابه جافة، فأخذ يسأله بإلحاح كيف عبر، فأخبره بما حدث طالبًا منه ألا يروي ذلك لأحد قبل نياحته.

نياحته

يذكر لنا القديس أثناسيوس أن أنبا أنطونيوس كان جالسًا ذات يوم فرأى شخصًا صاعدًا إلى السماء، ترحب به جموع القديسين، وعندما أراد أن يعرف من هو، قيل له أنه آمون، وبعد ثلاثين يومًا أقبل بعض النساك من جبل نتريا وأخبروا القديس أنبا أنطونيوس عن نياحة أبيهم.

تعيِّد له الكنيسة في 20 بشنس أما الكنيسة اليونانية ففي 4 أكتوبر.

Palladius: Lausiac History.

امونا الشهيدة

ابنه القديسة رفقة (7 توت).

ابا أموناثاس

جاء أحد الولاة إلى البلسم (الفرما) يجمع ضريبة من الرهبان كما من أهل العالم، فاجتمع كل الإخوة معًا لدى أبا أموناثا Ammonathas. فكر بعض الآباء أنه يلزم أن يذهبوا إلى الإمبراطور بخصوص هذا الأمر، أما أبا أموناثاس فقال لهم: "لا حاجة بكم إلى مثل هذا التعب، بل اهدأوا في قلاليكم لمدة أسبوعين وأنا وحدي بنعمة الله أعالج هذا الأمر". فرجع الرهبان إلى قلاليهم، وبقى الشيخ صامتًا في قلايته.

بعد نهاية الأسبوعين تضايق الرهبان لأن الشيخ لم يفعل شيئًا، وقالوا: "الشيخ لم يعمل شيئًا في الأمر". في اليوم الخامس عشر حسب الاتفاق اجتمع الأخوة ثانية حسب اتفاقهم وجاءهم الشيخ معه رسالة تحمل خاتم الإمبراطور. وإذ رأى الأخوة ذلك، قالوا له في دهشة عظيمة: "متى أحضرت هذه أيها الأب". أجاب الشيخ: "صدقوني أيها الأخوة ذهبت الليلة إلى الإمبراطور الذي كتب الرسالة ثم توجهت إلى الإسكندرية ووقعت الرسالة من الوالي هكذا وعدت".

إذ سمع الأخوة ذلك امتلأوا خوفا وقدموا توبة أمامه، واستقر الأمر ولم يزعجهم الوالي بعد.

Benedicta Ward: The Saying of the Desert Fathers, p 32.

اموناس الأب

الأب أموناس أو بيامون من ديوكلاس، أي منطقة البرلس.

قدم لنا القديس يوحنا كاسيان حديثًا شيقًا معه في كتابه "المناظرات" (مناظرة 18)، عن أنواع الرهبنة الثلاثة، موضحًا غاية الرهبنة كحياة شركة مع الله وحب للأخوة مع موت عن محبة الاقتناء. وقد تحدث في صراحة أن من يطلب الوحدة هربًا من متاعب الشركة واحتمال الاخوة يخدع نفسه، الوحدة ليست هروبًا بل هي حب. كما تحدث عن ميدان الخطية الحقيقي ألا وهو النفس، فلا نلوم الظروف أو الآخرين بل أنفسنا.

مناظرات يوحنا كاسيان: 18 (كنيسة الشهيد مارجرجس باسبورتنج).

امونيوس الأب

احد تلاميذ القديس آمون الكبير، رفيق الآباء تادرس (ثيؤدور) واليريون وبامو وبيؤر.

يرى البعض أنه هو الذي رافق البابا أثناسيوس الرسولي إلى روما سنة 340م، وليس أمونيوس الطويل كما ظن سقراط.

تنيح بعد عام 355م بفترة وجيزة، أي بعد اضطهاد الأريوسيين مباشرة.

امونيوس أسقف إسنا

تبقى سيرة هذا القديس أنشودة حب تتغنى بها الكنيسة على قيثارة الروح، أوتارها متنوعة ومتكاملة، وقد اتسم قديسنا بحبه الشديد للنسك مع التسبيح الدائم بفرح، وأمانة في الرعاية، قدم حياته وحياة كل شعبه ذبيحة حب فائق يشتمها الله الأب في المسيح يسوع رائحة ذكية.

الأنبا أمونيوس الأسقف

سيم أمونيوس أسقفًا على مدينة إسنا في أيام القديس بطرس خاتم الشهداء، فعاش بروح الحب الإنجيلي يمتزج نسكه برعايته الروحية، يقضي أيام السبت حتى الاثنين مع شعبه يشاركهم العبادة ويعظهم ويرشدهم، ويهتم بكل احتياجاتهم، ثم يعود إلى مغارة خارج المدينة على حافة الجبل جنوب غربي المدينة، يقضي بقية الأسبوع يمارس حياة الوحدة بقلب متسع بالحب لله والناس، مؤمنًا برعاية الله لشعبه. هكذا كان الأنبا أمونيوس وسط شعبه ناسكًا محبًا، وفي مغارته يصلي لأولاده بأبوة روحية صادقة.

الأنبا أمونيوس والاستشهاد

كان القديس الأنبا أمونيوس يهيئ للفردوس طغمة من الشهداء قوامها شعب إسنا كله، إذ كان بعظاته كما بحياة الإماتة التي عاشها وبلهيب قلبه نحو السماء يهيئ كل قلب لقبول الاستشهاد بفرح.

زار إريانا والي أنصنا بصعيد مصر مدينة إسنا أكثر من مرة فقتل القديسة الأم دولاجي التي شجعت أولادها الأربعة على الاستشهاد، كما قتل أربعة من أراخنة الشعب (6 بؤونة). والآن يعود مصممًا ألا يترك مسيحيًا في المدينة.

دخل إسنا من الباب البحري وجال مع جنوده في شوارعها حتى بلغ الباب الجنوبي الغربي، فوجد سيدة عجوزا مريضة غير قادرة على الحركة، فسألها عن شعب المدينة، أجابته إنهم سمعوا بأن إريانا الوالي قادم إلى أبيهم الأسقف ليستعدوا لملاقاته، وإذ سألها عن ديانتها أجابته بشجاعة، فأمر بقتلها، وتُركت في بيتها، ولا زال شعب المدينة يدعونها الرشيدة حتى يومنا هذا، إذ أرشدت عن اخوتها لينعموا الإكليل السماوي.

انطلق إريانا مع جنده نحو الأسقف وشعبه فوجد جماعة عند ساقية "كريم" فقتلوهم، ثم انطلقوا إلى دير القديس الأنبا اسحق.

الأسقف يسند شعبه

قيل إنه إذ كان الأنبا أمونيوس في مغارته يصلي من أجل شعبه كي يسندهم الرب في وسط الضيق، ظهر له ملاك الرب، قائلاً له: "أنت مقيم هنا والجهاد معدَ لأولادك". في الحال ترك الأب مغارته وانطلق إلى دير القديس اسحق السائح بجبل أغاثون، حيث كان الشعب يحتفل بالعيد. هناك استقبله الشعب بفرح شديد وتسابيح يمجدون بها الله، فوقف في وسطهم وصار يحدثهم عن المجد الأبدي واحتمال الآلام بفرح من أجل الأبدية.

بعد العظة انطلق إلى مغارته، فلم يتركه الشعب بل سار وراءه، فلأجل راحتهم رجع معهم إلى دير القديس اسحق السائح، وقضى معهم الليل كله في تسابيح لا تنقطع، مع عظات روحية عن الأمجاد السماوية. وفي الصباح المبكر جدًا أقام القداس الإلهي وتناول الشعب، ليجدوا بعد ذلك إريانا وجنوده قادمين. استقبلهم الشعب بفرح شديد كمن هم ينتظرون رحيلهم من هذا العالم، ولقاءهم مع عريسهم السماوي.

ألقى الوالي القبض على الأسقف، وصار جنده يقتلون الشعب بلا توقف.

منذ سنوات قليلة إذ كانوا يحفرون بدير "الشهداء" بإسنا، وُجدت الأجساد متراصة بلا عدد فوق بعضها البعض تحت الأرض.

في أنصنا

أخذه إريانا أسيرًا إلى مدينة أسوان، ليعود به ثانية، فيجد ثلاثة فلاحين أُميين عند الباب البحري من مدينة إسنا عادوا من الحقل، حزانى لأنه لم يكن لهم نصيب مع كل شعب المدينة الذي استشهد. طلب الفلاحون من الجند أن يقتلوهم كاخوتهم، فرفض الجند لأن سيوفهم لم تعد تصلح بسبب كثرة الذين قتلوهم، وإذ أصرَ الرجال الفلاحون أن يلحقوا باخوتهم أمر الوالي بقتلهم على حجر بفؤوسهم. ولا زالت مقبرتهم إلى يومنا هذا، يشتم الكثيرون رائحة بخور تفوح منها ليلة الأحد، تُسمى بالثلاثة فلاحين (سورس وأنطوكيون ومشهوري).

سافر الوالي إلى أنصنا يقتاد معه الأسقف الأسير، وهناك حاول استمالته تارة بالوعود وأخرى بالوعيد. دُهش الوالي إذ شعر بمهابة الأسقف وشجاعته، وأخيرًا أعدّ له أتون نار يلقيه فيه.

طلب الأسقف أن يمهله قليلاً ليقف يصلي كي يبارك الله البشرية ويذكر شعب إسنا الشهداء، كما طلب خلاص الوالي... وأخيرًا سلم نفسه ليلقوه في النار فتخرج روحه إلى عريسها في الرابع عشر من كيهك.

فانوس ميخائيل: عظة الأحفاد في تاريخ الشهداء الأمجاد، 1923م.

امونيوس الطويل الأب

رهبنته

وُلد حوالي عام 340م، وإذ بلغ العشرين من عمره ترهب في منطقة نتريا مع اخوته الثلاثة، وهم ديسقوروس (رسمه البابا ثاوفيلس أسقفًا على هرموبوليس أي دمنهور) ويوسابيوس وأفتيموس، كما ترهبت أختاهما في دير للبنات.

عرف أمونيوس واخوته باسم "الاخوة الطوال" لما اتسموا به من طول فارع غير عادي، وكان أمونيوس أكثر اخوته علمًا وتقوى، يحفظ الكتاب المقدس بعهديه عن ظهر قلب، ويقرأ كتب الكثير من الآباء منهم العلامة أوريجينوس والقديس ديديموس.

نسكه

عرف بنسكه الشديد وقمعه للجسد، حتى قال عنه القديس أوغريس: "لم أر إنسانا قمع شهوته مثل أمونيوس". كان حازمًا مع جسده كل الحزم، لم يأكل طبيخًا على الإطلاق منذ شبابه حتى نياحته، مكتفيًا بالخبز والخضراوات الطازجة.

اشتهر بتقواه ونسكه فحاول بعض الأراخنة ترشيحه للأسقفية، وقد وعدهم البابا تيموثاوس الثاني والعشرين بسيامته إن أحضروه له، فذهبوا إليه وحاصروه، وإذ وجد نفسه في مأزق غافلهم وقطع أذنه اليسرى كي لا يترك البرية، قائلاً لهم إن القانون الكنسي يمنع سيامته. لكن البابا وافق على سيامته حتى بعد قطعه لأذنه. وإذ عرف ذلك هددهم أنه سيقطع لسانه إن ألزموه بالسيامة فاضطروا أن يتركوه، وعاش الأب أمونيوس بأذن واحدة، لذا دعي بالباروئيس أي "ذو الأذن الواحدة".

مشكلة الاخوة الطوال

كانت منطقة نتريا ملتهبة بسبب "مشكلة الأوريجانية"، فقد رأى بعض الرهبان أن أوريجينوس قد أغنى المؤمنين بالفكر الروحي الذي يلهب فيهم روح التأمل، فعشق هؤلاء كتاباته وتحمسوا له، بينما رأى آخرون أنه قد أفسد بمنهجه الفكر الرهباني، فنزع عن الرهبان بساطتهم وشغلهم بأفكار عقلية عن التداريب الروحية التي تمس الحياة النسكية، هذا بجانب ما حمله أتباع أوريجينوس من أخطاء عقيدية أدت إلى حرمانهم وحرق كل كتب أوريجينوس.

كان الاخوة الطوال متحمسين لأوريجينوس، الأمر الذي بسببه ضايقهم البابا ثاوفيلس حتى طرد الأنبا ديسقوروس من إيبارشيته ومعه اخوته، فهربوا إلى فلسطين ومعهم مجموعة من الرهبان يقدرون بثمانين راهبًا، ووجدوا في قلب الأسقف يوحنا الأورشليمي المعروف بإعجابه بأوريجينوس قلبًا مفتوحًا.

كتب البابا ثاوفيلس خطابًا مجمعيًا إلى 17 أسقفًا بفلسطين و15 أسقفًا بقبرص، يعلن فيها بوضوح موقف هؤلاء الرهبان وأخطاء كتابات أوريجينوس العقيدية. أُعجب القديس جيروم بموقف البابا ثاوفيلس الحازم، بينما بعث أساقفة فلسطين للبابا رسالة يوضحون فيها أن ما جاء في رسالته عن أخطاء أوريجينوس، لا يقبلونها حتمًا وأنه لا وجود لها في فلسطين.

إذ كان البابا ثاوفيلس يلاحق الاخوة طوال القامة أينما حلوا لم يجدوا راحة فانطلقوا من بلد إلى بلد ومن أسقف إلى أسقف، وأخيرًا اضطروا إلى الالتجاء إلى القديس يوحنا الذهبي الفم بالقسطنطينية، أوائل عام 402م. وإذ كان ذهبي الفم يعشق الحياة الرهبانية، ويحب رهبان مصر على وجه الخصوص أرسل إلى البابا ثاوفيلس يطلب منه الصفح عن الاخوة طوال القامة، مدافعًا عنهم وعن العلامة أوريجينوس، فأثار غضب البابا بدلاً من رضاه، خاصة وأنه عرف أن البطريرك قد سمح لهم الشركة في العبادة العامة، فأرسل إليه رسالةً مملوءة جفاءً وتعنيفًا، واتهمه بتحريض الرهبان للتمرد عليه.

كان لهذه المشكلة أثرها في محاكمة القديس يوحنا الذهبي الفم ونفيه.

للمؤلف: القديس يوحنا الذهبي الفم: سيرته (7) مشكلة الاخوة طوال القامة.

امونيوس السقاص

فيلسوف إسكندري، وُلد في أواسط القرن الثاني ورقد عام 241م. كلمة "سقاص" مشتقة من كلمة "ساكسCAKI" اليونانية، ومعناها "كيس".

تعلم الفلسفة الأفلاطونية وتعمق فيها جدًا، وفي أواخر القرن الثاني نال المعمودية، وإن كان بعض المؤرخين يرون أنه لم ينل العماد إنما كان معجبًا بالمسيحية. أراد من الوثنيين أن يقبلوا مبادئها جنبًا إلى جنب مع ما هو حسن في الوثنية ورفض ما هو فاسد في الوثنية.

لم يبق من مؤلفاته سوى كتاب: "اتفاق البشائر الأربع".

امونيوس المتوحد القديس

ولد هذا القديس في سنة 294م بجوار مريوط، وهو كزميله أنطونيوس كان من أسرة مسيحية تقية موسرة وفقد أبويه وهو في سن الحداثة فبات تحت وصاية عمه، وكانت كل آملاه متجهة إلى عيشة التبتل والقداسة، غير أن عمه خطب له فتاة غنية رغمًا عنه وعلى غير إرادته. ولما لم يكن في قدرته مخالفة أمر عمه أخذ في مخاطبة الفتاة التي خطبت له بالأقوال الروحية، وقد استطاع بسيرته المقدسة أن يؤثر عليها تأثيرًا حسنًا فحبب إليها عيشة الطهارة وغرس في قلبها الميل إلى تكريس النفس لتكون عروسًا محفوظة للعريس الحقيقي يسوع المسيح. ومن ثَمَّ اتفق الإثنان على أن يقبلا عقد زواجهما وهما مصممان على أن يعيشا معًا كأخ وأخت لا كزوج وزوجة.

وقد لبثا على هذه الحال مدة طويلة وهما يحافظان كل المحافظة على شروط العفة والأمانةحتى مرت سبع عشرة سنة على زواجهما وبعدها انتقلت الزوجة إلى الدار الأبدية. فرأى هذا القديس في حلم أن القديس أنطونيوس يدعوه إلى لبس إسكيم الرهبنة، ولما استيقظ من النوم نهض وذهب إلى حيث يقيم القديس إيسيذوروس وهذا ألبسه الإسكيم المقدس فأقام عنده مدة من الزمن ثم قصد بعد ذلك جبل تونة حيث يقيم القديس أنطونيوس.

وقد أقام القديس امونيوس عند القديس أنطونيوس مدة وتتلمذ له ودرس منه قوانين الرهبنة المقدسة ثم بنى له مغارة في تونة الجبل، وهناك أجهد نفسه بعبادات كثيرة فحسده الشيطان وأتاه في شكل امرأة راهبة وقرع بابه، فلما فتح له وطلب منه أن يصليا تحول الشيطان إلى لهيب نار. ثم مضى وسكن في امرأة وأغراها على إيقاع القديس في الخطية، فلبست أفخر ثيابها وأتت إليه نحو الغروب وبدأت تقرع باب مغارته قائلة: "إنني امرأة غريبة وقد ضللت الطريق وأمسى عليَّ الوقت، فلا تدعني خارجًا لئلا يأكلني وحش وتكون أنت المطالب بدمي". فلما فتح لها وعرف مكيدة الشيطان الذي أرسلها أخذ يعظها من الكتب الإلهية ويخوفها من عذاب الجحيم المعد للخطاة ويذكر لها الغبطة المعدة للصديقين، فتح الرب قلبها وفهمت قوله وخرَّت عند قدميه باكية وسألته أن يقبلها ويساعدها على خلاص نفسها ونزعت عنها ثيابها هذه. فحلق لها رأسها وألبسها ثوبًا من شعر وسماها الساذج، ثم علمها طريق الفضيلة فسارت فيها سيرًا حميدًا حتى فاقت فضائل القديسين بصومها الكثير وصلاتها المتواترة.

ولما خاب الشيطان من هذا الأمر أيضًا عاد فدبر حيلة أخرى، وذلك انه تزيا بزي راهب وصار يتردد على الديارات ويقول لهم وهو باكٍ: "إن الأنبا أمونيوس الناسك قد تزوج بامرأة وها هي نده في المغارة، فجلب بعمله هذا الفضيحة للرهبان والإهانة للإسكيم المقدس. فلما سمع بذلك الأنبا أبوللو المتشبه بالملائكة أخذ معه الأنبا يوساب والأنبا نوهي وأتوا إلى جبل تونة وقصدوا مغارة الأنبا أمونيوس، فلما قرعوا باب المغارة وفتحت لهم تحققوا الأمر. فلما دخلوا صلوا كالعادة ثم جلسوا يتحدثون في عظائم الله إلى آخر النهار، فقال لهم الأنبا أمونيوس:" هلموا لنرى الساذج لأنها تخبز لنا قليلاً من الخبز ". فلما خرجوا إليها وجدوها واقفة تصلي وسط التنور وهو محمى وناره مضطرمة ويداها مبسوطتان، فتعجبوا من ذلك ومجدوا الله. وبعد أن أكلوا من الخبز وشربوا انفرد كل واحد إلى محل نومه، فعرف ملاك الرب الأنبا أبللو بقضية الساذج مع الأنبا أمونيوس، وأن الرب إنما أرسلهم إلى هنا لكي يحضروا نياح الساذج.

وقد تم قول الملاك، إذ أنها نحو الساعة الثالثة ليلاً اعترتها حمى شديدة فسجدت للرب وأسلمت روحها بيده، فكفنوها وبعد الصلاة دفنوها، ثم عرفهم الأنبا أمونيوس بفضائلها وأنها أقامت عنده 18 سنة لم ترفع وجهها إلى فوق لترى وجههن وكان طعامها خبزًا وملحًا.

بعد ذلك أوفده الأنبا أنطونيوس إلى وادي النطرون ليؤسس أديرة هناك، فتبعه جمهور عظيم من نادري العفة فنظم لهم الأحوال ورتب لهم معيشتهم واستمر يسوسهم بالفضائل. وبعد قليل تنيح بسلام وكانت نياحته سنة 73 للشهداء الموافقة لسنة 357م.

السنكسار، 20 بشنس.

امويس القديس

وُلد القديس أمويس أو أموي أو بامويه بالصعيد، وهو الأب الروحي للقديس الأنبا يوأنس القصير والأنبا بيشوي.

عرف بحزمه الشديد مع نفسه واهتمامه ألا ينشغل بأحد أو بشيء عن التأمل في السماويات، فلم يكن يسمح لتلميذه أن يقترب منه عند ذهابهما إلى الكنيسة، وإن حدث أن سأله تلميذ بخصوص فكر عبّر به يجيبه وللحال يسأله أن يتركه، قائلاً له: "إني أخشى لئلا بعدما أنطق بكلمات بنّاءة ننزلق معًا في حديث غريب، لذلك لا أتركك بجواري".

قيل عنه أنه ألقي على الفراش سنوات طويلة بسبب المرض، ومع هذا لم يسمح لنفسه أن يفكر في قلايته ولا أن يتطلع إلى محتوياتها، إذ جاء الناس إليه بعطايا كثيرة بسبب مرضه. وعندما كان تلميذه يوحنا يدخل القلاية أو يخرج منها كان يغلق عينيه كي لا يراه، ربما لأنه لم يكن يرغب أن ينشغل ذهنه في أي أمر حوله (بل كان دائم التأمل في السماويات).

قيل عنه أيضًا إنه وضع في الشمس خمسين كيلة قمح، ولكن قبل أن تجف إذ رأى أمرًا يبدو له ضارًا قال لتلاميذه: "لنرحل من هنا". وإذ حزنوا على ذلك قال لهم: "أحزنتم بسبب الخبر؟ بالحق أرى رهبانًا يتركون قلاليهم ومخطوطاتهم دون أن يغلقوا الأبواب بل يتركونها مفتوحة!" هكذا أراد أن يهرب من العثرة مهما كانت التكلفة!

Benedicta Ward: Sayings of Desert Fathers, p 26, 27.

اميجديوس الأسقف الشهيد

يُنظر إلى الشهيد أميجديوس (أميديوس) St. Emygdius, Emidius، كشفيع ضد الزلازل، لذلك يحمل كرامة في إيطاليا، كما في سان فرانسيسكو ولوس أنجيلوس بكاليفورنيا (أمريكا الشمالية) في الفترة الأخيرة.

قيل أنه ألماني الجنسية، قبل المسيحية وترك مدينته Trier ليذهب إلى روما في أيام الأسقف مارسيلينوس. وبسبب غيرته على الإيمان دخل معبدًا وثنيًا هناك وحطّم وثن أسكولابيوس حتى الأرض، فثار الوثنيون بروما وأرادوا قتله.

سيم أسقف على منطقة Ascoli Piceno ليترك روما من وجه الوثنيين الثائرين، وأعطاه الله نجاحًا في الكرازة إذ ربح كثيرًا من الوثنيين للإيمان.

إذ ثار الاضطهاد في عهد دقلديانوس استشهد مع ثلاثة من رفقائه هم إيبولس وجرمانيوس وفالنتينوس، حوالي 9 أغسطس عام 304م.

اميليوس الشهيد

ذكر القديس كبريانوس في كتابه "الساقط The Lapsed" الشهيدين كاستوس وأميليوس Aemilius الأفريقيين. هذان الشهيدان اضطربا أمام هول الضيق الذي حلّ بالكنيسة في عهد ديسيوس فأنكرا الإيمان. لكنهما لم يحتملا هذا الجحود وشعرا بمرارة في أعماقهما، ولم يجدا علاجًا إلا أن يتقدما بشجاعة وفرح للاستشهاد غالبًا في 22 مايو 250م.

يعلق القديس أغسطينوس على موقفهما قائلاً إنهما سقطا في الضعف الذي سقط فيه القديس بطرس لأنهما اتكلا على ذاتهما، لكنهما إذ اتكلا على نعمة الله تمتعا بالإكليل.

اناتوليا الشهيدة

نشأتها

وُلدت أناتوليا وأختها ناصرة في روما، وكانتا غنيتين. تقدم لهما شابان وثنيان يدعيان أوريليانوس وأوجينوس. يبدو أن الأخير في محبته للمسيحيين المحَ لناصرة أنه سيقبل الإيمان المسيحي. على أي الأحوال إذ تحدثت ناصرة مع أختها أناتوليا في الأمر، صارت الأخيرة تحدثها عن حياة البتولية والالتصاق بالعريس السماوي، فالتهب قلب ناصرة أيضًا بهذا الفكر، وقامتا بتوزيع أموالهما لتعيشا كعريسهما الذي افتقر لأجلنا وهو الغني.

طلب الشابان أوريليانوس وأوجنيوس من داكيوس الملك أن يأذن لهما بأخذ الفتاتين إلى بلد قريبة من روما ليتزوجا بهما. وبالفعل ذهبت أناتوليا إلى بلدة السابيين وقد عزمت على البتولية، وقد أراد الله أن يتمجد فيها. فقد سمح الله لابن والي المدينة أنيانوس بن ديدورس أن يدخل به شيطان كان يعذبه جدًا، فكان يصرخ:

"إنكِ تحرقينني يا أناتوليا"، ولم يفهم أحد شيئًا. كان الناس يأخذونه إلى هيكل وثن عظيم طالبين العون من آلهتهم. وفي أحد الأيام إذ كانوا ممسكين به هرب المجنون منهم وانطلق إلى حيث توجد الأختان، وجاء أمام أناتوليا وركع وهو يقول: "أنتِِ تحرقينني بصلواتك الحارة". فصلت للعذراء، ثم أمرت الشيطان باسم ربنا يسوع المسيح أن يخرج منه، فخرج للحال وشُفي أنيانوس، وإذ قدم لها والده هدايا كثيرة اعتذرت عن قبولها، مكتفية بالحديث معه عن السيد المسيح والاهتمام بخدمة الفقراء.

انتشر هذا الخبر في كل المدينة، وجاءها كثيرون يحملون مرضاهم لتصلي من أجلهم، وكان الرب يتمجد فيها. سمع داكيوس الملك بذلك فأرسل فستنيانوس حاكم مدينة تورا ليعذبها. وبالفعل إذ أمرها بالعبادة للأصنام ورفضت، أمر الجلادين أن يمزقوا جسدها بالسياط، ثم ألقاها في السجن، وبمشورة أوداكيوس الساحر أحد أصدقائه ألقى أفعى سامة في السجن، ولما فتح السجن تقدم الساحر فكادت الأفعى أن تقتله لولا تدخل القديسة، الأمر الذي أذهله فطلب أوداكيوس المعمودية.

ألقي أوداكيوس في السجن مع أناتوليا التي كانت تسنده بصلواتها وحديثها حتى استشهد الاثنان بقطع رأسيهما، أما أختها فطُعنت بحربة بعد أشهر من استشهاد أختها.

تُعيِّد الكنيسة اليونانية للقديسة أناتوليا في 8 يوليو، وأختها في 23 ديسمبر.

اناتوليوس أسقف اللاذيقية

كان أناتوليوس أو أناطوليوس Anatolius أسقف إنطاكية إسكندري الأصل. كان ذا ثقافة عالية، قطع شوطًا طويلاً في دراسة المنطق والرياضيات والفلك والطبيعة. طُلب منه أن يؤسس مدرسة أرسطاطلية بين الإسكندريين.

قام أناتوليوس بدور حيوي ورئيسي في إنقاذ بني جنسه من المجاعة التي حلت بهم خلال حصار زنوبيا Zenobia لمنطقة المصريين بالإسكندرية، يسنده في ذلك رجل روماني مسيحي يدعى أوسابيوس يقطن في حيّ الرومان، وكان محبًا لاقتناء رفات الشهداء، وله تأثير على القائد الروماني، وذلك في عام 268 م.

بعد فترة ليست بطويلة قام الاثنان بإرسالية إلى إنطاكية غيرت مجرى حياتهما. فقد كان بولس السومسطائي أسقف إنطاكية له آراء خاطئة من جهة طبيعة السيد المسيح، إذ حسب أنه ولد إنسانًا عاديًا سكنه ما هو لاهوتي بعد ميلاده. منع التسبيح له بينما سمح للآخرين أن يسبحوه هو بكونه ملاكًا نزل من السماء. وفي عام 265م كان قد عُقد مجمع ضده في إنطاكية، فوعد بولس بالتخلي عن آرائه، ولأجل سلام الكنيسة لم يحاكم، لكنه لم يفِ بالوعد ونشر آراءه. وفي عام 269م عقد مجمع آخر حضره أناتوليوس وأوسابيوس وكانا كاهنين، وإذ لم يكن بابا الإسكندرية حاضرًا نُظر إليهما - على ما يظن – أنهما يمثلانه.

في نهاية المجمع لم يُسمح للكاهنين أن يعودا إلى الإسكندرية بل يعملا هناك. اشتاق أسقف قيصرية فلسطين - ثيؤتكنوس Theotecnus - أن يكون أناتوليوس خلفًا له في إيبارشيته، فسامه ليعملا معًا في قيصرية. وانتُخب أوسابيوس أسقفًا على اللاذيقية بسوريا، وإذ تنيح أناتوليوس ترك قيصرية فلسطين ليخلفه صديقه عليها تاركًا اللاذيقية، وقد ترك مقالات في الحساب والرياضة وقانون الفصح.

اناتوليس الشهيد

ولد أناتوليس أو أناطوليس Anatolius في بلاد فارس، والتحق بالجندية في مملكة الروم، وقد تدرج حتى صار قائدًا في الجيش لمدة 15 سنة.

إذ أثار دقلديانوس الاضطهاد اشتاق أناطوليوس إلى الإكليل الأبدي، وغالبًا بناء على عودة إلهية ألقى بثيابه أمام الإمبراطور وأعلن إيمانه بالسيد المسيح، فدهش الإمبراطور من جسارته. وإذ علم أنه من الفرس لاطفه، وسلمه إلى رومانوس لعله يقدر أن يثنيه عن عزمه، لكن رومانوس رده للإمبراطور بعد أن أذاقه عذابات كثيرة، تارة بالعصر، وتارة بالجلد، وأخرى بطرحه للوحوش، ورابعة بقطع لسانه... فكان السيد المسيح يرسل ملاكه يشفيه.

قطع الإمبراطور رأسه فنال إكليل الشهادة في 12 من طوبة.

اناثاس الشهيدة

يروي لنا يوسابيوس القيصري ما احتملته العذراء أناثاس من آلام بفرح من أجل ارتباطها بالسيد المسيح.

أخبرنا عنها أنها من مدينة سيكتوبوليس، قُبض عليها في عهد الإمبراطور دقلديانوس وشريكه مكسيميانوس حيث قُدمت للقاضي، فجُلدت وأهينت بقسوة، وذلك بمعرفة مكسيس والي الإقليم المجاور، وكان شريرًا محبًا لسفك الدماء.

أمر بتجريد بعض ملابسها، وترك ما يستر حقويها حتى القدمين، ثم قادها في جميع أسواق قيصرية، وهي شبة عارية، والسياط تنهال عليها، وفي هذا كله كانت العذراء تتقبل الآلام بفرح وبشاشة.

قُدمت أمام الوالي فرمليانوس، فأمر بحرقها بالنار وهي حية، وإذ تم ذلك أمر بتشديد الحراسة على جسدها حتى لا يسرقه أحد، بل يترك في العراء طعامًا للوحوش والطيور.

اناستاسيا

راجع أنستاسيا.

اناسطاسيوس

راجع أنسطاسيوس.

اناسيمون القديسة

نشأتها

قيل أن أناسيمون كانت ابنة ملك الروم وحيدة وتقية، قرأَت كثيرًا عن سير الآباء فأحبت الحياة النسكية، وكانت تسلك بروح إنجيلي تقوي وهي في القصر. وإذ توفى والدها أقيمت ملكة بغير رضاها، إذ كانت تود الحياة الرهبانية.

خروجها إلى البرية

مرّ عام على تجليسها ملكة خلاله قدمت الكثير للفقراء والمحتاجين وحررت الكثير من العبيد، وأخيرًا قررت أن تترك كل شيء وتتفرغ للعبادة. كتبت رسالة للأب البطريرك تركتها في حجرتها، وخلعت ملابسها لترتدي ثوبًا بسيطًا، وخرجت عارية القدمين تتسلل من القصر في منتصف الليل لتنطلق خارج المدينة، وتسير في البرية.

حاربتها أفكار العودة للقصر لكنها أصرت أن تحتمل كل قسوة البرية متعبدة لله، وفجأة أثناء صلاتها في يوم من الأيام شاهدت أسدًا يقترب منها، فصلت إلى الله ورشمت عليه بعلامة الصليب، وللحال هدأ. بل التف حولها عدد من الأسود كانوا يلاطفونها وتلاطفهم، وشعرت كأنها قد صارت ملكة على الوحوش. لكنها اشتاقت أن تتجرد حتى من تكريم الوحوش لها، فوضعت في قلبها أن تعيش في الصف الأخير تخدم الكل دون طلب كرامة، فسارت إلى مصر حتى اقتربت من أحد أديرة النساء يدعى دير إرميا، وتظاهرت بالجنون، ولما أمسكتها الراهبات خشية أن تتعرض لأذى تظاهرت بالارتياح إليهن، وسألتهن أن تخدمهن وتقوم بتنظيف دورات المياه، وكانت تبدو كمن هي "هبيلة" ولا تنام إلا على المزبلة.

الأنبا دانيال في دير إرميا

في إحدى الليالي قرع الراهب باب الدير، ولما سألته البوابة عن طلبه أجابها أنه يود أن يبيت الليلة مع معلمه بالدير خشية أن يتعرضا للحيوانات المفترسة، لكن الرئيسة رفضت أن تفتح، فأخبرها أنه جاء مع الأنبا دانيال قس البرية، ففرحت الرئيسة وفتحت الباب وانطلق الكل يستقبلن إياه. وقبل أن ينصرفن سألهن إن كانت توجد أي راهبة أو أخت هنا، فأخبرن إياه عن "الهبيلة". ذهب إليها الأب دانيال فلم تعره اهتمامًا ولا سلمت عليه، فكانت الراهبات يقلن له: إنها معتوهة... أما هو فأجاب "حقًا أنا هو المعتوه والجاهل والمسكين".

وإذ انصرف الكل أراد التلميذ أن يستريح فقال له الأنبا دانيال ألا ينام ليرى هذه المعتوهة.

أخذه معه إلى حيث تنام فوجداها واقفة تصلي وتصنع مطانيات، والنور يخرج من أيديها، والملائكة تحيط بها، فأسرع التلميذ ونادى الرئيسة التي رأت المنظر فصرخت وأسرعت إليها تطلب منها السماح. وإذ جاءت الراهبات يبكين ويعتذرن لها على ما صدر منهن صمتت تمامًا.

في الصباح ذهبت الراهبات إلى حيث كانت تنام فوجدن الفتاة قد هربت، تاركه ورقة جاء فيها: "أنا الشقية، لشقاوتي ومعاندة العدو لي أخرجني من بينكن، وأبعدني عن وجوهكن المملؤة حياة. إهانتكن لي كانت ربحًا لنفسي، وضجركن علىّ كان ثمرة تجمع كل يوم. استقلالكن عني كان فائدة ورأسمال يزداد كل يوم وساعة. مباركة هي تلك الساعة التي قيل لي فيها يا هبيلة، يا مجنونة. وأنتن مسامحات من جهتي بريئات من الخطية، وإني قدامكن وقدام المنبر سوف أجيب عنكن لأجلي، ليس فيكن مستهزئة، ولا من هي محبة للحنجرة، ولا للملبس، ولا للشهرة، بل كلكن نقيات".

خرج البعض يبحث عنها خارج الدير لكنها اختفت تمامًا.

كاهن بالإسكندرية

دخل كاهن بالإسكندرية في فجر خميس العهد صحن الكنيسة فاشتم رائحة بخور زكيه تفوح بشدة، لم يعرف مصدرها، فأخذ يبحث عن المصدر. دخل الهيكل فوجد إنسانًا مهوبًا يقف أمام الهيكل بخشوع، فسقط أمامه. أسرع الشخص وأقام الكاهن ثم طلب منه قليلاً من الدقيق والأباركة ليستخدمها في القداس الإلهي الذي يحضره أربعمائة شخص. سأله الكاهن عن مكان هؤلاء الاخوة، فأجابه بأنه ليس له أن يعرف ذلك، إنما إن أراد فليقدم هذه البركة. قدم الكاهن هذه البركة، ثم سأله أن يأخذه معه، اعتذر أنه لا يستطيع. وإذ ألحّ عليه قال له أعطيك جوابًا في مثل هذا اليوم من السنة القادمة.

مرَّ عام بدا طويلاً جدًا في عيني الكاهن حتى جاء خميس العهد، ودخل الكنيسة ليشتم ذات الرائحة ويلتقي بنفس الشخص ويقدم ذات العطية، وصار يسأله أن يأخذه معه، فلما ألحّ عليه جدًا قال له أن يأخذ مثل هذه البركة وينتظره في مثل هذا اليوم في السنة التالية خارج المدينة عند الباب الغربي.

مرَّ عام آخر وحمل الكاهن البركة وانطلق إلى خارج المدينة ليجد بعد قليل الشخص قادمًا إليه، وسأله أن يمسك به ليجد نفسه كمن هو محمل على سحابة، وإذا به في كنيسة جميلة للغاية، لم ير مثلها قط.

بعد فترة بدأ القداس الإلهي وتناول الجميع...

رأى الكاهن شخصًا كبيرًا في السن يقف عند باب الهيكل يسنده شخصان، واحد عن اليمين والآخر عن اليسار، وإذ سأل عنه الكاهن قيل له: "إنها عذراء هي القديسة الملكة أناسيمون دخلت في طغمة السواح الذين يجتمعون معًا سنويًا من خميس العهد حتى أحد القيامة.

أراد الكاهن أن يبقى معهم لكن الرجل أخبره بأنه يلزم أن يعود إلى كنيسته ويرعى شعب الله، وبالفعل رده إلى الإسكندرية، وكان هذا الرجل يزور الكاهن سنويًا حتى قرب نياحة الكاهن.

نبيه نصر زرق: من كنوز الأديرة: القديسة أناسيمون، القديسة أفروسيا، الأب ببنوده، 1973 م.

اناطوليس

راجع أناتوليس.

الأنبا أنانيه

جاء في بستان الرهبان عن هذا الأب أن بعض الرهبان سألوه أن يقول كلمة منفعة، فقال لهم:

"عليكم بالمسكنة (أن تكونوا مساكين) والإمساك (عدم الاقتناء)، لأني كنت في برية مصر في شبابي وحدث أن اشتكى أحد الآباء بطحاله، فطلب جرعة خل، فلم يجد في البرية كلها، وكان فيها ثلاثة آلاف راهب، فشكا حاله لأحد الشيوخ الذي أمر بإحضار قليل من الماء، ثم قام وصلى عليه ورشم باسم الأب والابن والروح القدس، ودهن به الطحال، فزال الوجع لوقته برحمة السيد المسيح".

طبعة بني سويف، 1968م، ص 166.

انتروس القديس

سيم أسقفًا على روما عام 235م خلفًا للقديس بونتيانوس Pontianus. قيل إنه هو الذي وضع نظام الوثائق في الكنيسة تحمل أقوال الشهداء وعذاباتهم للحفظ.

Rev. Baring - Gould: Lives of the Saints, Jan. 3.

انتيباس الأسقف الشهيد

هو أسقف برغامس، وكان تلميذًا للقديس يوحنا الإنجيلي. وقد ذكره هذا الرسول في الإصحاح الثاني من سفر الرؤيا.

وحدث أنه لما شرع دومتيانوس في اضطهاد اليهود وقتلهم، بلغه أن النصارى يقولون: "إن ملكهم هو المسيح"، فاضطهدهم وقتل منهم كثيرين. وكان من بين من اضطهدهم هذا القديس، وقد عاقبه عقوبات شديدة فما ازداد إلا ثباتًا في الإيمان، ولما أودعه السجن أرسل له القديس يوحنا الإنجيلي رسالة مملوءة تعزية، وقد دعاه فيها الكاهن الأمين والراعي الصالح.

وأخيرًا وضعه الملك في ثور مصنوع من نحاس وأوقد النيران تحته حتى أسلم روحه الطاهرة بيد الرب، وأخذ المؤمنون جسده ووضعوه بكرامة في الكنيسة.

السنكسار، 16 برمودة.

انثيموس أسقف نيقوميديا الشهيد

اضطهاد دقلديانوس

بعد الاضطهادات التسعة التي أثارها الرومان ضد المسيحيين منذ عهد نيرون (54 - 68م)، جاء هذا الاضطهاد الأخير على يدي دقلديانوس الذي ظن أنه قادر على إبادة الكنيسة تمامًا. ففي بدء عهده إذ اختارته الجيوش الرومانية ليتولى العرش مارس المسيحيون شيئًا من الحرية، إذ عُرف بالنزاهه والعدل، وقد أقام مكسميانوس شريكًا له وأعطاه لقب إمبراطور، كما أقام غالاريوس في الشرق، ومكسميانوس في الشرق كقيصرين آخرين مساعدين، فبدأ مكسميانوس ومعه غالاريوس تحريضه على المسيحيين فلم يستجب لهما طلبًا في السلام الداخلي. لكنهما صارا يلحان عليه بدعوى أنهم أعداء الآلهة ومقاومون للمملكة، فحملاه على إصدار المراسيم ضد المسيحية. ولكي يثيره مكسميانوس أشعل نارًا في القصر الإمبراطوري أثناء وجود دقلديانوس، واتهم المسيحيين العاملين بالقصر أنهم يودون الخلاص منه فثارت ثورته، وانقلب إلى حيوان مفترس لا عمل له إلا استخدام كل أنواع العذابات لإبادة المسيحيين.

لعل أول ضحايا تلك الزوبعة هم أهل نيقوميديا (مدينة أشنكنيد بتركيا) التي كانت من أعظم العواصم الرومانية، وقد جعل له دقلديانوس مقرًا فيها، وكان تعداد المسيحيين بها كثيرًا. لذا اندفع الحكام إلى إبادتهم جماعات جماعات. أما ردّ الفعل فكان في كل العالم الروماني خاصة مصر التي قدمت للفردوس أعدادًا من الشهداء أكثر من كل العالم، وحسب الأقباط عهد دقلديانوس بدء سنتهم القبطية.

استشهاد الأنبا أنثيموس

كلمة "أنثيموس" تعني مُزهر.

ولد في نيقوميديا ودرس الفلسفة والعلوم على أساتذتها، وكان منذ حداثته مشهورًا بتقواه وحياته الفاضلة.

اشتاق إلى خدمة الرب فسيم كاهنًا، ثم صار أسقفًا للمدينة. كان يشجع المؤمنين في فترة الاضطهاد، وكان من أثر عظاته أن تقدم عشرون ألفًا من مسيحيي نيقوميديا للاستشهاد.

قبض عليه الإمبراطور مكسميانوس، لكن الأسقف لم ينثن قدامه ولا اهتم بوعوده. عندئذ أمر مكسميانوس أن يُضرب بالحجارة على رأسه ليبكم فمه، وأن يُوخذ جنباه بمسلات محماة الخ... وأخيرًا أمر بضرب عنقه، فنال إكليل الاستشهاد عام 303م.

تُعيِّد له الكنيسة في الغرب في 27 من شهر إبريل (نيسان).

اندرآس القديس

الأنبا أندآرس أو درياس أو "أبو الليف" أو صاحب اللحية البيضاء، هو تلميذ القديس بيسنتاؤس أسقف فقط من رجال القرن السابع.

نشأته

ولد ببلدة شنهور، قرية من أعمال قنا بالصعيد الأقصى.

نشأ بين والدين بسيطين، وكان والده فلاحًا. وقد اتسم الابن منذ صبوته بالحياة الفاضلة مع شوق للانفراد والعبادة. ففي أحد الأيام إذ كان يرافق والده رأى أباه يقطف سنبله من حقل جاره، فنظر إليه في عتاب، وصار يؤنبه كيف يمد يده على مال غيره، فدُهش الأب وبقيّ صامتًا، لا يعرف بماذا يجيب.

إذ بلغ الثانية عشرة من عمره كان والده يتركه ليرعى غنمه القليل، وكان الصبي بفرح يقبل هذا العمل إذ يوزع طعامه على المحتاجين ويبقى صائمًا حتى المساء، كما كان يجد في رعاية الغنم فرصته للاختلاء مع الله والحديث معه في الطبيعة الجميلة والهواء الطلق.

إذ بلغ العشرين من عمره كان شوقه للرهبنه قد التهب جدًا، فتسلل إلى النهر ليعبر النيل وينطلق إلى الجبل الغربي، ويطرق باب دير بجبل الأساس حيث تدرب على الحياة الديرية ولبس الإسكيم المقدس.

جهاده مع عدو الخير

إذ نما في النعمة جدًا، وارتفعت قامته الروحية ممارسًا الصلوات الطويلة بقلب ملتهب، سالكًا بمحبة شديدة مع اخوته الرهبان، بدأ عدو الخير يحاربه بطرق كثيرة، فتارة ظهر له في شكل راهب شيخ ليقف معه يشكو له حاله وحال الدير، وكيف يسلك معه الرهبان بقسوة وظلم، وأنه قد سرى بين الرهبان حب الذات وفقدوا مخافة الله، وكان بذلك يود أن بفقده بساطته وسلامه الداخلي لعله يستطيع أن يحرضه على ترك الدير، أما هو ففي بساطة وإيمان، قال: "الله الذي أعطى القوة والنصرة لآبائنا القديسين أنطونيوس ومقاريوس هو يقيني يا أخي، فأخلص من شر هذا العالم الزائل". وإذ قال هذا صار الشيطان كالدخان.

مرة أخرى ظهر له في شكل ملك عظيم تحيط به حاشية ضخمة بأمجاد كثيرة، وصار يقول له إنه ملك هذه البلاد، وأنه قد وجد نعمة في عينيه لذا يهبه الولاية على مقاطعة عظيمة إن أطاعه وترك الدير. أجابه أندرآس: "مالي وهذه الأشياء، لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ ثم رشم علامة الصليب، فهرب عدو الخير في خزي وضعف!.

مرة ثالثة ظهر له في شكل امرأة جميلة الصورة جدًا، وكانت ترتعش من شدة البرد، فسألته أن يأويها في مكان إلى حين، فإذا أعد لها مكانًا، صارت تطلب منه ألا يتركها، للحال رشم نفسه بعلامة الصليب وطلب عونًا من الله، فصارت كالدخان واختفت.

مرة أخرى أراد العدو أن يرعبه فظهر له كأسد مخيف يهاجمه، لكنه بقوة الله رشمه بعلامة الصليب فانهزم العدو.

زيارة الأنبا بيسنتاؤس للدير

إذ زار القديس بيسنتاؤس أسقف فقط الدير التقى به هذا الراهب، وصارا يتحدثان معًا في الرب.

شكا إليه الراهب، قائلاً: "اغفر لي يا أبي، لما كنت في العالم ما كنت آكل من طعام الصدقة، ولما صرت راهبًا كلفوني أن آكل من الصدقة". فأجاله الأسقف: "حقًا يا ولدي إنها نار لمن يأخذها بغير احتياج!".

هذا الحديث مع بساطته يكشف عن فكر الكنيسة الأولى، فإن الرعاة والرهبان يبذلون كل الجهد لكي يقدموا للآخرين من تعب أيديهم عمل محبة، ويشعرون بثقل شديد أن يعيشوا من مال الكنيسة! لعل هذا هو إحساس كل خادم، إنه حتى وإن كرس كل حياته بكل طاقاته للخدمة مقدمًا الروحيات فمتى نال الزمنيات يتقبلها بنفس عفيفة للغاية، مشتاقًا أن يعطي أكثر من أن يأخذ!.

تلمذته للقديس بيسنتاؤس

يبدو أن صداقة قد ربطت الراهب بالأسقف، وحبًا شديد ضم الروحين معًا، وكأن الله بهذا كان يُعد هذا الراهب للتلمذة لهذا الأسقف القديس. فإنه بعد فترة مرض رئيس الدير "أنبا يعقوب"، فكان أندرآس يخدمه بحب شديد، وإذ جاءت اللحظات الأخيرة بارك يعقوب ابنه وطلب منه أن يترك الدير بعد رقاده ويذهب إلى الأسقف.

تحقق هذا، وفرح الأسقف بالراهب جدًا خاصة أن الاثنين كانا يميلان إلى حياة الوحدة، فكثيرًا ما كانا ينطلقان إلى البرية ليقضيا فترات خلوة طويلة في الصحراء.

كمل الراهب القديس حياته بنسك شديد، وقد وهبه الله عطية شفاء المرضى وإخراج الشياطين، فكانت الجموع تلجأ إليه تطلب إرشاداته وصلواته وبركته.

تنيح القديس في 18 طوبة ودفن في قبر أٌقيمت عليه كنيسة لازالت قائمة في الدير الذي يحمل اسمه: "دير أبو الليف"، الذي يقع بالقرب من قرية حاجر دنفيق على بعد حوالي 350 مترًا من دير الصليب المقدس.

نبيل سليم: سيرة القديس الأنبا أندرآس وقديس جبل الأساس المقدس، 1970م.

اندراوس الرسول

هو أخو بطرس الرسول، وقد اختير أن يمضي إلى مدينة اللد وإلى بلاد الأكراد، فدخل مدينة اللد وكان أكثرها قد آمن على يدي بطرس، وكان معه تلميذه فليمون وهو شجي الصوت، فأمره أن يصعد المنبر ويقرأ. فلما سمع كهنة الأوثان بمجيء أندراوس الرسول أخذوا حرابهم وأتوا إلى الكنيسة ووقفوا خراجًا ليسمعوا ما إذا كان يجدف على آلهتهم أم لا، فسمعوه يقرأ قول داود النبي: "أصنامهم فضة وذهب عمل أيدي الناس، لها أفواه ولا تتكلم، لها أعين ولا تبصر، لها آذان ولا تسمع، لها مناخر ولا تشم، لها أيدٍ ولا تلمس، لها أرجل ولا تمشي ولا تنطق بحناجرها. مِثلها يكون صانعوها بل كل مَن يتكل عليها" (مز115: 4 - 8). فابتهجت قلوبهم من حسن صوته ولانت عواطفهم ودخلوا الكنيسة وخرّوا عند قدمي أندراوس الرسول، فعلمهم ومن ثمَّ آمنوا بالسيد المسيح فعمدهم وكل من بقى من عابدي الأوثان.

ثم خرج من عندهم وأتى إلى بلاد الأكراد ومدن أكسيس وارجناس وأسيفوس، وكن قد مضى مع برثولماوس قبل ذلك إلى مدينة عازرينوس وكان أهلها أشرارًا لا يعرفون الله. فلم يزالا يبشرانهم ويعلمانهم حتى اهتدى إلى معرفة الله جمع كثير منهم بسبب الآيات والعجائب التي صنعاها أمامهم. أما الذين لم يؤمنوا فقد تآمروا عليه، وأرسلوا يستدعونه حتى إذا أقبل عليهم يثبون عليه ويقتلونه، فلما وصل إليه الرسل وسمعوا تعاليمه الحسنة ورأوا بهجة وجهه النورانية آمنوا بالسيد المسيح ولم يعودوا إلى الذين أرسلوهم. وحينئذ عزم غير المؤمنين على الذهاب إليه وحرقه، فلما اجتمعوا حوله لتنفيذ عزمهم صلى الرسول إلى الرب فرأوا نارًا تسقط عليهم من السماء فخافوا وآمنوا.

وشاع ذكر الرسول في جميع تلك البلاد وآمن بالرب كثيرون، ومع هذا لم يكف كهنة الأوثان على طلب أندراوس حيث ذهبوا إليه وأوثقوه وضربوه كثيرًا، وبعد أن طافوا به المدينة عريانًا ألقوه في السجن حتى إذا كان الغد يصلبونه. وكانت عادتهم إذا أماتوا أحدًا صلبًا أنهم يرجمونه أيضًا، فقضى الرسول ليله يصلي إلى الله، فظهر له السيد المسيح وقواه وقال له: "لا تقلق ولا تضجر فقد قرب انصرافك من هذا العالم"، وأعطاه السلام وغاب عنه، فابتهجت نفسه بما رأى.

ولما كان الغد أخذوه وصلبوه على خشبة ورجموه بالحجارة حتى تنيح، فأتى قوم من المؤمنين وأخذوا جسده المقدس ودفنوه. وقد ظهرت منه آيات وعجائب كثيرة.

السنكسار، 4 كيهك.

اندراوس وأونانيوس الشهيدان

كان هذان الأخان ابنين لأحد أكابر مدينة اللد بالشام، اتفقا منذ صباهما أن يترهبا، فقصدًا أحد أديرة وترهبا فيه.

انطلقا إلى القديس مقاريوس بشيهيت، وتتلمذا على يديه ثلاث سنوات، فكانا ينميان في حياتهما الروحية، شاع خبر نسكهما وفضائلهما في الرب.

أُختير أونانيوس أسقفًا وأندراوس قسًا، فرَعيا رعيّة المسيح بكل أمانة، وإذ سمع عنهما يوليانوس استدعاهما وطلب منهما إنكار الإيمان، وصار يعذبهما حتى استشهدا في 23 من شهر توت.

اندراوس وبولس وبطرس الشهداء

إذ جلس الملك داكيوس (ديسيوس) على العرش أثار الاضطهاد بعنف في أنحاء المملكة، ففي مدينة لامبساكوس بآسيا الصغرى أمسك الوثنيون شابًا مسيحيًا يُدعى بطرس قدموه إلى الوالي الذي قام بتعذيبه في دولاب به أسنان حديدية حتى يتهرأ جسده، أما فهو فكان يشكر الله وسط الآلام حتى مدحه الوثنيون أنفسهم، فأمر الوالي بقطع رقبته.

قٌدم لنفس الوالي ثلاثة من المسيحيين هم أندراوس وبولس ونيكوخاموس، وإذ سألهم عن إيمانهم اعترف الثلاثة بالإيمان، غير أن الثالث تكلم معه بعنف وشدة أنه مسيحي، ويبدو أنه كان معتدًا بذاته متشامخًا. وإذ رأى فيه الوالي عنفه أمر بتعذيبه أولاً أمام زميليه. فلما وُضع في الدولاب وبدأ جسمه يتهرأ لم يحتمل فصرخ أنه يجحد المسيح، فأنزلوه فصار يصرخ بعنف حتى مات فاقدًا حياته الزمنية والأبدية.

رأت ديونيسيا، وهي فتاة مسيحية في السادسة عشر من عمرها ما فعله هذا البائس، فصرخت بصوت حزين: "يا لك من شقي، ألقيت نفسك في عذابات أبدية خوفًا من العذاب الزمني"! سمع الوالي فاستدعاها، وإذ سألها عن إيمانها أجابت أنها مسيحية، فصار يهددها بحرقها بالنار، فأعلنت شوقها أن تُقدم محرقة حب لله. عرف أن سَر قوتها يكمن في نقاوة نفسها وجسدها فسلمها لشابين يفسدان عفتها، أما هي فقالت له: "اعلم أن الإله الذي أعبده أعظم منك وأقدر منك، يستطيع أن يخلصني ممن يريدون أن يفعلوا بي شرًا".

إذ أخذها الشابان إلى منزلهما وحاولا إفساد عفتها قاومتهما بقوة، وإذ صارا يصارعان معها ظهر ملاك الرب بنور عظيم فارتعبا، وجثوا عند قدميها يطلبان الصلاة عنهما، عندئذ أجابتهما أن هذا الملاك هو حارس لعفتها.

أُرسل أندراوس وبولس إلى السجن وهما حزينان على هلاك زميلهما نيكوخاموس، وفي الغد استدعاهما الوالي وهددهما أن يفعل بهما ما فعله بزميلهما فلم يخنعا، بل تحدثا معه بشجاعة. ضُرب القديسان بالسياط، وربطت أرجلهما بحبال، وكان الوثنيون يجروهما إلى خارج المدينة لرجمهما.

عرفت ديونيسيا بذلك فأسرعت إليهما وجثت عند أقدامهما غير مبالية بالحجارة المنهارة عليهما، فدهش الراجمون من شجاعتها وأبلغوا الوالي الذي أمر بقطع رأسها، فتهللت عند سماعها الخبر كمن هي متهللة بيوم عرسها. فقدمت هامتها للجلاد بفرح ليضربها بالسيف لتنال إكليل الاستشهاد.

اندراوس المحامي العام

كان الشهيد أندراوس محاميًا عامًا tribune، وقائدًا بجيش غاليروس تحت سلطة القائد أنطوخيوس في أيام دقلديانوس.

أُرسل للمحاربة ضد الفرس، استطاع بفرقته – التي بحسب ما جاء في المخطوطات الغربية تبلغ 2597 شخصًا - أن ينتصر. فقد سمع أن المسيح قدير وواهب نصرة، فسأله أن يسنده، وطلب من رجاله أن يفعلوا هكذا، وإذ غلبوا اشتاقوا إلى الحياة المسيحية.

وُشى بهم لدى أنطوخيوس الذي لم يرد أن يحوّل النصرة إلى قتل لرجاله، وإذ التقى بأندراوس وأدرك إصراره هو ورجاله على الإيمان، اكتفى بعزلهم عن الجيش بناء على مشورة غاليروس، حتى تحين فرصة مناسبة ينالون فيها عقابهم.

ذهب أندراوس ورجاله إلى بطرس أسقف قيصرية الكبادوك، ونال جميعهم سَر العماد.

سمع سيليسيوس، الحاكم العسكري لمنطقة كيليكية، فأرسل إليهم جماعة من الجند للقبض على المعمدين حديثًا وقتلهم، وهكذا نالوا إكليل الاستشهاد في 19 أغسطس سنة 303م.

اندرونيقوس البابا السابع والثلاثون

كان شماسًا في كنيسة الإنجيليين بالإسكندرية، عائلته من مقدمي الشعب، وكان تقيًا محبًا للفقراء وعالمًا. جلس على كرسي مار مرقس الرسول بعد البابا أنسطاسيوس عام 614م، في عهد هرقل قيصر، وبقيّ على الكرسي حوالي ست سنوات.

بسبب شرف عائلته لم يستطع الملكيون منعه من الدخول إلى الإسكندرية، فكان حَر الحركة، لم يقطن في دار البطريركية الملحق بالكنيسة وإنما اكتفى بالسكنى في قلاية ملحقة بكنيسة الإنجيليين، عاش فيها كل أيام باباويته، وقد تمتعت الكنيسة في بدء سيامته بالسلام حتى استولى كسرى ملك الفرس على مصر عام 620م في نهاية حياته، فرأى البابا ما حلَ بالمصريين من ضيق بيد الفرس، فكان يئن مع أنات شعبه، ينتقل بينهم يواسي الحزين، يضمد جراح المكلوم.

متاعب الفرس

إذ حلَ الجيش الفارسي بالبلاد كان يهيم ليخرب بلا هدف سوى الخراب في حد ذاته، فقد هاجموا الأديرة المحيطة بالإسكندرية وحطّموها تمامًا، وشتّتوا الرهبان القاطنين فيها. بعد ذلك اتجهوا إلى الإسكندرية حيث أعلن كسرى ملك الفرس أنه يود التفاهم مع المصريين، فجمع 80. 000 من الشباب والرجال، ما بين الثمانية عشرة والخمسين ثم أحاط بهم الجيش وأبادهم تمامًا.

انطلق الجند يقتلون الناس ويحطمون البيوت ويخربون القرى، ولم يقف الأمر عند هذا فقد أراد الملك أن يتدخل في الكنيسة وهو من عباد الشمس فطلب من المسيحيين أن يعتنقوا النسطورية التي حرمها مجمع أفسس المسكوني (راجع البابا كيرلس الكبير)، وإذ رفض الأقباط ذلك صار يضطهدهم.

تنيح في 8 شهر طوبة.

ايريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية، جـ2، 1983 م، ص 192 - 195.

اندرونيقوس الرسول

هذا القديس قد انتخبه السيد المسيح من جملة السبعين تلميذًا الذين أرسلهم أمام وجهه يكرزون بملكوت الله. وقد حلَّت عليه نعمة الرب المعزي في العلية فكرز مع التلاميذ. وقد ذكره بولس الرسول بقوله: "سلموا على أندرونيقوس ويونياس نسيبيَّ المأسورين معي الذين هما مشهوران بين الرسل وكانا في المسيح قبلي" (رو16: 7).

وقد بشَّر في مدن كثيرة صحبة يونياس، فردَّا كثيرين إلى الإيمان وأجريا آيات وشفيا مرضى وحوَّلا برابي الأصنام إلى كنائس.

ولما أكملا سعيهما وأراد الرب أن ينقلهما من هذا العالم، مرض الرسول أندرونيقوس قليلاً وتنيح بسلام. ولما كفنه يونياس ودفنه في مغارة صلى إلى الرب فتنيح هو أيضًا في اليوم الثاني والعشرون.

السنكسار، 22 بشنس.

اندرونيقوس الشهيد

في عهد الإمبراطور دقلديانوس وشريكه مكسيميانوس، حوالي سنة 304م، استشهد القديسون أندرونيقوس وبروبس وتاراخوس في بمبوبوليس Ponpeiopolis من أعمال كيليكية، وقد تعرضوا مع جماعة من الشهداء لعذابات كثيرة.

جاء في أعمال شهادتهم انهم قدموا لينومريان مكسيموس والي كيليكية، وبناء على أمره اقتيدوا إلى طرسوس العاصمة. هناك قدمهم ديمتريوس قائد المائة للوالي مكسيموس حيث ثم الحوار التالي مع تاراخوس:

ما اسمك؟

أنا مسيحي.

أخبرني باسمك لا بشرك.

أنا مسيحي.

اضربه على فمه ومُرْه ألا ينطق بغير ما يُطلب منه.

لقد قلت لك اسمي الحقيقي، وإن أردت أن تعرف الاسم الذي أعطاني إياه والدي فهو تاراخوس، وعند دخولي الجيش دُعيت فيكتور.

ما هو عملك؟ وما هي بلدك؟

أنا من عائلة رومانية، وُلدت في كلوديبوليس في آشور. كنت جنديًا، وتركت الجندية بسبب ديانتي. (كان بعض المسيحيين يتركون الجيش الروماني لأنهم كانوا يُلزمون بتقديم القرابين للأصنام قبل الحرب وبعده، وأحيانًا يُطردون منه بسبب ديانتهم).

شرك لم يؤهلك للجندية، ولكن كيف تركتها؟

سألت ذلك من القائد بابليوس، وقد سمح لي بذلك.

ارحم شيبتك، وأنا أكافئك إن أطعت أوامر سادتنا. قدم ذبيحة للآلهة، كما يفعل الأباطرة سادة العالم، وكن صديقًا لهم.

هم مخدوعون بالشيطان في هذا الأمر.

اكسِر فكيه إذ يقول بأن الأباطرة مخدوعون.

إنني أكرر ذلك، فهم كبشر قد خُدعوا.

ضحً للآلهة، واترك هذه الخرافات.

لن أستطيع جحد شريعة الله.

أيها البائس، هل توجد شريعة غير التي نحن نطيعها؟

نعم توجد، هذه التي تعصونها بتعبدكم للأصنام والحجارة التي هي من عمل أيديكم.

اضربه على فمه وقل له أن يكف عن غباوته.

ما تدعوه غباوة هو خلاص نفسي، الذي لن أتركه.

سأجعلك تتركه، وألزمك بالحكمة.

افعل بجسدي ما شئت فهو في سلطانك.

اجلده واضربه بالعصي.

وإذ صار تاراخوس يضرب قال: "الآن تجعلني أكثر حكمة. بضربتك أزداد قوة، وتنمو ثقتي في اللَّه وفي يسوع المسيح".

أيها البائس كيف تنكر تعدد الآلهة، وها أنت باعترافك تخدم إلهين؟ ألا تعطي اسم "الله" لشخص المسيح؟

نعم إنه ابن الله الحًي، رجاء كل المسيحيين، وعلة الخلاص لذا يتألمون لأجله، وهو واحد مع الأب.

كف عن هذا الكلام الباطل، وقدم تقدمة!

لست أنطق بكلام باطل، إنني قد بلغت الخامسة والستين من عمري، هذا ما قد اقتنيته، لن أترك الحق.

هنا تدخل ديمتريوس قائد المائة، وصار ينصحه أن يضحي للأوثان وينقذ حياته، لكن تاراخوس رفض نصيحته. أمر الوالي بأن يقيد بالسلاسل ويلقى في السجن، وأن يقدم له الثاني، ليدخل معه في الحوار التالي.

ما اسمك؟

اسمي الرئيسي والمكرم جدًا "مسيحي"، أما الاسم الذي لي في هذا العالم فهو بروباس.

ما هي بلدك؟ وأين مولدك؟

والدي من تراسيا، أما أنا فشخص عامي، ولدت في صيدا Sida التي ببامفيليا، أعترف بالمسيحية.

ضَح للآلهة واكسب صداقتي.

لا أطلب شيئًا من هذا، فقد كنت قبلاً ثريًا جدًا، وقدمت غناي لخدمة الله الحَي.

اضربه واجلده.

عندئذ يقول قائد المائة للوالي: "استرح فإنك سترى دمه يجري كالنهر".

افعل ما شئت بجسدي، فإن عذاباتك هي عذبة بالنسبة لي.

غباوتك هكذا لا تحتمل أيها الغبي.

إنني أحكم منك، إذ تعبد الشياطين.

اقلبه، واضربه على بطنه.

أيها الرب اسند عبدك!

اسأله مع كل ضربة أين هو منقذه!

إنه يسندني، وسيسندني، فإنني لا أبالي بعذاباتك ولا اسمع لك.

أنظر أيها الغبي إلى جسدك الممزق فقد امتلأت الأرض بدمك.

كلما تألم جسدي من أجل المسيح ازدادت نفسي قوة.

أمر مكسيموس بربطه في الدسق (خشبتان فيهما خروق يُقمط بهما على ساقي المذنبين)، واستدعاء الثالث، الذي قال إن اسمه أندرونيقوس، وإنه كان شريفًا من أشراف أفسس. هذا أيضًا رفض التضحية للأوثان بالرغم من تهديده بالموت العنيف.

تدخل أحد رجال الوالي، يُدعى أثناسيوس، لينصحه كأب أن يعتق نفسه من العذابات المعدة له، أما هو رفض أن يجحد مسيحه، معلنًا قبوله الآلام الجسدية برضى من أجل إيمانه. وبالفعل سقط تحت عذابات كثيرة حتى مُزق جسده، ووضع ملح على جراحاته وأخيرًا ربط عنقه وقدميه بسلاسل حديدية وأُلقى في السجن.

هذه هي المحاكمة الأولى، أما الثانية فتمت في بلاد ما بين النهرين (الميصة)، أمام نفس الوالي وفي حضرة ذات قائد المائة، وقد دخل معهم في حوار طويل سُجل في أعمال شهادتهم، يشبه الحوار السابق، وإنما ما استرعى انتباه الوالي أن جراحات الرجال قد شٌفيت، وإذ سأل الحراس عن سبب شفائهم أقسموا بحياته أنه لم يدخل أحد إليهم ليضمد جراحاتهم. أما أندرونيقوس فأعلن للوالي: "أيها الغبي، الطبيب مخلصنا قوي، يشفي الذين يعبدون الرب ويترجونه بكلمته دون أدوية. إنه يقطن في السماء، وحاضر في كل مكان، أما أنت فلا تعرفه".

تعرض الرجال لعذابات كثيرة وأُلقوا في السجن ليحاكموا للمرة الثالثة في Anazarbus حيث صدر الحكم بإلقائهم للوحوش المفترسة، في اليوم التالي في عرض شعبي عام، في مسرح يبعد حوالي ميلاً من المدينة.

إذ اجتمعت الجماهير تتطلع إلى هذا المنظر الوحشي، وفتحت أبواب الحيوانات المفترسة انطلقت جميعها إلى الرجال الثلاثة لتستأنس بهم وتلحس جراحاتهم، وكأنها تعلن أنها أكثر حكمة وعاطفة من الإنسان الجاحد المقاوم للحق.

في الحال ثار الوالي جدًا، ونادى الحراس وأمر بضرب الرجال بسيوفهم، كما طلب حراسة أجسادهم طوال الليل حتى لا يحملها المسيحيون. لكن الله أعلن خلال الطبيعة اهتمامه بهم، فحدث رعد شديد وأمطار مع عواصف، فاضطر الحراس إلى ترك الموقع وسط الظلام الكثيف ليأتي بعض المسيحيين الذين قادهم شعاع نور عجيب حتى حملوا الأجساد ودفنوا في مغارة بأحد الجبال المجاورة.

بركة صلواتهم تكون معنا آمين.

اندرونيقوس وأثناسيا

راجع القديسة أثناسيا (أثناسيوس).

انسانيوس الشهيد

يذكره الغرب في أول ديسمبر. وهو روماني المولد، يكرم كأول كارز في منطقة Seina.

قَبِل الإيمان المسيحي، وامتلأ قلبه غيره على خلاص كل نفس. سيم كاهنًا فكرز لكثيرين وعمدهم، حتى دعي بالمعمدان.

في عهد دقلديانوس ثار عليه والده، ووشى به فألقيّ القبض عليه لكنه هرب من روما إلي Tuscany، فصار في Bagnora. هناك ألقيّ القبض عليه وبعد تعذيبه قطعت رأسه خارج المدينة، ونال إكليل الشهادة.

انستاسيا الشهيدة

تقدم لنا أعمال الشهداء وسير الرهبان كثيرات ممن حملن اسم "أنستاسيا" في القرون الأولى، لعل تعلق المسيحيين بقيامة السيد المسيح وانشغالهم الدائم بقوة قيامته العاملة فيهم، جعل هذا الاسم محببًا لديهم، إذ أن اسم "أنستاسيا" إنما يعني "قيامة"، هذا بجانب وجود هذا الاسم قبلاً.

وسنكتفي هنا بذكر بعض الشخصيات الشهيرة الحاملة لهذا الاسم.

انستاسيا وباسيليسا

قيل إنه إذ استشهد القديسان بولس وبطرس الرسولان في عهد نيرون، حملت جسديهما ليلاً شريفتان من روما سبق فآمنتا على يديهما هما باسيليسا وأنستاسيا، ودفنتا الجسدين بإكرام جزيل.

إذ عرف نيرون بأمرهما استدعاهما وأمر بتعذيبهما وتقطيع جسديهما، وأخيرًا أمر بقطع رأسيهما في 15 من أبريل.

انستاسية الشهيدة

الشهيدة السابقة تمتعت بإكليلها في عهد نيرون الظالم، أما هذه فنالته في عهد داكيوس (ديسيوس) حوالي عام 250م، تحتفل الكنيسة القبطية بعيدها في أول بابه.

هي ابنة أبوين مسيحيين بروما، ربياها على مخافة الله، وكان قلبها ملتهبًا بحب الله، تشتاق إلى الحياة البتولية الملائكية منذ صغرها. وبالفعل التحقت بأحد بيوت العذراى بروما. كانت تمارس الحياة النسكية بحزم، حتى صارت تأكل مرة كل يومين، وفي الصوم الكبير لا تأكل سوى يومي السبت والأحد.

إذ كانت رئيسة البيت تذهب لتشترك في أحد الأعياد أخذت معها العذراء أنستاسية. رأتا الجند يعذبون بعض المسيحيين، فتوقفت العذراء أنستاسية لتوبخهم على ظلمهم وقسوة قلوبهم. قبض عليها الجند، وحملوها إلى الوالي حيث اعترفت أمامه أنها مسيحية. فعذبها عذابًا شديدًا، ثم صلبها وأشعل النيران تحتها، وإذ لم تنثن عن إيمانها أمر بقطع رأسها، ففرحت وتهللت، وأخذت تصلي لتحني رأسها أمام السيف وتنال إكليل الشهادة.

انستاسيا وخريسغونس

يلقبها الغرب بأنستاسيا الصغرى ليميز بينها وبين الشهيدة أنستاسيا، التي يحتفلون باستشهادها في 28 أكتوبر والتي ترد سيرتها بعد هذه القديسة مباشرة.

في روما

ولدت أنستاسيا في مدينة روما حوالي عام 275م، والدها شريف روماني يدعى بريتاسطاتوسPraetextatus وثني، وأمها إنسانة تقية مسيحية تدعى فلافيا، اهتمت بتربية ابنتها بفكر إنجيلي.

توفت والدتها فكان الكاهن الروماني خريسغونوس Chrysogonus يهتم بها روحيًا خفية دون علم والدها. ألزمها والدها بالزواج من شاب وثني يدعى بوبليوس شريف النسب فاسد الأخلاق، فكان ذلك سبب مرارة لنفس أنستاسيا، التي لم يكن أمامها طريق إلا الصلاة بدون توقف، حتى يسندها الله على هذه التجربة.

إذ التهبت نيران الاضطهاد الذي أثاره دقلديانوس اهتمت أنستاسيا بخدمة المعترفين الذين سجنوا بسبب الإيمان، وكان من بينهم أبوها الروحي خريسغونوس، فاكتشف زوجها الأمر وحسبه عارًا شديدًا يلحق بعائلته وعائلة والدها، فحاول ملاطفتها لتنكر الإيمان وتكف عن خدمة المعترفين فلم يفلح.

منع بوبليوس زوجته من الخروج من بيتها، أما هي فاستطاعت أن تبعث برسالة إلى أبيها الروحي في السجن تسأله الصلاة عنها، فرد عليها يطلب منها أن تحتمل الضيق بصبر ويشجعها على احتمال الآلام، محدثًا إياها عن الألم من أجل الرب كعلامة خاصة بالمختارين.

في أكويليا

سافر زوجها إلى بلاد فارس، وهناك مات، فشعرت بالحرية، إذ قامت توزع من ميراثها على المحتاجين وتنفق على خدمة المعترفين.

أصدر دقلديانوس أمره بنقل الكاهن خريسغونوس من روما إلى أكويليا Aquileia، فتبعته أنستاسيا لتخدمه وهو المعترفين الذين في السجون. ولم تمض فترة طويلة حتى استشهد الأب الكاهن، فالتهب قلب ابنته شوقًا لخدمة المسجونين بشجاعة نادرة وقوة. وإذ شعر بها والي الليريكوفلورس Illyricum بمقاطعة سيكافونياSirmium ألقيّ القبض عليها، وصار يذيقها ألوانًا من العذابات، وهي تحتمل بصبر.

قيل إنها وضعت في مركب مع مجموعة من المجرمين الوثنيين يبلغ عددهم حوالي 120 نسمة، وأيضًا معهم مسيحي تقي يدعى أوطخيانوس، وتركت المركب وسط البحر. ظهرت لهم القديسة ثيؤدوتا، التي قادت المركب بنفسها حتى بلغت بهم إلى البر في آمان، فآمن الوثنيون بالسيد المسيح.

نُقلت أنستاسيا إلى جزيرة بالماريا ومعها حوالي 200 رجلاً و70 امرأة، وهناك علقت على صليب في شكل حرف "X" مثل القديس أندراوس، وأحرقت بالنار وهي حيّة. أما الآخرون فاستشهدوا بطرق متنوعة.

نُقلت رفاتها إلى القسطنطينية في عهد البطريرك جناديوس ووضعت في كنيسة القيامة، ويحتمل أن تكون الكنيسة قد دُعيت هكذا على اسم القديسة، لأن "أنستاسيا" تعني "القيامة".

يعيد لها الغرب في 25 ديسمبر والكنيسة القبطية في 26 كيهك.

Rev. Baring - Gould: Lives of Saints

انستاسيا وكيرلس الشهيدان

قيل عن الشهيدة أنستاسيا (الكبيرة) إنها رومانية من أصل شريف، ارتبطت ببيت للعذارى تحت قيادة الأخت صوفيا، واستشهدت في حولي سن العشرين، وقد أظهرت شجاعة فائقة في الحفاظ على احتشامها واحتمال الآلام، دُعيت "عذراء روما".

تم استشهادها في روما في أيام الملك فالريان ورئيس ديوانه بروبس، حوالي عام 252م. إذ قُيدت هذه الشابة بالأغلال لإنكار إيمانها وإذ رفضت حكم عليها بالجلد، ولما أرادوا نزع ثيابها لتجلد عارية انتهرت بروبس بعنف ليس من أجل احتمالها الجلد، وإنما من أجل تعرية جسد فتاة، قائلة له إن هذا الأمر لهو مخزٍِ له أكثر مما هو مخزِ لها، وإنه لا يليق به أن يفعل ذلك قائلة له: "إنه لأمر مخزِ لك أيها القاضي، أما أنا فأكتسي بثوب الطهارة والبر". اغتاظ، وصب كل غضبه لتعذيبها بوحشية غير آدمية، أما هي فاحتملت في صمت، تصبر وتصلي.

مزقوا جسدها بمخالب من حديد، وأحرقوا بعض أعضاء جسدها بالنار، وفي هذا كله لم تتنهد بل كانت تصلي طالبة المغفرة لمضطهديها. وإذ شعر بروبس بعجزه أمام إيمانها أمر بقطع ثدييها وتكسير أسنانها ونزع أظافرها، وفي هذا كله بقيت أمينة لعريسها السماوي. أمر ببتر ساقيها وساعديها فصارت الدماء تسيل من كل جسدها بينما أعضاؤها مبعثرة بجوارها. أخيرًا قُطعت رأسها ونالت الفرح الحقيقي. قامت الأخت صوفيا بحمل جسدها وإخفائه، وقد نُقل بعد ذلك إلى القسطنطينية.

يذكر التاريخ أنها وسط هذه البِركة من الدماء طلبت لتشرب، فأسرع شاب مسيحي يُدعى كيرلس وقدم لها ماءً، فأمسكوه وضربوا عنقه، فنال إكليل الاستشهاد جزاء تنفيذه الوصية الإلهية: "من سقى هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره" (مت10: 42).

يعيد لها الغرب في 28 أكتوبر.

انستاسيا باتريكيا القديسة

✥ قيل إن القديسة أنستاسيا باتريكيا St. Anastasis Patricia من أصل شريف مصري، احتلت مركزًا في البلاط الإمبراطوري، وقد أُعجب بها الإمبراطور جوستنيان واشتاق أن يتزوجها بالرغم من أن زوجته ثيودورة كانت على قيد الحياة، فدبت الغيرة في قلب الأخيرة، بينما كانت الأولى قد عزمت ألا تكون إلا عروسًا للسيد المسيح، تكرس حياتها للعبادة.

✥ رحيلها إلى مصر

إذ كان الجو بالنسبة لها خانقًا وشعرت أن الإمبراطور يلاحقها، هربت مع القديس أنبا ساويروس الإنطاكي كإحدى الشماسات إلى الإسكندرية. هناك ترهبنت، أقامت ديرًا على نفقتها عند الميل الخامس في ظاهر الإسكندرية، دُعي فيما بعد "دير السيدة النبيلة (الشريفة)".

إذ توفت الإمبراطورة بدأ جوستنيان يبحث عنها ليعيدها إلى البلاط، فتخفت في زي الرجال ودعت نفسها "أنسطاسي الخادم"، وانطلقت إلى البرية.

✥ التقاؤها مع القديس دانيال

التقت بالأنبا دانيال حيث كشفت له أمرها، فعَين لها مغارة تبعد حوالي 18 ميلاً من الإسقيط، ووضع لها قانونًا لحياة الوحدة، وكان يُرسل لها تلميذه مرة كل أسبوع يمدها بما تحتاج إليه عند باب المغارة، ويأخذ شقفة من الخزف تكتب عليها القديسة أفكارها ليقرأها قمص البرية الأنبا دانيال. وكانت ترى القديس أنبا دانيال مرة كل أسبوع أثناء التناول من الأسرار المقدسة.

✥ بقيت في هذا الجهاد مدة 28 سنة لا يعرف أحد عنها شيئًا سوى قمص البرية، وفي يوم أحضر التلميذ قطعة الخزف وقد جاء فيها: "أحضر الأدوات وتعال هنا إلي".

✥ نياحتها

أدرك الأنبا دانيال أن وقت رحيلها قد حان فانطلق إليها وهو يبكي بمرارة، وكان يقول لتلميذه: "الويل للبرية الداخلية، لأن عمودًا سيسقط فيها. هلم يا ابني احمل الأدوات وأسرع بنا لنلحق القديس الشيخ لئلا نعدم صلواته، لأنه سائر إلى الرب". ولما ذهبا ووجداها مريضة بحمى شديدة، تناولت الأسرار الإلهية ورسمت وجهها بعلامة الصليب فأشرق وجهها وأسلمت الروح، وللحال انتشرت رائحة بخور زكية.

بكى الإثنان، وحفرا قدام المغارة قبرًا، وأعلم الأنبا دانيال تلميذه أن يلبسها الأكفان فوق ملابسها ثم دفناها وصليا.

✥ في الطريق أخبر التلميذ أباه أنه أبصر ثدييها يابسين، فروى له القديس قصتها وكيف كان العظماء يطلبونها باجتهاد عظيم، ولم يعرف أحد عنها شيئًا حتى تلك الساعة. وكانت نياحتها عام 576م.

✥ تُعيِّد لها الكنيسة في 26 طوبة، أما الكنيسة اليونانية واللاتينية ففي 10 مارس.

انسطاسيوس البابا السادس والثلاثون

✥ سيامته بطريركًا:

بعد نياحة البابا دميانوس توجهت الأنظار إلى كاهن كنيسة الإنجيليين الأربعة بالإسكندرية القمص أنسطاسيوس، ابن أحد أشراف مدينة الإسكندرية الذي تعلم بمدرسة الإسكندرية واشتعل قاضيًا في القصر، وقد عرف بتقواه وورعه مع غزارة علمه.

أجمع الشعب والإكليروس على سيامته بطريركًا، عام 598م (314ش).

✞ أعماله الرعوية:

كان الإمبراطور فوقا بالقسطنطينية يتسم بالعنف والبطش أكثر من غيره، فقد حَرَّم على البطاركة الأرثوذكس دخول الإسكندرية، تاركًا للملكيين (المعينين من قبل الإمبراطور) أن يغتصبوا أغلب كنائس المدينة العظمى، وكانت لهم سلطة مدنية وسياسية أكثر منها دينية. أما البابا أنسطاسيوس فبسبب شرف نسبه لم يجسر الولاة على منعه من دخول المدينة، فكان بحكمة وجرأة يتحرك داخل الإسكندرية وخارجها، وقد استرد ما استولى عليه الملكيون ورمّم بعضها إذ كان قد تخرب بسبب الاضطرابات التي يثيرها الملكيون. هذا وقد قام ببناء كنائس جديدة، واهتم بسيامة عدد كبير من الكهنة في مناطق متفرقة.

✞ اضطهاده:

كان أولوجيوس البطريرك الملكي شريرًا، رأى التفاف الشعب كله حول بطريركه، كما لاحظ احترام الوالي له، فأرسل إلى الإمبراطور فوقا - مغتصب العرش - يقول له إن الأنبا أنسطاسيوس قد جمع الشعب في كنيسة القديس يوحنا المعمدان، وأعلن حرمانه لمجمع خلقدونية ولكل مناصريه بما فيهم أولوجيوس والإمبراطور، فلما سمع فوقا ذلك كتب لوالي الإسكندرية يسأله اغتصاب بعض الكنائس وأوانيها من أنسطاسيوس وتسليمها لأولوجيوس، فاستولى الوالي على كنيسة القديسين قزمان ودميان وأمهما وأخوتهما بالقوة، إذ خرج على رأس كتيبة من الجند ومعه أولوجيوس، الأمر الذي أثار الشعب وقد استشهد عدد ليس بقليل من المؤمنين، ولم يسمحوا للجند أن يصلوا إلى باباهم. وإذ صار الموقف يتأزم يومًا بعد يوم انسحب البابا إلى برية شيهيت حزين القلب، يقضي أيامه ولياليه في الأصوام والصلوات بدموع لتتدخل العناية الإلهية. وقد تدخلت عناية الله إذ قام موريس على أخيه فوقا وقتله وجلس على العرش.

✞ في أيامه افتتح كسرى ملك الفرس بلاد الشام ووصل إلى حدود مصر يهددها ويتوعدها، وكان كثيرون من مسيحي سوريا قد هربوا إلى مصر ملتجئين إليها من ظلم الفرس، فكان البابا أنسطاسيوس يبذل كل الجهد ليخفف آلام هؤلاء اللاجئين ويسندهم. وهنا لا ننكر موقف البطريرك الملكي يوحنا الملقب بالرحيم، الذي كان قد جاء بعد ثيؤدورس خلف أولوجيوس، إذ كان يحمل لطفًا ورقة فقد بذل كل جهده للعطاء لهؤلاء اللاجئين، كما قدم عونًا للبابا أنسطاسيوس لهذا الهدف عينه، إذ كانت الكنيسة الملكية أكثر غنى من الكنيسة القبطية لأنها مستندة إلى السلطة الزمنية ومستولية على كل الممتلكات والإيرادات.

✞ استقبل البابا أنسطاسيوس البطريرك الأنطاكي أثناسيوس بحب شديد وإكرام بالإسكندرية واستضافه شهرًا، وكان قد سبق وكتب للبابا البطريرك عند سيامته رسالة غاية في اللطف والحكمة لتعود الشركة بين الكرسيين، بعد أن كان البطريرك بطرس السابق لأثناسيوس قد أثار شقاقًا.

✞ كتب البابا اثني عشر كتابًا عن الإيمان المستقيم في مدة جلوسه على الكرسي البالغة اثنتي عشرة سنة.

تنيح في 22 من شهر كيهك.

انسيمُس الشهيد

هو تلميذ القديس بولس الرسول. كان مملوكًا لرجل من رومية اسمه فليمون الذي كان قد آمن على يد القديس بولس لدى سماعه بتبشيره في رومية، وحدث أن سافر فليمون من رومية لأعمال خاصة فاستصحب أنسيمُس ضمن غلمانه وهناك أغوى الشيطان أنسيمُس فسرق بعض مال سيده وهرب إلى رومية. واتفق بالإرادة الإلهية أن حضر أنسيمُس تعليم القديس بولس الرسول فحفظه في قلبه وآمن على يديه وامتلأ قلبه بالنعمة وخوف الله، فتذكر ما سرقه من سيده ومن غيره، ولم يبقَ معه منه شيء يعيده إلى أربابه. فحزن وأعلم الرسول بولس بذلك، فطمأنه وكتب رسالة إلى سيده فليمون أعلمه فيها أن أنسيمُس قد أصبح تلميذًا للمسيح وابنًا لبولس بالبشرى ويوصيه أن يترفق به ولا يؤاخذه، بل يحسب ما خسره كأنه على الرسول.

فلما أوصل أنسيمُس الرسالة إلى سيده فليمون فرح بإيمانه وتوبته وعامله كتوصية الرسول، وزاد على ذلك بأن قدَّم له مالاً آخر فلم يقبل قائلاً أنا استغنيت بالمسيح، ثم ودعه وعاد إلى رومية. واستمر خادمًا للقديس بولس إلى حين شهادته واستحق أن يُقدَّم كاهنًا.

وبعد استشهاد القديس بولس قبض عليه حاكم رومية ونفاه إلى إحدى الجزائر فمكث هناك يعلِّم ويعمِّد أهل الجزيرة، ولما حضر الحاكم إلى تلك الجزيرة ووجده يرشد الناس إلى الإيمان بالسيد المسيح ضربه ضربًا موجعًا ثم كسر ساقيه فتنيح بسلام.

السنكسار، 21 أمشير.

انطون أبو طاقية المعلم

من رجال القرن الثامن عشر.

✞ عُرف بابو طاقية لأن والده كان يشتغل بتجارة الطواقي، أو لأنه زار نابليون في أواخر 1799م، وكان في حاجة إلى مال، نزع المعلم أنطون طاقيته من فوق رأسه وملأها له مالاً، فارتفع في عيني نابليون، وعيّنه في وظائف كبيرة، وإذ كان مترفقًا بالمصريين على وجه العموم في جمع الضرائب قبض عليه الفرنسيون وسجنوه في القلعة، حتى قام بدفع ما تأخر على البلاد، فدفعه من ماله الخاص.

✞ لما ترك الفرنسيون مصر قبض عليه محمد علي وقتله مع اثنين من كبار الأقباط، هما المعلم إبراهيم زيدان والمعلم عبد اللَّه بركات، في 8 بؤونه 1518ش (سنة 1802م)، وقام ببيع ممتلكاتهم في مزاد علني.

✞ في سنة 1853م سافر حفيده إلى باريس، وهو المعلم إبراهيم عوض، يطلب من نابليون الثالث المال الذي دفعه جده لنابليون الأول، فرد عليه بأن ما دفعه أبو طاقية إنما هو ضريبة قدمها عن الأقباط، ولم يعطه سوى نفقات سفره.

✞ القس منسى يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية، 1983م، ص 490، 491.

انطونيوس القديس أب الرهبان

✥ يعتبره العالم "أب الأسرة الرهبانية" ومؤسس الحركة الرهبانية في العالم كله بالرغم من وجود حركات رهبانية سابقة له.

✞ وُلد القديس في بلدة قمن العروس التابعة لبني سويف حوالي عام 251م من والدين غنيين. مات والده فوقف أمام الجثمان يتأمل زوال هذا العالم، فالتهب قلبه نحو الأبدية. وفي عام 269م إذ دخل ذات يوم الكنيسة سمع الإنجيل يقول: "إن أردت أن تكون كاملاً اذهب وبع كل مالك ووزعه على الفقراء، وتعال اتبعني" فشعر أنها رسالة شخصية تمس حياته. عاد إلى أخته الشابة ديوس يعلن لها رغبته في بيع نصيبه وتوزيعه على الفقراء ليتفرغ للعبادة بزهد، فأصرت ألا يتركها حتى يسلمها لبيت العذارى بالإسكندرية.

✞ سكن الشاب أنطونيوس بجوار النيل، وكان يقضي كل وقته في الصلوات بنسك شديد، لكن إذ هاجمته أفكار الملل والضجر صار يصرخ إلى الله، فظهر له ملاك على شكل إنسان يلبس رداءً طويلاً متوشحًا بزنار صليب مثل الإسكيم وعلى رأسه قلنسوة، وكان يجلس يضفر الخوص. قام الملاك ليصلي ثم عاد للعمل وتكرر الأمر. وفي النهاية، قال الملاك له: "اعمل هذا وأنت تستريح. صار هذا الزي هو زي الرهبنة، وأصبح العمل اليدوي من أساسيات الحياة الرهبانية حتى لا يسقط الراهب في الملل.

✞ في أحد الأيام نزلت سيدة إلى النهر لتغسل رجليها هي وجواريها، وإذ حَول القديس نظره عنهن منتظرًا خروجهن بدأن في الاستحمام. ولما عاتبها على هذا التصرف، أجابته: "لو كنت راهبًا لسكنت البرية الداخلية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الرهبان". وإذ سمع القديس هذه الكلمات قال في نفسه: "إنه صوت ملاك الرب يوبخني"، وفي الحال ترك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية، وكان ذلك حوالي عام 285م.

✞ استقر القديس في هذه البرية، وسكن في مغارة على جبل القلزم شمال غربي البحر الأحمر، يمارس حياة الوحدة. هناك حاربته الشياطين علانية تارة على شكل نساء وأخرى على شكل وحوش مرعبة.

✞ حوالي عام 305م اضطر أن يكسر خلوته ليلتقي بتلاميذ جاءوا إليه يشتاقون إلى التدرب على يديه، فكان يعينهم ويرشدهم، وإن كان قد عاد إلى وحدته مرة أخرى.

✞ إن كان هذا العظيم بين القديسين هو مؤسس نظام الرهبنة (الوحدة)، فإن حياته تكشف عن مفهوم الرهبنة المسيحية، خاصة نظام الوحدة:

أولاً: خرج للرهبنة بلا هدف كهنوتي، وكانت حركته شعبية لا كهنوتية، لا يطلب التدخل في التنظيم الكنسي، وحتى حينما أرسل إليه الإمبراطور قسطنطين يطلب بركته أرجأ الرد عليه، ولما سأله تلاميذه عن السبب؟ أجاب أنه مشغول بالرد على رسالة الله ملك الملوك، وبعد إلحاح بعث بالرد من أجل سلام الكنيسة.

ثانيًا: حبه الشديد للوحدة لم يغلق قلبه نحو الجماعة المقدسة، بل كان في عزلته يؤمن بعضويته الكنسية. لذلك عندما استدعى الأمر نزل إلى البابا أثناسيوس الرسولي (الذي تتلمذ على يدي القديس أنطونيوس)، وبدخوله الإسكندرية ارتجت المدينة، وخرج الكل متهللين لأن رجل الله قادم، وبالفعل عاد كثير من الأريوسيين إلى الكنيسة. مرة أخرى نزل إلى الإسكندرية يسند المعترفين في السجون ويرافقهم حتى ساحة الاستشهاد.

ثالثًا: مع محبته الشديدة للوحدة تلمذ القديس مقاريوس الكبير الذي أسس نظام الجماعات، كما فرح جدًا بأخبار باخوميوس مؤسس نظام الشركة ومدحه... هكذا لم يحمل روح التعصب لنظام معين!

رابعًا: عزلته لم تكن ضيقًا وتبرمًا، لذا كان الكل يدهش لبشاشته وتهليله الداخلي، وقد اتسم بصحة جيدة حتى يوم نياحته وكان قد بلغ المائة وخمسة عامًا.

خامسًا: قيل أنه كان أميًا لا يعرف القراءة والكتابة، لكنه كان يفحم الفلاسفة اليونان ببساطة قلبه، وقد جذب بعضهم إلى الإيمان. وعندما سأله بعضهم كيف يتعزى وسط الجبال بدون كتاب، قال لهم إن الله يعزيه خلال العقل الذي يسبق الكتابة.

✞ قيل إنه سُئل عن عبارة في سفر العبرانيين، فاتجه ببصره نحو البرية، ثم رفع صوته وقال: اللَّهم أرسل موسى يفسر لي معنى هذه الآية، وفي الحال سُمع صوت يتحدث معه، وكما يقول الأب أمونيوس إنهم سمعوا الصوت ولم يفهموه.

✞ من كلماته:

✞ حياتنا وموتنا هما مع قريبنا، فإن ربحنا قريبنا نربح الله، وإن أعثرنا قريبنا نخطئ ضد المسيح.

✞ أحزن البعض أجسادهم بالنسك، وبسبب عدم التمييز فهم بعيدون عن الله.

✞ يأتي وقت فيه يصاب البشر بالجنون، فإن رأوا إنسانًا غير مجنون، يهاجمونه، قائلين: أنت مجنون، إنك لست مثلنا.

✞ الطاعة مع الزهد يهبان البشر سلطانًا على وحوش البرية.

سيرة الأنبا أنطونيوس بقلم القديس أثناسيوس (ترجمة القمص مرقس داود).

انطونيوس الشهيد

كثيرًا ما يحدث لبس بين الشهداء الحاملين لهذا الاسم "أنطونيوس"، يذكر منهم شهيدين:

الشهيد أنطونيوس السوري

هو بنّاء حجارة سرياني، اتسم بالغيرة الشديدة ضد عبادة الأوثان.

عاش كمتوحد لمدة عامين، في نهايتهما عاد إلى مدينته وإذ وجد الناس يعبدون الآلهة الباطلة ذهب إلى هيكل وثن وصار يحطم الأصنام، فطرد من المدينة وذهب إلى Apamaea. أوكل إليه أسقف المدينة بناء كنيسة، فثار عليه الوثنيون وقتلوه، وكان قد بلغ حوالي العشرين من عمره.

الشهيد أنطونيوس البباوي

القديس أنطونيوس أو "أندونا"، ولد بيا - بصعيد مصر - من أبوين صالحين رحومين. سمع عن عذابات الشهداء فذهب إلى إريانا والي أنصنا، واعترف أمامه بالسيد المسيح، فأمر برميه بالنشاب (الرماح)، وإذ لم يناله أذى، خشيّ أن يؤمن المشاهدون بمسيحه، فقيّده وأرسله إلى أرمانيوس والي الإسكندرية مع أبيماخوس وشهيدين آخرين، فسجن أرمانيوس الثلاثة وصلب أنطونيوس منكس الرأس، وإذ لم يصبه أذى، صار يعذبه فكان يتمجد الله فيه. أرسله إلى والي الفرما حيث سجنه فالتقى مع القديس مينا وفرحا ببعضهما البعض.

قام والي الفرما بتمشيط جسم القديس أنطونيوس بأمشاط حديدية، كما وضعه في خلقين ثم قطع رأسه في شهر أبيب، فنال إكليل الاستشهاد.

انطيخوس وسيرياس الشهيدان

استشهدا في القرن الثالث.

في سبسطية احتمل الطبيب أنطيخوس Antichus الاستشهاد بفرح، في عهد الملك أدريان، فقد سلم رقبته للسياف سيرياس Cyriac فصار الدم ينزف بفيض. تأثر السياف بمحبة الشهيد وفرحه، وقبِل الإيمان بمسيحه ليسلم نفسه أيضًا للاستشهاد بفرح.

Rev. Baring – Gould: Lives of Saints, July 15.

انقراطيس الشهيدة

استشهدت في عهد الإمبراطور دقلديانوس، حوالي عام 304م (16 ابريل)، بواسطة الوالي داسيان (داكيان).

كان الشاعر الأسباني برودنتيوس يفتخر بأن مدينة ساراجوسًا قدمت للفردوس عددًا من الشهداء، لم تقدمه أي مدينة أسبانية أخرى. وقد ذكر في قصيدة شعرية أحداث استشهاد القديس أوبثاتيوس، وسبعين آخرين شهدوا للسيد المسيح في يوم واحد، ذكرهم بأسمائهم من بينهم الشهيدة أنقراطس التي دعاها "الفتاة المتقدة"، "ذات الروح الفائق"، هذه التي تعرضت للعذابات الشديدة من تجريح في جسدها وتكسير لعظامها ونزع لأظافرها وبتر لثدييها وفتح لبطنها وسحب أحشائها وكبدها، وأخيرًا أُلقيت بهذه البشاعة في السجن وقطعت رأسها لتنال إكليل الاستشهاد.

انوراتوس أسقف آرلي

نشأته

وُلد في بلاد الغال (فرنسا)، من عائلة شريفة غنية وثنية، فنال قسطًا وافرًا من الثقافة. أُعجب منذ صباه بالإيمان المسيحي، فدخل في صفوف الموعوظين يستمع كلمات الوعظ، فكان والداه حزينين.

إذ نال سر العماد، وشعر والداه أنه ينفق الكثير مما يناله على الفقراء والمحتاجين، أرادا استمالته للوثنية خلال الإغراء، فكانا يقدمان له الثياب الفاخرة، ويصحبه والده إلى الولائم العالمية والملاهي، أما هو فقد أدرك الحيلة، وفي هدوء كان يقمع جسده ويستعبده خلال الأصوام والصلوات والسهر مختليًا مع عريس نفسه. بهذا لم يخلص فقط من الفخاخ التي كان العدو ينصبها له خلال والديه، وإنما استطاع أيضًا أن يجتذب أخاه فيننسيوس، لينفردا معا في منزل خارج المدينة يمارسون الحياة التقوية النسكية.

هروبه من المجد الزمني

اجتذبت سيرة الأخين كثير من أهل المدينة، فشعرا بأن المجد الأرضي يلاحقهما، لذا قررا أن يوزعا أموالهما على المحتاجين ويهربا إلى البرية. استشارا الشيخ كابرازيوس الذي كان في موضع أبيهما الروحي فاستحسن رأيهما. انطلق الأخان إلى مرسيليا ليبحرا إلى موضع بعيد بالشرق، وهناك ذاع صيتهما بالأكثر. إذ تنيح فيننسيوس بمدينة ميطون ببلاد الشرق عاد أنوراتوس مع بعض أصدقائه إلى مرسيليا بفرنسا، ومنها إلى حيث قطن على شاطئ البحر. فإذ سمع عنه المؤمنون صاروا يلتفون حوله يطلبون صلواته إرشاداته. خشيّ الأسقف لئلا يترك القديس إيبارشيته، إذ كان يعلم أنه يهرب من المجد الزمني، لذلك سأله إن كان يذهب إلى جزيرة مهجورة تتبع إيبارشيته تدعى ليرين، كان الناس يحسبونها أرضًا ملعونة فهجرها الكل وامتلأت بالأفاعي.

في جزيرة ليرين

تحولت الجزيرة المهجورة إلى مركز روحي قوي، فقد التف الكثيرون حول القديس يتتلمذون على يديه، ورُسم كاهنًا. بني كنيسة وديرًا لرهبانه الذين تزايدوا جدًا.

أسقف آرلي بفرنسا

إذ رقد أسقف آرلي اتفقت آراء الإكليروس والشعب على سيامة أنوراتوس أسقفًا عليهم، وكان ذلك عام 426م، بعد أن قضى حوالي 35 عامً بالجزيرة أبًا لكثيرين.

اهتم بالفقراء فتحول مسكنه إلى ملجأ لكل محتاج، كما درب شعبه على حب العبادة بروح التقوى. وإذ جاء أقرباؤه يلتفّون حوله عاملهم كغرباء، قائلاً إن إحسان الأسقف لأقربائه هو سرقة لحق الكنيسة والفقراء.

إذ حل به مرض شديد شعر أن نهاية أيامه على الأرض قد اقتربت، فصار يحث الأغنياء والمكرمين ألا تبهرهم الكرامة الزمنية، بل يذكروا غربتهم على الأرض، حاثًا إياهم على الاهتمام بالفقراء، وأخيرًا تنيح عام 429م.

تُعيِّد له الكنيسة اليونانية في التاسع عشر من شهر يناير.

انوسنت الأول

القديس أنوسنت أسقف (بابا) روما، وقد تنيح في 12 مارس 417م.

ولد في البانو Albano بالقرب من روما، خلف القديس أناستاسيوس على كرسي روما حوالي عام 401م، وقد أظهر في سنوات أسقفيته الـ 16 حيويّة في العمل، وإن كنا لا نعرف الكثير عن حياته الشخصية.

كان في روما حين حاصرها ألارك الغوصي في بدء عام 408م، وقد شاهد شعبه وهو يهلك جوعًا، والجثث الملقاة في الطرق أدت إلى انتشار الوباء. باطلاً جاهد مجلس الشيوخ أن يُقيم معاهدة مقبولة، فقد احتقر ألارك مرسليهم.

في 24 أغسطس 410م سقطت روما بواسطة الغنوصيين، وكان القديس في ذلك الوقت في زافينا، وكان يسعى وراء الإمبراطور هونوريوس ليرسل عونًا للمدينة، ويقيم سلامًا مع الغازين بشرائهم بالمال، ولكن إذ فُتحت روما لهم وتحطمت، تركا الغزاة بعد 6 أيام خرابًا وانطلق ألارك ورجاله إلى الجنوب ليغزوا المدن الغنية الحصينة، فعاد القديس يرثي مدينته بمرارة.

في عهده دخلت شمال غرب أفريقيا في صراع مع أتباع بيلاجيوس، الذي أراد تأكيد الحرية الإنسانية بطريقة مبالغ فيها، فتجاهل عمل النعمة الإلهية وأنكرها، كما أنكر الخطية الأصلية. وقد جاء رد الفعل في مقاومة القديس أغسطينوس لهم، في تأكيد عمل النعمة بقوة، حتى كاد أن يتجاهل الحرية الإنسانية، وقد كتب أساقفة شمال غرب أفريقيا للأسقف كي يستدعي بيلاجيوس ويحرمه.

انوسنت أسقف تورونا القديس

وُلد هذا القديس في تورونا Torona بشمال إيطاليا.

كان قلبه ملتهبًا بمحبة الله، قدم أمام القضاء متهمًا بالمسيحية، وإذ طُلب منه إنكار الإيمان رفض بقوة. سقط تحت العذابات، وأخيرًا حُكم عليه بالموت بشده على قائمة ليحرق حيًا.

بالليل رأى والده في حلم يطلب منه أن ينطلق إلى روما ليجد هناك نجاة، وبالفعل استيقظ ليجد الحراس نيامًا بطريقة غير طبيعية، فهرب بسهولة.

في روما التقى بالأسقف القديس ميلياديس.

قام الأسقف سيلفستر بسيامته شماسًا، وفي أيام قسطنطين الإمبراطور سيم أسقفًا على تورونا فاهتم بنشر الإيمان بين الوثنيين، وتحويل المعابد الوثنية إلى كنائس بعد أن فرغت من العابدين كما أقام كنائس جديدة.

Butler’s Lives of Saints, April 17.

انيانوس البابا الثاني

✥ هو أول أسقف رسمه القديس مرقس الرسول، والبابا الثاني لكرسي الإسكندرية.

✞ كان ابنًا لوالدين وثنيين، وكان يعمل إسكافيًا. وإذ دخل القديس مرقس الإسكندرية وجال في شوارعها تهرأ حذاؤه، فأعطاه لأنيانوس ليصلحه. وإذ كان يغرز فيه المخرز نفذ إلى الجهة الأخرى وجرحه، وصرخ من الألم باليونانية: "إيسثيؤس" أي "يا الله الواحد". للحال أمسك القديس مرقس ترابًا من الأرض وتفل عليه ثم وضعه على الجرح وشفاه باسم السيد المسيح.

تعجب أنيانوس من ذلك فبدأ القديس مرقس يبشره بالإله الواحد، فآمن هو وأهل بيته، وتعمدوا باسم الثالوث القدوس والابن والروح القدس.

✞ فتح أنيانوس بيته ليضم فيه المؤمنين، وكان ملازمًا تعليم الرسول مرقس. وإذ عزم الرسول أن ينطلق إلى الخمس مدن الغربية أقامه أسقفًا على الإسكندرية عام 64م، فظل يبشر أهلها ويعمدهم سرًا.

✞ تحول بيته إلى كنيسة، وبقيّ يخدم حوالي 22 سنة ثم تنيح بسلام في 20 هاتور من سنة 86م، صلاته تكون معنا، آمين.

انيسيا الشهيدة

الشهيدة أنيسيا Anysia St. فتاة مسيحية من تسالونيكي، مات والداها وتركا لها ميراثًا ضخمًا، فصادقت الفقراء والمساكين كأحباء تهتم بهم وتسندهم.

في حوالي عام 304م إذ كانت الفتاة منطلقة إلى الكنيسة التقى بها أحد الجنود عند بوابة كاسندرا، وإذ أوقفها وصار يسألها عن اسمها وإلى أين هي ذاهبة، أجابته بشجاعة إنها مسيحية ذاهبة للشركة في الصلاة والعبادة. حاول أن يحثها أن تذهب معه تعبد الإله "الشمس" فرفضت، وإذ أمسك بالحجاب ينزعه عن وجهها عاملته بحزم، فاستل سيفه وضربها به في جنبها وتركها في الطريق تسلم الروح بعد ساعات قليلة.

أقام أهل تسالونيكي كنيسة تذكارًا لها، ويحتفلون بتذكارها في الثلاثين من ديسمبر.

بلا شك أن "أنيسياس أو أنيسيوس Anysius, Anysias" أسقف تسالونيك الذي تنيح حوالي عام 410م أخذ هذا الاسم عند عماده خلال ظروف استشهادها.

انيسياس أسقف تسالونيك

في عام 383م ذهب القديسان بولينوس أسقف نولا وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص إلى تسالونيك حيث كان الأسقف انسخوليوس Anascholius قد تنيح حديثًا، وقد اختير تلميذه أنيسيوس خلفًا له عام 383م. وكما سبق فقلنا غالبًا ما أخذ هذا الاسم عند عماده تذكارًا لاستشهاد القديسة أنيسيا. وقد كتب إليه القديس إمبروسيوس قائلاً له إنه سمع عن غيرته الروحية، راجيًا أن يكون خير خلف للأنبا أسخوليوس، متشبهًا بإليشع كخلف لإيليا النبي.

المذبحة المحزنة

لا يستطيع أحد أن يصور الحزن الذي ملك على قلب هذا الأسقف بسبب المذبحة التي حدثت في تسالونيك، بناء على أمر الإمبراطور ثيؤدوسيوس. أما سبب هذه المذبحة فهو أن بوثيرك Botheric قائد الفرق الملكية في المنطقة والمقيم في تسالونيك، ألقى في السجن سائق المركبة التي تستخدم في الساحة إذ ضُبط محاولاً ارتكاب جريمة مشينة. وإذ حلّ عيد كبير توسلت الجماهير لدى القائد أن يطلق الرجل من أجل العيد، فيفرح الكل ببهجة الموكب، لكن القائد أصر على عدم إخراجه من السجن، وإذ صارت الجماهير تصرخ مطالبة بخروجه استخدم القائد التصلف، ففقدت الجماهير وعيها وأخذت تلقيه هو وبعض رجاله بالحجارة حتى ماتوا.

سمع الإمبراطور ثيؤدوسيوس فاغتاظ جدًا، وأمر بأن يجتمع شعب تسالونيك، في الساحة، وصدرت الأوامر للجند ألا يتوقفوا عن القتل حتى يُقتل سبعة آلف نسمة، وكان الجند ينفّذون الأمر بوحشية وعنف.

قيل إن أحد التجار كان قد أخذ أولاده إلى المحفل، وصار يتوسل إلى الجند أنه بريء وأن يتركوه من أجل أولاده فأجابوه أنه لا استثناء لأحد، مهما يكن الأمر.

قيل أيضًا إن عبدًا رأى سيده في خطر فتقدم أمامه ليقبل ضربة السيف في صدره وينقذه.

لام روفينوس كبير العاملين في القصر موقف ثيؤدسيوس هذا بكونه عملاً بربريًا غير لائق، كما سبب هذا الحدث متاعب بين القديس إمبروسيوس والإمبراطور، ولم يسترح الأول حتى قدم الأخير توبة علنية حتى لا يتكرر الأمر.

مجمع كابيوا Capua الاقليمي

انعقد تحت رئاسة هذا الأب عام 391م لإدانة بونوسيوس Bonosus أسقف سرديكا، الذي أنكر دوام بتولية القديسة مريم، وادعى أنها أنجبت يعقوب وغيره، وقد حكموا بفرزه.

صداقته لذهبي الفم

قام أيضًا بدور إيجابي في الدفاع عن القديس يوحنا الذهبي الفم، حيث اضطر إلى الذهاب إلى القسطنطينية للدفاع عنه.

وقد تنيح عام 410م (30 ديسمبر).

انيستوس أسقف روما

القديس أنيستوس Anicetus St. سرياني الجنس، صار أسقفًا على روما بعد القديس بيوس، حوالي عام 157م، في نهاية حكم الإمبراطور أنطونيوس بيوس.

اهتم بمقاومة الهرطقات خاصة التي أثارها فالنتين ومرقيون.

التقى به القديس بوليكربس أسقف سميرنا، وتناقشا معًا حول الهرطقات والإيمان المستقيم، كما اجتمعا معًا بسبب تحديد موعد الفصح المسيحي (عيد القيامة المجيد)، وكما يقول يوسابيوس المؤرخ إنهما اختلفا في الرأي لكن دون أن يفقدا رباط الحب بينهما.

قيل إنه استشهد أو على الأقل تنيح على أثر العذابات والآلام التي احتملها.

Baring - Gould: Lives of Saints, April 17.

انبا أهرون القديس

نشأته

ولد من أبوين تقيين هما توما البار وأنسطاسية حوالي عام 530م، بمدينة سروج التي تنسب إلى سروج بن رعو الذي عاش 230 سنة وأنجب تارح جد إبراهيم أب الآباء، وهي قريبة من مدينة حاران بالعراق.

أراد وهو صبي أن يخرج مع رعاة أبيه لينعم بجمال الطبيعة، فوافق أبوه على مضض إذ كان يخاف عليه كابن وحيد، وإذ خرج انطلق معهم إلى الصحاري ليرى من بعيد دير "الذخائر"، فزاره وتبارك من الآباء والنساك فيه واستمع إلى أحاديثهم التي سحبت قلبه وألهبته بالحب الإلهي.

طلب من الراعي الملازم له أن يتركه يقضي ليلة بالدير ليعود في اليوم التالي يأخذه، وتحت الإلحاح وافق الراعي. فقضى الصبي الليلة فرحًا متهللاً، شارك الآباء صلواتهم الجماعية وقضى بقية الليلة يصلي، حتى إذ جاء الصباح التقى برئيس الدير وسأله أن يقبله بالدير، وإذ رأى الرئيس صدق نيته بعد أن كشف له عن متاعب الرهبنة قبله.

عاد الراعي إليه فلم يقبل الرجوع معه، الأمر الذي أربك الراعي وصار يتوسل إليه أن يعود حتى يسلمه لوالده فلم يقبل.

موقف الوالدين

التقى الراعي بالوالد وروى له ما حدث وكان مرتبكًا للغاية، فطمأنه الوالد وشكره على حسن رعايته لابنه، الأمر الذي أدهش الراعي.

حمل الوالدان هدايا كثيرة وانطلقا إلى الدير ليلتقيا بابنهما الصغير إهرون، الذي سألاه أن يعود معهما. أعلن لهما صدق شوقه للحياة الرهبانية فتعزّيا جدًا، فسألاه أن يصلي لأجلهما.

توحده

عاش في الدير أكثر من عشر سنوات ينمو في حياة الفضيلة والنسك مع التأمل، وكان محبوبًا من جميع الرهبان بسبب تقواه ومحبته لهم وخدمته إياهم، لكن فكر الوحدة كان يلتهب في داخله، فطلب من رئيس الدير والآباء الرهبان أن يصلوا من أجله ويباركوه، ثم انطلق إلى البرية ليجد مغارة على قمة الجبل.

عاش القديس إهرون في حياة التجرد الكاملة، لا يملك شيئًا، ولا يأكل إلا بعض النباتات وقليلا من الثمار التي يجدها على بعض أشجار تنمو بجوار نبع صغير.

في أرمينيا

قيل إنه بعد ثلاث سنوات من توحده أرشده ملاك أن ينزح إلى جبل الأرمن ليتتلمذ على يدي متوحد قديس يدعى "غريغوريوس الناسك" وبالفعل ذهب هناك، ومارس الحياة النسكية، متفرغًا للصلاة والتأمل، ووهبه الله عطية شفاء المرضى وإخراج الشياطين، حيث بقيّ هناك لمدة ثلاث سنوات أيضًا.

في أورشليم

انطلق القديس غريغوريوس ومعه تلميذه الأنبا إهرون نحو أورشليم لينالا بركة الأماكن المقدسة، لكن القديس غريغوريوس رقد في الرب وهو في الطريق، فبكاه تلميذه.

أكمل أنبا إهرون مسيرته، وكان يتنقل بين المدن والقرى، يشفي باسم السيد المسيح كثيرًا من المرضى ويخرج شياطين.

ذهب إلى مدينة آمد، من الإيبارشيات التابعة لكرسي القسطنطينية، ربما تكون هي مدينة آمون الحالية بيوغسلافيا، فاستقبله أسقفها أنبا تادرس الذي ألح عليه ليقبل نعمة الكهنوت.

واصل القس إهرون مسيرته، وإذ كان ينتقل من مدينة إلى مدينة التف حوله بعض من راغبي الرهبنة، فأقام ديرًا صغيرًا وبقيّ فيه أربعة أعوام يرشدهم ويدربهم، ثم باركهم ليواصل رحلته.

في الطريق استخدمه الله للكرازة بين جماعة من الوثنيين، إذ سمح الله أن يقيم لهم ميتًا باسم السيد المسيح فآمنوا واعتمدوا بعد أن علمهم طريق الخلاص.

بلغ القس إهرون أورشليم، ونال بركة القبر المقدس والأماكن المقدسة، ثم عزم على العودة إلى ديره "الذخائر" ليجده قد تخرب فحزن جدًا.

إلى جبل الأرمن

انطلق ثانية إلى جبل الأرمن حيث كان يقيم مع أبيه غريغوريوس الناسك، وبقيّ مدة حوالي ثلاث سنوات لينتقل إلى نهر الفرات ويعيش فيما بين النهرين. وهناك تتلمذ على يديه حوالي خمسين شابًا أقام لهم ديرًا يعيشون فيه.

استدعاه الملك إلى القسطنطنية ليصلي على ابنته المريضة التي شفيت بصلاته، فأمر ببناء كنيسة ومجموعة من القلالي بديره.

عاش القديس بين أولاده الروحيين الذين تزايد عددهم، وإذ بلغ حوالي 118 سنة ودّعهم بعد أن أوصاهم بالمحبة وعدم الخروج من الدير، كما أرشدهم إلى أخ حبيب يُدعى توما ليكون مسئولاً عنهم فيطيعوه، ثم أسلم الروح وهو يصلي.

اهل مغارة أفسس القديسون

احتلت قصة أهل مغارة أفسس أو ما يسميهم السريان "أهل الكهف" مركزًا خاصًا لدى مؤرخي السريان وأدبائهم، سجلها الكثيرون نثرًا، كما كتبها مار يعقوب السروجي (521م) في قصيدة على الوزن السباعي تقع في أربعة وسبعين بيتًا. ولا يزال بعض السواح إذ يزورون آثار أفسس القديمة، يقصدون بجوار هيكل أرطاميس وكاتدرائية مار يوحنا زيارة كهوف أهل الكهف.

في أيام داكيوس

إذ تولى داكيوس (ديسيوس) الحكم سنة 250م أثار الاضطهاد ضد المسحيين، وقد زار أفسس وطلب من أشرافها أن يقدموا الذبائح للأوثان، مستخدمًا كل وسائل العنف، حتى سلم الآباء أبنائهم للقتل، وتحاشى الأصدقاء لقاء أصدقائهم لشدة الضيق، إذ كان يُقتل حتى الوثنيين إن لم يدلوا على أماكن المسيحيين، فتحولت المدينة كلها إلى حالة من الرعب.

وشى البعض لديه بأن جماعة من الشبان في القصر لا يطيعون أمره، هم مكسيمليانوس ويمليخا ومرتيلوس وديونيسيوس ويؤانس وسرافيون وقسطنطينوس وأنطونيوس. أحضرهم الإمبراطور وسألهم أن يذبحوا للأوثان وإذ رفضوا جردهم من رتبهم وأعطاهم فرصة للتفكير.

قام الشبان بتوزيع أموالهم على الفقراء، وانطلقوا سرًا إلى كهف كبير في جبل أنجيلوسOchlon يمارسون العبادة منتظرين لقاءهم الثاني مع الإمبراطور عند عودته، إذ ترك المدينة إلى حين، وكان معهم بعض الدراهم.

كان يمليخا يرتدي ثوبًا باليًا، ينزل من حين إلى آخر إلى المدينة ليشتري ما هو ضروري لهم.

عاد يمليخا بعد فترة يؤكد لزملائه مدى ما وصلت إليه المدينة من اضطراب بعودة الإمبراطور إليها.

استدعى الإمبراطور آباء هؤلاء الشبان وهددهم بالموت، فقالوا له إن الشبان قد سلبوا مالهم وبددوه على الفقراء وأنهم مختفون في كهف في الجبل لا يعرفون إن كانوا أحياء أم أمواتًا. عندئذ أخلى سبيلهم، وأمر أن يُسد باب الكهف بحجارة ليصير لهم قبرًا وهم أحياء.

وإذ كان أنتودورس وآوبوس وكيلا الملك مسيحيين مؤمنين سرًا، تشاورا معًا، وكتبا إيمان هؤلاء الشبان على صحائف توضع داخل صندوق نحاس يُختم ويترك عند مدخل الكهف إكرامًا لأجساد القديسين.

في أيام ثيؤدوسيوس بن أركاديوس

بقيّ الحال هكذا وقد رقد الرجال وصاروا أشبه بمن هم نعاس حتى ملك ثيؤدوسيوس الصغير سنة 408م، وكان رجلاً ورعًا تقيًا. وإذ ظهرت في أيامه بدعة تنكر قيامة الأجساد، اضطرب الملك نفسه وتشكك، فلبس المسوح وافترش الرماد خفية يصرخ إلى الله طالبًا أن ينزع عنه هذه الوساوس.

إذ كان راعِ للغنم يود بناء حظيرة بجوار الكهف بدأ رجاله يقلعون الحجارة فنزعوا حجارة باب الكهف، وإذا بالفتية في اليوم التالي يقومون بأمر إلهي لرسالة خاصة، قاموا كمن كانوا في نوم ليلة واحدة.

نزل يمليخا إلى المدينة ومعه بعض الفضة ليشتري بعض الضروريات، وكم كانت دهشة إذ رأى علامة الصليب منحوتة على باب المدينة، وقد تغيرت كل ملامح المدينة تمامًا، حتى اختلط الأمر عليه هل كان هو في حلم أم في حقيقة. فقرر أن يشتري خبزًا وينطلق إلى اخوته يتباحث معهم في الأمر. وإذ قدم بعض الدراهم للخباز دهش الرجل إذ وجدها ليست العملة السائدة في أيامه، وظنه أنه وجد كنزًا يرجع إلى أيام داكيوس (ديسيوس). اجتمعت الناس حوله تسأله عن الكنز الملوكي الذي وجده، فكان يشخص إليهم مندهشًا، فحسبوه يخفي الكنز.

رآه الكل شابًا غريبًا، فسألوه عن أصله وجنسه، فأجابهم أنه من المدينة وأخبرهم عن أسماء والديه واخوته وعشيرته، وأنه كان يعمل في القصر فحسبوه مجنونًا. هاجت المدينة كلها، وإذ سمع الأسقف ماريس استدعاه، وكان يمليخا يظن أنه سُيقدم لداكيوس ليقتل، وكم كانت دهشته إذ وجد نفسه في كاتدرائية أمام أسقف، وكان قد حضر الوالي أنتوباطس، فأخذ الشاب يروي لهما قصته مع زملائه الشبان، فلم يصدقا شيئًا.

عند الكهف

انطلق يميلخا ومعه الأسقف وكبار القوم إلى الكهف للتأكد من صدق قوله، وهناك إذ دخلوا الكهف وجدوا الصندوق النحاس وقرأوا الصحائف التي به وتحققوا من الأمر.

سمع الملك بذلك فأسرع بالحضور، وجاء يتحقق الأمر وهو يشكر الله الذي أكَد له القيامة عمليًا، وإذ التقى بهم سجد أمامهم وعانقهم وبكى، ثم جلس على التراب فرحًا. أكد له مكسيملياس أن الله قد سمح لهم بذلك من أجل إيمان الكنيسة، ثم رقد الشبان ودفنوا في مواضعهم بعد أن بسط الملك حلته الملوكية على أجسادهم وهو يبكي.

أراد الإمبراطور أن يقيم لهم توابيت ذهبية، فظهر له المعترفون في حلم، قائلين له: "إن أجسادنا قد بُعثت من تراب، ولم تبعث من ذهب أو فضة، فدعونا على التراب في نفس موضعنا من الكهف ذاته، لأن الله سيبعثنا من هناك".

تُعيِّد لهم الكنيسة السريانية في 24 من شهر تشرين الأول.

مار أغناطيوس زكا الأول عيواص: رائحة المسيح الذكية، 1984م، ص 13 - 33.

اوبتاتيوس الأسقف

لا نعرف الكثير عن حياة هذا الأسقف الذي حسبه القديس أوغسطينوس زينة الكنيسة الجامعة من أجل حياته الفاضلة، وضمه مع القديسين كبريانوس وهيلاري أسقف بواتييه.

هو أسقف مدينة Milevis بنوميديا، في شمال أفريقيا، في القرن الرابع.

إذ قام الدوناتست في شمال أفر يقيا وولاية صغيرة بإيطاليا يعلنون انقسامهم عن الكنيسة الجامعة، حاسبين أنهم كنيسة الله الواحدة المقدسة، وكل ماعداهم يجب إعادة عماده لينضم إليهم بكونهم قديسين، وقد قام بارمنيان Parmenian أسقف قرطاجنة، بنشر مقال عن مبادئهم، فكان أوبتاتيوس Optatius هو أول كاتب يفند أخطاءهم، حوالي عام 370م، ثم عاد فأضاف إليه أجزاء أخرى عند مراجعته للمقال بعد 15 عامًا.

كتب مقاله بغيرة متقدة بطريقة روحية بناءة.

في مقاله أكد جامعية الكنيسة في العالم، وانشقاق الدوناتست عن الكنيسة المقدسة.

كما تحدث عن علاقة الكنيسة بالدولة، قائلاً إن الكنيسة في الدولة، وليست الدولة في الكنيسة (وإن كان قد انحاز إلى كرسي روما لتبعيته له).

تحدث أيضًا عن الخطية الأصلية وضرورة التجديد بالمعمودية، ووصف طقوس القداس الإلهي متحدثًا عنه كذبيحة حقيقية، وعن التوبة وتكريم رفات القدسيين.

قام القديس أوغسطينوس بتطوير المقال في تفنيده حجج الدوناتست.

Butler’s Lives of Saints, June 4.

اوبليوس الشهيد

استشهد الشهيد أوبليوس St. Euphius في عهد الإمبراطور دقلديانوس في 12 أغسطس 304م، في كاتانيا من أعمال Sicily.

اوتروبيوس أو أتروبيوس الشهيد

ذهب إلى فرنسا مع القديس دينيس ليمارسا العمل الكرازي، وإذ أقام في Saintes كأسقف عليها (في القرن الثالث)، ربح كثيرًا من الوثنيين، فطُرد من المدينة، واضطر أن يُقيم في كهف في صخرة مجاورة مكرسًا حياته للعبادة وإرشاد من يقدم إليه. على يديه آمنت اوستلا Eustella ابنة الحاكم الروماني، وإذ اكتشف والدها ذلك ذبحه، وقامت الابنة بدفنه في كهفه (بتلر: 30 ابريل).

اتونومسي الأسقف الشهيد

يُقال إنه من رجال القرن الرابع الميلادي، كان أسقفًا على إحدى مدن إيطاليا، وإذ ثارت زوبعة الاضطهاد على المسيحيين في أوائل القرن الرابع، اضطر أن يترك بلاده، وصار يتنقل من مدينة إلى أخرى، حتى استقر في إقليم بيثينية بآسيا في بيت رجل فاضل يدعى كرنيليوس.

أظهر الأب حبًا لمن حوله، وضم الكثير من الوثنيين إلى الإيمان بالسيد المسيح وبنى لهم كنيسة باسم رئيس الملائكة ميخائيل، ترك رعايتها بين يدي كرنيليوس الذي سيم في الغالب كاهنًا، وانطلق الأسقف الروماني يكرز ثم عاد يفتقد كرنيليوس، ففرح جدًا بسبب نمو الكنيسة وتعزى قلبه.

في أحد الأيام اقتحم بعض الوثنيين الأشرار الكنيسة وقتلوه بالسيف وهو يقدس!.

اوتيموس الشهيد

ولد هذا القديس بفوة، وإذ فاحت رائحة تقواه في الرب واستقامة حياته سيم قسًا على بلده، فكان يرعى شعب الله ويهتم بتعليمهم وتثبيتهم على الإيمان خاصة وقت الضيق.

سمع عنه إريانا والي أنصنا فاستدعاه، وعرض عليه العبادة للأوثان، فلم يذعن لأمره، وإذ عذبه كثيرًا كان الرب يسنده ويقويه.

أمر الوالي بحرقه حيًا فنال إكليل الشهادة في 3 بشنس.

اوجرافيوس الشهيد

جاء في "أعمال الشهداء" الروماني واليوناني أن أوجرفايوس Eugraphius كان خادمًا لشريف بالإسكندرية يُدعى "مينا"، سمع أنه قبل الإيمان المسيحي سرًا وأنه يضم كثير من الوثنيين للإيمان المسيحي، فأرسل إليه أحد كبار رجاله يُدعى هيرموجينس، وإذ تحقق الأمر قدم مينا للمحاكمة، فصار يتكلم أربع ساعات متصلة اجتذبت قلوب الكثيرين.

هيرموجينس أمر بثقب قدميه وسحبه منهما، وقطع لسانه، وفقأ عينيه، وإلقائه في السجن. وإذ رآه قد شُفيّ تمامًا آمن وبعض جنوده بالسيد المسيح، وتقدم الكل معًا للاستشهاد، مينا وخادمه وهيرموجنيس وبعض جنوده، وكان ذلك على ما يظن في 10 ديسمبر 308م.

اوجين القديس

كلمة "أوجين" أو "أوكين" أو "أفكين" مشتقة من "أفشين" أو "أوشية" وتعني "صلاة".

نشأته

وُلد القديس أوكين بالقلزم قرب البحر الأحمر، وكان معاصرًا للقديس أنبا أنطونيوس، كان عمله استخراج اللآلئ الثمينة من قاع البحر، وبيعها ليتصدق بأغلب أثمانها على الفقراء.

رهبنته

عاش يمارس مهنته حوالي 25 عامًا، مارس فيها أعمال محبة ورحمة للفقراء، وإنقاذ السفن بما لديه من خبرة ومهارة في أعمال البحر، بعدها اشتاق إلى الحياة الرهبانية، فجاء إلى أحد أديرة القديس باخوميوس بالصعيد، وأقام بالدير أيامًا قليلة، ثم عاد إلى بلده بالقلزم، ومنها إلى الميصة (ما بين النهرين) ومعه سبعون رجلاً يتتلمذون على يديه.

سكن القديس في مغارة قرب مدينة نصيبين، وحوله سكن تلاميذه، ثم أنشأ في نفس الموضع ديرًا أقام فيه مدة 30 عامًا في عبادات حارة وأعمال روحية، فتكاثر عدد تلاميذه حتى بلغوا 350 راهبًا، وكان القديس يعلمهم من الكتب المقدسة ونواميس الرهبنة وحياة الجهاد والعبادة.

تعرف مار أوكين على القديس يعقوب الذي صار فيما بعد أسقفًا على نصيبين، وقد تنبأ له بذلك وكان الأخير يستشيره في أمور الإيبارشية.

ذاع صيته جدًا ووهبه الله موهبة شفاء المرضى، حتى آمن كثير من الوثنيين على يديه بسبب هذه المعجزات.

رقد في الرب وهو شيخ، وقد رأى تلميذه ملاكًا حضر لأخذ روحه. وقد دُفن بديره بمدينة نصيبين، ومازال دير مار أوكين (أو مار أوجين) موجودًا في سفح جبل الأزل المطل على نصيبين، التابع لكنيسة السريان الأرثوذكس.

بركة صلواته تمون معنا آمين.

القمص بفنوتيوس السرياني: روحانية التسبحة، جـ5، 1976، ص 59 - 60

اوجينيا الشهيدة

قيل إن أوجينيا أو أوجني هي عذراء رومانية جاءت مع والدها فيليب ووالدتها وأخواتها إلى الإسكندرية، حيث عمل والدها كقاضِ للمدينة من قبل الإمبراطور.

إذ تلقت الفتاة تعليمها الفلسفي والأدبي على أيدي فلاسفة إسكندريين مؤمنين، رأت فيهم صورة حية للإيمان المسيحي، فأحبت السيد المسيح واعتمدت سرًا، وإذ سمعت عن العذارى والمتبتلين اشتهت هذه الحياة لتكريس كل قلبها وطاقاتها للعبادة الروحية.

خرجت من القصر مع اثنين من الخدم مسيحيين يدعيان بروتس وهيسينس مختفية في زي رجل وانطلقت خارج المدينة تلتقي ببعض النساك كانوا يعيشون في أكواخ منفردة، حيث تتلمذت على يدي أحدهم على أنها شاب خصي محب لله.

قيل إن امرأة شريرة اتهمتها بالزنا معها، فاُلقيّ القبض عليها ومثلت أمام والدها القاضي ليحكُم عليها بالموت، وكانت في صراع بين قبولها للموت بفرح وبين خلاص والدها، وقد فضلت الأمر الأخير، فالتقت به على انفراد وكشفت له أمرها، ففرح بها فرحًا شديدًا، وأخذها معه إلى البيت معلنًا إيمانه بالسيد المسيح.

قيل إن والدها اعتزل عمله وكَرس حياته للعبادة والخدمة فصار أسقفًا (حسب النص اللاتيني)، وقد استشهد أثناء ممارسته للقداس الإلهي.

انطلقت أوجينيا مع والدتها كلوديا وأخواتها إلى روما، وكانوا عاملين في كرم الرب، وسرَ قبول كثير من الوثنيين للإيمان، وقد انتهت حياتهم بالاستشهاد.

دُفنت الشهيدة البتول أوجينيا في مقابر Apronian في الطريق لاتينا، بعد ذلك أُقيمت كنيسة باسمها تجددت في القرن الثامن.

Buttler; lives of the Saints, Dec 25.

اوجينيوس الشهيد

يذكر "أعمال الشهداء الروماني" مجموعة من الشهداء الأرمن، غالبًا استشهدوا في عهد الإمبراطور دقلديانوس (13 ديسمبر).

في مقدمة هذه المجموعة القديس أوستراتيوس الذي يقدم لنا حوارًا هامًا مع القضاة بخصوص الإيمان المسيحي، مناقشًا عبارات من أفلاطون ومن الأشعار اليونانية.

تحمّل هذا القديس الأرمني مع خادمه أوجينيوس وصديقه مارداريوس وأوكسنتيوس عذابات كثيرة من أجل الإيمان، وقد تأثر بهم أحد الجنود يُدعى أورستس الذي آمن واستشهد معهم أيضًا بحرقهم أحياء.

أجسادهم نقلت إلى روما، ودفنت في كنيسة القديس أبوليناريس.

اوخيريوس الأسقف

تنيح عام 449م (16 نوفمبر)، ويعتبر من أشهر رجال كنيسة ليون بفرنسا وأساقفتها بعد القديس إيريناؤس.

وُلد في بلاد الغال من أسرة شريفة، وتزوج "غالة" التي أنجبت سالونيوس وفبرانيوس اللذين تَرهبا بدير ليرنز Lerins، وصارا أسقفين. أوخيروس نفسه بعد فترة انسحب إلى ليرنز، وقد دعاه القديس يوحنا كاسيان هو وهونوراتوس - أب دير ليرنز - مثلين لهذا الدير، ونموذجين هامّين للحياة الرهبانية.

إذ اشتاق لحياة الوحدة انطلق القديس إلى جزيرة مجاورة، تُدعى حاليًا "سانت مرجريت"، حيث كتب هناك كتابه عن "حياة الوحدة"، يمتدح فيه هذه الحياة، كل من يقرأه يلتهب قلبه بزهد العالم والانطلاق للتكريس لحساب ملكوت الله، مشبهًا الحياة الزمنية كالبرق الذي يضيء، لكن إلى لحظات ليختفي ويتلاشى!.

يقول كاسيان عنه أنه أشرق كنجم لامع في العالم بكمال فضيلته، وكنموذج حيَ للتدبير الرهباني بحياته العملية.

أخيرًا، أُلزم بترك خلوته إلى ليون، ربما عام 434م، فيظهر كراعِ أمين، متضع في قلبه، غني في فضائله، قوي في عظاته، صاحب معرفة روحية عميقة.

بنى كنائس كثيرة ومراكز روحية في ليون أيام أسقفيته. وسط كتاباته توجد رسالة هامة تعتبر مستندًا تاريخيًا لقصة القديس موريس والكتيبة الطيبية.

اودكسية

راجع أفدوكيا.

اوذكسيا

راجع أفدوكيا.

اور الأب

الأب أور هور غير الأب بيئور، ولا يقِلّ عنه في الشهرة.

أحد رهبان نتريا، كان يعيش مع الأب تادرس "ثيودور" تلميذ القديس أمون، غالبًا في قلاية مشتركة، ذكره المؤرخ بالاديوس بعد القديس أمون مباشرة.

ولا نعرف كثيرًا عن حياته وإنما وردت بعض أقوال له في الأبوفثجماتا (كتابات وأقوال للآباء الرهبان)، ونجد الأب شيشوي Sisoes كثيرًا ما يسأله كتلميذ يسأل أباه الروحي.

تنيح حوالي عام 390م بعد زيارة الراهبة ميلانيا (373 - 374م) لنتريا، ربما قُبيل مجيء القديس بالاديوس 390م، أو عند مجيئه، إذ قال: "على هذا الجبل – نتريا - عاش راهب اسمه أور، شهدت جماعة الاخوة كلها بفضيلته العظمى، خاصة ميلانيا تلك التي هي [رجل الله الأنثىFemale man of god]، والتي جاءت قبلي إلى الجبل. إنني لم أر أور حيًا قط، لكن قيل عنه إنه لم يكذب قط، لم يلعن قط، لم يتكلم إلا عن اضطرار". كما جاء عنه:

اعتادوا أن يحكوا لنا عن الأب أور والأب تادرس أنهما إذ كانا يبنيان قلاية من الطين، قال أحدهما: لو جاء اللَّه يفتقدنا الآن، ماذا نفعل؟ وبدموع تركا الطين، ومضى كل واحد منهما إلى قلايته.

قال الأب أور لتلميذ بولس: "انتبه يا ولدي ألاّ تأتي بكلام غريب إلى هذه القلاية".

توسل الأب شيشوي إلى الأب أور قائلاً: "قُل لي كلمة يا أبتِ". قال له: "وهل تثق بي؟" قال: "نعم". قال له: "اذهب واعمل ما تراني أعمله أنا". فقال له: "وماذا أرى فيه يا أبتِ". قال له الشيخ: "إن فكري دون جميع الناس".

قال الأب أور: "الاتضاع هو إكليل الراهب".

وقال أيضًا: "في كل تجربة لا تلم أحدًا، بل نفسك فقط، قائلاً:" إن هذه أصابتني بسبب خطاياي ".

اورانوس الأسقف

يرى البعض أنه أول أسقف سيم في الصعيد.

كان عالمًا في الفلك بمدينة أخميم، لاحظ ما طرأ على الطبيعة في وقت الصلب، فصار يدرس هذه الظاهرة مثل ديوناسيوس الأريوباغي، فآمن بأن الطبيعة تشهد لربها.

التقى بإنيانوس أسقف الإسكندرية الذي سامه القديس مرقس الرسول، فتحقق من صدق دراسته، واعتنق المسيحية، وصار يكرز بها بين الوثنيين، فسامه إنيانوس كأول أسقف على أخميم.

إبراهيم صبري معوض: مجموعة القصص المسيحية المسلسلة، مجموعة 3، ص27، 38.

اوربان الأسقف الشهيد

روماني المولد، سيم أسقفًا (بابا) على روما بعد القديس كالكستوس الأول، عام 223م.

في عهد الإمبراطور الكسندروس وأمه ماميا، كانت الكنيسة بوجه عام تتمتع براحة، لكن بعض الحكام والولاة كانوا يمارسون الاضطهاد ضد المسيحيين.

استٌدعيَ الأسقف مع كاهنين وثلاثة شمامسة، وكان الجميع مختفيًا في سرداب، ووقفوا أمام والي المدينة ترسوس الماخوسي، ووجهت إلى الأسقف عدة اتهامات باطلة. ضُرب وألقي في السجن، فحوّل السجان أنولينوس إلى الإيمان، ثم حُكم عليه بقطع رأسه في 25 مايو 230م.

اورسولا الشهيدة

قصة الشهيدة أورسولا Ursula St وعذراواتها البالغات 11,000 عذراء استشهدن معًا على أيدي الهون (شعب اجتاح أوربا في القرن الرابع)، في منطقة كولوني Cologne يجتاحها بعض الغموض.

يرى البعض أن هذه الفتاة هي ابنه ملك مسيحي ببريطانيا، طُلبت للزواج بابن ملك وثني، وإذ أرادت أن تعيش بتولاً أجَلت الأمر ثلاث سنوات، وأخيرًا أخذت عشر نساء نبيلات وإحدى عشر ألفًا من صاحباتها وأبحرن في سفن كبيرة نحو روما، وإذ كانت الرياح مضادة ذهبن إلى Cologne حيث قتلهن الهون هناك من أجل إيمانهن بالمسيحية، خاصة أن أورسولا قد رفضت الزواج برئيسهم.

Dictionary of Chrstian Church, p. 1418.

اورسيسيوس القديس

الأب العام الثالث لحركة الرهبنة الباخومية (نظام الشركة)، إذ تسلم قيادة جميع الأديرة الباخومية بعد بترونيوس الذي خلف القديس باخوميوس أب الشركة.

حياته الأولى

اتسم القديس أورسيسيوس Horseiesi بحياة تقوية فاضلة، خاصة الاتضاع، ومع إنه لم يكن من تلاميذ القديس باخوميوس الأولين لكنه إذ التحق بالدير انتفع جداً من القديس حتى استحق أن يختاره ضمن كثيرين آخرين ليدير "دير كنوبسك Chensbosque" بقصر الصياد (مركز دشنا محافظة قنا). ولما تعجب البعض من هذا التصرف إذ كان لا يزال أورسيسيوس شاباً أجابهم القديس باخوميوس إنه قد نال تقدماً عظيماً في الحياة الروحية مما جعله سراجاً وهّاجاً يتألق في بيت الرب.

رئاسته العامة

إذ اختار القديس باخوميوس بترونيوس خلفاً له، لم يبق في هذا العمل سوى 13 يوماً، حيث جمع رؤساء الأديرة قبيل نياحته يسألهم ترشيح رئيس عام للأديرة، وإذ سألوه أن يختار لهم رشح القديس أورسيسيوس الذي رفض بدموع كثيرة وأخيراً اضطر أن يقبل.

سلك بروح أبيه القديس باخوميوس، فكان في وداعة ومحبة لا يتوقف عن افتقاد الأديرة، وكانت له أحاديث روحية شيقة، حفظ لنا القليل منها. كان يحث الكل على دراسة الكتاب المقدس، وحفظ القوانين الباخومية.

وفد لمقابلة البابا أثناسيوس

إذ رجع القديس أثناسيوس إلى كرسيه مكرماً كنبوّة القديس باخوميوس أرسل وفداً من الرهبان، وفي الطريق إذ علموا أن القديس أنطونيوس في الجبل الخارجي قرروا الذهاب إليه ونوال بركته. فاستقبلهم بحرارة شديدة وإذ علم منهم بنياحة القديس باخوميوس أخذ يعزيهم ويشجعهم.

انقسامات ديريه

إذ كان الوباء الذي انتشر، وبه قد تنيح الأنبا باخوميوس، والأنبا بترونيوس، قد قضى على كثير من رؤساء الأديرة، فقد سبب ذلك نوعاً من الاختلال في تدبير الأديرة، إذ طمع بعض الأخوة في هذه المراكز. فكان عمل الأنبا أورسيسيوس شاقاً للغاية، وقد حاول بث روح الاتضاع بينهم بوداعته ولطفه كما بمواعظه.

أعطى أبولون رئيس دير منكوز Moncose (بباخانس مركز فرشوط محافظة قنا) الإشارة الأولى للانقسام، إذ أراد أن يكون للدير استقلاله المادي فيحتفظ فيه بما هو أكثر من الحاجة، فصار أورسيسيوس ينصحه باللطف تارة والحزم تارة، خاصة أن آخرين حاولوا الامتثال به، الأمر الذي أحزن قلب القديس.

إذ تمررت نفس القديس جداً اشتاق أن يترك الرئاسة لغيره أو يشرك أحداً معه، فاعتكف للصلاة بدموع، فأرشده الله في رؤيا أن يسند الأمر للقديس تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس. استراح الأب لذلك، خاصة أن تادرس كانت له معزة كبيرة لديه بل ولدى الجميع لما اتسم بع من عذوبة اتضاعه.

استدعى الأب رؤساء الأديرة فيما عدا تادرس، وعرض الأمر عليهم ففرحوا جداً، وأرسلوا يستدعونه ليكون أباً عاماً، وكان أرسيسيوس قد انسحب بهدوء إلى دير كنوبسك منعاً للإحراج، وإن كان قد اضطر للعودة إذ أصر تادرس ألا يقبل العمل دون التفاوض معه.

برجوعه أقنع القديس تادرس أن يقبل العمل ثم عاد إلى دير كنوبسك، ومنه إلى دير منكوز الذي منه انطلقت أول شرارة للانقسام ليعلن أنه لا يحمل ضيقاً من جهة رهبانه، أو لكي يمارس حياة الطاعة.

اعتبر تادرس نفسه نائباً لأورسيوس، فكان يذهب إليه ليستشيره في كل شيء بالرغم من بعد المسافة، وشعر الرهبان في كل الأديرة بدالة الحب العجيبة التي تربط بينهما، فكان ذلك موضع عجبهم وتعزيتهم.

خلال هذا الحب المتبادل انتعشت الأديرة الباخومية كثيراً، وإن كان قد بقيّ قلة قليلة من الرؤساء ينشغلون بمال الأديرة مما أحزن قلبي الأبوين.

نياحة القديس تادرس

كان القديس تادرس قد أخبر القديس أورسيسيوس أنه قد نال وعداً من الله وهو يصلي على مقبرة أبيه أنه لا يدوم على الأرض كثيراً، وبالفعل لم يبق كثيراً، فحزن الأب أرسيسيوس جداً، إذ كان في اتضاعه يشعر أن تادرس أقدر منه في قيادة الأديرة، فقد طلب من الله بدموع أن يأخذه هو ويترك تادرس للعمل، وكان يصرخ ساجداً على الأرض. لكن الله طلب نفس القديس تادرس ليتسلم أورسيسيوس القيادة من جديد في جو من الهدوء حتى تنيح بسلام حوالي سنة 380م.

المعتقد أنه أضاف مع القديس تادرس بعض البنود إلى القانون الذي وضعه القديس باخوميوس حسب ما رأيا ذلك لازماً بالنسبة للظروف، لذلك نجد عنوان القانون الذي ترجمه القديس جيروم هو: "وصايا وضعها ثلاثة من القدماء".

تراثه الأدبي

بجانب عظاته الروحية العميقة، ترك لرهبانه حتى نياحته مقالاً في النسك يحوي إيجازاً لما وجده في الكتاب المقدس بعهديه يناسب احتياجات الرهبان على وجه الخصوص، ألحقها القديس جيروم بنظام باخوميوس.

توجد له أيضا رسالة هامة كتبها القديس ثاوفيلس الإسكندري لأورسيسيوس بها تفاصيل هامة عن ليتورجية أسبوع الآلام بالإسكندرية، وعن مشاركة القديس أورسيسيوس في الاحتفال بعيد القيامة في مصر.

J. Quasten: Patrology, vol. 3; Butler, June 15.

مليكة حبيب، يوسف حبيب، القديسان بترونيوس وأورسيسيوس، 1975.

اوري الشطانوفي الشهيد

كان القديس أوري قسًا لشطانوف، وقد كان كثير الرحمة طاهرًا جسدًا ونفسًا حتى استحق أن يعرف الأمور المستقبلة بالإعلان الإلهي.

وبلغ خبره إلى والي نقيوس فاستحضره وعرض عليه التبخير للأوثان، وإذ لم يوافقه عذبه كثيرًا ثم أرسله إلى الإسكندرية، وهناك عذب أيضًا بعذابات أليمة. ولما ألقوه في السجن كان الله يجري على يديه آيات كثيرة، فشاع خبره وتقاطرت إليه الناس من كل فج، وعرف بذلك الوالي فأمر بقطع رأسه المقدسة، فنال إكليل الشهادة.

السنكسار، 9 مسرى.

اوريجينوس العلامة

تبقى شخصيته محيّرة فإن كان بعض الدارسين مثل كواستين وغيره يشهدون لدوره الفعّال في الاهتمام بالكتاب المقدس، وقد تأثر به حتى مقاوموه، لكن الكنيسة القبطية وقد شعرت بخطورة تعاليمه حرمته في حياته بينما الكنائس الخلقيدونية حرمته في أشخاص تابعيه سنة 553م وذلك لما وجد في كتاباتهم عن وجود النفس السابق للجسد، وإن جميع الخليقة العاقلة حتى الشياطين ستخلص الخ...

لقب العلامة أوريجينوس بـ "أدمانتيوس" أي "الرجل الفولاذي"، إشارة إلى قوة حجته التي لا تقاوم وإلى مثابرته.

طفولته

يعتبر أوريجينوس ابن مصر الأصيل، يبدو أنه ولد في الإسكندرية حوالي عام 185م. اهتم به والده ليونيدس Leonides فهذبه بمعرفة الكتاب المقدس، وقد أظهر الابن شغفاً عجيباً في هذا الأمر.

يُقال إن والده كثيراً ما كان يقف بجوار الصبي وهو نائم، ويكشف صدره كأن روح الله قد استقر في داخله، ويقبله بوقار معتبراً نفسه أنه قد تبارك بذريته الصالحة.

استشهاد ليونيدس

عاصر الاضطهاد الذي أثاره سبتيموس ساويرس عام 202م، والذي كان أكثر عنفاً على الكنيسة المصرية، حتى ظن كثيرون أن هذا الاضطهاد هو علامة على مجيء "ضد المسيح".

أُلقيّ القبض على ليونيدس ووضع في السجن، أما أوريجينوس الذي لم يكن بعد قد بلغ السابعة عشر من عمره فكان يتوق بشغف إلى إكليل الاستشهاد مع والده. وفي اللحظة الحاسمة منعته أمه من تحقيق رغبته بإخفاء كل ملابسه حتى يلتزم البقاء في المنزل ليرعى شئون أخوته الستة. فأرسل إلى أبيه يحثه على الاستشهاد، قائلا له: "أحذر أن تغير قلبك بسببنا".

معلم الأدب

إذ صودرت ممتلكات ليونيدس بعد استشهاده صار أوريجينوس وعائلته في عوز، لهذا التجأ إلى سيدة غنية رحبت به، لكنه لم يحتمل البقاء كثيراً، لأن معلماً هرطوقياً يدعى بولس الإنطاكي استطاع أن يؤثر عليها ببلاغته فضمته إلى بيتها، وتبنته، وأقامته فيلسوفاً خاصاً بها، وسمحت له أن ينشر هرطقته بإلقاء محاضرات في بيتها.

لم يستطع أوريجينوس ـ وهو بعد صغير السن ـ أن يشترك في الصلاة مع هذا الهرطوقي متمسكاً بقوانين الكنيسة، فترك البيت وعكف على تدريس الأدب الدنيوي والنحو لينفق على نفسه وعلى عائلته.

وجد أوريجينوس في تدريسه للوثنيين الأدب والنحو فرصته للشهادة للإيمان المسيحي قدر ما تسمح الظروف، فكان يعلن عن مركز اللاهوتيات بين الكتابات اليونانية، وبهذا اجتذب أوريجينوس بعض الوثنيين الذين جاءوا يطلبون أن يسمعوا منه عن التعاليم المسيحية من بينهم بلوتارخس الذي نال إكليل الاستشهاد وأخوه هيراقليس (ياروكلاس) الذي صار بطريركاً على الإسكندرية.

أوريجانوس ومدرسة إسكندرية

إذ تركت مدرسة الإسكندرية بلا معلم بسبب الاضطهاد، ورحيل القديس أكليمنضس، عين البابا ديمتريوس أوريجينوس رئيساً للمدرسة وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره.

أوقف أوريجينوس كل نشاط له وباع كل كتبه الثمينة المحبوبة لديه، ليكرس حياته بالكامل للعمل الجديد الذي أوكل إليه كمعلم للموعوظين.

تتلمذ على يديه كثيرون نذكر على سبيل المثال القديس الكسندروس أسقف أورشليم الذي كان يتطلع إلى أوريجينوس كمعلمه وصديقه.

وإني أود أن أشير هنا إلى دور العلامة أوريجينوس في تطور المدرسة:

1. ألقى العلامة أوريجينوس بنفسه بكل طاقاته لا لدراسة الكتاب المقدس والتعليم به فحسب، بل وفي تقديم حياته مثلاً للحياة الإنجيلية. في هذا يقول القديس غريغوريوس العجائبي: "لقد جذبنا بأعماله التي فعلها أكثر من تعاليمه التي علمنا إياها".

اتسم أيضا بالحياة النسكية مع ممارسة الصلاة بكونها جزءاً لا يتجزأ من الحياة النسكية، تسنده في تحرير النفس ودخوله إلى الاتحاد مع الله بطريقة أعمق. يرى في الصلوات أمراً ضرورياً لنوال نعمة خاصة من قبل الله لفهم كلمة الله.

رأى أن الإنسان يطلب الاتحاد مع الله خلال حفظ البتولية، فينسحب عن العالم وهو بعد يعيش فيه، مقدماً تضحية في أمور الترف قدر ما يستطيع، محتقراً المجد البشري.

وبسبب حضور النسوة يستمعن محاضراته، ولكي لا تحدث عثرة رأى أن ينفذ حرفياً ما ورد في الإنجيل أن أناساً خصوا أنفسهم من أجل ملكوت الله (مت12: 19)، لكنه يبدو أنه قدم توبة على هذا الفعل. وقد استخدمها البابا ديمتريوس ضده.

2. في البداية ركز أوريجينوس على إعداد الموعوظين وتهيئتهم للعماد، لا بتعليمهم الإيمان المسيحي فحسب، وإنما بتقديم التعاليم الخاصة بالحياة المسيحية العملية أيضاً.

3. لم يقف عمل العلامة أوريجينوس عند تهيئة الأعداد الضخمة المتزايدة الجالسة عند قدميه لنوال سر العماد وإنما كان عليه بالحري أن يهيئهم لقبول إكليل الاستشهاد. فكل من يقترب إليه إنما بالحري يجري نحو خطر الاستشهاد.

4. اهتم أوريجينوس بتعميق الفكر الدراسي؛ فإذ كان جمهور تلاميذه يلتفون حوله من الصباح حتى المساء رأى أوريجينوس أن يقسمهم إلى فصلين، واختار تلميذه هيراقليس - المتحدث اللبق - ليدرس المبتدئين المبادئ الأولى للتعاليم المسيحية، أما هو فكَّرس وقته في تعليم المتقدمين اللاهوت والفلسفة معطياً اهتماماً خاصاً بالكتاب المقدس.

5. لعل أعظم أثر لأوريجينوس على مدرسة الإسكندرية هو إبرازه التفسير الرمزي للكتاب المقدس. فقد كَّرس حياته كلها لهذا العمل، حتى نسب هذا المنهج التفسيري لمدرسة الإسكندرية ولأوريجينوس.

رحلات أوريجينوس

1. حوالي عام 212م زار أوريجينوس روما في أثناء أسقفية زفيرينوس Zephyrinus، وفي حضرته ألقى القديس هيبوليتس مقالا عن كرامة المخلص، وبعد إقامة قصيرة هناك عاد إلى الإسكندرية.

2. قام بعدة رحلات إلى بلاد العرب، أولها حوالي عام 214م، حيث ذهب إليها بناء على دعوة من حاكم تلك البلاد الذي كان يرغب في التعرف على تعاليمه، كما دُعيّ إلى العربية عدة مرات ليتناقش مع الأساقفة وقد أشار المؤرخ يوسابيوس إلى اثنتين من هذه المناقشات، نذكر منهما أنه في عام 244م انعقد مجمع عربي لمناقشة وجهة نظر الأسقف بريلوس في شخص السيد المسيح. انعقد هذا المجمع على مستوى واسع أدان الأسقف بسبب قوله إن الله أقنوم واحد، وقد حاولوا باطلا إقناعه أن يعود إلى الإيمان المستقيم. أسرع أوريجينوس إلى العربية ونجح في إقناع الأسقف الذي يبدو أنه بعث إليه برسالة شكر، وصار من أكبر المدافعين عنه.

على أي الأحوال هذا الارتباط بين أوريجينوس والعربية إنما هو امتداد لارتباط العلامة بنتينوس بها.

3. حوالي عام 216م، إذ نهب الإمبراطور كاركلا Caracalla مدينة الإسكندرية وأغلق مدارسها واضطهد معلميها وذبحهم، قرر أوريجينوس أن يذهب إلى فلسطين. هناك رحب به صديقه القديم الكسندر أسقف أورشليم كما رحب به ثيؤكتستوس Theoctistus أسقف فلسطين، اللذان دعياه ليشرح الكتاب المقدس للشعب في حضرتهما.

غضب البابا ديمتريوس الإسكندري جداً، لأنه حسب عادة الكنيسة المصرية لا يستطيع غير الكاهن أن يعظ في حضرة الأسقف، فأمره بعودته إلى الإسكندرية سريعاً، فأطاع وعاد، وبدت الأمور تسير كما كانت عليه قبلاً.

4 - مع بداية حكم اسكندر ساويرس (222 - 225م) أرسلت مامسيا Mammaca والدة الإمبراطور حامية حربية تستدعي أوريجينوس لإنطاكيا يشرح لها بعض الأسئلة، وقد استجاب للدعوة ثم عاد إلى مدرسته.

5. أرسل العلامة أوريجينوس إلى اليونان لضرورة ملحة تتعلق ببعض الشئون الكنسية، وبقيّ غائباً عن الإسكندرية. ذهب إلى آخائية ليعمل صلحاً، وكان يحمل تفويضاً كتابياً من بطريركه. وفي طريقه عبر بفلسطين، وفي قيصرية سيم قساً بواسطة أسقفها. فقد بدا للأساقفة أنه لا يليق بمرشد روحي مثل أوريجينوس بلغ أعلى المستويات الروحية والدراسية يبقى غير كاهن. هذا وقد أرادوا أن يتجنبوا المخاطر التي يثيرها البابا ديمتريوس بسماحهم له أن يعظ وهو "علماني" في حضرتهم.

وقد اعتبر البابا هذه السيامة أكثر خطأ من التصرف السابق، حاسباً إياها سيامة باطلة لسببين:

أ. أن أوريجينوس قد قبل السيامة من أسقف آخر غير أسقفه، دون أخذ تصريح من الأسقف التابع له.

ب. إذ كان أوريجينوس قد خصى نفسه، فهذا يحرمه من نوال درجة كهنوتية، فإنه حتى اليوم لا يجوز سيامة من يخصي نفسه.

إدانته

لم يحتمل البابا ديمتريوس هذا الموقف فدعا لانعقاد مجمع من الأساقفة والكهنة بالإسكندرية. رفض المجمع القرار السابق مكتفين باستبعاده عن الإسكندرية.

لم يرض البابا بهذا القرار فدعا مجمعاً من الأساقفة وحدهم عام 232م، قام بإعلان بطلان كهنوته واعتباره لا يصلح بعد للتعليم، كما أعلن عن وجود بعض أخطاء لاهوتية في كتاباته.

كتب البابا الإسكندري القرار إلى كل الإيبارشيات، فدعا Pontias أسقف روما مجمعاً أيّد القرار، وهكذا فعل كثير من الأساقفة، فيما عدا أساقفة فلسطين والعربية وآخائية وفينيقية وكبدوكيا الذين رفضوا القرار.

اضطر أوريجينوس أن يدافع عن نفسه ضد الاتهامات الخطيرة التي وجهت ضده. فقد أورد روفينوس في كتابه De Adulteratione نبذة طويلة من خطاب كان قد وجّهه أوريجينوس إلى أصدقاء له في الإسكندرية يشكو فيه من الملفقين الذين غيروا بعض فقرات من كتبه وشوهوها، ومن الذين نشروا في العالم المسيحي كتباً مزورة ليس من العسير أن نجد فيها ما يستحق السخط.

كذلك يعرفنا القديس جيروم بوجود خطاب آخر كتبه أوريجينوس إلى فابيانوس أسقف روما يتهم فيه صديقه إمبروسيوس بأنه تسرع ونشر أحد كتبه في وقت غير مناسب وقبل أن يكمله، لعله قصد بهذا الكتاب "المباديء De Peincipiis" الذي أثار سخط الكثيرين ضده حتى بعد وفاته.

وجاء في ميمره الخامس والعشرين على إنجيل لوقا: "إنه من دواعي سرور أعدائي أن ينسبوا لي آراء لم أكن أتصورها ولا خطرت ببالي".

مدرسة جديدة

حثه أسقف قيصرية على إنشاء مدرسة للاهوت هناك، رأسها قرابة عشرين عاماً، فيها تتلمذ القديس غريغوريوس العجائبي لمدة خمسة أعوام.

اضطهاد مكسيميان

خلال الاضطهاد الذي أثاره مكسيميان التجأ أوريجينوس إلى كبادوكية قيصرية، في هذا الاضطهاد أُلقيّ القبض على صديقيه القديمين: إمبروسيوس وبروتوكتيتوس كاهن قيصرية، ووضعا في السجن. كتب أوريجينوس إليهما مقالا: "الحث على الاستشهاد"، نظر فيه إلى الاستشهاد كأحد البراهين على صحة الحق المسيحي، وكاستمرار لعمل الخلاص.

أطلق سراح صديقيه وعاد أوريجينوس إلى قيصرية فلسطين.

سافر أوريجينوس إلى أثينا عن طريق بيلينية، حيث قضى عدة أيام في نيقوميديا، وهناك تسلم رسالة من يوليوس أفريقانيوس، يسأله فيها عن قصة سوسنة إن كانت جزءاً أصيلا من سفر دانيال، وأجابه أوريجينوس برسالة مطولة بعثها إليه من نيقوديمية.

وفي أيام داكيوس (ديسيوس) Decius (249 - 251)، ثار الاضطهاد مرة أخرى، أُلقى القبض على أوريجينوس. تعذب جسده، ووضع في طوق حديدي ثقيل وأُلقيّ في السجن الداخلي، وربطت قدماه في المقطرة أياماً كثيرة، وهدد أن يعدم حرقاً.

احتمل أوريجينوس هذه العذابات بشجاعة، وإن كان لم يمت أثناءها، لكنه مات بعد فترة قصيرة، ربما كان متأثراً بالآلام التي لحقت به.

قبل أن يموت أرسل إليه البابا الإسكندري ديونسيوس الذي خلف هيراقليس، رسالة "عن الاستشهاد"، لعله بذلك أراد أن يجدد العلاقة بين العلامة الإسكندري أوريجينوس وكنيسة الإسكندرية.

وفي عام 254م رقد أوريجينوس في مدينة صور بفلسطين وكان عمره في ذلك الحين 69 عاماً، وقد اهتم مسيحيو صور بجسده اهتماماً عظيماً فدفنوه إزاء المذبح وغطوا قبره بباب من الرخام نقشوا عليه: "هنا يرقد العظيم أوريجينوس"، تاركاً تراثاً ضخما من تفاسير الكتاب لمقدس، مقدماً منهجه الرمزي في التفسير، وإن كان قد ترك أيضا بلبلة شديدة في الكنيسة بسببه حتى بين الرهبان سببت انقسامات ومتاعب لا حصر لها.

اوريليوس الأسقف

إذ سيم القديس أغسطينوس كاهناً علي مدينة هيبو، اُختير شماس قرطاجنة القديس أوريليوس أسقفاً على قرطاجنة. كانت الكنيسة في شمال غرب أفريقيا في قمة قوتها وفاعليتها، وكان أسقف قرطاجنة يمثل بطريركها.

واجه أوريليوس أسقف قرطاجنة حركتين للهرطقة: الأولى جماعة الدوناتست في أواخر مراحلها، وهي جماعة منشقة عن الكنيسة الأفريقية بسبب رفضها قبول كاسيليان أسقف قرطاجنة الذي سيم عام 311م بدعوى أن فليكس الذي سامه قد جحد الإيمان في عهد دقلديانوس، ففقد أسقفيته. هذه الجماعة تركز على قدسية المؤمنين مدعية أنه إن سقط كاهن في جحود - أيا كان شكله - لا تقبل توبته، وتكون كل ممارساته السرائرية باطلة، والذين يصادقونه يحسبون مثله باطلين. وبهذا رأى الدوناتست أنهم يمثلون الكنيسة الواحدة، وما عداهم يلزم إعادة معموديتهم لينضموا إلى جسم الكنيسة. أما الجماعة الثانية فهي البيلاجية التي كانت قد بدأت في الظهور، وتقوم في جوهرها على أن خلاص الإنسان يقوم أولاً وقبل كل شيء على الذراع البشري والإرادة الإنسانية الحرة متجاهلين دور نعمة الله الرئيسي في حياة المؤمن.

خلال فترة أسقفيته التي دامت 37 عاما (392 - 430م تقريباً) رأس عدداً كبيراً من المجامع المحلية لمعالجة هاتين الهرطقتين مع أمور أخرى. هذه التحركات المستمرة أخذت منه ومن الأساقفة المحيطين به جهداً كبيراً، لذلك تحول الكثير من الأعمال الكرازية والوعظية للكهنة.

ارتبط بصداقة قوية مع القديس أغسطينوس، وعندما اشتكى من خمول بعض الكهنة تحت ستار "حياة التأمل" كتب القديس أغسطينوس مقالاً: "بخصوص عمل الكهنة" ليعالج هذا الموقف.

اوسابيوس أسقف روما

القديس أوسابيوس أسقف (بابا) روما، كان من أصل يوناني، ابن طبيب، اُختير خلفاً للأسقف مارسيلليوس الذي لم يبق في الأسقفية سوى عدة شهور.

في عهده ثارت مناقشات حادة في روما حول موقف الجاحدين في أيام دقلديانوس الراغبين في العودة، أدت إلى انقسامات عنيفة داخل الكنيسة، فقد أقام هيراقليوس حزباً يخالف الأنبا أوسابيوس في هذا الأمر، إذ طلب الفريق الأول ضم الجاحدين إلى الكنيسة وتمتعهم بالأسرار دون عقوبة، ويبدو أن هيراقليوس نفسه كان أحد الجاحدين الراجعين إلى الإيمان.

هذا الانقسام في الفكر أدى إلى انقسام خطير بين صفوف المؤمنين أنفسهم، الأمر الذي دفع الإمبراطور مكسنتيوس أن يستبعد الأنبا أوسابيوس وهيراقليوس من المدينة.

تنيح في منفاه Sicily لذا حسبه البعض شهيداً، وكانت نياحته تقريبا في 17 أغسطس سنة 310م.

اوسابيوس الكاهن الروماني

قيل إنه استشهد بواسطة الإمبراطور الأريوسي قسطنطيوس، إذ مارس الأسرار بعد غلق الكنائس، فحبس في بيته 7 شهور حتى تنيح (14 أغسطس).

اوسابيوس السموساطي

سيم أوسابيوس أسقفاً على ساموساتا Samosata عام 361م، وقد ساهم في نفس السنة في اختيار القديس ميليتوس - أسقف سبسطية - لكرسي إنطاكية، وكان الأريوسيون يعضدون هذه السيامة حاسبين أن رقته ولطفه يمكنانهم من خداعه، لكنهم كانوا مخدوعين، فإنه إذ تولى الكرسي صار يعلم كل يوم عن لاهوت السيد المسيح، ووحدته مع الآب في الجوهر. اشتعل الأريوسيون بنار الغضب، ورأوا أنه لا علاج للموقف إلا سحب الوثيقة التي في يدي القديس أوسابيوس أسقف ساموساتا والخاصة بسيامة القديس ميليتوس، فحرضوا الإمبراطور يطلبها منه. رفض الأسقف تسليمها بدون موافقة جميع الذين وقعوها. هدد الإمبراطور بقطع يديه إن لم يسلمها، فقدم الأسقف يديه لرسول الإمبراطور كي يقطعهما لكن لم يكن قد جاءه الأمر بالتنفيذ.

مؤخراً ألتصق بالقديس باسيليوس الكبير، وتسلم منه رسائل عدة، كما ألتصق بالقديس غريغوريوس النزينزي.

وفي عام 374 نُفيّ من أجل أرثوذكسيته إلى تراسيا Thrace، ورده الإمبراطور جراتيان بعد أربع سنوات.

قتلته امرأة أريوسية ألقت حجراً على رأسه، عام 379م.

يعيد له اللاتين في 22 يونيو واليونان في 21 يونيو.

Cross: Dict. of Christian Church, p 4882.

اوسابيوس أسقف فرشللي القديس

نشأته

وُلد في بداية القرن الرابع بسردينيا Sardinia، من أبوين مسيحيين تقيين. وقد تنيح والده في السجن أيام دقلديانوس ورحلت والدته إلى روما بعد فترة قصيرة.

اتسم أوسابيوس بالحياة التقوية مع العلم والحكمة فأحبه الأسقف سلفستروس، وسامه بعد ذلك الأسقف مرقس كاهناً، والأسقف يوليوس أسقفاً على فرشللي Vercelli من أعمال سافويا، شمال إيطاليا.

أعماله الرعوية

اهتم الأنبا أوسابيوس برعاية إيبارشيته فسام كهنة روحيين عُرِفوا بالحياة التقوية مع التجرد والنسك، فكانوا أشبه بجماعة رهبانية ملتهبة بالروح مع اهتمام برعاية النفوس.

قام القديس أوسابيوس بدور فعّال في الكنيسة الجامعة، ففي عام 354م طلب منه القديس ليبريوس Liberius أسقف روما أن يتدخل مع القديس لوسيفروس أسقف كالياري Cagliari لدى الإمبراطور قسطنتيوس من أجل البابا أثناسيوس الذي استطاع الأريوسيون أن يصدروا أمراً بنفيه بمساندة الإمبراطور.

ذهب القديس أوسابيوس إلى ميلان عام 355 حيث طلب منه الأساقفة الأريوسيون أن يوقع على قرار نفي البابا أثناسيوس. في حكمة لم يتحدث عن أثناسيوس حتى لا تأخذ فهماً شخصياً إنما سأل الحاضرين أن يعلنوا قبولهم قرارات مجمع نيقية بتوقيعهم عليها، فأراد القديس ديونسيوس أسقف ميلان التوقيع لكن والنسي أسقف دورمسيا الأريوسي خطف منه القلم وأراد منعه مما أثار كل الحاضرين وأدركوا أريوسيته، فانضموا إلى جانب القديس اوسابيوس. تحول المجمع من الكنيسة إلى البلاط الملكي حيث أمر الإمبراطور القديسين أوسابيوس وديونسيوس وغيرهم أن يوقعوا على قرار نفي أثناسيوس، فرفضوا. عندئذ في خداع ومكر قال الأساقفة الأريوسيون إنهم سيوقعون قرارات مجمع نيقية إن وقعوا هم قرار نفي أثناسيوس، وكاد ديونسيوس أن ينخدع حاسباً أن نفي أثناسيوس هو ثمن لسلام الكنيسة الجامعة، لكن أوسابيوس أوضح له خداع الأوريوسيين.

أصر الإمبراطور أن يوقعوا على النفي فأجابوا أنه لا يجوز إصدار قرار دون محاكمة فيها يدافع المتهم عن نفسه. أجاب الإمبراطور أنه هو المشتكي وهو صادق، فأجابوه أن الشكوى دينية ولا دخل للإمبراطور فيها. عندئذ ثار وأمر بنفيهم، فأرسل نائب أسقف روما إلى سوريا، وديونسيوس إلى كبادوكيا وأوسابيوس على فلسطين في مدينة سيتوبولي وكان أسقفها أريوسياً متعصباً جداً، وكان هؤلاء الأساقفة سّر بركة لكثيرين في نفيهم.

تعرض أوسابيوس لمضايقات كثيرة من الأريوسيين في نفيه، فقد ربطوه بحبل وصاروا يسحبونه في الشوارع وأخيراً ألقوه في منزل غير لائق بدون طعام لمدة أربعة أيام وأخيرًا تقدم إليه أحد الأريوسيين بطعام ليأكل فرفض أن يشترك معهم في طعامهم. وإذ خشى الأريوسيون أن يموت من الجوع فيثور المؤمنون عليهم تركوه يعود إلى بيته الأول بالمنفى. عندئذ لقيّ الأسقف كرامة عظيمة من المؤمنين، والتفوا حوله ليلاً ونهاراً، فثار الأريوسيون وهاجموا البيت بعد 25 يوماً، وأهانوه هو وبعض الكهنة وألقوه في سجن، وإذ رفض أن يأكل من يد أريوسي اضطروا أن يسمحوا لأحد المؤمنين أن يقدم له طعاماً.

لما تولى يوليانوس الجاحد الحكم سمح في بداية عهده برجوع كل المنفيين إلى بلادهم، فزار القديس أوسابيوس البابا أثناسيوس بالإسكندرية وحضر مجمعاً هناك عام 362م مع 20 أسقفاً آخرين حضروا معه النفي أو السجون لذا دُعيّ "مجمع القديسين والمعترفين".

قيل إن أوسابيوس كان منفياً بصعيد مصر، ولم يحدد بعض المؤرخين مكان نفيه إنما اكتفوا بالإشارة إلى نفيه في الشرق. على أي الأحوال هذا لا يمنع من نفيه إلى فلسطين، ومنها نقل إلى صعيد مصر.

عاد القديس أوسابيوس إلى وطنه، وقد وضع يده في يد القديس هيلاري أسقف بواتييه لمقاومة الأريوسية. تنيح حوالي عام 374م.

تعيد له الكنيسة الغربية في 16 من شهر ديسمبر.

اوسابيوس القيصري

وُلد أوسابيوس بامفيليوس Eusebius Pamphili في فلسطين حوالي عام 265 م، وقد لُقب باسم معلمة "بامفيليوس" الذي استشهد عام 308م، وحسبه أباه الروحي.

يعرف هذا الأب بلقب "أب التاريخ الكنسي"، فقد سجل لنا كتاباً عن "التاريخ الكنسي"، قدم لنا فيه قائمة بأهم الكتّاب المسيحيين وكتاباتهم. وبالرغم مما حوى مقتطفات من كتب فقدت تماماً، وقدم لنا أسماء كتب لا نعرف عنها شيئاً حتى الآن.

أبوه الروحي الشهيد بامفيليوس خلق فيه تعلقاً بالعلامة أوريجينوس الإسكندري، الذي افتتح مدرسته الشهيرة بقيصرية فلسطين وأقام بها مكتبة ضخمة انتفع بها أوسابيوس نفسه في كتاباته.

إذ استشهد أبوه الروحي هرب هو من الاضطهاد إلى صور، ومنها على مصر في برية طيبة، حيث أُلقيّ القبض عليه وسجن لمدة عدة أشهر.

اختير عام 313 أسقفاً على قيصرية، وكان له دور رئيسي في الصراعات الأريوسية فقد أراد أن يقيم سلاماً بين الفريقين على حساب العقيدة، لهذا أخذ ببعض الاتجاهات الأريوسية، وحُسب "نصف أريوسي"، أما بالنسبة للقديس البابا أثناسيوس فلم يكن بالمعين له، بل على العكس كان معينًا لأصحاب الفكر الشبه أريوسي، ويعلل البعض اتجاهه هذا إلى تخوفه المبالغ فيه من الانحراف إلى السابليه (أتباع سابليوس القائلين بأن الله أقنوم واحد ظهر تارة بكونه الآب وأخرى قام بدور الابن وثالثة بدور الروح القدس).

في مجمع نيقية المسكوني عام 325 لم يكن يميل إلى القانون النيقوي لكنه وقّع عليه دون قبول داخلي، وقد انحاز إلى الطرف الأريوسي بعد انفضاض المجمع. في سنة 330م عزل الأسقف أوستاثيوس الإنطاكي في مجمع إنطاكية الأريوسي؛ وفي سنة 335م حضر مجمع صور بعد تدشين كنيسة القيامة بأورشليم، الذي قرر عزل البابا أثناسيوس عن كرسيه، وقد طعن البابا في أحقية أوسابيوس في رئاسة المجمع وفي قراره، لكن الإمبراطور ـ خلال الوشايات ـ صدق على القرار ونفاه إلى تريف.

كتاباته

لعل سر شهرته في كل العالم المسيحي ترجع إلى كتابه "التاريخ الكنسي"، الذي يضم عشرة كتب تحوي تاريخ الكنيسة من تجسد ربنا يسوع المسيح إلى عام 323م، مقدماً لنا شرحاً وافياً عن التلاميذ وعن الأعمال الكرازية والاضطهادات والهرطقات.

بجانب هذا الكتاب له مجموعة من الكتب التاريخية مثل تاريخ العالم منذ الخليقة، وحياة قسطنطين بكونه أول إمبراطور مسيحي في الدولة الرومانية وشهداء فلسطين، وحياة أبيه الروحي بامفيليوس.

يعتبر أيضاً من المدافعين المسيحيين في الفترة المتأخرة، إذ له عدة كتب دفاعية. كما أن له كتباً عقيدية وتفسيرية وعظات ورسائل.

J. Quasten: Patrology, Vol 3, p 309 – 346.

اوسابيوس النيقوميدي

كان يمثل القوة المخربة للإيمان المستقيم، يحمل كل كراهية لمجمع نيقية المسكوني (سنة 325م)، وإن كان قد وقع على قانون الإيمان النيقوي لا لشيء إلا ليجد الفرصة لبذل كل طاقته لمقاومته، وقد سمى أتباعه باليوسابيين.

في حياته الأولى كان مع زميله أريوس تلميذين للوقيان الأنطاكى، وقد سيم بعد ذلك أسقفًا على بيروت Berytus، وانتقل بعد قليل إلى إيبارشية ذات مركز خطير هي نيقوميديا. واذ تحولت العاصمة من نيقوميديا إلى القسطنطينية بذل كل الجهد لينتقل سنة 339 إلى القسطنطينية.

كان له مكانة خاصة في القصر بسبب تعلق الإمبراطورة قسطنطيا أخت الإمبراطور قسطنطين به، ومن خلالها كان يصل إلى قسطنطين ليثيره دائمًا ضد البابا أثناسيوس، مقدمًا له كل مرارة.

نجح في عزل أوستاثيوس أسقف إنطاكية عام 330، وأثناسيوس عام 335 (في مجمع صور)، ومارسيلليوس أسقف أنقرة عام 336.

J. Quasten: Patrology, Vol 3, p 190 – 193

اوسابيوس من كريمونا

راجع يوسابيويس من كريمونا القديس.

اوساغينوس الشهيد

كان جنديًا في عهد الملك قسطنطين الكبير، وكان كثير الرحمة.

إذ رأى الملك علامة الصليب لم يفهم معناها، إذ لم يكن قد آمن بعد. سأل هذا الجندي فأخبره عنها، وإذ تكررت الرؤيا صار مسيحيًا.

عاش هذا الجندي حتى بلغ من العمر مائة وعشرين عامًا، وبلغ زمان يوليانوس الكافر. وكان يومًا ما مارًا في أحد شوارع إنطاكية فوجد اثنين يتخاصمان، أوقفاه ليحكم بينهما بسبب شيخوخته الموقرة. فحكم لهما بما أرضاهما. لكن أحد الأشرار ابلغ يوليانوس بان هذا الرجل أقام نفسه واليًا وحاكمًا للمدينة. استدعاه الملك، وإذ عرف أنه مسيحي طلب منه أن يجحد مسيحه ويقدم للأوثان، فوبخه أوساغينوس بجرأة على شره وظلمه وجحوده.

أمر يوليانوس بصلبه ووضع مشاعل في جنبيه، فأحتمل ذلك بصبر وأخيرًا أمر بقطع رأسه... وإذ أقترب السياف طلب منه أن يمهله حتى يصلي، وبفرح سلم رقبته لينال إكليل الاستشهاد، وكان ذلك في الخامس من شهر طوبة.

اوساويوس الشهيد

هو ابن القديس واسيليدس الوزير

كان في الحرب عندما جحد دقلديانوس الإيمان، فإجتمع أوساويوس مع أقاربه القديسين أبادير ويسطس وأقلاديوس وتاودورس أن يقدموا حياتهم مبذولة من أجل الإيمان. وبالفعل إذ التقى بهم الملك ليكرمهم على غلبتهم في الحرب، سألهم أن يقدموا تقدمات للأوثان فرفضوا.

همّ أوساويوس لقتل الملك، فهرب الأخير، ثم نُفيّ أوساويوس إلى مصر ليُقتل هناك. حاول موريانوس والي قفط أن يلاطف أوساويوس ليستميله إلى العبادة الوثنية فرفض، وعندئذ استخدم معه كل وسائل الشدة كالعصر بالهنبازين وتقطيع الأعضاء والجلد، وكان الرب يرسل ملاكه ويقويه في شدائده ويعزيه، ويُشفي جراحاته.

وهبه الله أن ينظر في رؤيا الفردوس حيث مساكن القديسين، وما قد أعد له ولأبيه وأخيه فاشتهي سرعة الانطلاق.

أُلقيّ في أتون خارج مدينة أهناس، فنزل ملاك وأطفأ اللهيب، واخرج القديس سالمًا.

قطعت رأسه في 23 من شهر أمشير، ونال إكليل الشهادة.

اوستخيوم القديسة

يعيد الغرب للقديسة جوليا أوستخيوم St. Eustochium في سبتمبر، وقد صور لنا القديس جيروم - أبوها الروحي - حياتها.

هي ابنة القديسة باولا Paula، الابنة الثالثة من أربعة بنات لها، لكنها الوحيدة التي شاركت والدتها حياتها النسكية الرهبانية حتى النهاية.

كانت باولا من عائلة نبيلة بروما، تنيح رجلها توكسوتيوس Toxotius فكرست حياتها بالكامل لله في حياة بسيطة وفقر اختياري وإماتة، لتقضي أوقاتها في العبادة الإلهية وأعمال المحبة. وإذ رأت الصبية اوستخيوم - وهى في سن 12 سنة - والدتها بهذه الصورة شاركتها أفكارها. وعندما جاء القديس جيروم إلى روما من الشرق عام 382م وضع الاثنان نفسهما تحت إرشاده الروحي. هذا الاتجاه أثار خال الفتاه أو عمها هيميتوس وزوجته برايتكستاتا، اللذان بذلا كل الجهد لإثناء عزم الفتاه عن هذا الاتجاه النسكي وإغرائها نحو ملذات العالم لكنها لم تسمع لهما، وإنما في فترة صغيرة لبست زي العذارى، وبهذا ربما تكون اوستخيوم أول عذراء من شريفات روما. بهذه المناسبة كتب القديس جيروم (عام 384م) رسالة مطولة وجميلة لهذه القديسة بخصوص "الحياة البتولية" تُرجمت إلى العربية. وهي تعتبر رسالة عامة تخص العذارى وليست خاصة.

عندما عزمت باولا أن ترافق القديس جيروم إلى فلسطين بسبب المتاعب التي صادفته في روما، رافقتها اوستخيوم مع أخريات، التقين به في إنطاكية، حيث زاروا (القديس جيروم والقديستان باولا وأستخيوم وغيرهما) الأراضي المقدسة ومصر والتقوا برهبان نتريا، وأخيرًا استقروا في بيت لحم.

في بيت لحم أُقيم ثلاثة مجتمعات نسائية رهبانية تحت قيادة باولا تساعدها ابنتها اوستخيوم. وقد ساعدتا القديس جيروم في ترجمته للكتاب المقدس إلى اللاتينية (الفولجاتا). وبناء على طلبهما كتب بعض تعليقاته على بعض أسفار الكتاب المقدس، بل وأصدر بعض كتبه مهديًا إياها لهما، قائلا: "هاتان السيدتان أقدر على إصدار الحكم على الكتب من أغلب الرجال".

سنة 403 مرضت باولا، فصارت ابنتها تخدمها وتصلي عنها في مغارة المهد، وعند نياحتها في 26 يناير سنة 404 لم تستطع اوستخيوم أن تحتمل التجربة فقد ارتمت على أمها تقّبل عينيها وتلتصق بها وتود أن تدفن معها، لكن القديس جيروم وقف بجوارها وعزاها، وأقام معها باولا الصغيرة ليعملا معًا في خدمة هذه الأديرة النسائية.

هوجم ديرها بواسطة اتباع بيلاجيوس، وفى سنة 419 تنيحت ودفنت بجوار والدتها.

اوسطاثيوس بطريرك إنطاكية القديس

✥ في مجمع نيقية المسكوني المنعقد عام 325 لمحاكمة آريوس كان للقديس أوسطاثيوس Eustathus بطريرك إنطاكية مكانة كبرى، إذ كان يجلس عن يمين العرش، وهو الذي أفتتح المجمع بالبركة. وإذ سقط آريوس وأتباعه خاصة الأساقفة أوسابيوس النيقوميدي وثيؤغنيس أسقف نيقية وأوسابيوس أسقف قيصرية، صمم الآخرون على تحطيم الأساقفة الأرثوذكس.

✥ أتفق هؤلاء الأساقفة على تحطيم الأنبا أوسطاثيوس، فتظاهروا بالذهاب إلى أورشليم لنوال بركة الأماكن المقدسة، وفى إنطاكية عاملهم البطريرك بلطف ومحبة لكنهم اتفقوا مع امرأة شريرة أن تدخل حاملة رضيعها على صدرها لتدعي أن والده هو البطريرك، ولكي تؤكد ذلك أقسمت أنه ابن أوسطاثيوس، وكانت بالفعل قد أخطأت مع شخص يحمل ذات الاسم يعمل نحاسًا مبررين لها (الأريوسيين) أنها بهذا لم تكذب. بهذا استطاع الأريوسيون أن يستصدروا أمرًا من الملك قسطنطين بنفيه إلى ثراكي كرجل فاسد من ناحية، ولأنه هرطوقي يحمل فكر سابليوس (هذا الاتهام اعتاد الأريوسيون توجيهه ضد الأرثوذكس)، كما ادعوا أنه لم يقابل الملكة هيلانة أم الإمبراطور بما يليق بكرامتها. وهكذا أحتمل القديس آلامًا من قبل بواسطة الوثنيين والآن من داخل الكنيسة.

✥أُصيبت المرأة بمرض شديد فاضطرت أن تعترف علانية وسط المدينة، ومع هذا بقيّ القديس في منفاه وتنيح في تراس Thrace، وكان اسمه يُذكر في الليتورجيات العامة بإنطاكية. نُقلت رفاته سنة 482م إلى إنطاكية.

عيد نياحته لدينا في 27 أمشير، وعيد اليونان 21 فبراير، واللاتين 16يوليو.

اوطيخيان الأسقف القديس

لا يعرف عن هذا الأسقف (البابا) الروماني سوى أنه رقد في 7 ديسمبر سنة 283م. ورد أحيانَا كشهيد لكن المؤرخين الغربيين يرون أنه عاش في فترة سلام، وقام بدفن 342 شهيدًا بيديه، وأنه يُحسب ضمن الأساقفة لا الشهداء. دُفن في مقبرة كاليستوس.

Butler’s Lives of Saints, December 7.

اوغاريتوس الأب

أحد آباء البرية بالإسقيط، يبدو أنه كان أجنبيًا، ذا وقار وكرامة محبًا للصمت، يظهر ذلك مما جاء عنه في البستان: [حدث مرة أن انعقد بالإسقيط مجلس من أجل أمر ما، فتكلم الأب أوغاريتوس فيه، فقال له القس: "نحن نعلم يا أبتاه أنك لو كنت في بلدك لصرت أسقفًا أو رئيسًا على كثيرين، أما الآن فإنك هنا مثل الغريب". فهّز رأسه متنهدًا، وقال: "نعم، إنها مرة واحدة تكلمت فيها، وإن شاء الله لن تتكرر ثانية"].

من كلماته

الصلاة بغير طياشة: "ما أعظم أن يكون الإنسان بغير طياشة، أعظم من ذلك أن يكون تحت الخليقة كلها".

الصوم: "إقرن محبة اللاهوتية بالجوع، لأنه يأتي بالراهب إلى ميناء عدم الأوجاع (عدم الشهوات)".

سكون العقل: "إذا كنت جالسًا في قلايتك فأجمع عقلك، واذكر يوم خروجك من الدنيا، وتفطن في موتك، وتفهم التجربة التي تحل بك، والزم التعب لترضي الله، واحتقر أمور هذا العالم الباطل، ليمكنك أن تكون في الصمت دائمًا، ولا تضعف. وأذكر أيضًا يوم القيامة ولقاء الله...".

ضبط اللسان: "ليست الحاجة ماسة إلى كثرة الكلام، لأن كثرة الكلام غريزة في الناس، إنما الحاجة ماسة إلى العمل".

مطرانية بنى سويف: بستان الرهبان، 1968، ص 271، 338، 367، 397، 401

اوغريس البنطي القديس

قصة حياة أوغريس أو إيفاجريوس Evagrius تمثل صورة حيّة لقوة التوبة التي ترفع الإنسان من الحياة الساقطة الدنيئة ليصير عضوًا روحيًا فعالاً في حياة الكنيسة، كما تمثل لغزًا أيضًا فبينما عاش صديقًا وتلميذًا للقديس مقاريوس الكبير، لكنه إذ اهتم بالتفسير الرمزي والتأمل في الكتاب المقدس مع الكتابة، كان له أثره على كثيرين مثل بالاديوس ويوحنا كاسيان ومكسيموس المعترف مقدمًا لهم الأفكار الأوريجانية الرئيسية، كما سبب انشقاقًا في الحياة الرهبانية إذ ثار كثيرون من محبي الحياة التقوية البسيطة على منهجه، وحسبوه مفسدًا للرهبنة بأفكاره الأوريجانية الرمزية.

نشأته

وُلد في مدينة إيبورا Ibora من أعمال بنطس سنة 346م، ابنًا لخوري أبسكوبوس. رسمه القديس باسيليوس أسقف قيصرية قارئًا، والقديس إغريغوريوس النزينزي شماسًا.

في القسطنطينية سلمه القديس إغريغوريوس للبطريرك نكتاريوس، بوصفه شماسًا بارعًا في دحض كل الهرطقات، فصار واعظًا شهيرًا عُرف بحمية الشباب في دحض البدع.

رهبنته بجبل نتريا ومنطقة القلالي

في سنة 382م ترك القسطنطينية إلى صحراء نتريا ليدرب نفسه بين الرهبان، وقد بقيّ بها عامين تقريبًا، لينتقل إلى منطقة القلالي حتى نياحته عام 399م. وقد صار تلميذًا للقديسين المقارين وصديقًا حميمًا لهما. أراد القديس ثاوفيلس الإسكندري أن يرسمه أسقفًا فرفض. وقد روى لنا القديس بالاديوس قصة رهبنته في شيء من التفاصيل، نذكرها في اختصار:

كان إيفاجريوس الشماس مكرمًا جداّ بالقسطنطينية، وكان له عمله الوعظي الفعّال، لكن عدو الخير اقتنصه بالتفكير في إحدى النساء الشريفات، وإذ كان يخاف اللَّه صار يبكي طالبًا من الله أن يحرره من أفكار الشهوة، خاصة أن السيدة نفسها كانت تحبه جدًا. وفي أحد الأيام إذ كان يصلي بحرارة، رأى كأن جنود الوالي ألقوا القبض عليه وقيّدوه وألقوه في حبس، ووضعوا قيدًا حول عنقه دون إبداء أسباب، فظن أن ما حّل به كان بشكوى من زوج المرأة عقابًا له على أفكاره.

اضطرب إيفاجريوس جدًا، لكنه شاهد أيضًا آخرين يحاكمون، وإذا بالملاك يتحول إلى صديق يتحدث معه، وهو مُقيد مع أربعين من المجرمين هكذا:

لما حُجزت أيها الشماس هنا؟

لست أدري على وجه التحديد، لكني أشك أن للوالي شكاية ضدي، وقد امتلأ حسدًا، وأخشى أن يأخذ القاضي نفسه رشوة ويعاقبني.

إصغِ إلى نصيحة صديق، فإنه لا أمان لك هنا في هذه المدينة.

اطلب من الله أن يحررني من هذه الضيقة، وإن رأيتني بعد ذلك في القسطنطينية عاقبني دون محاكمة.

سأقدم لك الإنجيل وتقسم عليه أنك تغادر المدينة، وتهتم بنفسك، وأنا أحررك من الضيقة.

سأحزم أمتعتي اليوم وأترك المدينة فوراً.

أدرك إيفاجريوس أنه كان في رؤيا لكنه شعر بالتزام أن يتمم ما تعهد به في الرؤيا، وقام للحال وانطلق بمركب إلى أورشليم، حيث استقبلته الراهبة الرومانية المطوبة ميلانيا.

لكن للأسف كشاب نال شهرة عظيمة، فقسّى الشيطان قلبه، وعاد إلى أفكار الشر خلال غروره وكبريائه، فسمح له الله بحمى شديدة أنهكت قواه، وقد بقيّ يعاني منها ستة شهور دون شفاء.

هنا تدخلت القديسة ميلانيا لتسأله: "يا بني، إني حزينة لمرضك الطويل، قل لي ما في فكرك، لأن مرضك ليس بعسير على الله"، وإذ صارحها بكل شيء قالت له: "ليتك تعدني بالله أن تقصد الحياة الرهبانية، ومع إنني خاطئة لكنني أصلي من أجلك فيهبك الله الشفاء". فوافقها على ذلك، وصلت من أجله. وإذ شُفيّ بعد أيام قليلة انطلق إلى جبل نتريا في مصر ليمارس حياة روحية تقوية جديدة، مجاهدًا بلا انقطاع في نسك شديد مع عبادة ودراسة في الكتاب المقدس، وأيضًا النساخة إذ كان خطه جميلاً.

ضيّق عليه شيطان الشهوة الخناق، كما قال بنفسه للقديس بالاديوس، حتى كان يضطر أن يقف عاريًا، في وسط الليل في البرد فيتجمد جسده... وهو يصرخ ويصلي... وكان عنيفًا جدًا مع جسده لتأديب نفسه.

مع القديس مقاريوس

قال: "إنني مضيت إلى عند الأب القديس مقار، فسألته عن الأفكار التي يقاتلني بها الشيطان... فلما تحدث معي أضاء وجهه أكثر من ضوء الشمس، ولما لم أستطع أن أنظر إلى وجهه سقطت على وجهي فبسط يده وأنهضني".

يبدو أن القديس أوغريس كثيرًا ما كان يحارب بالكبرياء، بسبب معرفته وعلمه، إذ قيل لما جاء للقديس مقاريوس مرة يسأله كلمة حياة، قال له: "إنك حقًا تحتاج أن تتزين بالفضيلة، ولكن الأفضل لك إن كنت تستطيع أن تطرد عنك فخر الحكمة العالمية، وتتمسك باتضاع العشار فتحيا. فقال أوغريس:" إنه لما قال لي هذا عملت له مطانية وانصرفت، وكنت أقول في نفسي إن أفكاري مكشوفة لأنبا مقار رجل الله، وكنت في كل وقت أقابله أرتعد من حكمه الذي سمعته منه ".

كما يقول أوغريس: "كنت ذات يوم في صحبة القديس مقار الكبير في وقت الظهيرة، وبينما كنت أحترق من شدة العطش استأذنت منه لأشرب ماء، فأجابني:" اكتف بالبقاء في الظل، فإنه يوجد الآن كثير من الناس مسافرين بالبر أو البحر ومحرومين، حتى من هذا الظل المتوفر أمامك ". وبينما كنت أحدثه عن الإماتة قال لي:" لقد قضيتُ عشرين عامًا كاملاً لم أكمل إرادتي في الأكل والشرب والنوم، فما كنت أتناول الخبز إلا بقدر، والماء كنت أشربه بالكيل، أما النوم فكنت أسترق القليل منه باستنادي على الحائط على قدر حاجة الجسد ".

كتاباته

إذ كان يميل إلى التأمل الأوريجاني وَجد معارضة شديدة من بعض الرهبان، ولعل هذا هو السبب في فقدان كل كتاباته باللغة الأصلية، فلم تبق لنا إلا الترجمات اللاتينية أوالسريانية.

ويعتبر القديس أوغريس أول راهب غزير في كتاباته من جهة الكمية، ومن جهة أثرها على التقوى المسيحية. فقد كان غالبية الرهبان لا يميلون إلى الكتابة سوى نسخ ما هو لغيرهم، أما القديس أوغريس فارتباطه وحبه لشخصية أوريجينوس وأفكاره، جعله خصبًا في كتاباته، بل واعتبره الدارسون المؤسس للفكر الباطني (السري Mystical) الرهباني. تأثر به قادة شرقيون وغربيون مثل بالاديوس ويوحنا كليماكوس وهيسخيوس ومكسيموس المعترف، ويوحنا كاسيان وفيلكسينوس واسحق نينوى وغيرهم.

امتدت مدرسته من القرن الرابع حتى الخامس عشر، ولا زال لها أثرها حتى القرن العشرين.

دين سنة 553م في مجمع بنيقية كأوريجاني، وبقيّ هذا الاتهام موجهًا ضده أكثر من مرة.

أهم كتاباته هي:

1. "أفكار الشر الثمانية" هذا الفكر أخذه عن آباء برية مصر، حيث كانوا يحصرون الخطايا في سبع أو ثمان خطايا. وقد قدم من الكتاب المقدس اقتراحات لمقاومة كل فكر.

في هذا الكتاب أظهر أن الراهب "العامل" هو الراهب الدائم الصراع (الجهاد).

2. "الراهب"، وضعه في جزئين، الأول يضم 100 عبارة والثاني 50 عبارة، فيه يتحدث عن عمل الراهب وحياته، مقتبسًا أقوالاً من آباء الحياة النسكية، مثل القديسين أنطونيوس ومقاريوس المصري، وأثناسيوس وسيرابيون وديديموس وباسيليوس الكبير.

3. "مرآة للرهبان والراهبات".

4. "مشاكل غنوسية"، يضم 600 عبارة غير 6 كتب.

5. "عن الصلاة"، نُسب خطأ لنيلس أسقف أنقرة.

6. تفاسير كتابية، فإنه قد تعلم من أوريجينوس بجانب الفكر السري لتفاسير الكتاب المقدس.

7. له 67 رسالة منها رسالة إلى القديسة ميلانيا.

من كلماته

تذكر على الدوام ساعة خروجك ولا تَنسَ الدينونة الأبدية، فلا توجد في نفسك خطية.

إبعد التجارب فلا يخلص أحد.

إذ أبلغه إنسان أن أباه مات، قال له: "كف عن التجديف فإن أبي خالد".

Palladius: The Lausaic History, ch. 38.

اوفيمية الشهيدة1

فتاة رومانية شهيدة انحنت الوحوش المفترسة عند قدميها تلثمهما، بينما تفنن بريسكوس الوالي العنيف في تعذيبها، في شراسة مرة، فغلبته بإيمانها وصبرها، وتمتعت بأمجاد أبدية وكرامة عبر الأزمنة.

وُلدت في مدينة خلقيدونية في أواخر القرن الثالث، والدها فيلوفرون من أشراف المملكة ووالدتها ثاؤدورا إنسانية تقية.

إذ أثار دقلديانوس الاضطهاد على المسيحية يدفعه في ذلك شريكه مكسميانوس وشيطانه غالاريوس بقصد إبادة الإيمان تمامًا، قبض الوالي بريسكوس على فتاة خلقيدونية جميلة الصورة والسلوك، وإذ سُحر بجمالها ظن أنه قادر أن يخدع هذه الحمامة الوديعة ويسقطها في إشراكه، فكانت تسخر من خداعاته وتصّد هجماته بقوة، فلم يخدعها شره المعسول ولا أثناها قسوته العنيفة.

تذكر سيرتها أنه عرّضها للنيران التي التهمت رجاله وخرجت هي سالمة، فآمن جنديان من رجاله: فيكتور وسوسثنيوس بالسيد المسيح واستشهدا بطرحهما للوحوش. علقها أيضًا على دواليب مسننة (الهنبازين) فلم تؤذها، واستخدم معها الجلد وطرحها في جب الخ... وكان الرب ينقذها حتى ظنها الوالي ساحرة.

اتسمت في جهادها بالسهر الدائم تستعد للمعارك اليومية، بالصلاة والتسبيح لله بغير انقطاع، فكانت محبة الله تلتهب فيها كل يوم، وكان السيد المسيح يتجلى خلال آلامها.

أخيرًا طُرحت للوحوش الضارية الجائعة، فجاءت إليها تنحني أمامها لتلثم قدميها وتحيط بها كمن تطلب صداقتها، وفي هدوء عجيب ركعت الفتاة لتصلي وتطلب رحيلها إلى عريسها، فأقبل عليها دُب وعضّها فأسلمت روحها في الحال.

انتاب المدينة هزة أرضية أربكت الجميع حتى هرب الكثيرون إلى الحقول، فجاء أقارب الشهيدة أوفيمية، وحملوا جسدها، ودفنوها عام 303م.

وفي عهد الملك قسطنطين بُنيت لها كنيسة فوق مقبرتها، وللأسف اجتمع في هذه الكنيسة مجمع خلقيدونية المشئوم، الذي قسّم الكنيسة تحت ستار العقيدة بدوافع بشرية.

يُعيِّد لها الغرب في 16 سبتمبر.

اوفيمية الشهيدة2

راجع الشهيد إيسيذورس الإنطاكي.

اوفيمية الشهيدة3

اذ عبر أحد نواب دقلديانوس، يسمى بريسقوس، وكان يسحب المؤمنين بقيود رُبطت في رقابهم كالحيوانات، صارت توبخه. غضب الوالي وأخبر الإمبراطور بما فعلته فأحضرها وسألها عن إيمانها، فأخذ يعذبها بالجلد والحرق حتى أسلمت روحها في يدي الرب في 17 من شهر أبيب.

اوفيمية القديسة

كانت زوجة لرجل تقي، يهتم بالعطاء للفقراء، خاصة في الأعياد الشهرية الثلاثة: تذكار رئيس الملائكة ميخائيل في الثاني عشر، وتذكار والدة الإله في الحادي والعشرين، وتذكار الميلاد في التاسع والعشرين.

إذ دنت ساعة نياحته أوصى زوجته أوفيمية ألا تقطع هذه العادة وأن تقدم للفقراء بسخاء، وقد ثابرت الأرملة على تحقيق وصية رجلها.

ظهر لها الشيطان في شكل راهب، وصار يحدثها كمن يشفق عليها، طالباُ منها أن تتزوج فُترزق أولادًا، وألا تقدم الصدقة هكذا بلا حساب لئلا ينفذ مالها، أجابته: "لقد قطعت عهدًا مع نفسي ألا التصق برجل بعد زوجي" فتركها الشيطان غاضبًا.

إذ جاء عيد رئيس الملائكة ميخائيل، وكانت أوفيمية تهتم كعادتها بالعطاء، ظهر لها عدو الخير في شكل ملاك، وقال لها إنه رئيس الملائكة ميخائيل، أرسله الله لكي تترك الصدقات وتتزوج، لأن المرأة بدون رجل كسفينة بلا ربان، وصار يورد لها من الكتاب المقدس أمثلة كإبراهيم واسحق ويعقوب الذين تزوجوا وأرضوا الرب، أما هي فبقوة قالت له: "إن كنت ملاك الله فأين الصليب علامة جنديتك؟ لأن جندي الملك لا يخرج إلى مكان إلا ومعه علامة ذلك الملك". فلما سمع ذلك الكلام تغير شكله ووثب عليها ليخنقها، فاستغاثت برئيس الملائكة ميخائيل الذي خلصها من يده وأعلن لها أن نفسها تنتقل إلى الفردوس في نفس اليوم، فسلمت ما لديها للكنيسة لتوزيعه على المحتاجين، وأسلمت الروح في 12 من شهر بؤونة.

اولجيوس الأب

التقى القديس جيروم بكاهن راهب مسن يدعى أولجيوس، يعيش في منطقة طيبة غالبًا، إذ أورد تاريخه بين الرهبان الذين التقى بهم في أديرة هذه المنطقة.

قال عنه أنه كان شيخًا قديرًا، يطلب دائمًا من الله أثناء تقديمه "التقدمة" أن يعطيه معرفة لما في ذهن كل راهب يقترب للاشتراك في المقدسات. وفي مرات كثيرة كان يمنع بعض الرهبان من الاقتراب من الأسرار الإلهية، قائلاً لهم: "كيف تتجاسرون على الاقتراب من الأسرار الإلهية ولكم أفكار شريرة؟".

كان يقول لهذا: "هذه الليلة قد فكرت في الشهوة الجسدية"، ولآخر: "وأنت فكرت أنه يعوقك بار أو شرير من الاقتراب من صلاح الله". ولثالث: "لقد شككت في ذهنك إن كانت المقدسات قادرة على تقديس من يقترب إليها، لذلك يلزمك أن تمتنع قليلاً عن الأسرار المقدسة، وتقدم توبة بكل نفسك، فتنال غفران خطاياك، وتتأهل للشركة مع المسيح، فإنك إن لم تنقِ أفكارك قبل الاقتراب لن تحصل على الغفران".

St. Jerome: Hist. of Monks, ch. 13.

اولجيوس الشهيد

راجع الشهيدان أرسانيوس وأولوجيوس (16 كيهك).

اولجيوس الناسك

أحد الآباء بالقسطنطينية عاش في نسك شديد حتى صار لا يأكل سوى خبزًا وملحًا (ربما مع بعض الحشائش)، زار مصر لكي ينعم بمقابلة بعض نساكها فيتعلم شيئًا أسمى.

جاء إلى الأب يوسف وكان يتوقع أن يرى جهادًا أعظم مما له فاستقبله الشيخ بفرح، وقال لتلميذه: "أعدد له طعامًا خاصًا يليق بالغرباء". وإذ أُعدت المائدة، قال الذين مع القس أولجيوس: "أحضر قليلاً من الملح فإن الأب لا يأكل غيره"، أما أنبا يوسف فأكل وشرب ثم صمت. قضى الأب أولجيوس ثلاثة أيام مع أنبا يوسف ومن حوله فلم يسمعهم يسبحون مزامير ولا يتلون صلوات، وكانت عبادتهم كلها خفية، فخرج أولجيوس ومن معه دون أن ينتفعوا شيئًا.

بتدبير إلهي ضلوا الطريق واضطروا أن يعودوا في نفس اليوم، وإذ جاءوا إلى قلاية الأنبا يوسف سمعهم يرنمون المزامير في الداخل، وإذ بقوا هكذا وقتًا طويلاً قرعوا الباب وللحال صمت كل المسبحين. إذ كان أولجيوس في شدة العطش أسرع واحد من القادمين معه وصب ماء له في كوب وأعطاه، فوجده أولجيوس مالحًا ولم يستطع أن يشرب. عندئذ رجع إلى نفسه وجاء قدام الشيخ ووقع عند قدميه يسأله: "ما هذا يا أبتاه إنك لم تصلِ ولا سبّحت بالمزامير في الأول، والآن بعد خروجنا سَبحت. وأيضًا لما أخذنا كوب الماء وجدنا ماء حلوًا، والآن وجدناه مالحًا". فقال له الشيخ: "إن الأخ موسوس ومن جهله مزج بماء من البحر". وإذ كان أولجيوس يطلب بإلحاح أن يعرف الحق، قال له الشيخ: "المزيج الذي من الخمر (عصير العنب) شربناه من أجل محبة المسيح، لكن الاخوة يشربون دائمًا من هذا الماء"، ثم أوضح له كيف أنهم يحبون ممارسة حياتهم خفية لا يعرفها أحد.

W. Budge: The Paradise, V. 2, p. 72 – 73.

اولجيوس والكسيح

يروي لنا المؤرخ الرهباني بالاديوس قصة أولجيوس والكسيح، قائلاً: روى لي كرونيوس كاهن نتريا هذه القصة:

عندما كنت صغيرًا وهربت من الدير الذي به رئيس المتوحدين "الأرشمندريت" بسبب السأم، وصلت في تجولي إلى جبل القديس أنطونيوس (يقصد به الجبل الخارجي الذي قضى فيه القديس عشرين عامًا قبل دخوله البرية الداخلية)، يقع هذا الموضع ما بين بابليون (الفسطاط) وهيراقليا (هيراكليوبوليس، أحد المدن المصرية القديمة جنوب الفيوم، توجد جنوب هيراكليوبوليس الصحراء الكبرى - على جانب النيل - التي لطيبة)، مقابل الصحراء الكبرى التي تمتد إلى البحر الأحمر حوالي 30 ميلاً من النهر.

عندما وصلت إلى ديره بالنهر حيث كان يسكن تلميذاه مقاريوس وأماتاس في بسبير Pispir، وهما اللذان دفناه، انتظرت خمسة أيام لألتقي بالقديس أنطونيوس.

لقد قيل لي إنه يأتي إلى هذا الدير مرة كل عشرة أيام أوكل عشرين يومًا، وأحيانًا كل خمسة أيام حسبما يرشده الله، ليحقق خيرًا للذين يوفدون إلى الدير. وكان هناك يجتمع أخوة مختلفون، كل له احتياجه الخاص، من بينهم متوحد إسكندري هو أولجيوس وكان معه رجل كسيح، أما سبب مجيئهما فهو الآتي:

كان أولجيوس هذا متضلعًا في العلوم الإنسانية وملهمًا، ومحبًا للخلود، ترك مباهج العالم ووزع كل أمواله، محتفظًا بالقليل منها لنفسه، إذ كان غير قادر على العمل. إذ كان قد سئم ولم يرد أن يختلط بجماعة ما وجد في السوق كسيحًا مبتور اليدين والرجلين، ليس له غير لسانه الذي به يتعامل مع المارة.

وقف أولجيوس وتفرس فيه وصلى إلى الله وقطع عهدًا: "باسمك يارب سأحمل هذا الكسيح وأهتم به حتى النفس الأخير لكي به أخلص، هب لي نعمتك لأحتمل تحقيق هذا التعهد".

اقترب من الكسيح، وسأله: "أتحب يا سيدي أن آخذك إلى بيتي وأعتني بك؟"

أجاب: بالتأكيد أود ذلك.

حسنًا، سأحضر بغلاً وآخذك.

تم الاتفاق وأخذه إلى حجرة الضيافة واهتم به.

عاش الكسيح خمسة عشر عامًا تحت عنايته، وكان أولجيوس يغسله ويخدمه بنفسه، ويحضر له كل طلباته. وبعد هذه السنوات الخمسة عشر بث الشيطان في الكسيح التمرد على أولجيوس، وصار يقذفه بكلمات شريرة وتجاديف ويهينه، قائلاً: "أيها القاتل السارق، أتسرق ما للغير وتريد أن تخلص بعنايتك بي؟ القِني في السوق، فإنني أشتهي اللحم". فأحضر له أولجيوس لحمًا.

مرة أخرى صار يقول: "هذا لا يكفي، أريد الالتقاء بالجماهير، أريد العودة إلى السوق! ما هذا العنف! ردني إلى حيث وجدتني!".

لو كانت له يدان لخنق أولجيوس بسرعة بسبب عنف الشيطان الذي تملك عليه.

ذهب أولجيوس إلى النساك القريبين منه، وسألهم: ماذا أفعل؟ لقد حطمني الكسيح باليأس؟ هل ألقيه خارجًا، وقد تعاهدت مع الله أن أعتني به، وأخشى الحنث بالوعد. فإن كنت القيه خارجًا فإنني لا أدري ماذا أفعل.

أجابوه: "مادام العظيم (أنطونيوس) حيًا اذهب إليه. خذ الكسيح في مركب وأحضره إلى الدير. انتظر حتى يأتي العظيم من مغارته وضع القضية بين يديه. وما يقوله لك افعل، فإن الله ينطق به". اتفق معهم على ذلك، فوضع الكسيح في مركب وأخذه إلى دير تلاميذ أنطونيوس.

حدث أن جاء العظيم في الليل متأخراً ملتفاً في عباءة من جلد. وإذ وصل إلى ديرهم نادى، قائلاً: "أيها الأخ مقاريوس، هل جاء أحد من الأخوة؟" وكان يجيبه: "نعم". فيسأل: "هل هم من مصر أم من أورشليم؟". لأنه كان قد أعطى إشارة للتفاهم، فإن كان من المتهاونين يقول "من مصر"، وإن كان من الجادين والوقورين يقول: "من أورشليم".

سأله إذ ذاك كعادته: "هل هم من مصر أم أورشليم؟" فأجابه: إنهم خليط.

كان إذا قيل له إنهم من مصر يأمر لهم بطبخ عدس ليأكلوا ويصلي لأجلهم ثم يصرفهم، وإن قيل إنهم من أورشليم يجلس معهم طول الليل يحدثهم عن الخلاص.

في تلك الليلة جلس - حسب ما قاله كرونيوس - ونادى الجميع دون أن يخبره أحدهم عن أسماء الضيوف. ولما حلَ الظلام نادى: "أولجيوس، أولجيوس، أولجيوس".

لم يجب الرجل المتعلم السابق ذكره ظنًا منه أنه يوجد آخر غيره يحمل ذات الاسم، فناداه أنطونيوس مرة أخرى، قائلاً له: "إنني أقصدك أنت يا أولجيوس يا من قدمت من الإسكندرية". فقال لأولجيوس: "أسألك ماذا تريد؟ لماذا أتيت إلى هنا؟".

أجاب أولجيوس: "الذي أعلمك باسمي لابد أنه أخبرك بعملي".

قال له أنطونيوس: "إنني أعرف لماذا جئت، إنما أخبر الاخوة علانية لكي يسمعوا".

أجاب أولجيوس: "لقد وجدت هذا الكسيح في السوق، وتعهّدت أمام الله على الاعتناء به فأخلص به وهو بي. وبعد كل هذه السنين بدأ يزعجني فخطر بفكري أن أتخلص منه، لذلك جئت إلى قداستكم لتخبرني ماذا يجب أن أفعل، ولكي تصلي عني لأني حزين للغاية".

في هدوء ووقار أجابه أنطونيوس: "أتريد أن تتخلص منه؟ لكن الذي خلقه لن يتخلص منه. أنت تنبذه فيقيم الله من هو أفضل منك ليعتني به".

صمت أولجيوس وجثا على ركبتيه، ثم تركه أنطونيوس، وبدأ يعنف الكسيح، قائلاً له: "أيها الكسيح المشوّه، يا من لا تستحق الأرض ولا السماء، لماذا لا تكف عن مقاومة الله نفسه؟ ألا تعلم أن المسيح هو الذي يخدمك؟ كيف تتجاسر وتتفوه بمثل هذه الألفاظ ضد المسيح؟ ألم يُقم لك هذا الرجل خادمًا لك من أجل المسيح؟".

هكذا كان قاسيًا عليه، ثم تركه ليتحدث مع بقية الاخوة بخصوص احتياجاتهم المختلفة، ليعود ثانية إلى أولجيوس والكسيح ويقول لهما:

"لا تبقيا هنا، بل عودا إلى حيث جئتما. إيّاكما أن تنفصلا عن بعضكما البعض، سوى في القلاية التي تشاركتموها كل هذه السنوات، فإن الله يرسل لكما الآن يطلبكما. وقد حلت هذه التجربة بكما لأن الموت قد اقترب منكما، وسوف يزكّيكما بالإكليل. لهذا لا تفعلا غير ما قلته لكما حتى متى جاء الملك يجدكما".

عادا بسرعة إلى قلايتهما، وبعد أربعين يومًا تنيح أولجيوس، وبعد ثلاثة أيام مات الكسيح أيضًا.

Palladius: The Lausiac History, ch. 21.

اولجيوس قاطع الأحجار القديس

في صعيد مصر

إذ كان القديس أنبا دانيال مع تلميذه في زيارة بالصعيد، كان التلميذ يتعجل العودة إلى الإسقيط، أما أنبا دانيال فطلب منه أن يقضيا اليوم في القرية. وفيما هما يتحدثان معًا اقبل إليهما شيخ من أهل القرية، قبّل قدمي الأنبا دانيال بدموع كثيرة ثم قبّل تلميذه، ودعاهما إلى كوخه حيث وجداه بسيطًا جدًا ليس فيه سوى حصيرة قديمة وما لزم جدًا للحياة. قام الشيخ بغسل أرجلهما، ثم قدم لهما طعامًا فأكل الكل ببساطة قلب وبهجة. بعد الأكل انفرد الشيخ بالقديس أنبا دانيال قس الإسقيط حتى الصباح، ثم صلى الكل معًا وودعهما الشيخ وانصرف الأنبا دانيال وتلميذه.

إلى الإسقيط

في الطريق إلى الإسقيط نظر التلميذ إلى معلمه بدهشة وصار يسأله ما قصة هذا الشيخ العجيب، الفقير والناسك، الذي تبدو نعمة الله عاملة فيه بقوة، وقد قضى الليلة كلها يتحدث معه.

تنهد القديس الأنبا دانيال بمرارة، ثم بدأ يروي لتلميذه قصة هذا الشيخ التي جاء فيها هكذا:

لما كان الأنبا دانيال بلغ الأربعين من عمره جاء إلى هذه القرية، فلما حّل المساء أخذه هذا الشيخ أولجيوس وأخذ معه بعض الاخوة حيث أضافهم كعادته. لقد كان أولوجيوس يعمل كقاطع حجارة، يقوم ببيعها، ليستخدم جزءًا من الثمن في استضافة الغرباء والباقي للفقراء ولا يبقى لنفسه شيئًا. هذا ما سبق فعرفه عنه أنبا دانيال في الأربعين، لهذا عندما رجع إلى الإسقيط صارت فضيلة هذا الرجل لا تفارق فكره، فصار يتضرع إلى الله كي يهبه مالاً وفيرًا ينفقه على الفقراء، عوض عمله كحجّار. أقام أنبا دانيال ثلاث أسابيع صائمًا من أجل هذا الأمر، في نهايتها رأى بالليل كأن إنسانًا يرتدي ملابس كهنوتية يسأله عن حاله، فأجاب الأنبا دانيال: أنه قطع عهدًا ألا يأكل خبزًا حتى يستجيب الله طلبه من جهة أولجيوس. فسأله الرجل إن كان الله يهبه طلبه فهل يكون ضامنًا لخلاص أولجيوس وسط غناه، فأجاب بالإيجاب.

أكمل الأنبا دانيال حديثه مع تلميذه قائلاً: بأن الله استجاب طلبته فعلاً من أجل أولجيوس، الذي بينما كان يقطع الحجارة في المقطع وجد كنزًا ثمينًا، وللحال خبأه وانطلق به إلى القسطنطينية، وصار يستغل هذا الكنز في تكوين صداقات مع العظماء فسمع عنه الملك الذي أكرمه وجعله من كبار وزرائه.

هكذا أفسدت كثرة المال قلب أولجيوس فنسى استضافة الغرباء والاهتمام بالفقراء، ليعيش في ترف العيش على مستوى العظماء بقلب متكبر متشامخ.

رأى الأنبا دانيال في حلم كأن أولجيوس يجلس بين أناس قبيحي المنظر، وقد ظهر له الإنسان لابس الثياب الكهنوتية يسأله عن أولجيوس الذي طلب له الغنى والتزم بضمانه، فانتبه الأنبا دانيال لنفسه وشعر بضيق شديد، وكانت دموعه لا تجف من أجل فقدان أولجيوس لخلاص نفسه وعجزه عن الوفاء بما تعهد به. فقرر أن يسافر إلى القسطنطينية ليلتقي بالوزير أولجيوس القبطي مهما كلفه الثمن.

في القسطنطينية وقف دانيال أمام دار الوزير يود مقابلته، فنظره قادمًا بثياب ثمينة في أُبهة وعظمة، فصار يصرخ، لكن رجاله ضربوه وطردوه، وإذ تكرر هذا الأمر أيامًا متوالية صغرت نفس القديس واضطر أن يفكر في العودة.

ركب السفينة متجهًا إلى الإسكندرية، فرأى كأن السيد المسيح جالسًا على العرش يعاتبه قائلاً: "لا تكن ضامنًا لما هو فوق قوتك". ولم يستطع القديس أن يفتح شفتيه، وقد سمع صوتًا يقول: "ها الملكة خارجة"، وبالفعل ظهرت القديسة مريم العذراء، فتضرع إليها أن تطلب عنه، فقبلت. وبالفعّل قبّلت قدمي السيد المسيح الذي أمر بإطلاق سراحه، ثم وعده أنه سيرد أولجيوس إلى رتبته الأولى.

بعد ثلاثة أيام من الرؤيا مات الملك ليحل محله جوستنيان، وقد دبّر ثلاثة وزراء مؤامرة لقتله، كان من بينهم أولجيوس، وإذ اكتشف أمرهم، هرب أولجيوس ليلاً وانطلق إلى الإسكندرية لا يملك شيئًا، وعاد إلى عمله الأول، ورجع إلى محبته للغرباء والفقراء.

التقى به الأنبا دانيال وأخبره بكل ما حدث فشكر أولجيوس الله الذي أنقذه من الهلاك الأبدي ومجد الله.

هذا ما رواه الأنبا دانيال لتلميذه موضحًا كيف يهتم الله بكل إنسان.

تُعيّد له الكنيسة اليونانية في 27 أبريل.

اولمباس الرسول

هو الملقب ببولس أحد السبعين رسولاً. هذا الرسول هو الذي خدم التلاميذ وحمل بعض رسائل بطرس الرسول إلى الأمم ودخل معه رومية وكرز بها وعلم وردَّ كثيرين. ولما استشهد القديس بطرس كان هذا الرسول هو الذي أنزله عن الصليب وكفنه ونقله إلى بيت أحد المؤمنين، فسعى به بعضهم لدى نيرون الملك أنه من تلاميذ بطرس، فاستحضره وسأله عن ذلك فاعترف وأقر بالسيد المسيح أنه الإله الحق.

عذبه نيرون عذابًا أليمًا، ثم قال له أي ميتة تريد أن تموت بها؟ فأجابه القديس قائلاً: "أريد أن أموت من أجل المسيح وكفى، وذلك أن تميتني بأي نوع تريد لأصل إلى مرادي سريعًا". فأمر الملك بضربه وصلبه منكسًا مثل معلمه ففعلوا به كذلك ونال إكليل الشهادة.

السنكسار، 6 أبيب.

اولمبياس الشماسة

"أولمبياس مجد الأرامل في الكنيسة الشرقية"

القديس غريغوريوس النزينزي

تعتبر أولمبياس مثلاً رائعًا للفتاة الشرقية الملتهبة بنار الحب الإلهي، تجتاز كل العوائق منطلقة للعمل الروحي بفكر كنسي رزين إنجيلي.

كان جدّها أبلافيوس واليًا على القسطنطينية مقربًا من الملك ثيؤدوسيوس، كما كان والدها سيليكوس واليًا. ولدت حوالي عام 368م، وتيتمت وهي بعد صبية صغيرة، فاهتم برعايتها بروكوبيوس صديق القديس إغريغوريوس النزينزي، وقامت بتعليمهما ثؤدوسيا أخت القديس أمفلوكيوس أسقف أيقونية، كما تأثرت بالقديسة ميلانية الكبرى.

اشتهرت بجمالها الفائق وغناها، فتزوجت في سن السادسة عشر بنيبريدوس والي القسطنطينية، لكنه سرعان ما توفى، فأراد الملك ثيؤدوسيوس أن يزوجها بقريبه ألبيدوس، ولما رفضت بشدة، قائلة: "لو كان الله يريدني أن أعيش زوجة لما أخذ مني نيبريدوس!"، أراد أن يضغط عليها فوضع ممتلكاتها تحت الوصاية حتى تبلغ الثلاثين من عمرها، كما حرمها من رؤية الأساقفة والاشتراك في العبادة الكنسية، فأرسلت إليه تشكره، لأنه رفع عنها نير تدبير أموالها، معلنة له سرورها بالأكثر لو أمر بتوزيع مالها على الفقراء. تأثر الملك برسالتها هذه، خاصة وأنها انطلقت إلى الشرق تمارس الحياة النسكية في غيرة متقدة لمدة أربعة أعوام، فأعاد إليها ممتلكاتها عام 391م، ووهبها حرية التصرف.

تقدمت للقديس نكتاريوس أسقف القسطنطينية تعلن رغبتها في تكريس حياتها لله، فأقامها شماسة وهي بعد صغيرة السن. فقامت بإنشاء بيت العذارى، يقع ما بين كنيسة السلام وكنيسة أجيا صوفية، كما اهتمت بخدمة المرضى والفقراء، فلجأ الكثيرات إليها.

إذ سيم القديس يوحنا الذهبي الفم بطريركًا على القسطنطينية، وجد في هذه الشماسة الأرملة قلبًا ناريًا في خدمة العذارى والمرضى والفقراء، وكانت تقدم أموالها للكل بسخاء شديد، وكان الأب البطريرك يحبها جدًا، إذ رأى فيها أمومة عجيبة للفقراء، وسندًا للمتألمين، كما اتسمت بالاتزان والحكمة إذ كان البطريرك السابق "تكتاريوس" يعتز بآرائها في تدبير أمور كثيرة.

إذ نُفي القديس يوحنا، بعث إليها عدة رسائل ليسندها وسط آلامها بسبب ما حّل بالكنيسة، وكان يرفعها فوق الألم ليدفعها للعمل الروحي والخدمة، عوض الحزن المفرط. وقد جاءت هذه الرسائل تكشف عن مدى محبته لشماسته التي دعاها أحيانًا "أولمبياسته"، وإعجابه بها وثقته فيها، كما كشفت عن مفهوم الألم، وحملت إلينا الكثير من الجوانب التاريخية الخاصة برحلته إلى المنفى وحياته في جبال أرمينيا.

جاء في بعض رسائله إليها:

يطول بنا الحديث عن آلامِك منذ نعومة أظافرك حتى الآن: آلام من الأقرباء وآلام من الغرباء، آلام من الأعداء، آلام من الذين ترتبطين بهم منذ ميلادك، وآلام من الذين لم ترتبطين بهم، آلام من العظماء، وآلام من الفقراء، آلام من الحكام، وآلام من المسئولين، وآلام من رجال الإكليروس...

كما سبق أن قلت أخاف أن أدخل بحر فضائلك غير المتناهي...

أذكري أنك منذ بدء شبابِك حتى اليوم لم تكفِّ عن تغذية السيد المسيح، عندما يكون جائعًا، وإروائه عندما يكون ظمآنًا، وكسوته عندما يكون عريانًا، واستقباله عندما يكون غريبًا، والسهر عليه عندما يكون مريضًا، والذهاب إليه عندما يكون مسجونًا.

لا تكفي عن الاهتمام بالأسقف ماروتاس، كأنما تهتمين بنفسك. أنقذيه من الهاوية... ليكن هذا هو شغلك الشاغل.

أخيرًا نذكر ما قاله عنها القديس المؤرخ بالاديوس: "امرأة عجيبة... تشبه إناءًا ثمينًا مملوء بالروح القدس".

القمص تادرس يعقوب ملطى: القديس يوحنا الذهبي الفم، 1980، ص34 - 48.

اولمبياس ومكسيموس الشهيدان

من بين الشهداء الذين تمتعوا بإكليل الشهادة في عهد ديسيوس أولمبياس ومكسيموس، كانا شريفين بمدينة كوردينا Corduena ببلاد فارس، إذ كان قد سيطر على بعض الولايات الفارسية.

استدعاهما الإمبراطور وسألهما عن أموالهما لكي يصادرها، فأجاباه: "إن أعضائنا هي كنوزنا، خذها، حطِّمها، أهلكها، اسحقها، احرقها، فإننا ننال الغنى الأبدي مكافأة من الرب".

إذ قام بتعذيبهما بأنواع عذابات كثيرة دون أن يهز إيمانهما، أرسلهما إلى الضابط الخاص به فيتيليوس انيسيوس Vitellius Anisius ليقتلهما. ضربهما "بالعتلة" على رأسهما فنالا إكليل الاستشهاد.

Rev. Baring - Gould: Lives of Saints, April 15.

اومانيوس البابا السابع

أحد رجال الإسكندرية الأتقياء، خلف يسطس في رئاسة مدرسة الإسكندرية، كما خلفه في البطريركية.

لا نعرف عن أقواله أو كتاباته شيئًا، لكنه عرف العفة وعاش بتولا، اشتهر بسيامة عدد كبير من القسوس للخدمة في الكرازة المرقسية، أرسلهم إلى كل جهات القطر المصري والنوبة والخمس مدن الغربية لنشر الإيمان المسيحي.

في عهده اشتد اضطهاد أدريان على المسيحيين فنال كثير من الأقباط إكليل الإستشهاد، من بينهم القديسة صوفيا من منف، التي نقل الإمبراطور قسطنطين جسدها إلى القسطنطينية، وشيد الكنيسة التي باسمها "أجيا صوفيا".

تنيح في 9 من شهر بابة.

اونانيوس الشهيد

راجع الشهيد أندراوس.

اولاد العسال

من كبار علماء الأقباط ووجهائهم في القرن الثالث عشر.

غالبًا كانوا من سدمنت بصعيد مصر لكنهم نزحوا إلى مصر واستقروا هناك، عمل بعضهم في الحكومة والآخر تفرغ لخدمة الله، وكان لهم منزلة رفيعة في عهد الدولة الأيوبية، لاسيما أبو اسحق الذي كان مصاحبًا للأيوبيين في الشام، وكانت لهم منزلة سامية في الكنيسة، فانتخب منهم الصفي أبو الفضائل في عهد البابا كيرلس بن لقلق (75) ليكون كاتم أسرار المجمع الذي عقد لفض نزاع كنسي.

كانت لهم معرفة بعلوم وفنون ولغات كثيرة، فقد اشتهروا بخطهم العربي الجميل وينسب إليهم الخط الأسعدي، مع تبحرهم في اللغات القبطية والعربية واليونانية والسريانية، واهتمامهم بالقوانين والشرائع، ووضع أشعار بالعربية على مستوى سامٍ جدًا.

فيما يلي قائمة ببعض مصنفاتهم مع لمحات من حياة كل واحد منهم:

أ. مؤتمن الدولة أبواسحق بن العسال

امتاز بنسكه وحبه للعبادة مع الدراسة والمعرفة. فقد تنيحت زوجته التقية، فبعث إليه أخوه الصفي رسالة يحثه فيها على الحياة النسكية بعد فقده مُعينته. وجدت الرسالة لها صدى في قلب هذا التقي، فتتلمذ على يدي القديس أنبا بطرس الحبيس، وقد لقّبه ابن الدهيرى مطران دمياط المعاصر له: "الشيخ الرئيس الناسك والعابد والمؤتمن".

سيم قسًا فقمصًا والتزم القلاية البطريركية يعاون البابا كيرلس بن لقلق في تحرير مراسلاته.

من بين مؤلفاته

1. مجموع أصول الدين ومسموع محصول اليقين، وهو كتاب لاهوتي ممتع، توجد منه نسخ بمكتبة البطريركية، ومكتبات باريس ولندن والمكتبة الشرقية لليسوعيين.

2. التبصرة المختصرة في العقايد النصرانية.

3. تفسير الأمانة المقدسة، توجد نسخة بمكتبة باريس.

4. تفسير ما ورد في الإنجيل عن آلام سيدنا يسوع المسيح إلى صعوده، ومقدمة عن أصول تفسير الكتاب المقدس.

5. إيضاح تفسير تدابير السيد المسيح من حين الحبل به إلى صعوده إلى السماء.

6. مجموع الأصول شرح رسالة عيسى بن يحى الجرجاني في أقسام الدين.

7. السلم المقفى والذهب المصّفى في أصول اللغة القبطية، وهو قاموس قبطي عربي.

8. آداب الكنيسة.

9. خطب الأعياد السيدية وغيرها.

10. ترياق العقول في علم الأصول، والأسرار الخفية في علم المسيحية.

ب. الأسعد أبوالفرح هبة الله

ما عرف من مؤلفاته هو:

1. مقدمة (أجرومية) في أصول اللغة القبطية، توجد نسخة بلندن وأخرى بأكسفورد.

2. مقابلة للأناجيل باللغات اليونانية والسريانية والقبطية.

3. مقدمة على رسائل بولس، توجد نسخة بمكتبة ليبرن في هولندا.

4. مختصر كتاب يوحنا الدرجي.

5. مختصر مواعظ ذهبي الفم على تفسير متى.

6. مقال عن الأنفس الناطقة بعد مفارقتها.

7. كتاب في حساب الأبقطي، فيه بعض قواعد فلكية وتاريخية وجدول للبطاركة.

8. أرجوزة في حساب الأبقطي، شرحها البابا يوحنا (107).

ج. الصفى أبوالفضائل

1. كتاب الصحائح في الرد على النصائح (توجد نسخة بمكتبة اليعاقبة بالقدس).

2. كتاب نهج السبيل في الرد على من قدح في الإنجيل.

3. جامع اختصار القوانين المعروف بالمجموع الصفوي، ألفه سنة 1239م.

4. الكتاب الأوسط، وهو اختصار للكتاب السابق.

5. فصول مختصرة في التثليث والتوحيد (توجد نسخة بمكتبة باريس وأخرى بمكتبة الفاتيكان).

6. حواشي على مناظرات الشيخ عيسى الوراق مع ابن العبري، وأجوبة على اعتراضات عبد الله الناشي وغيره.

7. أرجوزة في الموايث، نشرت في المجموع الصفوي (طبعة 1908م).

8. كفاية المبتدئين في علم القوانين... وهو كتاب مفقود.

9. كتاب الفردوس، طبع في مصر سنة 1912م تحت عنوان الفردوس العقلي.

10. كتاب في تاريخ الكنيسة وتطابقه مع العلوم الفلكية، كما يدعى باسم مجموع التواريخ لعلوم القبط.

11. مجموع القوانين، طبعه القمص يوسف حبشي.

12. خطب ابن العسال، طبع في مصر سنة 1887م.

كامل صالح نخلة: سلسلة تاريخ الباباوات... الحلقة الأولى، طبعه 1951 م، ص 109 - 117.

اولاديوس الأب

لا نعرف عنه سوى ما جاء عنه في البستان، أنه أقام في البرية 20 عامًا في حياة نسكية صارمة، لا يأكل سوى خبز وملح (وربما بعض الحشائش)، ولم يرفع عينيه لينظر سقف قلايته، إذ كان دائم الانشغال بحياته الداخلية في الرب.

ايا الشهيدة

في أقسى فترات الاضطهاد، في عهد سابور الثاني ملك الفرس، عانى كثير من المسيحيين ضيقًا شديدًا، من بينهم الشهيدة "أيّاIA" وهي فتاة يونانية مسبية في بلاد الفرس. استطاعت في السبي أن تربح كثير من الوثنين للإيمان بالسيد المسيح، من بينهم جماعة من السحرة أنفسهم.

إذ سمع عنها الملك استدعاها، حيث أمر أربعة رجال كل منهم يسحب يدًا أو رجلاً، وصار آخرون يجلدونها على ظهرها حتى تمزق، فكانت تصلى بصوت عالي: "أيها الرب يسوع المسيح ابن الله الحيّ، قوي أمَتك وخلصها من الذئاب المحيطة بها".

أُلقيت في السجن حتى شفيت، وكان الملك يأمل أنها تجحد إيمانها. بعد شهرين أعاد الكره معها، حيث جُلدت بسياط بها عقد حتى سال الدم منها كالمجاري. أُلقيت في السجن أيضًا لمدة 6 أشهر، وقدمت لتُعذب بأمشاط حديدية، وصاروا يسحبونها بحبال حتى فقدت النطق وصارت في غيبوبة. أُعطيت لها مهلة 10 أيام لتُضرب بسياط من السلك مزقت لحمها وظهر عظمها حتى صارت شبه ميتة فقطعت رأسها من جسدها.

في "أعمال الشهداء الروماني" جاء أن الذين استشهدوا معها بلغوا حوالي 9000 نسمة.

استشهدت حوالي 4 أغسطس سنة 360م.

ايبريخوس الأب

جاء عن الأب إيبريخوس أوهيبريخوس Hyperechios أو إيرايس:

قال أبا إيبريخوس: "كما يُخيف الأسد الحمير الوحشية، هكذا الراهب المختبر بالنسبة للشهوات."

الصوم لجام للشهوات بالنسبة للراهب، من يهمله يكون كالحصان الذي يصهل مولعًا بالأنثى (إر5: 8).

من لا يضبط لسانه وهو غضوب، لا يستطيع أن يضبط شهواته أيضًا.

خير لك أن تأكل لحمًا وتشرب خمرًا، عن أن تأكل بالوقيعة لحم الاخوة.

بالنميمة أخرجت الحية حواء من الفردوس، هكذا من يثلب أخاه يكون كالحية، يُفسد نفس من يَنصت إليه، ولا تخلص نفسه هو.

كنز الراهب فقره الاختياري. الق بالكنز في السماء أيها الأخ، حيث تكون هناك أزمنة هدوء وسلام بلا نهاية.

لتكن أفكارك دومًا في ملكوت السماوات، فترثه حالاً!

الطاعة هي أفضل حُليّ الراهب. من يقتنيها يسمع له الله، ويقف أمام المصلوب بثقة، لأن الرب المصلوب أطاع حتى الموت (في 2: 8).

ايجبيزبيوس أسقف هيرابوليس

يهودي الأصل، اعتنق الإيمان بالسيد المسيح في روما عام181م.

سيم أسقفًا على هيرابوليس (غير هيروبوليس) بآسيا الصغرى، في شمال لاودكية، تُسمى حاليًا "بيوك قلعة سي". له كتاب في التاريخ الكنسي هو "خراب أورشليم"، فيه يري أن ليون هو أسقف روما الأول، ولم يكن مساعدًا لبطرس الرسول.

PG. 20: 377.

ايرائي الشهيدة

انظر الشهيد أبادير (28 توت).

ايروثيوس القديس

"إيروثيوس" تعني "المقدس لله."

لا نعلم إلا أنه من مدينة أثينا، أحد فلاسفتها وقضاتها، قبِل الإيمان بالسيد المسيح على يدّي الرسول بولس، نظير زميله ديونسيوس الأريوباغي، وخلفه على كرسي أثينا، فكان الأسقف الثاني لها.

عاصر الرسل والتلاميذ، واجتمع بكثيرين منهم، وتسلم منهم تعاليم الرب، وترك بعض كتابات مع تسابيح جميلة في العبادة لله.

رقد في أواخر القرن الأول في شيخوخة صالحة.

ايرونيموس القديس

حبه للعلم والمعرفة

يعتبر القديس إيرونيموس أوإيرينيموس أوجيروم St. Jerome من أعظم آباء الغرب في تفسيره للكتاب المقدس، له تراث عظيم في هذا المجال مع مقالات نسكية وجدلية ضد الهراطقة ورسائل.

وُلد حوالي عام 342م، في مدينة ستريدون Stridon على حدود دلماطية وبانونيا وإيطاليا، من أسرة رومانية غنية وتقية. ولما بلغ الثانية عشرة من عمره أرسله والده إلى روما، فبرع في الفصاحة والبيان، وقد شغف بكبار شعراء اليونان والرومان. اهتم أيضًا بنسخ الكثير من الكتب كنواة لإنشاء مكتبة خاصة به.

في هذا التيار انجرف إيرونيموس عن الحياة التقوية، لكنه عاد فتاب ثم نال سرّ العماد وإن كان قد بقي زمانًا يصارع ضد الشهوات فكريًا.

حبه للعبادة

بعد ثلاثة سنوات قرر مع صديقه بونوسيوس أن يرحلا إلى تريفا للتفرغ للعبادة. هناك بدأ يدرس اللاهوت بدراسة الكتاب المقدس، ثم عاد إلى وطنه وأقام في أكيلية سبع سنوات، حيث توثقت علاقته بصديقه الحميم روفينيوس الذي سبق فصادفه في روما.

في إنطاكية

إذ كان يحث أخته على حياة البتولية والنسك هاج أقرباؤه عليه فاضطر إلى الرحيل إلى الشرق، مارًا على اليونان فآسيا، ليستقر في إنطاكية عام 374م، حيث استضافه القديس أوغريس. أحب جيروم أوغريس، وكان للأخير أثره القوي عليه إذ سحب قلبه نحو الشرق والحياة النسكية.

تعرف أيضًا على أبوليناريوس أسقف اللاذيقية الذي وقف القديس ضده بعد ذلك، حينما انحرف عن الإيمان.

تفرغ قديسنا لدراسة الكتاب المقدس مع ممارسة الحياة النسكية، فانفرد في برية خليكس جنوب شرقي إنطاكية لحوالي أربع سنوات تعلم فيها العبرية. وقد تعرض في هذه البرية لمتاعب جسدية كثيرة، كما يظهر مما كتبه إلى القديسة أوستخيوم يصف حاله بصراحة كاملة، فيقول: "كانت حرارة الشمس الحارقة شديدة ترعب حتى الرهبان الساكنين فيها، لكنني كنت أُحسب كمن في وسط مباهج روما وازدحامها... في هذا النفي أي السجن الذي اخترته لنفسي، حتى أرهب الجحيم. كنت في صحبة العقارب والوحوش وحدها فكنت أحسب كمن هو بين الراقصات الرومانيات. كان وجهي شاحبًا من الصوم الإرادي فكانت نفسي قوية في الجهاد ضد الشهوة. جسدي البارد الذي جف تمامًا، فصار يبدو ميتًا قبل أن يموت، يحمل فيه الشهوة حيّة، لذا ارتميت بالروح عند قدمي يسوع أغسلهما بدموعي، مدربًا جسدي بالصوم الأسبوع كله، ولم أكن أخجل من كشف التجارب التي تحل بي... ولا أكف عن قرع صدري ليلاً ونهارًا حتى يعود إلىّ السلام".

عاد من البرية إلى إنطاكية عام 377م، فظهرت مواهبه، لذا ضغط عليه البطريرك بولينوس ليقبل الكهنوت، وإن كان قد اشترط إيرونيموس عليه ألا يرتبط بكنيسة معينة، ليتفرغ لكلمة الله أينما شاء الله أن يدعوه.

تركه إنطاكية

سمع إيرونيموس عن القديس غريغوريوس النزينزي، فذهب إليه والتصق به لمدة عامين، وفي مجمع القسطنطينية المسكوني عام 381م لمع نجمه. وفي سنة 382م رافق بولينس بطريرك إنطاكية وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص إلى روما، فاتخذه داماسيوس أسقف روما كاتبًا له، وأوكل إليه ترجمة الكتاب المقدس إلى اللاتينية، وتسمى بالفولجاتا La Vulgate.. امتزج عمله بحياة النسك مع الفكر الروح المتقد، فألتف حوله كثيرون، من بينهم شريفات قديسات مثل باولا وبنتاها بلوزلا واستوخيوم، ومرسيليا وأمها ألبينا، وأسيلا البتول الشهيرة.

متاعبه بروما

إذ تنيح أسقف روما هاجمه منافسوه إذ كانت الأنظار تتجه إلى سيامته، فأثاروا ضده افتراءات كثيرة، بسبب علاقته بهؤلاء الشريفات، واضطر أن يعود إلى الشرق مع أخيه بولنيانس وبعض الرهبان، يحمل معه مكتبته الضخمة ومؤلفاته، وقد كتب رسالة إلى بناته الشريفات مؤثرة للغاية، جاء فيها: "أشكر الله الذي وجدني مستحقًا أن يبغضني الناس... نسبوا إلىّ أعمالاً شائنة لكن أبواب السماء لا تُغلق وتُفتح بأقاويل الناس وأحكامهم".

عودته إلى الشرق

لحقت باولا وأستوخيوم قافلته في إنطاكية، وانطلق إلى يافا ثم بيت لحم، وإذ جال في فلسطين ذهب إلى مصر حيث الحياة الرهبانية في أوج عظمتها.

في مصر التقي بالقديس ديديموس الضرير الذي كان يحبه، وقيل أنه سبق فتتلمذ على يديه لمدة شهور، وسأله عن بعض معضلات في الكتاب المقدس فوجد إجابات شافية، ومن شدة إعجابه به حينما سبق فطلب منه داماسوس أسقف روما أن يكتب له بحثًا في الروح القدس، لم يجد أفضل من أن يترجم له ما كتبه القديس ديديموس إلى اللاتينية.

زار كثير من الأديرة والتقى بعدد كبير من نساك منطقة الأشمونين بمصر الوسطى (التابعة لطيبة) ومنطقة وادي النطرون، وسجل لنا كتابه "تاريخ الرهبان" عن آباء رآهم والتقي بهم شخصيًا أو سمع عنهم من معاصرين لهم يعتبر من أروع ما سُجل عن الحياة الرهبانية في ذلك الزمن، وقد اقتبست الكثير منه في هذا القاموس المبسط.

في فلسطين

عاد إلى فلسطين يحمل في جعبته خبرة آباء نساك كثيرين، وهناك بنت له باولا ديرين في بيت لحم عام 386م أحدهما للنساء تسلمت هي إدارته، والآخر للرجال يرأسه القديس إيرونيموس قرابة 35 عامًا، تزايد فيه حبه للدراسة والكتابة. قال عنه سالبسيوس ساويرس: "تراه على الدوام غائصًا في كتبه".

أُعجب بالعلامة أوريجينوس الإسكندري الذي حسبه هبة الله للكنيسة، فعكف على ترجمة الكثير من كتابته ومقالاته إلى اللاتينية، وكان يلقيها على الرهبان والراهبات، حتى جاء القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس إلى فلسطين وألقى عظته على الجماهير وهاجم أوريجينوس بعنف... فأصطاد القديس إيرونيموس ليحوّله من العشق الشديد لأوريجينوس إلى العداوة المرة، فيحسبه كأبيفانيوس أنه علّة كل هرطقة، بل حسبه شيطانًا رجيمًا. وبسبب هذا التحوّل خسر القديس جيروم صديق صباه روفينوس، ودخل معه في صراعات مرة وقاسية. وقد حاول القديس أغسطينوس التدخل بأسلوب رقيق للغاية، لكن القديس جيروم دخل معه في صراع شديد وبلهجة قاسية.

تصدَّى أيضًا القديس جيروم لكثير من الهرطقات.

أيامه الأخيرة

في أواخر أيامه هاجم البيلاجيون ديره وأحرقوا جزءًا كبيرًا منه وقتلوا ونهبوا.

تنيح القديس في بيت لحم عام 420م في مغارة المهد، وقد نُقل جسده إلى روما.

يُعيِّد له الغرب في 30 من سبتمبر.

يصوره الغرب وأمامه أسد رابض، إذ قيل أنه شفى أسدًا وقد لازمه في الدير. وربما لأنه كان يمثل الأسد في البرية، يزأر بشدة من أجل استقامة الإيمان، لا يستريح ولا يهدأ بسبب الهرطقات.

ترجماته

قام بترجمة الكتاب المقدس "الفولجاتا"، كما قام بترجمة 78 عظة لأوريجينوس، كتب أوريجينوس الأربعة "عن المبادئ"، والرسائل الفصحية للبابا ثاؤفيلس الإسكندري، ورسالة فصحية للقديس أبيفانيوس، ومقال القديس ديديموس السكندري "عن الروح القدس"... الخ.

كتاباته

1. اهتم بتفاسير الكتاب المقدس، فُقد بعضها. فسّر سفر الجامعة، وبعض رسائل القديس بولس، وإنجيل متى، والرؤيا، واهتم بأسفار الأنبياء، أروعها تفسيره لسفر أشعياء… الخ. في تفاسيره حمل المنهج الإسكندري، مستخدمًا أسلوب العلامة أوريجينوس وطريقته الرمزية حتى بعد مقاومته له.

بعض تفاسيره كتبها بسرعة شديدة، فسجل تفسيره لإنجيل القديس متى في 14 يومًا.

2. كتب في التاريخ: "مشاهير الرجال" ويعتبر الكتاب التاريخي الثاني بعد كتاب أوسابيوس القيصري، ضم 135 فصلاً، مقدمًا في كل فصل عرض لسيرة كاتب مسيحي وأعماله الأدبية، وقد سبق لي التعليق على هذا الكتاب بتوسع (راجع مقدمات في علم الباترولوجي، 1974م، ص14 - 16).

كتب أيضًا في سير الرهبان، كما سجّل حياة القديس بولا الطيبى وغيره...

3. كتابات جدلية ضد يوحنا أسقف أورشليم، واحتجاجه ضد روفينوس، وآخر ضد هلفيديوس (بخصوص دوام بتوليه العذراء مريم)، وضد جوفينيان، وضد البيلاجيين... الخ.

4. رسائله.

Patrick. J. Hamell: Handbook of Patrology, 139 - 145

ايريس الشهيدة

قدّم لنا يوسابيوس القيصري في كتابه "التاريخ الكنسي" مجموعة من تلاميذ العلامة أوريجينوس تقدموا للاستشهاد، من بينهم من كانوا لا يزالون موعوظين، ومن الجنسين.

من بينهم هؤلاء الشهداء بلوتارخوس وسيرينوس وهيراكليدس وسيرينوس آخر وإيريس أوهيريس وباسيليدس وبوتامينا.

تم ذلك سنة 202م في عهد الإمبراطور سبتيميوس ساويرس، الذي يعني "العنيف أو القاسي السابع". هذا الإمبراطور في عودته من فلسطين إلى مقره، أراد أن يقضي بعض الوقت بمصر، ليعاين بنفسه مدى تطبيق أوامره التي أصدرها لاضطهاد المسيحيين.

لعل اِتِّقاد قلب أوريجينوس وغيرته قد أعطى الإسكندرية سمة خاصة، إذ كان هذا الشاب دائم الحركة، لا بتقديم التعليم الكنسي فحسب، وإنما في حثّ حتى الموعوظين الذين تتلمذوا على يديه أن يقبلوا الاستشهاد باسم المسيح بفرح.

لقد جال الجند التابعين للإمبراطور في الإسكندرية، بل وفي كل نواحي مصر لمقاومة المسيحية، وقد أُغلقت المدارس، وأصاب الحياة اليومية نوعًا من الشلل... أما مدرسة الإسكندرية المسيحية فقد أَغلقت أبوابها لا لتشتيت تلاميذها، وإنما لينطلق أوريجينوس يعلمهم في موضع آخر على ضياء نور أتون الاضطهاد، لا حديث له معهم سوى حثّهم على قبول الآلام بفرح... يقضي معهم بعض الوقت ليتركهم منطلقًا إلى السجن يخدم المعترفين ويسندهم ليتمموا شهادتهم للحق بفرح، ويصحبهم إلى دار القضاء ليسمع الأحكام الصادرة ضدهم، فيرافقهم في ساحة التنفيذ ويُقبِلهم علانية قبيل استشهادهم.

والعجيب أنه في هذه اللحظات الحرجة كان بعض الوثنين يأتون إليه لسماع كلمة الله... وكأن الضيق أعطى للكرازة قوة وثمارًا متكاثرة.

أول تلميذ له استشهد هو بلوتارخس، يقول عنه يوسابيوس: "إذ كان يُساق إلى الموت اقترب منه الشخص موضوع حديثنا (أوريجينوس)، ورافقه حتى النهاية، ولكن العناية الإلهية حفظته في هذه المرة أيضًا".

بلا شك قد ثار أهل الشهيد على أوريجينوس بكونه علّة موته، والمحرض له على رفض العبادة الوثنية...

أما الرجل الثاني من تلاميذه فهو سيرينوس الذي قُدم لنار أتون، فكانت شهادته للإيمان الحق أعلى من ألسنة اللهب وأقوى من فاعلية النيران.

تلاهما الشهيد هيراكليس وهو موعوظ بسيط منتمى للمدرسة، والرابع هو هيرو وكان حديث الإيمان، قبِل المعمودية قبل استشهاده بفترة قصيرة، سلّم رقبته للسيف بثبات وإيمان. والخامس سيرينوس (آخر) الذي دعاه يوسابيوس "بطلاً من أبطال التقوى". وأما السادس فهي من بين النساء تُسمى إيريس أو هيريس، التي استشهدت وهي لا تزال تحت التعليم، يقول يوسابيوس: "قبلت معمودية النار حسب تعبير أوريجينوس نفسه في موضع آخر". أما السابع فهو باسيليدس الذي ساق الشهيدة بوتامينا الشهيرة للاستشهاد، نعود إلى الحديث عنهما فيما بعد إن شاء الرب وعشنا.

Eusebius: Eccl. Hist. 6: 4: 1 – 3.

ايريني العذراء الشهيدة1

راجع الشهيدة أغابي (8 برمودة).

ايريني العذراء الشهيدة2

راجع الشهيد بقطر (4 برمودة).

ايريني الشهيدة

اخت القديس أثناسيوس، استشهدا على يد مكسيميانوس (3هاتور).

ايريني القديسة

كانت ابنة ملك وثني يُدعى ليكينيوس. اتسمت بمسحة من الجمال الفريد، حتى خشيَ والدها من جمالها فبنى لها قصرًا خاصًا بها، وأقام معها ثلاثة عشر جارية لخدمتها والسهر على حراستها. وكان عمرها في ذلك الوقت ست سنوات. وترك لها التماثيل تسجد لها وتتعبد أمامها، كما عيّن لها شيخًا فاضلاً حكيمًا ليقوم بتربيتها.

رأت إيريني حمامة في فمها ورقة زيتون نزلت ووضعتها على المائدة، ثم هبط نسر ووضع إكليلاً على المائدة، بعد ذلك جاء غراب ومعه ثعبان ووضعه على المائدة. جزعت إيريني من الرؤيا وروتها لمعلمها الذي كان مسيحيًا دون أن يعرف والدها. أجابها بأن الحمامة هي تعليم الناموس، وورقة الزيتون هي المعمودية، والنسر هو الغلبة، والإكليل هو مجد القديسين، والغراب هو الملك، والثعبان هو الاضطهاد، ثم ختم قوله بأنه يجب عليها أن تجاهد في سبيل الإيمان بالسيد المسيح.

زارها أبوها يوم، وعرَضَ عليها الزواج من أحد الولاة الأمراء، فطلبت منه مهلة ثلاثة أيام لتفكر في الأمر... وإذ دخلت إلى التماثيل تطلب الإرشاد لم يجبها بشيء. ثم رفعت عينيها إلى السماء، وقالت: "يا إله النصارى اهدني إلى ما يرضيك". ظهر لها ملاك الرب، وقال لها: "سيأتيك غدًا أحد تلاميذ بولس الرسول ويعلمك ما يلزم ويعمدك". وفي الغد جاء إليها القديس تيموثاوس وعلمها أسرار الإيمان ثم عمدها.

إذ علم والدها بالأمر أحضرها وتحقق منها الأمر، فاعترفت بإيمانها بالسيد المسيح، فأمر أن تربط في ذيل حصان جمح وأطلقه... لكن الحصان عوض انطلاقه بها ارتد إليه، وقبض بفمه على ذراع الملك وطرحه أرضًا، فسقط ميتًا.

أخذت إيريني تصلى كي يتمجد السيد المسيح كواهب القيامة والحياة، فقام والدها وآمن هو وزوجته ونحو ثلاثة آلاف نسمة، واعتمد جميعهم.

وقد وهب الله هذه القديسة نعمة عمل الآيات، فكسبت كثير من الأمراء والعظماء كما من الشعب للإيمان، ثم تنيحت بسلام في 21 من شهر مسرى.

ايرينيؤس وميستيولا الشهيدان

في القرن الثالث في عهد الملك أوريليان، أُرسل الوالي ترسيوس Turcius إلى مدينة توسكاني Tuscany ليمحى كل أثر للمسيحية هناك. التقى بالكاهن فيلكس الذي عاش في فالسكا (Falisca, or Civita Castellana) الذي إذ سمع عن الاضطهاد الذي يحل بشعبه، جمع الكل في الكنيسة، وبدأ يسندهم، حاثًا إياهم أن يعترفوا بالسيد المسيح بفرح أمام الناس فيعترف بهم أمام ملائكته في اليوم الأخير.

تعرض الكاهن للرجم بالحجارة حتى أسلم الروح، فقام شماسه إيرينيؤس بدفنه خارج المدينة. ألقى الوالي القبض عليه وسجنه، فكانت سيدة غنية تدعى ميستيولا Mustiola تخدمه مع بقية المسيحيين المسجونين، تأتي إليهم بالطعام، وتغسل أقدامهم، وتدهن جراحاتهم.

احتمل إيرينيؤس العذاب بصبر، فوضعت المشاعل عند جنبيه، ومزق بالمخلعة ثم حرق جسمه بالنار. أما ميستيولا التي يقال إنها من أصل ملوكي روماني فصرخت: "أيها الشرير، أتسفك دمًا بريئًا؟ من تذبحه ينعم بالمجد أما أنت فتسقط في نار أبدية".

اغتاظ الوالي وأمر بجلدها حتى أسلمت الروح.

Rev Baring - Gould: Lives of Saints, July3.

ايرينيؤس أسقف ليون

إن كنا لا نعرف كثيرًا عن حياته لكن كتاباته تكشف لا عن شخصيته فحسب، وإنما عن الفكر الإنجيلي الرسول الكنسي، إذ يُحسب أحد رجال الكنيسة العظماء في القرن الثاني، وضع أساس علم اللاهوت المسيحي، وتفسير الكتاب المقدس، كما أبرز بوضوح ودقة مفهوم الكنيسة اللاهوتي، لذا دُعي "أب اللاهوت المسيحي"، "أب التقليد الكنسي".

نشأته

كلمة "إيرينيؤس" تعني "المسالم"، وجاء اسمه مطابقًا لشخصيته كمحب للسلام الكنسي على مستوى جامعي.

قيل إنه ولد حوالي عام 250م، وإن كان البعض يري إنه وُلد حوالي عام 240م، على مقربة من شاطئ آسيا الصغرى القديمة، وكما قال بنفسه إنه كان صبيًا اعتاد أن يحضر مع صديقه فلورنس عظات القديس بوليكربس الشهيد أحد تلاميذ الرسل أنفسهم، لذا يُرجع إنه ولد بسميرنا (أزمير).

للأسف انحرف صديقه فلورنس للغنوسية التي تحل "المعرفة" gnosis العقلية البحتة محل الإيمان للخلاص وتحقّر من العهد القديم... الخ. بعد رسامته قسًا، وقد حاول صديقه إيرينيؤس رده للإيمان المستقيم، وقد جرد فيكتور أسقف روما فلورانس عام 188م، ولا ندري مدى تأثير القديس إيرينيؤس على صديقه بعد ذلك.

سيامته قسًا

تتلمذ قديسنا على يدي القديس بوليكربس وأحبه جدًا، إذ كان معه في لحظات استشهاده بروما، يقول إنه يذكر القديس بوليكربس وكلماته وتعاليمه بدقة أكثر من أي حدث مرّ به في حياته.

كان إيرينيؤس محبًا للتعلم، وصفه العلامة ترتليان بأنه شغوف نحو كل أنواع المعرفة، لذا أحبه معلمه بوليكربس، الذي قيل إنه أخذه معه إلى روما، ومن هناك بعثه إلى ليون (بفرنسا) ليقوم بعمل إنجيلي كرازي، إذ كانت العلاقات وثيقة جدًا بين مواني آسيا الصغرى ومنطقة الغال (فرنسا)، ليس فقط من الجوانب التجارية، وإنما أيضًا كان كثير من الكهنة والكارزين يقدُمون إلى الغال من آسيا الصغرى.

على أي الأحوال وجد القديس فوتينوس أوباثينوس Pathinus أسقف ليون الشرقي الأصل، الذي كان يبلغ التسعين من عمره في هذا الشاب غيرة متقدة للكرازة، خاصة بين الوثنين فسامه قسًا.

في روما

كان الكاهن إيرينيؤس محبًا للسلام بصورة عجيبة، لذا كلفه رؤساء كنيسة ليون بالتوجه إلى الأسقف إلوتاريوس Eleutherius بروما، من أجل مشكلة الموناتيين الذين يدعون النبوة، إذ كان يشتاق الكاهن إلى مصالحتهم مع الكنيسة في كل موضع خلال الحب، لكن ليس على حساب العقيدة أو الحق.

في ذلك الحين اشتدت موجة الاضطهاد بليون عام 177م، وقبض على عدد كبير من رجال الكتاب هناك، حيث تنيح الأسقف القديس فوتينوس في السجن واستشهد أكثر من 40 شخصًا، فأسرع إيرينيؤس بالعودة إلى ليون ليشدد الأيادي ويسند الكل وسط الضيق، فسيم أسقفًا على ليون وفينا وبعض الإيبارشيات الصغيرة في جنوب بلاد الغال.

جهاده الأسقفي

في أبوّة صادقة إذ كان القديس إيرينيؤس قد درس اليونانية والشعر اليوناني والفلسفة، لكنه كان يتحدث مع شعبه باللسان السلتي Celtic، حتى يشعروا أنه واحد منهم، وليس غريبًا عنهم.

في اتساع قلبه كرز بمحبة خارج نطاق إيبارشيته، وأرسل قديسين كثيرين للكرازة بين الوثنين، مثل فيلكس وفرتوناتوس وأخيلاوس إلىValence، وفريتيوس وفيرولس إلى Beasancon.

كان محبًا للكنيسة الجامعة بكل قلبه، فعندما سمع أن الأب فيكتور أسقف روما قطع العلاقة بين روما وآسيا الصغرى بسبب خلاف حول عيد القيامة، بعث رسالة إلى أسقف روما بأسلوب لائق لكن شديد، يطالبه ألا يأخذ هذا الموقف العنيف وأن يُعيِّد العلاقات من جديد.

من جهة إيمان الكتاب فقد أظهر غيرة صادقة على الحفاظ على الإيمان المستقيم، مقاومًا الهرطقات خاصة الغنوسية والمونتانية، لكنه في المقاومة لا يبغي الجدل في ذاته، بل كان يركز على إبراز أركان التعليم الرسولي في شتّى القضايا التي أثارها الهراطقة، فكان جدله إيجابيًا بنّاًء. كان مجاهدًا لا في مقاومة الهرطقات فحسب، وإنما بالأحرى في ردّ الهراطقة إلى حضن الكنيسة. لذا كان يتحدث بحكمة بناءّة، في أسلوب هادئ وتسلسل مقنع بروح المحبة غير المتعصبة ولا الجارحة.

نياحته

شهد خراب ليون عام 197م، إذ رقد حوالي عام 202م، ويري القديس جيروم أنه استشهد، وإن كان كثير من الباحثين لم يرجحوا ذلك.

تُعيّد له الكنيسة اليونانية في 23 أغسطس واللاتينية في 28 يونيو، وقد نقل عيده منذ سنة 1960م إلى 3 يوليو.

كتاباته

للأسف فُقدت أغلب كتاباته، لكن عثر على الترجمة اللاتينية لخمسة كتب له باسم "ضد الهرطقات"، كما عثر أخيرا على ترجمة أرمنية لكتابه "برهان الكرازة الرسولية". هذان العملان نجد فيهما وحدهما عناصر النظام اللاهوتي المسيحي الكامل.

من كلماته المأثوره

صار ابن الله إنسانًا لكي يصير الإنسان ابن الله (ضد الهرطقات2: 10: 3).

مجد الله أن يحيا الإنسان، وحياة الإنسان أن يري الله (ضد الهرطقات7: 20: 4).

اِتّباع المخلص هو اشتراك في الخلاص، واِتّباع النور هو اشتراك في النور (ضد الهرطقات1: 14: 4).

J. Lebreton: The History of the Primitive Church, London 1946, Vol 2. p. 539 - 564.

ايرينيس

روى القديس قسيانوس الرومي قصة هذا الشيخ الذي سبّب حزنًا شديدًا للآباء والاخوة بسبب سقوطه، لعدم تمييزه، فقال بأنه في أيامه عاش هذا الشيخ في البراري خمسين عامًا في تقشف زائد ونسك، محب للعزلة والانفراد، لكن عدو الخير ضربه بالكبرياء ففقد روح الحكمة والإفراز، فظهر له في شكل ملاك نور وسجد إيرينيس له. أقنعه العدو أن يُلقي بنفسه في بئر عميقة ليتحقق عناية الله به عمليًا، وأكد له أنه لن يصاب بضرر بسبب حياته الفاضلة. في عدم حكمة طرح نفسه في البئر في منتصف الليل، وبقي هكذا حتى عثر عليه الاخوة بين حي وميت، فأخرجوه وهم في حزن شديد بسبب سقوطه وانخداعه للعدو، ولم يبق سوى يومين وفي ثالث يوم مات.

ايساك الأب

تلميذ الأنبا أبلوس.

زهد العالم منذ صغره، وترهّب في برية شيهيت، وتتلمذ للأنبا أبلّوس نحو مدة 25 عامًا في نسك شديد وصمت وسكون.

كان من عادته أن يقف في الصلاة مكتوف الأيدي، مطامن الرأس طوال القداس الإلهي، ثم يعود إلى قلايته، ويغلق بابها عليه، ولا يقابل أحدًا في ذلك اليوم، ولما سُئل: لماذا لا تكلم من يريد الحديث معك وقت الصلاة أو القداس الإلهي؟ أجاب: "للكلام وقت وللصلاة وقت".

إذ دنا وقت رحيله، اجتمع عنده الآباء الرهبان لنوال بركته، فسألوه: "لماذا كنت تهرب من الناس؟"، أجابهم: "ما كنت أهرب من الناس بل من الشيطان، لأن الإنسان إذا أمسك مصباحًا متقدًا في الهواء ينطفئ، وهكذا نحن إذا أضاء عقلنا من الصلاة والقداس ثم انشغلنا بالحديث، فإن عقلنا يظلمّ".

تنيح في العاشر من برمودة.

ايسنت الشهيد

كان إيسنت أو هيسنث Hycinth حاجبًا لدى الإمبراطور تراجان في بدء القرن الثاني، وكان من مواطني قيصرية الكبادوك.

إذ أُكتشف أمره أنه مسيحي، يرفض تناول اللحوم المذبوحة للأوثان، أُلقى في السجن، وطُلب من السجان ألا يقدم له طعامًا سوى ما ذُبح للأوثان، وقد فضّل إيسنت أن يموت من الجوع عن أن يمد يده لهذا الطعام. وإذ ساءت صحته جدًا أمر الإمبراطور أن يقدم له طعام غير مذبوح للوثن لكن الشهيد كان غير قادر على ابتلاع شيء، فرقد في الرب من الهزال الشديد.

يُعيِّد له الغرب في 3 يوليو.

ايسي الشهيد

كان إيسي وأخته تكلا من أبي صير، غربي الأشمونين، بمحافظة المنيا، وكانا غنيين جدًا تقيين.

سمع إيسي عن صديقه بولس بالإسكندرية أنه مريض فانطلق إليه، وجده قد شفيَ من مرضه، فقرّرا أن يقوما بخدمة المسجونين من أجل الإيمان.

سمعا عن بقطر بن رومانيوس الوزير كيف جاء ليستشهد في مصر، زاهدًا غنى العالم وكرامته، وربما التقيا معه، فالتهب قلبيهما بالامتثال به، وتقدم إيسي إلى الوالي يعترف بالسيد المسيح. تعرض إيسي لعذابات شديدة كالجلد والعصر وإيقاد مشاعل في جنبيه وتقطيع أعضائه، أما بولس صديقه فكان يراه في عذاباته فيبكي.

لم يترك الله إيسي في عذاباته بلا تعزية، بل كان يرسل له ملاكه ليشفيه من جراحاته ويقويه. كما أرسل ملاكًا لأخته تكلا يأمرها أن تمضي لأخيها بالإسكندرية، وإذ ركبت مركبًا ظهرت لها القديسة مريم العذراء والقديسة أليصابات يعزيانها في أخيها دون أن تعرفهما؛ الأولي قالت لها: إن لي ولدًا صلبوه حسدًا، والثانية تقول: إن لي ولدًا أخذوا رأسه ظلمًا.

التقت بأخيها ودخلت معه طريق الآلام، وكان الرب يقويهما. أخيرًا سلمهما الوالي لأبنه كي ينطلق بهما إلى الصعيد، لكن إذ سارت المركب قليلاً وتوقفت، قطع رأسيهما وطرح جسديهما وسط الشوك والحلفاء.

أما بولس صديق إيسي وأبلانيوس ابن الشهيدة تكلا فاستشهدا بعد ذلك.

تُعيّد الكنيسة بعيد استشهاد القديسين إيسي وتكلا أخته في 8 كيهك.

ايسيذورس القديس

قس الإسقيط

كثيرًا ما يحدث خلط بين الآباء الرهبان القديسين الذين يحملون اسم "إيسيذورس Isidore"، أما إيسيذورس الذي نتحدث عنه هنا فهو ذاك الذي دعاه المؤرخ الرهباني بالاديوس: "إيسيذورس الكبير"، اعتبره روفينوس أحد معلمي البرية الكبار مع المقارات القديسين، وقال عنه القديس يوحنا كاسيان "قس برية شيهيت".

سكن أولاً في نتريا حوالي سنة 373م، وصار كاهنًا لخدمة المتوحدين في منطقة القلالي، فدعي "قس المتوحدين". جاء وسكن بجوار قلاية القديس مقاريوس، وكان من أوائل الملاصقين له، رافقه في تأسيسه لديره بالبيامون (دير أبي مقار الحالي)، وقد عُرف بقس الإسقيط، لأن القديس مقاريوس وهو قس الإسقيط وأب الرهبان أقامه كنائب عنه، يمارس هذا العمل حين يحتجب للعزلة، وبسبب هذا المركز كان يزور البابا الإسكندري سنويًا كأب رهبان شيهيت ونائب عن القديس مقاريوس.

ارتباطه باستقامة الإيمان

انطلاقه إلى البرية للعبادة في جو من الهدوء الكامل، مكرسًا حياته للحياة التأملية، لا يحجبه عن العمل الكنسي خاصًا الحفاظ على الإيمان المستقيم. هذا ما أدركه فالنس الأريوسي، إذ شعر بالدور الرئيسي الذي يقوم به قادة الفكر الرهباني في هذا الشأن، لذا نُفي القديس إيسيذورس إلى إحدى الجزر بمصر، مع المقارين وهيراكليد والأنبا بموا وغيرهم، من أجل دفاعهم عن الإيمان بلاهوت السيد المسيح.

رجل صلاة

لعل سرّ القوة في حياة هذا الأب الروحي حتى نال هذه القامة العظيمة هو حبه للصلاة، فقد اهتم في السنوات الأولى من رهبنته أن يعتكف في القلاية لا يكف عن الصلاة حتى أثناء عمله اليدوي. كثيرًا ما كان يقول: "لنجتهد في الصلاة فيهرب العدو، ولنجتهد في التأمل في الله فننتصر".

مع حبه الشديد للصلاة كان لا يكف عن العمل، فكان لا يتوقف عنه حتى عندما تقدم في السن، ولما طُلب منه أن يستريح قليلاً أجاب: "لو حرقوا إيسيذورس ونثروا رماده في الهواء، فإن هذا لا يكفي تقديمه للرب كعلامة عرفان للجميل، مقابل ما صنعه يسوع المسيح بمجيئه إلى العالم".

حبه لخلاص الآخرين

اشتهر الأب إيسيذورس بما وُهب له من نعمة فريدة في الحلم والاهتمام بخلاص الآخرين، لهذا متى وُجد إنسان قد يأس الكل منه وأرادوا طرده، يحتضنه ويهتم به يقوِّمه بحلمه وصبره.

لعلنا نذكر كيف كان الأنبا موسى الأسود وهو محارَب بالزنا بعنف، يجد في إيسيذورس القلب المتسع بالحب، ففي ليلة واحدة انطلق أنبا موسى من قلايته التي على الصخرة "بترا" إلى قلاية أبيه إيسيذورس التي بالقرب من الكنيسة ليزوره إحدى عشرة مرة، والأب يستقبله ببشاشة ويرد له رجاءه في الرب.

مرة أخرى إذ اشتدت الحرب جدًا بالأنبا موسى حتى كاد يفقد رجاءه، فلم يحتمل البقاء في القلاية، أصعده معه إلى سطح القلاية وطلب منه أن ينظر إلى الغرب ليري جمعًا من الشياطين في حالة هياج شديد يستعدون للهجوم، ثم طلب منه أن ينظر إلى الشرق ليجد جمعًا أكثر من الملائكة القديسين والجنود السمائيين في مجد بهي واقفون ليسندوا المجاهدين، فامتلأ أنبا موسى رجاء.

موهبة إخراج الشياطين

يقول القديس يوحنا كاسيان أن إيسيذورس نال موهبة إخراج الشياطين، بسبب حلمه الشديد وقمعه لهوى الغضب، حتى أن الشياطين كانت تخرج ممن سيطرت عليهم قبل أن يدخلوا عتبة قلايته.

سأله أخ، قائلاً: "لماذا تخشاك الشياطين جدًا؟"، أجاب الأب: "لأنني منذ أصبحت راهبًا وأنا أحاول ألا أسمح للغضب أن يجوز حلقي إلى فوق". قال أيضًا: "ذهبت مرة إلى السوق لأبيع السلال، فلما رأيت الغضب يقترب مني تركت السلال وهربت".

نياحته

يري القديس يوحنا كاسيان أنه تنيح عام 397م، وقد خلفه القديس بفنوتيوس كقس للإسقيط.

مليكة حبيب يوسف، يوسف حبيب: القديس أنبا إيسيذورس قس الإسقيط، 1971 م.

منشورات النور: أقوال الآباء الشيوخ، 1983، ص 142 - 143.

ايسيذورس الإسكندري القديس

نشأته

ولد حوالي عام 318م؛ أحب الله واشتاق إلى تكريس حياته للعبادة، فوزع ممتلكاته على الفقراء وهو شاب صغير، والتحق بإقليم نتريا تحت رعاية القديس آمون الكبير. أما أخته اليتيمة فترهبت بدير خارج الإسكندرية، وصارت أمًا لسبعين راهبة.

زار القديس أنبا أنطونيوس، وقد التصق بالقديس البابا أثناسيوس الذي أقامه رئيساً لبيت الضيافة (مستشفى) بالإسكندرية.

بدأ القديس بالاديوس كتابة "التاريخ اللوسياكي" بلقائه مع هذا الأب عام 388م، إذ قال:

[عندما حضرت إلى الإسكندرية لأول مرة في عهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير (379 - 395م) الذي يقطن الآن مع الملائكة بسبب عظم إيمانه بالمسيح، تقابلت مع رجل عجيب في المدينة هو إيسيذورس الشيخ. كان شخصًا ضليعًا وقد تسلم بيت ضيافة كنيسة الإسكندرية، إذ قيل عنه إنه خاض معارك شبابه الأولى في البرية، وقد شاهدت قلايته بجبل نتريا (شمال منطقة وادي النطرون).

عاش كل حياته لا يضع على جسده كتاناً فاخرًا، ما خلا عصابة على رأسه. لم يستحم (هنا لا يعني عدم غسل جسده إنما عدم الاستحمام في الحمامات العامة، خاصة في المدن الكبرى، فقد أساء الوثنيون استخدامها فكانت مجالاً للعثرة، لهذا امتنع الكثير من المسيحيين عن استخدامها)، ولا أكل لحمًا، وقد حُفظ جسده الضعيف بالنعمة حتى أن من لا يعرف طريقة عيشه يظنه مترفاً.

يعوزني الوقت إن حاولت وصف فضائله بدقة، فقد كان رقيق القلب، مملوءًا سلامًا، حتى كان أعداؤه غير المؤمنين يهابون خياله من أجل عظم صلاحه.

معرفته بالكتب المقدسة والعلم الإلهي عميقة، لذا كانت أفكاره تهتم حتى عندما كان الأخوة يأكلون.

كان صامتًا، وإذا دُعي للحديث عن هيامه كان يقول: "لقد سُحب فكري كمن هو مأسور في رؤيا".

كثيرًا ما عرفته باكياً على المائدة، وعندما سألته عن سبب الدموع، أجابني: "إنني أخجل من الاشتراك في طعام غير عقلي، فأنا كائن عاقل، وكان يليق بي أن أكون في فردوس النعيم بالقوة المعطاة لي بالمسيح."

عندما سافر أولاً مع أثناسيوس (عام 340 / 341م حيث رسمه في روما قسًا)، وبعد ذلك مع الأسقف ديمتريوس (غالباً أسقف بسينيوس Pessinus بغلاطية، صديق حميم للقديس يوحنا ذهبي الفم والمعضد له) تعرف على كل مجلس شيوخ روما وزوجات العظماء...].

أخذ القديس إيسذورس بالاديوس وسلمه إلى متوحد اسمه دوروثيؤس الطيبي أو الصعيدي، الذي كان يسكن في مغارة تبعد حوالي خمسة أميال من الإسكندرية، لكن يبدو أن بالاديوس لم يحتمل العيش في المغارة فانطلق إلى نتريا عام 390م.

متاعبه

عانى من الاضطهاد الأريوسي على يدي فالنس عام 373م، ونفى إلى إحدى الجزر، ثم عاد إلى الإسكندرية.

أرسله البابا ثاوفيلس (23) إلى روما عام 388 في مهمة برسالة سُرقت منه فعاد للحال. وقد حاول البابا ثاوفيلس تقديمه بطريركًا على كرسي القسطنطينية لكن القديس يوحنا الذهبي الفم أحبط هذه المحاولة. أرسله البابا ثاوفيلس إلى فلسطين برسالة فانحاز إلى القديس يوحنا أسقف أورشليم مما أثار القديس جيروم واتهمه بالأوريجانية، إذ كان القديس جيروم وهو في شدة العداوة ضد أوريجانوس يقاوم القديس يوحنا الأورشليمي.

حوالي عام 391 حدث خلاف بينه وبين البابا ثاوفيلس، اتهمه الأخير أنه سمح لأحد أتباع ماني بالتناول، فطرده عن الإسكندرية ليذهب إلى قلايته القديمة بنتريا. وإذ ضيق عليه البابا الخناق ذهب مع الأخوة الطوال إلى القديس يوحنا الذهبي الفم بالقسطنطينية الذين كانوا محبين لأوريجانوس ومدافعين عنه.

إذ عاد من القسطنطينية تنيح في الحال عام 403م وقد بلغ الخامسة والثمانين من عمره، ودفن بالإسكندرية.

تعيد له الكنيسة الغربية في الخامس عشر من شهر يناير.

Palladius: The Lausiac History, Ch 1.

ايسيذورس الشهيد

إسكندري، كان يعمل في إدارة التعيينات بجيش الإمبراطور ديسيوس، ذهب مع فرقة تحت قيادة نوميريوس إلى جزيرة Chios. هناك إذ أُكتشف أنه مسيحي وُشى به لدى قائدة نوميريوس الذي قدمه للمحاكمة وصار يعده ويتوّعده لكي يجحد مسيحه، فكان ثابتًا على إيمانه.

قُطع لسانه وأخيرًا قطعت رأسه. وأُلقى جسده في بئر، لكن المسيحيين اكتشفوه. دفنه جندي يدعى اميانوس استشهد بعد ذلك في Cyzicus، واشتركت معه في الدفن سيدة هي القديسة ميروب Myrope، التي جُلدت حتى الموت من أجل محبتها واهتمامها بدفن الشهداء.

صارت البئر مشهورة، يستخدمها الله في عمل العجائب والأشفية، كما أقيمت كنيسة فوق مقبرة الشهيد.

في القرن الخامس نقل رفات القديس إلى القسطنطينية في كنيسة صغيرة باسمه ملحقة بكنيسة القديسة إيريني. وقد صار اسمه مكرمًا بالقسطنطينية، وبعد ذلك في روسيا.

يقال إن بعض التجار نقلوا رفاته إلى سان ماركو بفينيس.

Butler’s Lives of Saints, May 15.

ايسيذورس الفرمي الأب

حياته تمثل القلب الناري الملتهب حبًا، يشتاق للوحدة والنسك، مع انطلاقة قوية وغيرة للعمل بقوة وبجرأة خاصة مع الخدام وأصحاب المراكز المدينة والدينية ليحدثهم في محبة صادقة مع صراحة ووضوح بلا مداهنة من أجل الحق، وبروح الاِتضاع بلا عجرفة.

نشأته

وُلد بالإسكندرية حوالي سنة 360م، يمت إلى البابوين ثاوفيلس (23) وكيرلس (24) بصلة قرابة. تعلم اليونانية والعلوم الزمنية مع علوم الكنيسة بروح وديع وبنسك وتقوى، فحسب أحد علماء عصره وأحد آباء الكنيسة الجامعة.

لما عزم الشعب على اختياره أسقفًا هرب إلى جبل الفرما على حدود مصر في الشمال الغربي بالقرب من مدينة بيلوسيوس (حاليًا فرموس)، لذا يدعوه بعض الغربيين إيسيذورس البيلوسيوتي. وقد قيل إن هذه المنطقة سكنها في وقت من الأوقات حوالي 500 راهبًا.

بين الصمت والغيرة

عاش في جبل الفرما كناسك متوحد محب للصمت، ميالاً للتأمل والصلاة مع دراسة عميقة للكتاب المقدس، وكان أيضا عنيفًا مع جسده يتدرب على أصوام وتقشفات زائدة.

وسط صمته وعبادته كان قلبه يلتهب غيرة على خلاص الكل، وإذ قبل الدرجة الكهنوتية صار يكتب رسائل متعددة كرسائل شخصية يبعثها للقيادات الكنسية والعظماء في صراحة مع محبة، وقد وصل إلينا أكثر من ألفيْ رسالة له.

رسائله كانت ملتهبة بحب خلاص الآخرين، لذا كانت فعّالة في حياة الكثيرين، وكما يقول بعض الدارسين إنها لا تقل عن أعمال القديس يوحنا الذهبي الفم.

طالع كتابات القديس يوحنا الذهبي الفم وتأثر بها، خاصة كتابه "عن الكهنوت"، حتى حُسب تلميذاً له، وقد دافع عنه بجرأة أمام قريبه البابا ثاوفيلس. هذا الدفاع أثار أعداء القديس يوحنا الذهبي الفم ضد إيسيذورس نفسه، وكالوا له اتهامات كثيرة، وسببوا له مضايقات. وبعد نياحة البابا ثاوفيلس بذل كل الجهد لدى خليفته البابا كيرلس الكبير ابن أخت البابا ثاوفيلس موضحاً له سمو القديس يوحنا الذهبي الفم، وحمله أن يضع اسمه بين أسماء القديسين.

رافق الأخوة طوال القامة الذين اضطهدهم البابا ثاوفيلس فانطلقوا إلى القسطنطينية ليلقوا بذهبي الفم، وكان معهم مدافعاً عما أتُهم به العلامة أوريجانوس معلناً أنها اتهامات منسوبة إليه خطأ من وضع الناسخين وليست أصيلة.

في غيرته أيضًا المقرونة بالشجاعة في تهذيب الآخرين كتب إلى رئيسه أوسابيوس أسقف بيلوسيوس خليفة الأنبا آمون إذ رآه يتصرف بغير عدل، بل وكتب إيسيذورس إلى حاكم المنطقة يؤنبه على المظالم التي يرتكبها وعلى عدم مراعاته حقوق الكنيسة. وكان له دور عظيم أيضا في مقاومة النسطورية.

جاهد حتى تنيح حوالي عام 450م.

تعيد له الكنيسة القبطية في 10 أمشير.

أفكاره ورسائله

كان كمحب لكتابات القديس يوحنا الذهبي الفم يميل إلى التفسير الحرفي ولا يقبل التفسير الرمزي إلا في حدود ضيقة.

اهتم في كتاباته بالجانب العقيدي كالرد على الأريوسيين وتمسكه بكلمات مجمع نيقية.

كان يحب القديس كيرلس الكبير، ومع تقديره له، في رسالة له أخذ ينتقده بشجاعة وأدب.

اهتم أيضا بالجانب التفسيري فكرس أكثر من ستين رسالة لتفسير رسائل معلمنا بولس الرسول. كما اهتم بالجانب الروحي العميق فعندما يتحدث عن النسك يقول: "لا تصير ناسكًا كاملاً لمجرد أن لك طعام القديس يوحنا المعمدان وشرابه ونومه، إنما يلزم عليك أن تكون لك روحه كي تصل إلى الكمال". كما تحدث عن الحياة البتولية بكونها أفضل من الحياة الزوجية لكن في وضوح أعلن أنه إن خلت من الإتضاع صارت بلا قيمة.

أورد مني Migne في مجموعته عن كتابات الآباء 2010 رسالة لهذا الآب، مقسمة إلى أربع مجموعات، كل مجموعة تحوي حوالي 500 رسالة، يشك البعض في 19 رسالة منها.

يذكر القديس ساويرس الأنطاكي أن لهذا الأب 3000 رسالة.

من كلماته

إنه أمر ضروري أن نوبخ البعض بقساوة والبعض بعذوبة وليونة، لأنه لا يمكن اكتساب الجميع بنوع واحد، ولا يُستطاع معالجة الأمراض كلها وشفاؤها بدواء واحد بعينه.

إذ طرد من مكان نسكه ونفى كتب إلى صديق له يقول: الفضيلة وحدها وبذاتها هي إكليل البار ومكافأته، كما أن الشرير يجد قصاصه وعقابه في شر الرذيلة. ولهذا تجد الفضيلة دائماً محبوبة على حد سواء حتى إن اضطهدت بتهم باطلة، والرذيلة هي دائما مستحقة البغضة مهما تشرفت من الناس الضالين.

يجب علينا أن نحتمل بدعة وصبر الإهانة حينما تلحق بأشخاصنا فقط، وأن نستعمل الحنو والتساهل في غفرانها. وأما حينما تلحق الإهانة بالعزة الإلهية فحينئذ يكون عدلاً وواجبًا أن نتصف بالغيرة وأن نظهر الغضب المقدس المؤسس على حب الله لا أن نحتملها بجبن ونخشى بدناءة غضب الغير...

إننا نتقد غضبًا ونشتغل بنار الغيرة ضد أعدائنا فيما يصادفنا شخصيًا، وأما فيما يخص الله وكنيسته فنحن فاترون، متغاضون، خالون من كل حرارة.

موسى الأكثر حلماً ووداعة من جميع الناس حمى غضبه ضد الشعب الإسرائيلي حينما صنعوا العجل الذهبي ليسجدوا له. وإيليا تسلح بالغيرة المتقدة ضد عابدي الأصنام، والقديس يوحنا المعمدان ضد هيرودس الملك، والقديس بولس الرسول ضد عليم الساحر...

حياة بدون كلام خير من كلام بدون حياة؛ الأول إذ يحيا بالبر ينفع حتى بصمته، وأما الثاني فلا يفيد حتى عندما يتكلم. متى اقترنت الكلمة بالعمل تتم كل الفلسفة.

اهتم بالفضائل ولا تكن عبدا للمجد (الباطل)، فالفضائل خالدة أما الأخير فزائل.

كثيرون يريدون الفضيلة لكنهم يترددون في السير على الطريق التي تقود إليها، بينما آخرون يعتقدون أنه ليس ثمة فضيلة. يلزم إقناع الأولين أن يتخلوا عن كسلهم وتعليم الآخرين ماهية الفضيلة.

ارتفاعات الإِتضاع عظيمة هكذا أيضا أعماق الكبرياء، أنصحكم أن تقبلوا الأولى ولا تنحدروا في الثانية.

القس منسي يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية. 1983، ص 248 - 251.

ايسيذورس المعترف

أحد آباء جبل نتريا الذين اشتهروا بالتقوى.

يقول المؤرخ روفينوس أنه وضع نفسه تحت إرشاد معلمي البرية مثل القديس مقاريوس وإيسيذورس المعترف…

تقابل مع القديسة ميلانية الأسبانية التي جاءت مع روفينوس إلى جبل نتريا، وعاشت ما يقرب من الستة أشهر بين عامي 373 و374، وروى لها القديس بامو الكثير من فضائل القديسين.

تقابلت معه أيضًا القديسة باولا Paula أثناء زيارتها بجبل نتريا مع القديس جيروم عام 385م حيث أثر في شعورها وانتابها انتعاش روحي عند رؤيتها أعمدة المسيح أمثال إيسيذورس المعترف وغيره، وقد دخلت قلاليهم، وسجدت عند أقدامهم، وكانت تري المسيح ممثلاً في كل منهم.

نفى إلى قيصرية الجديدة في أيام اضطهاد فالنس الأريوسي وقد خدمتهم القديسة ميلانيا في منفاهم.

سيم إيسيذورس أسقفًا على مدينة دمنهور خلفًا للأسقف دراكونتيس Dracontius.

أمير نصر: القديس أنبا إيسيذورس القس، 1983، ص 38 - 40.

ايسيذورس الإنطاكي الشهيد

عائلة ملوكية

في عهد الإمبراطور دقلديانوس كان بندلاؤن أحد أقرباء رومانيوس الملك حاكمًا على إنطاكية، إذ رأى أن دقلديانوس جحد المسيح، وبدأ يضطهد المسيحيين، أخذ زوجته صوفيا وابنه إيسيذورس وابنته أفوميا وانطلق الكل إلى أحد الجبال القريبة من إنطاكية يعيشون بعيدًا عن هذا الجو المّر.

أرسل إليه الإمبراطور واستدعاه هو وابنه ليسألهما عن سبب اختفائهما، فقال بندلاؤن في شجاعة: "لما كنت تعبد الله الحي كنا نحبك ونكرمك ونخدمك، فلما تباعدت عن عبادة الله وتعبدت للأوثان والشياطين ابتعدنا نحن أيضًا عنك". وإذ كان دقلديانوس يعرف مكانة الرجل لاطفه جدًا مذكرًا إياه بأصله الملوكي ومركزه العظيم، لكن بندلاؤن في شجاعة أعلن عدم جحده للسيد المسيح، فأمر الإمبراطور بقطع رقبته وسجن الصبي إيسيذورس وتعذيبه.

استشهاد صوفيا وأفوميه

سمعت الأم أن ابنها يتعذب، فأخذت ابنتها وانطلقت إلى حيث يُعذب ابنها، وكانت تعزيه وتشجعه، ثم نظرت إلى الملك وأخذت توبخه على قساوته وتجاسره على الأمراء وأصحاب المملكة الأصليين، وكانت ابنتها أيضًا توبخه، فأمر الإمبراطور بقطع رأسيهما.

تعذيب إيسيذورس

إذ استشهد الكل بقي الصبي الصغير وحده، لكن الله أراد أن يتمجد فيه بقوة، فقد أظهر شجاعة فائقة بالرغم من صبوته وتعرضه لعذابات كثيرة وحشية مثل الهنبازين وإشعال النار تحته والإلقاء في جب الأسود، وبقدر ما احتمل من آلامات كان الرب بنفسه يسنده، إذ كثيرًا ما كان يظهر له ويقيمه ويشفي جراحاته، كما كان يرسل له رئيس الملائكة عونًا له. كان الرب في محبته له يحول الوحوش الجائعة إلى حملان وديعة تستأنس به وهو بها، الأمر الذي كان يثير دقلديانوس بالأكثر عوض توبته ورجوعه.

قيل إنه وسط عذاباته سمع صوت ربنا يسوع المسيح يقول له: "قم يا حبيبي إيسيذورس الذي امتلأ العالم شهادة بسببه"، فقام ليري السيد المسيح ببهائه، ويسجد له متهللاً أخيرًا إذ شعر الإمبراطور بالضيق الشديد أرسل الصبي إلى سلوكية منفيًا، وهي ميناء سوري على البحر الأبيض يسمى حاليًا "السويدية".

استشهاده

في سلوكية تمجد الله في الصبي فآمن على يديه الوالي أندونيكوس وكل عائلته، وإذ سمع الإمبراطور استدعى الكل ليضرب بالسيف أعناق أندونيكوس وعائلته، ويلقي الصبي في سجن مملوء نتانة بلا طعام أو شراب حتى يموت، لكن الرب أرسل ملاكه يقدم له طعامًا.

استدعى الإمبراطور الصبي ورجاه أن يسمع مشورته، فارتجت المدينة كلها وخرجت الجموع تري هذا الصبي العجيب الذي هزّ الإمبراطور يخضع في النهاية، وتقدم العظماء لكي يحيوه، ووقف الصبي في الهيكل يبسط يديه ويصلي وإذ بالأرض تنشق لتبتلع الأوثان، فكانت الضربة قاضية. غضب الملك جدًا وأمر بتسميره على صليب خشبي حتى أسلم الروح، وكان ذلك في 19 من بشنس.

مخطوط 263 ميامر بدير السريان العامر.

ايسيذورس وسنا الشهيدان

كان سنا هذا من أهل دقناش جنديًا مع والي الفرما، وكان صديقه إيسيذورس يشتغل بصناعة الصوف. يتصدق الاثنان بما يفضل عنهما للفقراء والمعوزين.

ذات ليلة أبصر كل منهما في رؤيا، كأن فتاة عذراء بيدها إكليل تضعه على رأسيهما، فلما استيقظا من النوم أعلم كل منهما الآخر بما رأي، ففرح الاثنان بذلك لاعتقادهما أن الرب قد دعاهما لنوال إكليل الشهادة.

انطلق الاثنان إلى والي الفرما واعترفا بالسيد المسيح، فأمر باعتقالهما. أرسل الرب ملاكه وعزاهما، ثم أرسل الوالي سنا الجندي إلى الإسكندرية، وترك إيسيذورس سجينًا بمفرده. بعد قليل أُعيد سنا من الإسكندرية ففرح به صديقه وقص كل منهما ما جرى له.

أُمعن الوالي في تعذيبهما، وأخيرًا بإلقاء إيسيذورس في أتون نار، فصلى القديس وسلم نفسه للجند حيث أسلم الروح في يد الرب، وكانت أم سنا واقفة تبكي لحرمان ابنها من صديقه، وقد شاهدت جماعة من الملائكة تصعد بروحه إلى الفردوس، وكان ذلك في 18 برمهات (حوالي سنة 305 م في عهد دقلديانوس).

اهتمت أم سنا بجسد إيسيذورس، وبعد أيام قليلة تمتع ابنها بإكليل الاستشهاد أيضًا.

ايسيذورس قديسون بنفس الاسم

بجانب القديس إيسيذورس الكبير أو قس الإسقيط ظهر في البرية قديسون آخرون كثيرون يحملون ذات الاسم، خاصة بعد نياحته، منهم أحد آباء البرية المباركين الأنبا إيسيذورس الشيخ، هذا الذي أرسل إليه الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير طالبًا منه المشورة لأن زوجته بولشريا طلبت منه أن يرتبط بأخرى تنجب له طفلاً حتى يُحفظ العرش للأسرة المالكة، لكن الملك لم يوافقها. أرسل إليه القديس يقول له بأن الله لم يرد أن يخرج من نسله من يشترك مع الهراطقة بعده، لأن المملكة سيسيطر عليها الأريوسيون المنكرون للاهوت السيد المسيح، فقبل الإمبراطور المشورة.

تنيح الأب إيسيذورس، عندئذ أشارت أخت الملك على أخيها أن يتزوج ثانية، فأرسل الملك رسولاً يُدعى مرتينوس إلى شيوخ شهيت ليعرض عليهم الأمر، وكان مع الرسول ابنه زيوس جاء ليتبارك مع الآباء القديسين.

إذ قرأ الشيوخ رسالة الملك اتجهوا إلى مكان جسد القديس أنبا إيسيذورس الشيخ وسألوه عما يجيبوا به الملك، فسمعوا صوتًا يخرج من الجسد، قائلاً: "ما قلته قبلاً أقوله الآن، وهو أن الرب لا يرزقه نسلاً يشترك مع أصحاب البدع والهراطقات حتى إن تزوج عشرة نساء".

أخذ الرسول الرسالة الجديدة وآثر العودة إلى الإمبراطور، لكن البربر هجموا على البرية وقتلوا كثيرين.

يروي لنا القديس جيروم في كتابه عن "تاريخ الرهبان: فصل 14" عن دير بمنطقة طيبة باسم الطوباوي إيسيذورس، قام بزيارته، لكنه لم يخبرنا شيئًا عن هذا الطوباوي، هل هو مؤسس الدير أم رئيس الدير… إنما قدم لنا وصفًا رائعًا عن حياة الرهبان بهذا الدير، إذ قال بأن الدير يضم آلاف الرهبان. للدير سور من الطوب مرتفع لا يخرج منه الرهبان بل يجدون كل كفايتهم داخل أسوار الدير التقي القديس بالراهب البواب وهو رجل مسن لا يسمح لأحد بالخروج أو الدخول إلا ذاك الذي يريد أن يدخل ليبقى داخل الدير حتى نياحته.

كان البواب يستقبل الغرباء، ويقدم لهم بركة، ويصرفهم بسلام.

قال البواب للقديس أن كل الذين في الدير هم قديسون ويصنعون عجائب، لا يمرض واحد منهم قبل رحيله، والكل يعرف يوم انتقاله مقدمًا، ويخبر الأخوة ثم يرقد ويرحل.

ايلودورس أسقف أليتونا

كان صديق للقديس جيروم، التقيا معًا في اكيلجا Aquileja ورافقه رحلته في تراس وبيثينيه وبونتس وغلاطية وسوريا. وإذ عاد إلى إيطاليا رُسم أسقفًا على أليتونا واشترك في مجمع أكويلا عام 381، حيث قاوم الأريوسية بغيرة وحماس.

طلب إيلودورس والأسقف خروماتيوس Chromatius of Aquileja من القديس جيروم أن يترجم الكتب المقدسة من الكلدانية إلى اللاتينية، وقد قدم لهما القديس سفر طوبيا الذي ترجمه كطلبهما.

ايليا الأب

جاء عنه في البستان:

قال بعض الشيوخ في مصر للأنبا إيليا أن الأنبا أغاثون أب صالح. أجابهم: "هو صالح في جيله"، فسألوه: "ماذا إن قورن بالأقدمين؟؟"، أجاب: "قلت لكم إنه صالح في جيله، ولكن بالنسبة للأولين فإنني أقول لكم رأيت في الإسقيط إنسانًا يقدر أن يوقف الشمس في السماء كما فعل يشوع بن نون تمامًا". فلما سمعوا هذا ذهلوا ومجدوا الله.

إني أفزع من ثلاثة أشياء: من وقت خروج نفسي من جسدي، ومن لقاء الله، ومن خروج القضية علىّ؟

ما قوة الخطية عندما توجد التوبة؟؟! وما نفع المحبة عندما يظهر الكبرياء؟؟!

يفكر الناس إما في خطاياهم أو في يسوع أو في البشر!

إن لم تسبح الروح مع الجسد يكون تعبنا باطلاً، لأن من يحب المتاعب إنما لينال الفرح والسلام بعد ذلك.

قال أيضًا: "كان شيخ يعيش في معبد للأوثان، فجاءته الشياطين تقول له:" أرحل من هذا الموضع فإنه موضعنا ". أجابهم:" ليس لكم موضع خاص بكم ". فصارت الشياطين تبعثر سعف النخل الذي له وكان هو يجمعها بصبر. بعد قليل أمسك الشيطان بيد الشيخ وسحبه إلى الباب وإذ بلغ الباب أمسك باليد الأخرى مغلاق الباب وصرخ:" يسوع، خلصني "، وللحال هرب الشيطان. ثم بدأ الشيخ يبكي، فسأله الرب:" لماذا تبكي؟؟ "أجابه:" لأن الشياطين تتجاسر، وتمسك بإنسان وتفعل به هكذا ". فقال له الرب:" لقد كنت متقاعسًا، ولكن لما طلبتني كنت بجوارك. "

"قلت هذا لأننا في حاجة إلى تعب شديد، وبدون تعب لا يقدر أحد أن يأتي إلى إلهه الذي صلب عنا".

ايليا الكاهن

التقى القديس جيروم بكاهن يدعى إيليا، في صحراء أنتينوه (أنصنا) بمنطقة طيبة. كان هذا القديس قد بلغ 110 عامًا، اعتاد الرهبان أن يقولوا بأن روح إيليا استقرت عليه.

كان هذا الطوباوي مشهورًا في البرية، عاش فيها سبعين عامًا، وكما يقول القديس جيروم إنه لا توجد كلمة يمكن أن يعبر بها عن قسوة الحياة في هذه البرية، وفي الجبل الوعر الذي عاش فيه هذا الكاهن. وكان الوصول إليه صعبًا للغاية، إذ عاش في مغارة تحت صخرة.

كان منظره مهوبًا للغاية، يصنع آيات وأشفية كل يوم بلا انقطاع.

اعتاد في شيخوخته أن يأكل ثلاث أوقيات خبز كل مساء وثلاث زيتونات، أما في شبابه فكان يأكل مرة واحدة فقط في الأسبوع.

St. Jerome: Hist. Of Monks, ch 8.

ايليا المتوحد

حدثنا القديس بالاديوس في إيجاز شديد عن هذا المتوحد الذي كان يعيش في مغارة بمنطقة الأردن، كان يعيش في حياة مقدسة عجيبة وعفة.

في أحد الأيام جاءه عدد كبير من الأخوة لزيارته، إذ كانت مغارته قريبة من الطريق، ولم يكن لديه سوى ثلاثة أرغفة. فصلى إلى الله وقدم هذه الخبزات القليلة لعشرين ضيفًا فأكلوا وشبعوا وبقى رغيف، بارك الله فيه فكان يأكل منه لمدة خمسة عشر يومًا.

Palladius: The Lausiac History, ch 51.

ايلياس الأب

يمكن تمييزه عن بقية الآباء الحاملين لذات الاسم بأنبا إيلياس بجبل بشواو أو جبل اللبخة.

كان والده من قرية إسخيم شرقي النيل، وقد نشأ محبًا للحياة الزاهدة التأملية، مع قدرة فائقة على التعلم.

ترهب بدير في جبل شامة، حيث حفظ 30 سفرًا من الكتاب المقدس عن ظهر قلب، وكان يتلو المزامير في صلواته باسطًا يديه بلا حركة لتنساب دموعه بلا توقف، الأمر الذي كان يدهش تلاميذه.

أضنك جسده جدًا، زاهدًا لكل أمور العالم وكراماته، فكان كثيرًا ما يترك الدير ليقطن وسط المقابر، وقد وهبه الله عطية شفاء المرضى وإخراج الشياطين.

له تلميذان أحدهما يوحنا الذي كان يحب معلمه جدًا ويكرمه لكنه لم يكن يحتمل السكنى معه وسط المقابر، فكان يتركه ليعيش في الدير. أما الآخر فيدعى يوساب كان أحد أبناء أشراف قفط، توفى والده وهو صغير فاهتمت به أمه وأرضعته لبن الإيمان الحي لتتركه وهو صبي صغير يبكي بين يديها وهو يراها في أنفاسها الأخيرة تحتضر، أما هي ففي إيمانها بالكاد نطقت كلمات قليلة مملوءة تعزية تسند صبيها وتؤكد له أن يدّي السيد المسيح نفسه الذي يرعاه، وهكذا أسلمت الروح دون أن تفقد سلامها بسبب بكائه.

اهتم به أخوه الأكبر، وإذ كانا بجوار المقابر سمعه القديس إيلياس وهو يقرأ في سفر أشعياء بصوت روحي رخيم، فأعجب به جدًا، واشتاق لو أن الرب يهبه قلبًا مكرسًا له بالتمام. وفي الليل إذ صلى من أجله رأى كأن نخلة صغيرة نبتت في الموضع الذي كان يوساب الصبي جالسًا قد نمت وجاءت بثمر كثير، ففرح وتعزى. بعد فترة مرض يوساب مرضًا شديدًا احتار فيه الأطباء، أخيرًا أحضروه إلى القديس إيلياس الذي صلى لأجله فشفي باسم ربنا يسوع في الحال، فالتصق يوساب به وتتلمذ على يديه، وكان يمتثل بمعلمه في كل شئ خاصة في حبه للعبادة وزهده للعالم، فأحبه معلمه من أجل نعمة الله التي تجلت في حياته.

مرض يوساب، اشتد به المرض جدًا حتى رقد في 5 هاتور، وقد تأثر بذلك معلمه، الذي قال للحاضرين وهم يدفنوه: "أوسعوا القبر ليتسع لاثنين"، فأدركوا أن أيام إيلياس قد قربت للغاية مما زاد حزنهم، وبالفعل مرض القديس إيلياس واشتد به المرض، فاجتمع حوله الرهبان يطلبون بركته، وإذ اتجه بوجهه نحو الشرق صلى لله ثم رشم نفسه بعلامة الصليب ليسلم الروح في 17 كيهك.

نبيل سليم: سيرة الأنبا اندرآس وقديسى جبل الأساس الجديد، 1970.

ايلياس الأب السائح

نشأته

قصته تكشف عن الصداقة التي يمكن أن يرتبط بها المؤمنون مع الملائكة، بكونهم خليقة الله العاقلة المحبوبة في الرب.

ولد إيلياس بقرية بظاهر الفيوم من أبوين مسيحيين محبين لله، وكانا يقدمان وليمة ضخمة للفقراء والمحتاجين في عيد القديس إليشع النبي، كما كانا يفعلان ذات الأمر شهريًا، وغالبًا في عيد رئيس الملائكة ميخائيل، كعادة الكثير من الأقباط إلى وقت قريب، إذ اتسم عيد الملاك الشهري بالعطاء للمساكين والشركة معهم في وليمة واحدة.

كان الوالدان متألمين لعد الإنجاب دون أن يفقدا سلامهما الداخلي، واثقين أن الله يدبر أمورهما حسب إرادته الصالحة. وفي أحد الأيام شاهدا شيخين يسيران داخل البيت ويباركانه، فعرفا أنهما القديسان إيليا وتلميذه اليشع، ففرحا بهما جدًا.

لم يمض وقت طويل حتى ظهر لهما رئيس الملائكة ميخائيل في شكل راهب يبشرهما بأن الله يهبهما طفلاً يسمونه إيليا ويحمل ذات سماته. وبالفعل أعطاهما الله هذه العطية، وقد نشأ محبًا للعلم، ذكيًا تواقًا لحياة الهدوء والعبادة.

حياته الديرية

سمع عن راهب متوحد في البرية فانطلق إليه، وكاشفه بكل ما في قلبه، معلنًا له رغبته في أن يتتلمذ على يديه. في حكمة الشيوخ أرشده أن يبدأ بالحياة الديرية وسط الإخوة ويتدرج من حياة الشركة إلى الوحدة، ناصحًا إياه أن يذهب إلى دير القديس باخوميوس ببافو، بالصعيد الأقصى.

انطلق نحو الدير، وإذ برئيس الملائكة ميخائيل يظهر له متخفيًا ليرافقه حتى بلغ به باب الدير.

عاش إيلياس في محبة صادقة لله انعكست على حياته مع إخوته فكان يخدم الكل بوجه باش ونفس متهللة، وإذ كان ميل الوحدة يتزايد في قلبه انطلق إلى جبل شامة وأقام سنتين، ثم ذهب إلى جبل بنهدب وأقام فيه أيامًا، وانحدر إلى جبل هو بالقرب من نجع حمادى، ومنه انطلق إلى جبل فرشوط ليسكن هناك.

عاش حياة الوحدة في شركة عميقة مع الله، وكان عدو الخير يحاربه بطرق كثيرة، وكان الله يرسل له رئيس الملائكة ميخائيل يسنده ويشجعه.

ايلياس الأسقف الشهيد

أسقفيته

لا نعرف كثيرًا عن القديس إيلياس أو هالياس أسقف المحرق والقوصية بأسيوط.

في أثناء أسقفيته جاءه إنسان فقير يشكو إليه من كاتب القوصية، غالبًا مدير الديوان والمسئول عن جمع الجباية، وإذ كان الوقت ليلاً لم يستطع الأسقف أن يسترح بل انطلق إلى هذا الأرخن، وفي حزم مملوء محبة بدأ يوبخه على تصرفه مع هذا المسكين، ففتح الرب قلب الأرخن ورد للمسكين ما قد ظلمه فيه بل أكثر، واعتذر للأب الأسقف على ما صدر منه، وصار يسلك بحب ورحمة، مهتمًا بكل إنسان متضايق طوال فترة وجوده في دار الولاية.

استشهاده

إذ كان لهذا الأسقف شهرته بسبب عطية الله له من شفاء للمرضى وإخراج للشياطين، استدعاه أريانا والي أنصنا وطلب منه التبخير للأوثان، فرفض، وعندئذ صار يعذبه وأخيرًا قطع رأسه لينال إكليل الاستشهاد، في 20 من كيهك.

في أيام الأنبا قسطنطين أسقف أسيوط في القرن السادس أقيمت كنيسة على رأس القديس، بركة صلواته تكون معنا آمين.

إيلياس أو إيليا الشهيد المصري بقيصرية فلسطين: راجع أرميا الشهيد.

ايلياس الخصى الشهيد

نشأ هذا الشاب إيلياس في قرية أهناس، وكان ناظرًا على بساتين أمير المنطقة كلسيانوس Culicanos وكان وثنيًا.

كان هذا الشاب إنسانًا تقيًا محبًا لله، يلتقي بخاله الراهب المتوحد في الصحراء يطلب إرشاده وبركته.

اتسم الشاب برقة شديدة في المعاملة ولطف حتى أحبه الأمير وكل أسرته وتعلقوا به، وإذ كان للأمير ابنة تعلق قلبها به والتهبت الشهوة في داخلها، فصارت تلاطفه وتمازحه، مشتاقة أن يسقط معها في الخطية، أما هو فإذ شعر بحيل عدو الخير كان يلقى الفاكهة ويهرب كمن يبتعد من النار.

يبدو أن الفتاة صارت تلاحقه وتضيق عليه، ففي بساطة خصي نفسه لينزع عنها كل أمل، وبصنعه هذا مرض. علمت الفتاة بذلك فاغتاظت، وشكته لوالدها أنه يود الاعتداء عليها.

أمسك به الأمير وصار يوبخه، كيف يصدر منه تصرفات كهذه رغم ثقته هو وكل عائلته فيه، وطلب منه أن يذبح للأوثان فيعفو عنه. وإذ رفض، صار يعذبه، فظهر له ملاك الرب وصار يقويه.

أخيرًا قطع الأمير رأسه في 28 من شهر طوبة، وقد بنى له المؤمنون كنيسة في أهناس.

ايليان الحمصي الشهيد

إذ ثار الاضطهاد في عهد دقلديانوس ألقى والى حمص القبض على أسقف المدينة القديس سلوانس الذي رعى شعب الله كأسقف لمدة حوالي 40 عامًا بأبوة صادقة، كما قُبض على الشماس لوقا والقارئ موكيوس واقتيدوا معًا إلى حيث يُقدمون طعامًا للوحوش.

فجأة رأى الجند الطبيب إيليان يأتي ليركع أمام الثلاثة ويقبل أيديهم مشجعًا إياهم بل ومهنأ لهم على إكليل الاستشهاد، فألقى الجند القبض عليه.

كان إيليان هذا الذي وُلد في حمص طبيبًا تقيًا، متفانيًا في خدمة ربنا يسوع، يحب المرضى بكل قلبه لذا أحبه الوثنيون كما المؤمنون، فكان بركة للكل، يهتم بشفاء النفوس كما الأجساد، مكرسًا حياته لخدمة الكل خلال عمله بروح تقوى محب.

إذ قُبض عليه ألقى في مغارة وصاروا يستدعونه ويعذبونه وأخيرًا ثقبوا يديه ورجليه ورأسه بالمسامير حتى أسلم روحه الطاهرة في يدي الله.

لا زال في حمص توجد كنيسة أقيمت على مقبرته تحمل اسمه، ويتبارك الكثيرون منه حيث تجرى عجائب الله بصلواته.

اسبيرو جبور: قديسون من حمص، 1981، ص 12، 13.

اينوسنت الراهب

يروي لنا القديس بالاديوس عن حياة كاهن راهب بجبل الزيتون، يدعى إينوست، عاش معه ثلاث سنوات، وقد اتسم بالبساطة الشديدة جدًا حتى كان يقوم بأعمال تبدو شاذة.

كان إينوست من رجال البلاط أيام الإمبراطور قسطنطيوس، تزوج وكان له ابن يدعى بولس صار يعمل معه في البلاط الملكي. يبدو أن هذا الابن انحرف إلى الشر فاعتدى على ابنة كاهن، وإذ سمع والده إينوسنت تمررت نفسه فيه حتى طلب من الله أن يسمح لابنه أن يهاجمه شيطان ولا يسقط تحت الزنا، وقيل أنه بالفعل صار به شيطان (ربما إلى حين لتأديبه).

رأي أمًا تبكي على إبنها الشاب الذي كان مفلوجًا وبه روح شرير، فتأثر جدًا، وأخذ الشاب إلى الهيكل الذي بناه بنفسه واحتفظ فيه ببعض رفات للقديس يوحنا المعمدان، وصار يصلي من الثالثة حتى التاسعة ثم أعاده معه إلى أمه معافى من الشلل وخرج منه الروح الشرير.

قيل أن امرأة عجوز كانت تبكي لأنها فقدت خروفها، فسار وراءها يسألها عن المكان الذي أضاعت فيه الخروف، فاقتادته إلى مكان قريب من بيت عنيا. وقف ليصلي بينما كان الشبان الذين سرقوه قد ذبحوه أخفوا اللحم في كرم حتى لا ينكشف أمرهم. وفيما هو يصلي إذا بغراب ينزل من الجو ويخطف قطعة من اللحم ويطير بها، فعرف إينوسنت مكان اللحم، وذهب إلى هناك، عندئذ ارتعب الشبان وجاءوا إليه معترفين بما ارتكبوه مقدمين ثمن الخروف للعجوز.

Palladius: The Lausiac History, ch 44

ايوب الأب

يروي لنا بستان الرهبان قصة سبعة أخوة - حسب الجسد كما حسب الروح أيضًا - عاشوا معًا بروح الحب، مثالاً حيًا لحياة الشركة، هم الأنبا أيوب (أنوب) والأنبا بيمين وأخوتهما.

في بربا (معبد) الأصنام

قيل أنه إذ هاجم البربر الإسقيط وخربوه انتقل هؤلاء الأخوة معًا إلى موضع آخر يدعى "إبرين"، ومكثوا معًا في معبد للأصنام.

أراد الأخ الأكبر أن يقدم لهم درسًا في بدء حياتهم الرهبانية معًا، فقال للأنبا بيمن أمام بقية الأخوة: "لنصمت جميعًا كل من ناحيته، ولا يتحدث أحد مع أخيه كلمة البتة، وذلك لمدة أسبوع". فأجابه أنبا بيمن: "لنصنع كما أمرت"، وفعل الكل كذلك.

كان في ذلك الموضع صنم من الحجر، فكان أنبا أيوب يقوم في الصباح يردم وجه الصنم بالتراب، وفي المساء يقول له اغفر لي. وهكذا كان يفعل طوال الأسبوع. فلما انقضى الأسبوع قال أنبا بيمن لأنبا أيوب: "لقد رأيتك يا أخي خلال الأسبوع تقوم في الصباح وتردم وجه الصنم، وعند المساء تقول له: اغفر لي. أهكذا يفعل الرهبان؟!". أجاب أنبا أيوب: "لما رأيتموني أردم وجهه، هل غضب؟؟" قال: "لا". فقال: "ولما تبت إليه، هل قال: لا اغفر لك؟". قال: "لا". فقال أنبا أيوب لأخوته: "ها نحن سبعة أخوة، إن أردتم أن يسكن بعضنا مع بعض فلنصر مثل هذا الصنم الذي لا يبالي بمجد أو هوان، وإن لم تؤثروا أن تكونوا هكذا فها أربعة طرق أمامكم، ليذهب كل واحد حيثما يشاء." فاختاروا أحدهم ليهتم بالمائدة، وكل ما كان يقدمه لهم يأكلونه.

وكان أنبا يعقوب يدربهم في أعمال أيديهم، أما أنبا بيمين فقد كان معلمًا لهم في طريق الفضيلة. وهكذا اجتاز الاخوة أيامهم بسلام.

عُرف أيضًا أنه متى جاء أحد إلى أنبا بيمين (بومين) يطلب مشورته، يرسله لأخيه أيوب، قائلاً: "هذا أكبر مني"، وإن جاء أحد إلى أنبا أيوب يرسله إلى أخيه بيمين، قائلاً له: "أذهب إلى أخي بيمين فإنه قد وهب هذه الموهبة". بهذا عاش الاثنان بروح الإتضاع يقدم أحدهما الآخر في الكرامة.

اعتاد أنبا أيوب أن يقول: "منذ حلّ علّى اسم المسيح لم تخرج قط كلمة بطالة من فمي".

يمكننا أيضًا أن ندرك كيف عاش هؤلاء الأخوة معًا لا يقبلون عطية من إنسان بل يعملون بأيديهم ليعيشوا بالتعب، مهتمين بالعطاء أكثر من الأخذ، فقد قيل أن تاجرًا غنيًا كان يشتاق أن يقدم عطية محبة للأنبا بيمين وأخوته، لكنهم كانوا يرفضون ذلك تمامًا. وفي إحدى المرات إذ جمعوا عمل أيديهم وأرسلوه للبيع ولم يجدوا مشتريًا، فأسرع أحد المحبين يخبر التاجر بما حدث، ففرح التاجر جدًا، وأحضر جملاً، وتظاهر أنه محتاج إلى عمل أيديهم ليقدم لهم الثمن. وما أن أخذ التاجر أعمالهم اليدوية ورحل حتى جاء شخص ليقول وسط حديثه بأن التاجر قد أخذ هذه الأشياء ولا حاجة له بها. ما أن سمع أنبا بيمين ذلك حتى قال للأنبا أيوب: "لنسرع ونحضر الجمل وإلا فلن أبقى في هذا الموضع." وبالفعل أسرعوا إلى التاجر، وبصعوبة قبل التاجر أن يعود بجمله ويسترد ماله، وإذ رأى الأنبا بيمين الجمل فرح جدًا كمن وجد كنزًا عظيمًا.

Budge: Paradise of The Fathers, Vol 2.

ايلاري أسقف بواتييه

نشأته

ولد هذا القديس في بواتييه عاصمة مقاطعة أكريتين ببلاد الغال (فرنسا)، من أبوين وثنيين. درس الآداب اللاتينية، وتزوج وأنجب ابنة تدعى أبرا Abra. خلال دراسته للكتاب جذبه الروح القدس للإيمان المسيحي حوالي عام 350.

أسقفيته

لما خلى الكرسي ببواتييه اختاروه أسقفًا لها حوالي عام 353م، وبقيت ابنتهما مع أمها في مسكن خاص. فعاش هو وزوجته كأخ مع أخته. بسرعة اشتهر ككارز في بلاد الغال، وقد قاد الدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية ضد الأريوسية هناك، فتعرض لمتاعب كثيرة حتى دُعي بأثناسيوس الغرب.

إذ انعقد المجمع الأريوسي في ميلان عام 355م حيث أدان البابا أثناسيوس الرسولي، وطلب من الأمبراطور قسطنطينوس أن ينفى كل الأساقفة الملاصقين له، كتب القديس هيلاري إلى الإمبراطور يطلب منه أن يوقف الاضطهاد وأن يستدعي الأساقفة الأرثوذكس، ويمنع القضاة العلمانيين من التدخل في شون الكنيسة، وإن كان عمله هذا لم يأت بثمر، بل فيما بعد دين ونفى إلى فريجيا بأسيا الصغرى عام 356م، وتعرض رجال الكهنوت في بلاد الغال لمضايقات كثيرة.

في عام 357 بعث إليه الأساقفة رسالة يؤكدون فيها ولاءهم له وثباتهم على الإيمان المستقيم. وفي نفس العام كتبت إليه ابنته الوحيدة ابرا تخبره أن شابًا (ابن حاكم المدينة) تقدم إليها للزواج، وكان عمرها ما بين الثالثة عشرة عامًا والرابعة عشر، فأرسل إليها في الحال يسألها أن تركز أفكارها على المكافآت التي وعد بها ربنا يسوع العذارى اللواتي يكرسن حياتهن بالكامل لعريسهن السماوي، ولا يرتبكن بشباك الحب الزمني، فقبلت نصيحته التقوية، وعند عودته من النفي أخذ الله نفسها دون أن تشعر هي بمرض أو ألم.

بناء على رسالة الأساقفة الذين من بلاد الغال، إذ سألوه أن يخبرهم عن إيمان الكنائس الشرقية، كتب "تاريخ المجامع" حوالي عام 358م، كما كتب أيضًا في منفاه كتابه "عن الثالوث القدوس"، ومقال "ضد الأريوسية"، كما وضع بعض التسابيح، وقد نسبت له أيضًا تسابيح ليست من وضعه. في هذه الفترة أيضًا عمل على تقريب وجهات النظر بين أساقفة آسيا الصغرى والغال.

بعد أربع سنوات من النفي ذهب إلى القسطنطينية، وسأل الإمبراطور أن يصدر أمرًا بالعفو لكن الأريوسيين وقد أرادوا الخلاص منه من منطقة آسيا الصغرى طلبوا من الإمبراطور أن يعود إلى الغال دون صدور أمر بالعفو عنه، فعاد إلى كرسيه.

في عام 362 أو 363 قام بزيارة إيطاليا بصحبة القديس أوسابيوس فرشيللي. وفي خريف السنة التالية كان الاثنان في ميلان، حيث كان قد وصل الإمبراطور فالنتنيان هناك، وقد امتنع المؤمنون عن دخول الكنيسة حتى لا يشتركوا مع الأسقف الأريوسي أو كسنتيوس. وإذ دخل القديس إيلاري مع أوكسنتيوس في حوار حول العقيدة شعر الأخير بالهزيمة فطلب الإمبراطور أن يأمر القديس هيلاري بترك ميلان. وبالفعل تركها وقد سجل قبيل سفره رسالة للأساقفة والشعب المجاورين يحثهم على الثبات على الإيمان النيقوي.

عاد إلى بواتيية بلده وتنيح عام 368 تاركًا لنا تراثًا ضخمًا وعميقًا في اللاهوتيات والتفاسير.

ايلارية القديسة

سيرة القديسة إيلارية Hilary التي تحتفل الكنيسة بعيد نياحتها في الحادي والعشرين من طوبة، مع سيرة القديسة أبوليناريا تمثلان صورة حية لانفتاح القلب على أمجاد السماء فيترك الإنسان كل مجد بشري من أجل الملكوت الأبدي، وتمارس حتى الفتيات الناشئات في قصور الملوك نسكًا يصعب على كثير من الشباب احتماله. إنها محبة الله النارية التي تلهب القلب فتهبه قوة فائقة، وتعطي صاحبه قدرة للعمل الروحي العجيب!

نشأتها

قيل أنها نشأت في الربع الأخير من القرن الخامس الميلادي، بكونها الابنة الكبرى للملك زينون، وأختها الصغرى تدعى ثاؤبستا.

نشأت في حياة تقوية تمارس نسكها الخفي وتدرس الكتاب المقدس، فمال قلبها للبتولية وتكريس حياتها للعبادة.

في أحد الأيام إذ مضت إلى الكنيسة سمعت كلمات الرسول بولس عن موسى الذي بالإيمان أبى أن يُدعى ابنًا لابنة فرعون، مفضلاً بالحري أن يُذل مع شعب الله عن أن يكون له تمتع وقتي بالخطية (عب24: 11 - 26)، فالتهب قلبها بالحنين إلى ترك القصر لتمارس حياة العبادة الخفية. وبالفعل في اليوم التالي تزينت بزي سعاة الملك وشدت وسطها بمنطقة وانطلقت إلى البحر متجهة إلى الإسكندرية، وكانت قد بلغت الثانية عشر من عمرها. هناك تباركت من كنيسة القديس بطرس خاتم الشهداء وكنيسة مار مرقس الرسول ثم سألت أحد الشمامسة أن يذهب معها إلى دير شيهيت مقدمة له مبلغًا للإنفاق على الرحلة، بينما كان الملك يبحث عنها بمرارة ولا يجدها.

في دير القديس مقاريوس

تحدث معهما القديس بمويه، ثم سألته إيلارية أن يقبلها في الرهبنة دون أن تكشف له عن أمرها، فأجابها أن تذهب إلى دير الزجاج لتترهب هناك، قائلاً لها: "أراك ابن نعمة، وقد اعتدت على عيشة الترف، وهذا الموضع صعب عليك لقلة العزاء الجسدي." أصرت إيلارية على طلبها فقبلها الأنبا بمويه، ثم سلمت أموالها للشماس ليقدمه للأب البطريرك لخدمة الفقراء.

اختبر الأب بمويه القديسة إيلارية وإذ رأى مثابرتها وجهادها البسها الإسكيم بدعوتها "الراهب إيلاري"، وأسكنها في قلاية جنوب الكنيسة قليلاً، وكان يفتقدها مرتين كل أسبوع يرشدها ويدربها على الحياة النسكية.

بقيت في جهادها سبع سنوات، وكان الرهبان يدعونها "الراهب الخصي" بسبب رقة صوتها وعدم ظهور لحية، وفي أحد الأيام أخبرها القديس بموية أن الله كشف أمرها بكونها ابنة الملك وسألها أن تبقى هكذا لا تبح أمرها لأحد قط.

مرض أختها

إذ مرضت أختها ثاؤبستا بمرض عضال حار فيه الأطباء تمررت نفس الملك الذي فقد ابنته الكبرى وها هو يفقد أختها، فأرسلها إلى برية شيهيت ليصلى من أجلها الآباء النساك، وإذ كان الراهب إيلاري قد عُرف بالتقوى طلب الشيوخ بعد صلاتهم على ثاوبستا أن تُحمل إلى قلايته ليصلي عليها، فلم تترد إيلارية، بل بسطت يديها وكانت تصلى بدموع وهي تقبل أختها، فتحنن الله عليها وشفاها، فمجد الآباء الله.

عادت الأميرة لتخبر الملك بعمل الله معها وتعب الشيوخ من أجلها خاصة الأب إيلاري، وروت له كيف كان يبكي بدموع ويقبلها ويرقد بجوارها، الأمر الذي أدهش الملك وساوره الشك. فكتب إلى الأب بمويه يطلب منه أن يرسل إليه الراهب إيلاري ليباركه هو ومملكته.

في القسطنطينية

تحت إلحاح الآباء اضطر إيلاري أن يذهب إلى القصر الذي استقبله الملك والملكة وكل رجال البلاط بحفاوة وفرح عظيم.

انفرد الملك بالراهب يسأله كيف يمكن لراهب أن يقّبل فتاة ويرقد بجوارها، عندئذ طلب الراهب منه أن يتعهد له ألا يعوقه عن العودة فتعهد بذلك. عندئذ سالت الدموع من عيني الراهب وهو يرتمي على صدر الملك، ويقول: "أنا ابنتك إيلارية!". لم يحتمل الملك الخبر فصار يعانقها، ونادى الملكة ليبشرها بالخبر، وتحولت حياتهما إلى فرح شديد، وبقيت ابنتهما معهما ثلاثة أشهر لتعود فتذكر أبيها بالوعد.

عاد الراهب إيلاري ومعه خيرات كثيرة للدير، وقد قضى خمسة أعوام في نسكه وتقواه حتى افتقده الرب بمرض ليرقد في الرب بعد رشم علامة الصليب على وجهه، وكان ذلك في 21 من شهر طوبة.

دفنها الأنبا بمويه بملابسها كطلبها وأعلن خبرها للرهبان الذين تعجبوا لعمل الله الفائق في حياتها.

بركة صلاتها تكون معنا، أمين.

ايلاريون الكبير القديس

كثيرون يتحدثون عن القديس إيلاريون أو هيلاريون Hilarion بكونه تلميذ القديس أنبا أنطونيوس الذي نجح في تأسيس الحركة الرهبانية في كل فلسطين. أما القديس جيروم الذي سجل لنا سيرته فقال: "إن كثيرين عظموا فيه نسكياته وغيرهم دهشوا أمام العجائب التي أجراها الله على يديه، وآخرون بهتوا من الحكمة التي تزين بها، وآخرون أُعجبوا بسائر فضائله، أما أنا فلا أعجب من شئ من كل هذا كما أعجب منه كيف كان يحتقر المجد الزمني رغم ما كان يحيط به من التمجيد والإكرام في كل وقت وفي كل موضع. كان الأساقفة والكهنة والرهبان والحكام والقضاة والولاة وأكابر الشعب يذهبون إليه، يطلبون إرشاده وبركة ودعاء، أما هو فكان يعمل ما بوسعه ليختفي ويتواري عن الأبصار. ولهذا هرب من بلاد المشرق إلى بلاد المغرب، مختبئًا تارة في مكان، وتارة في غيره، حتى في الأماكن الجرداء الصخرية التي لا يأوي إليها إنسان".

نشأته

"إيلاريون" معناها "بهيج".

ولد في قرية طاباتا جنوب غزة حوالي عام 292م، من والدين وثنيين، أرسلاه إلى الإسكندرية لينهل من المعرفة الفلسفية والعملية، فإذا به يلتقي بعلماء أغلبهم من المسيحيين، فقاده روح الله إلى الإيمان بالسيد المسيح واعتمد في الخامسة عشرة من عمره تقريبًا.

كان إيلاريون محبًا للصلاة والعبادة في شئ من النسك، وإذ سمع عن القديس أنبا أنطونيوس وضع في قلبه أن يتبرك منه ويسمع تعاليمه. وبالفعل التقى به فرآه كملاك الله، وتتلمذ على يديه. لكن كانت الوفود تتقاطر على القديس أنبا أنطونيوس، فاستأذنه إيلاريون أن يترك مصر ويذهب إلى فلسطين ليعيش في جو من الخلوة بعيدًا عن الأنظار.

إيلاريون الناسك

وجد إيلاريون أبويه قد تنيحا وتركا له ميراثًا ضخمًا، فأعطى منه جزءًا لاخوته ووزع الباقي على الفقراء، وذهب إلى قفر في نواحي مايوما Majuma وأقام هناك وهو بعد شاب. كان يلبس قميصًا من المسوح فوقه ثوب خشن، والإسكيم الجلدي الذي أعطاه إياه أنبا أنطونيوس، وكان يأكل مرة واحدة كل يوم بعد الغروب. يقوم بفلاحة الأرض وعمل السلال كما تعلم في مصر حتى لا يحتاج أن يعوله أحد، بنى قلاية له كانت لأقرب إلى المقبرة منه إلى بيت، كانت قائمة في أيام القديس جيروم.

داهمه اللصوص يومًا حاملين أسلحتهم، فوجدوه راكعًا يصلي، لا يعطهم اهتمامًا. سألوه: "ألا تخاف بطشنا؟"، أجابهم: "من لا يملك شيئًا لا يخاف بأسًا. قالوا:" نقتلك "، أجاب:" إني لا أخاف الموت فإني مستعد له.. "وإذ تلامسوا مع إيمانه الحق امتلأوا خوفًا وتابوا على يديه.

هاجمه عدو الخير تارة على شكل نساء ليفسد طهارة فكره وأخرى على شكل وحوش مفترسة ليرعبه لكنه كان يتسلح بالصلاة ورسم علامة الصليب ليحيا في سلام الله.

عجائب الله على يديه

في مدينة الفتروبوليس (بيت جيران بجوار حبرون) وُجدت امرأة شريفة عاقر، جاءت إليه تسأله الصلاة من أجلها ليهبها الله ابنًا، وإذ أخذ يجري تاركًا إياها لحقته وهي تبكي بدموع مرة، فتحنن عليها وباركها، قائلاً لها: ثقٍ يا ابنتي إن الله قد استجاب طلبتك. وفي السنة التالية جاءته تحمل رضيعها، فذاع هذا الخبر في تلك الأرض.

تكررت أعمال الله الفائقة معه، فتحولت الجماهير إليه تطلب صلواته، بل وعلى يديه آمن كثيرون من الوثنيين، وبدأ بعض المؤمنين التتلمذ على يديه.

أب الرهبان

تكاثر عدد الرهبان حوله فبنى لهم أديرة، وكان أبًا للجميع يفتقد كل دير مرة في السنة يرشد الرهبان ويثبتهم، فتزايدت الأعباء عليه، خاصة وأن الجماهير ازدحمت حوله.

شعر القديس إيلاريون بالروح بنياحة أبيه أنبا أنطونيوس، وكان عمره في ذلك الوقت حوالي 65 عامًا.

تألم القديس إيلاريون بسبب ازدحام الناس حوله، إذ قال: "لقد عدت إلى العالم، ونلت مكافأتي في هذه الحياة. كل فلسطين نحوي، وصار لي حقل ومقتنيات تحت ستار احتياجات الأخوة!"، لذلك قرر أن يترك الموضع، وإذ حاول الكل منعه صام سبعة أيام لا يأكل ولا يشرب فتركوه ليأخذ بعض تلاميذه وسار معهم في القفر وهو صائم حتى الغروب. جاء إلى مصر، وذهب إلى جبل أنبا أنطونيوس، وسأل عن موضع دفنه، لكن يبدو أنه لم يستطع معرفته إذ كان الأمر مشددًا من قبل الأنبا أنطونيوس ألا يعرف أحد موضعه، حتى لا يسرقه غني ويبني عليه كنيسة.

عاد الأنبا إيلاريون إلى أفروديتبوليس (أتفاح Atfiah)، وعاش في البرية هناك في سكون وهدوء، لكن اشتم الكثيرون فيه رائحة المسيح الذكية، وجاءت الجموع تطلب صلواته وإرشاداته. عندئذ عزم أن يهرب إلى موضع لا يعرفون فيه لغته، فركب البحر مع تلميذ له، وانطلق إلى جزيرة صقلية. قدم إنجيله الذي كان قد نسخه لربان المركب إذ لم يكن معه الأجرة، لكن الربان تركه له لما رأى فقره وقداسة حياته.

في صقلية

عاش هناك في غابة يجمع حطبًا مع تلميذه ليبيعه ويعيشان من الثمن، لكن "الحياة المقدسة في الرب" لا يمكن أن تختفي، فحمل الناس مرضاهم وجاءوا إليه يطلبون صلواته، بل وجاء الأساقفة والكهنة يسألونه الصلاة عنهم، فخاف على نفسه وركب سفينة وانطلق إلى قبرص مع تلميذه إيزيكوس.

هناك ذاع صيته وتجمع الناس حوله، وكان قد بلغ الخامسة والسبعين من عمره، فاضطر أن يبحث عن مكان هادئ، وإذ أرشده الله إلى صخرة كبيرة يصعب الصعود إليها، صعد وانفرد هناك فوجد تعزية كبرى.

جاءه صاحب الأرض يحمل إليه ابنه المقعد فشفاه باسم السيد المسيح، فجاءت إليه الجماهير، وإذ كان يصعب صعودهم بالمرضى كانوا يقدمون لهم زيتًا قد صلى عليه.

بقى حوالي خمس سنوات على هذه الصخرة حتى بلغ الثمانين، وإذ اعترته حمى شديدة أخذ يصلي ويقرع صدره حتى أسلم روحه الطاهرة في يدي الرب، في 24 بابة.

ايلاليا البتول الشهيدة

✥ استشهدت هذه الفتاة البتول الأسبانية في أيام الإمبراطور دقلديانوس (10 ديسمبر 303م) ومعها خادمتها جوليا.

✞ قدم الشاعر الأسباني برودينتيوس قصيدة شعرية في أواخر القرن الرابع يعبر فيها عن حياتها واستشهادها. فقد نشأت في أسرة شريفة بميريدا Merida بأسبانيا. كان عمرها حوالي 12 سنة حين صدر منشور دقلديانوس باضطهاد المسيحيين.

✞ إذ رأت والدتها شوقها الملتهب نحو الاستشهاد حملتها معها إلى إحدى القرى، لكنها استطاعت أن تهرب ليلاً، وتقدم نفسها للقاضي داسيان. حاول القاضي استمالتها بكل الطرق فلم يفلح، صار يهددها مظهرًا لها أدوات التعذيب فازداد ثباتًا في الإيمان، طلب منهم مجرد أن تلمس بأطراف أصابعها ملحًا وبخورًا يقدم للأوثان فرفضت. عندئذ أمر بتمزيق جسدها بمخالب حديدية، وإشعال النار عند جنبيها. أشعلت النيران في شعرها وكل جسدها، لكن الله أرسل بردًا أطفأ النار، فهرب الجند بينما حمل المسيحيون جسدها.

المحتويات

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

قاموس القديسين و الشخصيات حرف ب

قاموس القديسين و الشخصيات حرف أ
قاموس القديسين و الشخصيات حرف أ

المحتويات